السينما العربية بين الواقعية وسينما الواقع

لقطة من فيلم "القاهرة 30" لقطة من فيلم "القاهرة 30"
Print Friendly, PDF & Email

قد يبدو موضوع الواقعية في السينما العربية متجاوزا. ثم استهلاكه كثيرا وثم إشباعه في النقاش والدراسة. خاصة وأن بداية السينما الواقعية في الوطن العربي مر عليها أزيد من سبعة عقود.  لكن من يشاهد أفلاما عربية جديدة أو يسمع آراء وتصريحات بعض السينمائيين العرب، يدرك أن هذا الموضوع لايزال يستحق الطرح. وأن الالتباس والضبابية لا يزالان يلفان علاقة السينما العربية (كمنتج متخيل) بنقيض هذا المتخيل، وهو الواقع العربي. وتكمن أهمية الموضوع في بعده الثقافي العربي، بكل ما يتضمنه من عمق وقيمة الإنسان العربي.

ردا على سؤال حول مشهد في فيلمه بحب السيما، الذي أثار جذلا واسعا، صرح مخرج الفيلم السينمائي المصري أسامة فوزي!».  في إحدى البرامج التلفزيونية، بيقينية وشيء من التوتر: لقد رأيت هذا بعيني في الواقع! وكان السؤال حول مشهد طفل يتجرأ ويتبول على الناس في الكنيسة. أما الأحداث والمشاهد الجنسية الأخرى، خاصة مع أطفال، فقال أنها وقعت وسط عائلته.

الواضح أنه هذا الإصرار واليقينية، كانا نابعين من إيمان المخرج بأنه مادام قد عاين الوقائع بعينيه، فإن الواقعية السينمائية والصدق في سرد الأحداث، يحتمان عليه تصويرها كما وقعت. وأن هذه الحتمية تحتم بدورها على المشاهدين أن يتقبلوا تلك المشاهد. وكأن هذه العلاقة بين الابداع والتلقي هي قاعدة السينما الواقعية. وأن أولئك الذين عبروا عن صدمتهم وانتقدوا الفيلم، وأثاروا تلك الاحتجاجات، هم شاذون عن تلك القاعدة، وأن انتقادهم غير مبرر وغير مقبول. وكأنه يقول: إن من يغضب، عليه أن يغضب من الواقع، لا من فيلم يعرض الواقع. وأن المخرج مادام يعرض على الشاشة ما رآه بعينيه في الواقع فإن رفض الفيلم، هو رفض للواقع، ومادام الرافض يرفض على الشاشة ما وقع في الواقع، فإن ذلك ينطوي على فصام في شخصيته. والسؤال هنا هو: ما محل الخيال من هذه التصور؟ أليست السينما بالأساس خيالا؟

هذا المبدأ يتبناه أسامة فوزي ومعه العديد من المخرجين العرب، في نقلهم للواقع إلى الشاشة “بحذافيره”، مع اختلاف في الخلفيات الاجتماعية، بين مخرج وآخر. وعندما يتعلق الأمر بالجنس باعتبار أنه يضع عورة أو سوءة الجسد في المحك البصري والجمالي، والدين باعتبار أنه يضع عقيدة أمة بأكملها في محك النقاش والتحليل البصريين، ترتفع حدة النقاش، إلى إثارة الضجيج والجدالات والانفعالات الكبيرة.

رغم اختلاف الخلفيات الاجتماعية بين المخرجين، إلا أن القاسم المشترك الذي يجمعهم، هو ذلك المنهج التعبيري الذي يصبح فيه إظهار تناقضات الواقع، هاجسا يطمس مخيلته عن أي إخضاع للتعبير السينمائي للمقاييس الجمالية في الكتابة السينمائية، بحيث يحصر مهمة الفيلم فقط في إظهار الواقع. وكأنه يحمل شعار: «هذا هو الواقع». وهكذا يتحول هذا الشعار إلى خطاب آخر يفرض على المشاهد ـ باسم التقدم والتحرر والجرأة ـ تحمل الصدمات والمفاجآت التي تتضمنها تناقضات واقعه. فبدل أن يحمل الفيلم للمشاهد الأمل ويشاركه في الحلم، يتحول إلى مجال لاستعراض مظاهر التخلف، تحت شعار: «هذا هو الواقع».

