الدورة الـ 70 لمهرجان برلين السينمائي ليست أفضل من سابقاتها

المديرة الإدارية للمهرجان مع مديره الفني المديرة الإدارية للمهرجان مع مديره الفني
Print Friendly, PDF & Email

حتى الآن يمكن القول تمخضت الإدارة الجديدة التي عينت العام الماضي لمهرجان برلين السينمائي فولدت فأرا كبيرا. فقد بدا أن نظرتها إلى التجديد يتعلق بتحريك بعض الكراسي والجالسين عليها، وتحريك بعض الأماكن التي اعتاد السينمائيون والنقاد التعامل معها ونقلها من مكان إلى مكان آخر.

الإدارة الجديدة التي تنقسم حاليا بين مدير فني إيطالي، ومديرة إدارية هولندية المولد ألمانية الثقافة، تعتقد أن تقليل عدد الأفلام التي يعرضها المهرجان من حوالي 500 فيلم أو أكثر إلى ما يرقب من 400 فيلم والإعلان عن الغاء بعض الأقسام (رغم إضافة أقسام أخرى بديلة لها) سيصنع فارقا كبيرا يجعل المهرجان أقوى وأكثر صلابة والاختيارات السينمائية للأفلام أفضل وأكثر تعبيرا عن الحالة السينمائية الحالية في العالم. لكن الحقيقة أن تقليل العدد اختيار أرغمت عليه الإدارة الجديدة بعد أن فقدت هذا العام موقعين رئيسيين لعرض الأفلام من ذوي الشاشات المتعددة، بسبب التجديدات مما اضطرها مثلا الى نقل عدد كبير من العروض الصحفية التي يحضرها أكثر من ثلاثة آلاف صحفي، إلى دار عرض بعيدة عن مكان إقامة المهرجان في القسم الشرقي من المدينة.

أما الاختيارات الفنية نفسها فهي الآن محل رصد وتقويم من جانب الصحافة الألمانية. وكانت المديرة المسؤولة عن الجوانب الإدارية قد أعلنت أن الغالبية العظمى من مديري أقسام المهرجان أصبحوا الآن من النساء. وهو وما يعكس في الحقيقة انحيازا في الاتجاه المضاد، وليس رغبة في تحقيق المساواة. أما المدير الفني فقد أعلن أن الأفلام التي وقع عليها الاختيار للعرض في برامج المهرجان، ليست بالضرورة هي الأفلام المفضلة أو “أفضل الأفلام” بل الأفلام التي تعكس “الحالة السينمائية القائمة حاليا في سينما العالم”. وهو زعم لا صلة له بالواقع من وجهة نظر كاتب هذه السطور، فليس من الممكن أن يُقدم فيلمان من الأفلام التي سبق عرضهما في مهرجانات أخرى في العام الماضي، لتمثيل السينما الأميركية التي تعتبر الأهم في العالم والتي تتمتع بالحيوية والقدرة على التجديد وتزخر بوجود كبير من المخرجين الموهوبين. فهل فشلت الإدارة الفنية في إقناع شركات التوزيع الأميركية بعرض أفلامهما الجديدة في برلين؟ هذا السؤال يجب تقديم إجابة واضحة عنه. أما إذا كان الأمر كذلك فيجب معرفة أسباب إحجام الموزعين الأميركيين؟ وهل البديل للحضور الأميركي الذي يضمن أيضا حضور نجوم السينما الكبار إلى برلين، أن يدرح في المسابقة فيلم فرنسي محدود القمية هو فيلم “ملح الدموع” لمجرد أن مخرجه هو فيليب غارديل المخضرم؟ وهو نفس ما يمكن أن يقال عن إشراك فيلم المخرج المخضرم الآخر أبيل فيرارا في المسابقة في حين كان يمكن عرضه للتعريف في قسم البانوراما بسبب طابعه التجريبي.

من ناحية أخرى بدا أن الخضوع للعامل السياسي في الحكم على الأمور ليس في صالح المهرجان. فكيف يمكن على سبيل المثال، شطب تاريخ رجل مثل الفريد باور مؤسس مهرجان برلين نفسه، بكل بساطة وإلغاء الجائزة التي كانت لسنوات طويلة، تمنح باسمه في المهرجان، خضوعا لابتزاز بعض الصحف التي أصبحت تشم رائحة النازية في كل ما يتعلق بالذين عاشوا قدرهم خلال الحقبة النازية. والمؤسف أن القرار صدر من قبل التأكد من ضلوع الرجل في رسم أي سياسات تتعلق بالنشاط الثقافي والفني تحت إدارة وزير الدعاية النازية الدكتور جوزيف غوبلز. فقد أعلنت الإدارة أنها كلفت باحثا تاريخيا بتحري تاريخ الفريد باور وموافاتها بتقرير عنه سيستغرق إعداده ثلاثة أشهر.

وبعد أن كان الحضور العربي في مهرجان برلين قويا وملموسا خلال السنوات الأخيرة، تم تهميش وجود الأفلام العربية والاكتفاء بعرض بعض الأفلام القصيرة والتجريبية التي لا تقدم صورة حقيقية للنشاط السينمائي في العالم العربي ولا لما يصنعه السينمائيون من أصول عربية في أوروبا، ولكن في الوقت نفسه، يواصل مهرجان برلين اهتمامه الدائم بالسينما الإيرانية، ففي المسابقة الرسمية فيلم جديد للمخرج محمد رسولوف مع فيلمين آخرين في البرامج الموازية. وهو ما يشير أيضا إلى دافع سياسي محدد وراء هذا الاهتمام، في سياق السياسة المعتدلة التي تتبعها ألمانيا عموما فيما يتعلق بموضوع الملف النووي الإيراني.

بشكل عام تبدو الدورة السبعون التي كان يفترض أن تكون احتفالية وتتميز كثيرا عن سابقاتها، دورة أقل من عادية بسبب الضعف العام لأفلام المسابقة التي تستقطب عادة الأضواء. وكلما ذهب المرء وهو ملئ بالأمل في العثور على التحفة السينمائية المنشودة يخيب أمله، فلا توجد في مهرجان برلين تحف سينمائية، رغم وجود عدد من الأفلام الجيدة والمتوسطة الجودة، مع تشابه كبير في المواضيع التي تدور معظمها حول المرأة، في عذابها بسبب علاقتها بالرجل، كما أن صورتها في هذه الأفلام صورة امرأة قوية، تمتلك الرغبة في الاستقلال والتحقق بعيدا عن العلاقة مع الرجل.

ولعل أفضل ما عرض من أفلام حتى الآن في هذا السياق هو الفيلم الأميركي “ليس نادرا بل أحيانا دائما”، فهو عمل مماسك شديد البراعة والتأثير.

وحتى الآن يبرز أداء الممثلة الألمانية الكبيرة نينا هوس في فيلم “أختي الصغيرة” وهي الممثلة الأعم في السينما الألمانية عموما، وزميلتها الأصغر سنا بولا بير في فيلم “أوندينه”. أما الدور الأكثر بروزا للممثل الرجل في أفلام المهرجان حتى الآن فيرجع دون شك الى أداء الممثل الإيطالي اليو جيرمانو في دور الرسام الإيطالي توني ليغاوبي في فيلم “مخبأ بعيدا”. والفيلم نفسه يظل أيضا أفضل ما شاهدناه. لكننا لايزال هناك ثمانية أفلام في المسابقة لم تعرض بعد. وبعدها يكون لكل حادث حديث!

Visited 53 times, 1 visit(s) today