العظيمة سناء: ممثلة بألف وجه

Print Friendly, PDF & Email


سناء جميل متعددة الوجوه بلا نشاز، مقنعة في كل ما تؤديه من أدوار متناقضة. العانس الفقيرة بلا جمال في “بداية ونهاية”، هي الريفية الثرية القوية المتسلطة في “الزوجة الثانية”، وهي أيضا المثقفة المتفلسفة في “المستحيل”. لا مشترك بين هذه الشخصيات المتنافرة المتعارضة إلا عبقرية سناء ووعيها الخارق بأبعاد الدور الذي تجسده.

ومثل هذا الإخلاص في استيعاب الجوانب المعقدة المتشابكة لا يتكرر كثيرا في تاريخ التمثيل المصري، حيث تسود النمطية ويقتصر الأمر على ترديد كلمات الحوار في افتعال مصنوع، دون مشاركة حقيقية من الوجه ولغة الجسد، فضلا عن الأعماق البعيدة التي لا تُرى ولا تلتقطها الكاميرا، لكنها لا تغيب عن إحساس المشاهد.

قليلة أفلام سناء جميل، التي لا تنفرد بالبطولة المطلقة في أي منها، لكنها بارعة في السيطرة والاستحواذ، متفوقة بسنوات ضوئية على من يحيطون بها من نجوم الرواج الجماهيري.

قد يُقال إنها ليست جميلة، والمعيار الساذج الذي يحتكمون إليه لا يتجاوز ملامح الوجه ونعومة الشعر وإثارة الجسد. مفهوم سطحي للجمال والفن معا، ذلك أن سناء ذات أنوثة طاغية وإحساس عارم متوهج بمعنى المرأة كما ينبغي أن تكون. ما الذي يعنيه أن تكون جميلة على طراز مريم فخر الدين، مثلا، ولا صلة تجمعها بفن التمثيل؟

بفضل الدراما التليفزيونية تصل العظيمة سناء إلى ذروة الشعبية وتستوطن قلوب الملايين، أولئك الذين يجدون في الشخصيات التي تقدمها نماذج حقيقية صادقة يصادفونها في الحياة اليومية.

قرب نهاية الثمانينيات، وهي على مشارف الستين، تقدم شخصية فضة المعداوي في “الراية البيضا”، وسرعان ما يتحول الاسم إلى جزء من نسيج اللغة المتداولة، وعنوان مرحلة يقودها السادات لتدمير الهوية المصرية.

لا يستطيع من يتابع تاجرة السمك، الجاهلة السوقية المتغطرسة، إلا أن يجزم بأن سناء قد عاشت عمرها كله تتاجر في السمك والابتذال، لكن المشاهد نفسه، في منتصف التسعينيات، يراها أرستقراطية عصبية متأنقة، تسعفها اللغة الفرنسية أكثر من العربية، في المسلسل الاجتماعي المرح “ساكن قصادي”.

 من الذي يزعم أن السيدة سناء لا يمكن إلا أن تكون ربيبة قصر، وابنة طبقة ثرية ينحدر بها الحال فتقبع في أحضان الطبقة الوسطى بلا اقتناع؟

سناء جميل ظاهرة استثنائية فريدة في تاريخ فن التمثيل المصري، لكن السينما لم تستثمر إلا أقل القليل من طاقتها، وكذلك المسرح.

كم نحن أغنياء بالمواهب الفذة التي نتفنن في إجهاضها، ثم نشكو من الفقر!

Visited 53 times, 1 visit(s) today