من فيلم العزيمة

السؤال الجدلي والبديهي في نفس الوقت هنا هو: ما الذي يغضب هؤلاء الغاضبين من صور واقعهم وحقائقهم على الشاشة، ما داموا يعيشونه في الواقع؟ السبب هوأن هؤلاء المخرجين لم يقوموا بتحليل ومناقشة العلاقة بين الواقع والخيال في السينما بما يكفي، لتطوير رؤيتهم، وإزالة هذا الإلتباس، ووضع كل شيء في مكانه. لتكون السينما سينما (مجال للحلم والخيال والأمل، وليس إعادة إنتاج الواقع)، ويكون الواقع واقعا (مجال لإقتباس وإستلهام الروايات والأحداث). وتحديد العلاقة بينهما على أنها علاقة جدلية. لا يطغى البعد الواقعي على الخيالي ليفسد قيمة الفيلم الجمالية والفنية. ولا يطغى البعد الخيالي على الواقعي ليفسد الإحساس بصدقية الفيلم. فالسينما ليست الواقع (كما هو). وإنما هي الواقع المتخيل.

قد تقع في الواقع المعاش، أحداث ذات مضمون معبر. لكنها فظيعة تهز المشاعر بقوة. إذا إفترضنا كتابتها وتصويرها وعرضناها على الشاشة كما وقعت، بناء على شعار «هذا هو الواقع»، فسيكون ذلك مثيرا ومؤثرا جدا. لكن بكيفية مخالفة للانتظارات والتوقعات الجمالية للمشاهد. وسيكون مثيرا للاشمئزاز. ومؤثرا بشكل سلبي على نفسية المشاهد. وهذا الأسلوب، لا يمكن لناهجه أن يعطينا عملا فنيا ذا قيمة جمالية. وغياب هذه القيمة، تقيد الدور التعبيري وتحرمه من إيصال رسالة الفيلم.

إن ما نشاهده على الشاشة في الفيلم، ليس هو الواقع. وإنما الواقع المتخيل. إي الواقع كما تخيله المخرج. والتخيل هنا، يعد بمثابة ذلك الغربال الذي يعتمد على المقاييس الفنية والجمالية، في التعامل مع الحدث كما وقع. ليسمح بتقديم المشاهد في صيغة ذات قيمة جمالية.

السينما كمجال إبداعي، ومند بدايتها، يهمها بالدرجة الأولى الإنسان. والمبدع السينمائي يخاطب في المشاهد إنسيته. ويستغل هذه الإمكانية للتأثير فيه وتوجيهه بأكبر قدر ممكن. هكذا كانت السينما قبل ظهور أبرز ظاهرة تربط بين السينما والواقع: وهي (الواقعية الجديدة) في إيطاليا.

لقد ظهرت موجة الواقعية الجديدة كتيار سينمائي في إيطاليا بعد الحرب العالمية الثانية، وما خلفته من دمار هائل في البلاد. ليس فقط في المصانع والمعامل، ولكن أيضا في البنى الإجتماعية والإقتصادية للمجتمع الإيطالي، بسبب سياسة موسوليني. وخلقت مجتمعا إيطاليا هشا. هذه الهشاشة استغلتها السينما السائدة آنذاك، وغاصت بالمشاهد الإيطالي في أفلام تنتقل بين الدعاية للزعيم موسوليني وحزبه الفاشستي (القوة والانتصارات الوهمية). والأفلام الكوميدية والأفلام العاطفية. وكما جاء في كتاب: قصة السينما في العالم، ص 169 ل “آرثر نايت”. ترجمة سعد الدين توفيق «سادت أفلام غرف النوم الفكاهية المأخوذة من المسرحيات الناجحة. وقد أطلق النقاد الإيطاليون على هذه الأفلام اسم (أفلام التلفون البيض)، وذلك لأن الكثير من حوادث هذه الأفلام كانت تتركز حول التلفون الأبيض الموضوع في غرفة نوم البطلة».

