التشكيك في الدين من خلال الرعب
بقلم: سارة سنشري
ترجمة: مبين خشاني
لاحظ العديد من النقاد والمشاهدين خلال السنوات الاخيرة ان أفلام الرعب تتبنى الخطاب المسيحي، ولطالما ظهرت الرموز الدينية المسيحية مثل الصلبان والمياه المقدسة كأدوات لمحاربة مصاصي الدماء.
وإذا سلمنا بأنه يمكن تصنيف هذا النوع كنوع منفصل تحت اسم “افلام الرعب الدينية” فإنها كلها تقريبا تتضمن رسائل مؤيدة للدين، الكنيسة، ماعدا بعض الاستثناءات القليلة.
ولا أحد يجادل في كون أفلام الرعب في المائة عام الماضية، تقع في خانة الخطاب المسيحي. لا يمكننا اعتبار هذا الامر سيئا لأنه في الوقت نفسه، قد تم تمثيل الجانب الاخر، المضاد للدين بكثرة في هذه الأفلام، فلكل قصة رعب أخلاقية قائمة على المسيح هناك “طفل روزماري” للتشكيك فيه، وهكذا تتم الموازنة. بالرغم من احتوائها على خطاب مسيحي أو رسائل ايجابية عن المسيحية أو حتى بروباغندا، إلا أن أفلام الرعب كانت أيضا، ولفترة طويلة، واحدة من أقوى أدوات المجتمع في انتقاد المخاطر المحتملة للإيمان الأعمى والمنظومة الدينية.
ألمَس والخطورة المحتملة للإيمان الأعمى
تظهر افلام مثل “تملك إيميلي روز” و”طارد الأرواح” و”السحر” (The Conjuring, The Exorcist, The Possession of Emily Rose) فقدان الارتباط بالرب من خلال مجازات قوية مثل الكاهن المتململ والأم غيرالمتدينة وطفلها الممسوس وتُشير هذه المجازات دائماً الى المعارك المستمرة بين الخير والشر، التي يعود تاريخها الى الاف السنين.
وتمثل الكنيسة الرحمة المخلّصة للمرأة المعذبة التي سيطر عليها الشيطان. حتى في الأفلام التي تتحدث عن المس أو السيطرة الدينية على الاشخاص فان هناك مجالاً للتشكيك بالالتزام الديني الذي تبديه العديد من هذه الشخصيات. في هذا النوع من الافلام يكون الرب صالح لكنه غير معصوم وبعيد بطريقة مأساوية، بينما الشياطين التي تسعى للتأثير علينا تكون نشطة ودائمة الحضور في حياتنا.
حضور شخصية الكاهن الفاشل الذي يخرج من أزمته الايمانية ضروري في هذه الأفلام لانه فقط الشخصية التي صارعت الجانب المظلم للدين سيكون لها الأمل في انقاذ الطفلة الممسوسة. وبالرغم من كون هذه الافلام دائماً ماتكون مؤيدة للخطاب الديني الا انها لا تتجاهل الشكوك التي مر بها العديد من رجال الدين لان هذه الشكوك تقوّية شخصية من اختبروها. تاريخياً، هناك عدد كبير من الفظائع التي ارتكبها أفراد ينتمون إلى الكنيسة.
عبر الزمن، استخدم الناس مناصبهم في السلطة لإيذاء الآخرين وقتلهم والتلاعب بهم والسيطرة عليهم. سيكون من المستحيل القول ما إذا كانت المنظمومة الدينية منذ نشأتها قد تسببت في ضرر أكبر مما حققته من نفع والعكس صحيح، ولكن هناك العديد من الأحداث التي أعطت العلماء والفلاسفة وحتى رجال الدين أسبابًا كافية للتشكيك في تأثيرها على الإنسانية.
بالنسبة للكثير من التاريخ البشري، فإن التشكيك في وجود الله كان سيصبح هرطقة على الفور وبالتالي يستحق عقوبة الإعدام، وفي الواقع هناك العديد ممن ماتوا بهذه الطريقة من خلال محاكم التفتيش والحروب الصليبية المختلفة. في الآونة الأخيرة فقط، أعطيت الانتقادات لهذه الطريقة في التفكير مجالًا لتزدهر، والرعب هو أحد المنافذ التي تم استخدامها للقيام بذلك. في حين أن الرعب غالبًا ما يتم رفضه باعتباره شكلًا فنيًا ثانويًا (إذا تم اعتباره فناً على الإطلاق)، فمن المهم الاعتراف بالتأثير الذي يمكن أن يحدثه على جمهوره.
طوائف الأفلام المعبودة
في الحياة الواقعية، تمثل الطوائف تهديدًا مستمرًا إلى الأبد، وبينما غالبًا ما يتم المزاح عنها ويعتبر من ينضم إليها ضعيفًا عقليًا، فإن حقيقة الأمر هي أنه حتى الأقوى منا معرضون بشدة للخطر الذي تمثله. هنا يكمن رعب الطوائف.
لقد تم تقويض ثقتهم بالعديد من الأشخاص الذين يبدون طبيعيين وبكامل صحتهم وتم التلاعب بثقتهم حتى أصبحوا منتمين لطائفةِ غير أخلاقية ومسيئة. الطوائف مخيفة في الحياة الواقعية وفي الخيال لأنها توضح لنا مدى سهولة إبعادنا عن أخلاقنا في ظل مجموعة معينة من الظروف.
الطوائف في الأفلام، كما هو الحال في الحياة، منتشرة في كل مكان من حيث الموضوع والغرض. وأفضل مثال على ذلك هو فيلم (Hereditary) حيث تكون الطائفة قادرة على العمل حتى من تحت القبر وتفرض سيطرتها على الارواح الحية وتدمر حياتها في سياق سعيها لتمهيد الطريق للمنقذ وبسط سلطته. يبتعد فيلم (hereditary) عن المجازات المعتادة في الأفلام المعبودة لكنه يمنحنا فيلماً مثاليا دون الوقوع في كليشيهات افلام الرعب.
