أنيمي “زهرة فيرساي”.. تاريخ وذكريات
نهى غنام
أثار عرض فيلم الأنميي الياباني “زهرة فيرساي” The Rose of Versailles على منصة نتفليكس ابتداءاً من ابريل 2025، انتاج شركة MAPPA اخراج آي يوشيمورا وتأليف توموكو كونبارو، أثار ذكريات الجيلين X و Y(السبعينات والثمانينات) الذين نشأوا على مشاهدة مسلسل مانغا الشوجو الذي تم إنتاجه لأول مرة في العام 1972 من مانغا ريوكو ايكيدا باليابانية، وعرض مدبلجاً الى العربية في الشرق الأوسط بواسطة مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك في الثمانينات بواقع40 حلقة.
وقد عرض الفيلم أولاً في دور السينما اليابانية في يناير 2025 احتفالاً بالذكرى الخمسين لإنتاج المسلسل، ويصنف بانه دراما تاريخية غنائية تدور أحداثها في فرنسا، خلال القرن الثامن عشر وتتناول حياة الليدي أوسكار قائد الحرس الملكي الفرنسي قبيل الثورة الفرنسية.
البداية تاريخية
انتقلت الأميرة الجميلة ماري انطوانيت الى باريس للزواج من ولي العهد الفرنسي لويس الـ 16 في العام 1770، إثر تحالف بين والدتها إمبراطورة النمسا ماريا تريزا ولويس الـ 15 ملك فرنسا حينها لتحسين العلاقات بين البلدين، وقد تولت مسؤولية حمايتها بطلة القصة قائدة الحرس الملكي اوسكار فرانسوا دي جارجيس، حيث تكونت بينهما علاقة صداقة توطدت بمجرد استلام لويس 15 للعرش الملكي، وتحول ماري أنطوانيت الى ملكة فرنسا.

روى الفيلم من خلال علاقة الصديقتين محطات مهمة في تاريخ فرنسا، لا سيما وأن الملكة المدللة والأنانية كانت تعاني من برود الملك ضعيف الشخصية تجاهها؛ فسيطرت عليه من جهة وكسرت ملل حياتها بإقامة الحفلات الباذخة للتسلية من جهة أخرى، في حين عانى الشعب الفرنسي من الفقر والجوع وسط ارتفاع الضرائب وانشغال النبلاء والإقطاعيين في حياكة المؤامرات ضد بعضهم، والانجرار وراء مصالحهم الشخصية، وإقدام الملك على مساندة أمريكا في حربها ضد بريطانيا.
بلغت ماري أنطوانيت قدراً من الأنانية جعلها تنصرف عن مأساة شعبها قائلة عبارة ” إذا لم يكن هناك خبز.. دعهم يأكلوا البسكويت” وهذا ما أضاف المزيد من الكراهية والغضب تجاهها، وقد بدأت أخبار علاقتها الغرامية مع الكونت السويدي أكسن فون فيرسن تتناثر في أطراف البلاط الملكي، وتصل الى عامة الشعب رغم محاولات أوسكار لمنع تلك العلاقة المحرمة.
أخلصت أوسكار للملكة ونصحتها بالتوقف عن صرف ضرائب الفرنسيين على ملذاتها، قبل أن تودعها بالدموع وتقدم استقالتها من الحرس الملكي، معلنةً انتقالها الى صفوف الحرس الفرنسي، الذين واجهوها بالرفض والسخرية من المرأة بدايةً، حتى أثبتت قوتها لهم بمبارزة عنيفة أوشكت أن تقتل منافسها، وانحازت لآلام شعبها الذي انفجر بثورة كبرى تمكنت من الإطاحة بالملك وزوجته والتأسيس لأول ديمقراطية عالمية، بعد إعدام لويس الـ 16 وماري أنطوانيت، التي مشت بكل عنفوان وكبرياء نحو المقصلة، وقد اقتيدت بعربة مكشوفة دارت شوارع باريس، وعامة الشعب يوجهون لها الشتائم ويرمونها بالأوساخ في العام 1793 بعمر 38عاماً.
الليدي أوسكار.. فارسة الفرسان
ولدت أوسكار فرانسوا دي جارجيس التي تمثل نموذجاً تاريخياً فريداً لقوة المرأة وشاعريتها في الوقت نفسه، كفتاة سادسة لعائلة من النبلاء، مما أثار غضب والدها الجنرال، الذي قرر أن يعاملها معاملة الصبيان، فعلمها فنون القتال والمبارزة والفروسية من سن الـ 14 وألحقها بالحرس الملكي لشجاعتها وقوتها، لكن ذلك لم يمنعه من جعل أندريه جراندير حفيد المربية الهادئ الوفي مرافقاً لابنته وسنداً لها بعد أن كان صديق طفولتها وأحبها بصمت الى أن قُتل فداءً لها.
أقسم أندريه على وهب حياته لأوسكار بعد أن أنقذته من الإعدام لاتهامه بعدم تجهيز حصان الأميرة ماري أنطوانيت جيداً، حيث أسفر ذلك عن وقوعها، لقد أصبح ظلها الذي لا يفارقها منذ تلك الحادثة، وتألم لعدم قدرته على البوح بحبه لها بسبب الطبقية وانشغال قلبها بحب الكونت فيرسن عاشق الملكة، بل فقد أندريه إحدى عينيه دفاعا عنها من هجوم عامة الشعب الذين اعتبروها من النبلاء، فيما تحلت أوسكار الأنثى ذات القلب الرقيق بأخلاق الفرسان في محطات الفيلم كلها؛ فقد دافعت عن جنودها في الحرس الفرنسي عندما باعوا أسلحتهم ليطعموا أهلهم ولم تتواني عن الاعتراف بحبها لأندريه عندما شعرت بذلك ولكن بعد فوات الأوان.

وخطّت بشجاعتها نهاية طريقها بعد قيادتها لمعركة اقتحام قلعة الباستيل، التي اغتيلت أمام أسوارها مقتولة برصاص الحرس الملكي الفرنسي، وبانتصار شعبها، بعدما أعلن الباستيل استسلامه أمام ثورة الشعب الفرنسي.
وختاماً لا بد من القول أن هذه الملحمة الكرتونية قد تجدد عرضها بأسلوب انتاج مميز ومكثف تكيف مع التقنيات الناشئة في عالم الانمي، وأدخل الموسيقى والغناء باللغة الإنجليزية الى حرم المانغا الياباني الذي جمع بين فن الرسم وتصوير الشخصيات والتصوير السينمائي، بالإضافة الى أنواع أخرى من التقنيات الإبداعية والفردية، حيث ركز بشكل أقل على الأكشن، ودقق في تفاصيل إعدادات الكاميرا ومؤثراتها وطرق استخدامها، مثل التحريك وZoom in و Zoom out، وزوايا اللقطات التي اظهرت أنماطاً فنية متنوعة وجديدة تجذب الأجيال الحديثة لهذا النوع من الفن، وقد ظهر ذلك بتطبيق الملامح العامة للأنمي ايضاً فتنوعت ملامح الشخصيات بشكل كبير، لكن مع سمة مشتركة وهي العيون الكبيرة المليئة بالعاطفة.
بالإضافة لذلك، تمكن الفيلم كما المسلسل من تأدية دور كبير في تطوير “مانغا الشوجو” وإعادة توجيه جمهورها من الأطفال والفتيات الى الكبار والمراهقين، مع زيادة تركيزه على العلاقات الإنسانية والرومانسية والمشاعر.