يمكن إذن تفسير انطلاق (الواقعية الجديدة) في إيطاليا، انه جاء كتمرد على سينما التلفون الأبيض التي كانت تهدف إلى تغييب الجمهور السينمائي الإيطالي عن واقعه، المتمثل في الدمار الذي أحدثته الحرب، وما خلفته من أزمة اقتصادية واجتماعية.

في الوطن العربي، انطلقت السينما الواقعية في مصر، بعرض أول فيلم واقعي (العزيمة) لكمال سليم سنة 1939. ولم يكن هذا الفيلم تمردا على السينما التجارية المصرية، بقدر ما جاء احتفاء بالحارة المصرية. ولم تنطلق السينما الواقعية في مصر إلا بعد عرض مجموعة أفلام واقعية، كان أولها فيلم لك يوم يا ظالم 1950. وبذلك أصبح أبوسيف أبرز مخرجي السينما الواقعية المصرية، وكان يلقب بالأب الروحي لهذه السينما. كانت هذه السينما، تحاكي إلى حد كبير مثيلتها الإيطالية. وذلك في خاصيتين رئيسيتين. 1: الاستعانة بممثلين غير نجوم في الأدوار الرئيسية. 2: الخروج عن قيود الأستوديو، والتصوير خارجه في الشوارع والأماكن العامة. ولكن حتى لا تضيع فيلم العزيمة حقه، فقد سبق السينما الايطالية. في تصوير المشاهد خارج الاستوديو.

من فيلم ياسلطان المدينة

كانت السينما الواقعية سواء في إيطاليا أو مصر، تيارا متمردا على ما كان سائدا أنداك من أفلام تجارية صرف، وإذا كان النقاد الإيطاليون يسمونها سينما الهاتف الأبيض، فإن المصريين يسمونها سينما المقاولات. ويسميها صلاح أبوسيف، سينما المخدرات. نحن إذن أمام سينما تتمرد على سينما. أو تيار فرض نفسه على آخر، لأنه تشكل كتيار يسير في الاتجاه المعاكس لتيار آخر. أما سينما المخرجين الذين يتبنون رؤية فكرية متمردة، فهي تتمرد، دون أن تحدد على مادا تتمرد، كأنه تمرد من أجل التمرد.

التمرد من أجل التمرد! يبدو واضحا أنه غير منطقي. ولكي يكون منطقيا، لا بد أن يستهدف كيانا آخر يتمرد عليه. وعندما يتمرد المتمرد دون أن يحدد أي كيان يستهدفه، فإنه لا يمكن أن يستهدف إلا ذاته. لأنه لن يجد إلا ذاته ليتمرد عليها.

التمرد السينمائي ضد الذات، هو حالة ليست لها عوامل سينمائية. كالتي خلقت تمرد الواقعية الإيطالية أو المصرية، وليس تيارا سينمائيا. لأن ليس أمامه تيار سينمائي أخر ليسير في الإتجاه المعاكس له. ولكي نفهم هذه السينما التي تتمرد ضد الذات، أو التي تسمي نفسها تيارا سينمائيا دون أن يكون هناك تيار يقابله أو يعاكسه، يجب أن نفهم العوامل التي أطلقت العنان لتيار السينما الواقعية في إيطاليا ومصر.

تتلخص هذه العوامل في الظروف العامة (إجتماعية وإقتصادية وسياسية..) خلقت سينما تهدف إلى تغييب المشاهد عن واقعه. وإغراقه في التلذذ على الشاشة، بما حرم منه على أرض الواقع. وعندما إنتبه مخرجون لذلك، بادروا بإطلاق حركة سينمائية، قادتهم نحوالتمرد على السينما التي كانت تحمل خطابا سينمائيا يكرس الواقع. كتمجيد رجل السلطة، أو تكريس الفوارق الطبقية داخل المجتمع. وأفرزت روائع سينمائية خالدة في السينما العالمية في إيطاليا: روما مدينة مفتوحة لروبيرتو روسيليني. وسارق الدراجة لفيتوريو دي سيكا. وروائع خالدة في السينما العربية: بداية ونهاية، القاهرة ثلاثين، لصلاح أبوسيف. الأرض ليوسف شاهين. المخدوعون لتوفيق صالح …الخ.

