“أشياء بائسة” تحفة مهرجان فينيسيا يحصد “الأسد الذهبي” عن جدارة
أمير العمري- فينيسيا
كما توقعنا من اليوم الأول أو منذ أن عرض الفيلم- التحفة “أشياء بائسة” Poor Things أو حسب التسمية الفرنسية وهي الأفضل “كائن بائس” للمخرج اليوناني المرموق يورغوس لانتيموس، حصل الفيلم على الجائزة الكبرى للمهرجان أي جائزة “الأسد الذهبي”، التي تمنح لأفضل فيلم في المسابقة التي ضمت هذا العام 23 فيلما.
الفيلم ناطق بالانجليزية وهو من الإنتاج المشترك بين أيرلندا وبريطانيا وأمريكا، لذا ليس من الممكن اعتباره فيلما يونانيا رغم جنسية وأصل مخرجه الذي ينتمي الآن لسينما العالم. والجائزة بالطبع في محلها تماما، فهذا الفيلم يعلو فوق كل الأفلام، ورغم وجود عدد من التحف السينمائية في المسابقة إلا أن هناك مسافة تجعله يرتفع عن سائر الأفلام، بتفرده في الموضوع والإخراج والتمثيل. ولو لم يكن من شروط المسابقة عدم منح أكثر من جائزة للفيلم الذي يفوز بالأسد الذهبي، لكانت جائزة التمثيل النسائي ذهبت إلى بطلته “إيما ستون” التي تحمل الفيلم بكامله على عاتقها. وقد وجه لها لانتيموس الشكر وهو يستلم الجائزة، وقال إنها كانت العامل الأساسي في مساندة هذا الفيلم سواء م الداخل أو من الخارج، فقد ساهمت أيضا في إنتاجه.
يستند الفيلم على رواية للكاتب الأسكتلندي ألسدير جراي Alasdair Gray الصادرة عام 1992، لكن المعادل البصري للرواية يجعل الفيلم تحفة من تحف السينما الخالصة، بمناظره وديكوراته المدهشة وتصويره الذي ينتقل بنا إلى أجواء القرن التاسع عشر، العصر الفيكتوري، لنتابع كيف تتحول فتاة كانت أقرب إلى كائن ضعيف بائس لا حول له ولا قوة، إلى امرأة تتمرد تماما على تقاليد عصرها، وتخوض مغامرات كثيرة تكسر جميع قيود المجتمع. ومن دون شك سيجد هذا الفيلم مكانا له في صدارة ترشيحات الأوسكار القادمة، كما هي العادة منذ سنوات، بالنسبة للأفلام التي تفوز في فينيسيا.
لم تحضر إيما ستون إلى المهرجان، وبالتالي لم تشارك في حفل الختام ومنح الجوائز بسبب التزامها بما تقتضيه قواعد الإضراب الكبير للممثلين في هوليوود الذي حرم دورة هذا العام من وجود عدد كبير من نجوم السينما الأمريكية، رغم عرض غالبية الأفلام التي اختارها البرتو باربيرا المدير الفني للمهرجان.
بعيدا عن “الأسد الذهبي”، فرضت الاهتمام السياسي نفسه على عدد من الجوائز الرئيسية.
جائزة الأسد الفضي مثلا تقاسمها فيلمان عن قضية اللاجئين في أوروبا أو إلى أوروبا، الأول هو الفيلم البولندي “الحدود الخضراء” للمخرجة المخضرمة أنجليشكا هولاند، والثاني هو “القبطان” للمخرج الإيطالي ماتيو جاروني. والفرق في رأيي كبير بين الفيلمين، فبينما يبدو الفيلم الأول عملا ملحميا كبيرا شديد الصدق والواقعية وأقرب إلى أسلوب الفيلم التسجيلي الذي يرصد ويحلل ويتوقف أمام الحقائق الصادمة، يتابع الفيلم الثاني في رتابة وتقليدية محاولة شابين من السنغال العبور إلى أوروبا وكيف يصبح أحدهما بطلا ينقذ عشرات اللاجئين.
الجائزة الكبرى للجنة التحكيم ذهبت إلى الفيلم الياباني “لا وجود للشيطان” الذي يتناول موضوعا محليا تماما، حول التهديد الذي تمثله شركة للإنشاءات تخترق قرية نائية لتقيم مزارا سياحيا على حساب طبيعة المكان مما يهدد بتلوث البيئة وتغيير الطبيعة.
وكان من الصواب أن تذهب هذه الجائزة التي تأتي في أهميتها مباشرة بعد الأسد الذهبي، إلى الفيلم البديع “مربي الكلاب” Dogman للوك بيسون الذي خرج من المسابقة من دون أي جائزة رغم أنه في رأي كاتب هذه السطور، العمل التالي في أهميته ورونقه وتفرده بعد فيلم “أشياء بائسة”. لكن لجنة التحكيم التي رأسها المخرج الأمريكي دانيال شازيل، ربما تكون قد رأت الاكتفاء بالأسد الذهبي لفيلم “أمريكي” أو ناطق بالإنجليزية وتوزيع باقي الجوائز جغرافيا ولغويا!!
جائزة أفضل ممثل ذهبت إلى الممثل بيتر سارسجارد عن دوره في فيلم “ذاكرة” Memory للمخرج المكسيكي- الأمريكي مايكل مان. وهو فيلم باهت المستوى لم يكن من المناسب أصلا ضمه للمسابقة، فأقصاه أن يذهب للعرض في منصة نتفليكس، وكان يستحق الجائزة عن جدارة الممثل الأمريكي “كاليب لاندري جونز” الذي أدى أداء مذهلا في فيلم “Dogman” أو “مربي الكلاب”، أو إلى الممثل الدنماركي مادس ميكلسون الذي أدى أداء عبقريا في فيلم “ابن الزنا” (أو الأرض الموعودة) وهو عمل آخر كبير ظلم في المهرجان تماما كما ظلم فيلم آخر من أفضل ما عرض بالمسابقة وهو “لوبو” Lubo، وكان بالطبع يستحق الجائزة أكثر كثيرا من “ساراجارد” صاحب الأداء النمطي المتكرر في فيلم ممل لا يقدم أي جديد.
ومنحت لجنة التحكيم جائزة أفضل ممثلة إلى الممثلة الأمريكية كالي سبيني Cailee Spaeny بطلة فيلم “بريسيلا” وهي تستحق الجائزة إلى حد كبير وكانت إيما ستون بالطبع هي صاحبة الأداء الذي لا ينافس أصلا!
جائزة أفضل سيناريو منحت لفيلم “الكونت” لبابلو لارين، وهو من أقل أفلامه من حيث المستوى العام، وكان من الانصاف أن تذهب الجائزة إلى فيلم لوك بييسون المدهش “مربي الكلاب” طالما أنه لم يحصل على أفضل إخراج، لكن مرة أخرى تتغلب النظرة السياسية، فالفيلم يقدم تشريحا كوميديا خياليا لشخصية ديكتاتور شيلي السابق بينوشيه.
ومنحت اللجنة جائزة خاصة إلى الفيلم البولندي “الحدود الخضراء” وهي جائزة زائدة من نوع تحصيل الحاصل ولا معنى لها بعد أن منح الفيلم نفسه الجائزة الكبرى للجنة التحكيم، وهي تكفي وأكثر!
كان من الطبيعي أن يخرج فيلم محمد بن عطية التونسي “وراء الجبال”، فهو عمل مخجل بمعنى الكلمة، وكان من الخطأ أن يشارك في المسابقة، لكن حتى وجوده بالمسابقة لم يجعله يترك أثرا في الذاكرة