الشيطان
هناك الكثير من الأفلام التي تستخدم عبادة الشيطان كأداة لانتقاد المنظومة الدينية. وهي تكون مزيجا بين الأفلام الشيطانية والأفلام المعبودة في الوقت نفسه. وترتبط أفلام مثل (Messiah of Evil, Rosemary’s Baby, and Mephisto) بشكل عام بظاهرة الذعر الشيطاني لكنها في جوهرها، تطرح تساؤلات عن خطورة العلاقات المفتوحة والانحلال الأخلاقي في الوقت الذي يساعد خطاب الكنيسة الصارم في انتشار هذه الحالات.
في فيلم “طفل روزماري” (Rosemay’s Baby) المأخوذ عن رواية إيرا ليفين (Ira Levin) يطرح نقاش طويل حول الدين لأن افتقار الأم روزماري للأيمان بالمعتقدات المفروضة من قبل عائلتها وولادة طفلها الممسوس قاداها الى طريق الشيطان. كما هو الحال في فيلم “الساحرة” (The witch) فأن فشل المسيحية هو الطريق الذي يؤدي الى عبادة الشيطان وكذلك غواية المجهول والضيق ذرعاً بالخطاب المسيحي هو الذي يقود الى عدم الايمان.
ستيفن كينج والدين
وفقًا للمقابلات، حافظ ستيفن كينج بشكل عام على إيمانه بالله طوال عقوده العديدة كواحد من أشهر رواة قصص الرعب في كل العصور. ومع ذلك، فقد حافظ على شعور سليم بالريبة تجاه المنظومة الدينية خلال الكثير من أعماله.
ويعتبر فيلم “كاري” (1973) Carrie نقدا لما يمكن أن يحدث عندما يأخذ شخص غير متوازن الرسالة الخاطئة من الدين ويستخدمها كمبرر للتعذيب والقسوة التي لا هوادة فيها، وبالتالي يؤذي طفله وينفّره ويتسبب في موته في النهاية. فالدين هو الشرير في فيلم (هذا الفيلم المأخوذ عن كتاب كينغ الأول لكن هذه ليست القاعدة الذهبية التي يزدهر بها عمله. بل على العكس تمامًا، حيث يوجد عدد كبير من الصور الإيجابية للإيمان.
في فيلم “المنصة” (The Stand) مثلا تكون المعتقدات المسيحية هي في نهاية المطاف ما ينقذ الناجين من طاعون من صنع الإنسان يُعرف باسم (Captain Trips)، في حين أنهم منزعجون من شخصية تمثل في الأساس نظيرًا للشيطان. يدور النصف الثاني من الكتاب بشكل أساسي حول إيجاد مجتمع مسيحي والاستعداد لمحاربة الشر بالمعنى الحرفي والمجازي.
وفي فيلم (Pet Sematary) فإن الإلحاد وعدم الايمان يقود الأب الى الانفجار بعد فقدان ابنه بينما تتقبل الأم الامر كقدر محتوم رغم شدة حزنها،لكن الأب الملحد يبقى غير متقبل للأمر ولا يعرف كيف يتعامل مع فكرة فقدان إبنه الى الأبد.بالرغم من كون الخطاب في هذه القصص يميل نحو المسيحية إلا انه لا ينسى ان يشير الى انه لاتوجد منظومة دينية معصومة من الخطأ.
راهبات سيئات وكهنة أشرار
احد تصنيفات أفلام الرعب هو تصنيف أفلام الراهبات، وقد تم رفض هذا النوع باعتبار أن افلامه هي مجرد تكفير لأثارة التشويق لكنها تضمنت دائماً موضوعاً أساسياً وهو إنتقاد السطوة الكاثوليكية وسيطرتها على العالم الحديث منذ منتصف الى أواخر السبعينات في دول مثل ايطاليا واسبانيا. ولم يتم تسليط الضوء في تلك الأفلام على الانتهاكات التي ارتكبتها الكنيسة الكاثوليكية كما هو الحال في افلام اليوم، لذلك كانت ثيمات هذه الافلام الرديئة غالبا ما تكون عن التخييم والغابة وتكون شديدة الاباحية والسوداوية وكانت هذه الثيمات هي الأدوات الوحيدة لصانعي الافلام التي تمكنهم من نقد فساد الكنيسة.
كانت افلام مثل “الشياطين” (The devils) شديدة الانتقاد للمنظومة الكاثوليكية لكن بمنسوب اباحية منخفض في حين ان افلام مثل “كدرسية الوحش المقدس”school of holy beast كانت مشحونة جنسيا للغاية مع حفاظها على نفس مستوى الادانة.
في النهاية، هناك الكثير من أفلام الرعب التي تتناول الإيمان، ومن الطبيعي أن يدعم بعضها المثالية المسيحية. من ناحية أخرى، فإن العديد من أفلام الرعب هي أفلام دينية، ويتم استخدام العديد منها لاستدعاء العديد من الانتكاسات والفظائع التاريخية الباقية التي ارتكبها أولئك الذين اعتقدوا أنهم كانوا يتصرفون وفقًا لكلمة الله.
ولكون هذا الموضوع شديد الحساسية ومثيرا للجدل فقد تم تناوله من خلال أفلام الرعب ونجح الأمر في أحيان كثيرة.
الأصل:
QUESTIONING RELIGION THROUGH HORROR
By Sara Century
منشور في موقع syfy بتاريخ APRIL 13, 2019
الرابط:
https://www.syfy.com/syfy-wire/questioning-religion-through-horror