استطاعت السينما الواقعية في إيطاليا أو مصر، أن تنجح وأن تفرض نفسها إبداعيا ونظريا وفكريا، لأنها كانت تحمل خطابا يطالب بتغيير ما هو قابل للتغيير (المتحول): الأوضاع العامة بكل أبعادها ومكوناتها. بينما سينما مخرجي نظرية: «هذا هو الواقع» الذين يثيرون بأفلامهم الضجيج والجدالات الحادة، في الوطن العربي: مصر ولبنان والمغرب والجزائر وتونس… وغيرهم. فأفلامهم تحمل خطابا يطالب بتغيير ما هو غير قابل للتغيير (الثابت): الإختيارات الجمالية، الغير متطابقة مع الخصوصيات المحلية. وتوظيف البعد الإشهاري لغير صالح سينماهم. وتوظيف الخطاب السينمائي لغير مصالحهم.

هذا التمرد على الثوابت، تطور وفجر نظرية كانت طموحة جدا لمجموعة من المخرجين السينمائيين التونسيين، في أواسط التسعينيات في تونس: النوري بوزيد فريد بوغدير منصف الذويب محمود بن محمود.. وحاولوا أن يشكلوا تيارا سينمائيا. وطوروا شعار: «هذا هو الواقع»، واستخرجوا منه خطابا أكثر شذوذا، معتقدين أنهم وجدوا الحل الذي كان أصحاب ذلك الشعار، يبحثون عنه. فإذا كان أصحاب داك الشعار لم يحددوا كيانا ليتمردوا عليه، فقد حدد التونسيون هذا الكيان. إنها الهوية والثقافة. وبدل أن تحمل هذه السينما خطابا يرفض الواقع، حملت خطابا يرفض الهوية والثقافة. وبدل أن ينسبوا التخلف للواقع (المتحول)، ويعطوا لجمهورهم الحلم والأمل في تغيير هذا التخلف، نسبوه إلى الهوية والثقافة (الثابت)، ويدعون لتغييرها.

كانت أفلامهم صادمة، وإيديولوجيا. وكانوا يستهدفون جهارا وبوضوح، الهوية والثقافة العربيتين. وكانوا على ما يبدو، على قناعة بنجاح انطلاق هذا التيار. كانت أفلامهم الأولى مشهورة فقط لأنها تثير الضجيج الكبير والجدالات الواسعة. التي كانت تتفجر في كل الأوساط السينمائية العربية: ريح السد وصفائح من ذهب للنوري بوزيد. حلفاوين لفريد بوغدير. يا سلطان المدينة لمنصف الدويب. حب الرمان لمحمود بن محمود…الخ. لكن بعد سنوات قليلة تبين أن المشروع فشل. وأن الطموح ليس إلا نزوة عابرة. وما كانوا  يعتقدونه تيارا، ليس تيارا. ولم يستطيعوا أن يقدموا أفلاما تكمل المشوار الذي بدؤوه. وهذه نتيجة طبيعية لسينما تحمل خطابا شاذا يدعو لتغيير (تدمير) ما هو راسخ ومتجذر: الثقافة والهوية. أما لماذا تونس بالضبط، من بين البلدان العربية الأخرى؟ فأعتقد أن ذلك يعود إلى المناخ الثقافي السائد في تونس أنداك، والذي يتم فيه الترويج للعلمانية بالمفهوم الرائج في الغرب. وكان النظام البائد، يريد أن يحقق التقدم من خلال مواجهة الإسلام بالعلمانية، كما واجه الغربيون هيمنة الكنيسة ـ وليس الديانة المسيحية ـ بالعلمانية. هذا التيار، كان ينادي بتحطيم “الأصنام التي ما دمنا نتمسك بها” فإنها تقودنا نحو التخلف. وهي العروبة والإسلام.

من فيلم الحلفاوين

ينطوي مفهوم السينما الواقعية على تناقض يجعل العلاقة بين لفظتي: السينما، والواقعية، علاقة جدلية. فالفيلم يتحقق كعمل فني وإبداعي، عبر مخيلة وخيال المبدع. وبناء عليه، إذا اعتمدنا على الخيال وحده، يمكن أن نصنع الأفلام. ويمكن تحميلها مضامين ذات بعد إنساني أو إيديولوجي. وهذه بديهية. لكن إذا اعتمدنا الواقع وحده، لا يمكن. فالواقعية السينمائية ليست الواقع في السينما. وإنما هي ذلك الواقع المتخيل. أي تضمين الفيلم أقوى وأكبر قدر من مؤشرات الواقع، وبكل ما يحمله ذلك من تناقضات.

بهذه البديهيات، نستنتج أن السينما الواقعية، ليست سوى منهجا إبداعيا وتعبيريا ينهجه المبدع السينمائي لتقوية التأثير في المشاهد وتوجيهه. وإذا تأملنا كلام المخرج المصري أسامة فوزي: «لقد رأيت هذا بعيني في الواقع»، و«لقد وقعت هذه الأشياء وسط عائلتي..». نجد أنه ليس فقط غَلَّب الواقع على الخيال، وإنما أعطى للواقع سلطة التحكم في الخيال. بدل أن يكون العكس. ومن هنا يمكن تفسير الإصرار والشعور باليقين والتوتر الذي تحدث به.

عندما عرض االفيلم المغربي “جوق العميين” في التلفزة، قلت لمخرجه محمد مفتكر، عبر دردشة في الفيسبوك: «حديث أحد الشخصيات عن أن فرنسا فيها أطباء جيدون… أنا كمغربي أسأل: كيف سيكون شعور الفرنسيين عندما يشاهدون الفيلم ويسمعون ذلك؟ سيشعرون بضخامة الأنا العلوية لديهم تجاهنا. وأنهم أمام فيلم (عالمثالثي).. الفيلم يفتقر إلى البعد الإشهاري لمحليته. والأكثر من هذا أنه يقدم الإشهار مجانا للآخر مع الأسف». رد قائلا: «.. الشخصيات لها استقلاليتها. الكاتب ليس إلا ناسخا. هذه من أولويات وبديهيات الكتابة الدرامية… إدا كانت الشخصية في الفيلم تتماهى بالفرنسي، شيء نجده سائدا في مجتمعناـ فلأن بنيتها كذلك. وهدا لا يعكس إطلاقا رأي الكاتب».

عندما يعتبر المبدع السينمائي نفسه مجرد ناسخ للواقع، وأن شخصياته لها استقلاليتها، ويقدم لنا شخصية مغربية تمجد الفرنسي. فهذا ينطوي تحت فهم قاصر لعملية الإبداع السينمائي. يجعلها عقيمة وعاجزة على اتخاذ مواقف أيديولوجية تدعم هويته، وعاجزة ايضا عن اتقاء خيارات جمالية متطابقة مع رغبة المشاهد المحلي في بعده الكوني والإنساني. وهذا ليس فقط تنصل من المسؤولية الثقافية للمبدع السينمائي، بل انقلاب على الخطاب السينمائي المغربي (فيلم مغربي يحمل خطابا فرنسيا). ويتم تمرير هذا الخطاب تحت شعار: «هذا هو الواقع».

تعامل السينما مع الواقع، لا يتم إلا بدافعين، لا ثالث لهما: إما بدافع تغيير الواقع، وإما بدافع تكريسه. وأمام مقولات كــ «لقد رأيت هذا بعيني في الواقع». و«هذا شيء نجده سائدا في مجتمعنا» و«الكاتب ليس إلا ناسخا». فبدل أن نشرح الواضحات، من الأفضل أن نسأل: هل هذه المقولات، صادرة من تفكير إبداعي يصنع الأفلام من أجل تغيير الواقع، أم من أجل تكريسه؟

Visited 25 times, 1 visit(s) today