“عبقرية” قد لا تهم أحدا في مسابقة مهرجان برلين!

Print Friendly, PDF & Email

من مخاطر فكرة اقتباس تجربة كاتب نصف مشهور، وتحويلها الى السينما، قد لا تكون فكرة جذابة في حد ذاتها، فما بالك باقتباس تجربة “محرر” الكتب الأمريكي ماكسويل بيركنز الذي كان وراء تحرير أعمال سكوت فيتزجيرالد وارنست هيمنغواي. ولكن الفيلم الجديد “عبقري” Geniusأول أعمال المخرج البريطاني مايكل غرانداج للسينما (معروف بعمله كمخرج مسرحي) يقوم على العلاقة بين بيركنز (يقوم بدوره كولن فيرث) وكاتب لا يتمتع بنفس شهرة فيتزجيرالد وهيمنغواي، هو توماس وولف (1900- 1938) الذي يجسد دوره في الفيلم “لو جود”، وكيف لعب بيركنز دورا محوريا في حياة وولف، وأتاح له فرصة نشر أول رواياته وما تلاها، وعلاقة وولف بالسيدة بيرنستاين التي تبنته وأحبته وآمنت بموهبته وعاشت تجربة عاطفية شديدة التوتر معه (تقوم بالدور نيكول كيدمان).

الموضوع في حدود العلاقة بين كاتب ومحرر يقوم باقتراحات لاختصار المخطوطات (التي تبلغ حينا الف صفحة وحينا آخر خمسة آلاف صفحة) واعادة صياغة الكثير مما يكتبه المؤلف، لكي يضمن وصوله الى القراء في أفضل صورة ممكنه، كان يمكن فقط أن يصنع دراما مثيرة لاهتمام المتفرج، سواء من يعرف عن بيركنز وولف أو من لا يعرف، إذا توفرت لها أرضية تسمح بالارتفاع بالقصة السردية التقليدية إلى سماء الفلسفة، أي أن يصبح الموضوع مجالا للنظرة مثلا في علاقة الخالق بالمخلوق على غرار بيغماليون (التي تذكر مرة واحدة في سياق الفيلم دون أي أثر يذكر فيما بعد)، أو حتى لو تم تناول شخصية المحرر (بيركنز) من زاوية علاقته بأصحاب دار النشر التي يعمل لها، وكيف استطاع أن يتمتع بثقتهم المطلقة في اختياراته، وما هي نوعية الحروب التي خاضها من أجل الدفع بمواهب مجهولة مثل وولف الذي رفض كل الناشرين في نيويورك نشر روايته الأولى الى أن قبلها بيركنز.

نيكول كيدمان كما تظهر في الفيلم

أحداث الفيلم تبدأ عام 1929 ثم تستمر على مدار الثلاثينيات فترة الأزمة الاقتصادية، ويجعل السيناريو شخصية توماس وولف، شخصية جامحة ملتهبة المشاعر، متقلبة، بل إنه يصل في وقت لاحق الى الصدام مع الرجل الذي كان وراء اكتشاف موهبته بسبب جموحه وشعوره بالغيرة من مشاهير عصره من الكتاب مثل سكوت فيتزجيرالد، وكيف يفرط في الشراب ثم يبدأ في توجيه الاهانات له، وتصدي بيركنز له ووقفه عن ممارسة تلك السلوكيات الطفولية مما يؤدي الى نوع من القطيعة بين الرجلين.

يركز الفيلم أيضا على علاقة بيركنز المتوترة بالسيدة برنستاين التي تميل الى الهستيرية والجنوح المفرط نحو العاطفية المدمرة، تريد أن تستولي تماما على كل انتباه ومشاعر وولف، وتشعر بنوع من الغيرة من ارتباطه بالمحرر بيركنز وقضائه وقتا طويلا في العمل معه على مخطوكات روايته، ولدرجة تصل بها الى محاولة الانتحار عندما يعبر لها عن رغبته في انهاء العلاقة!

لكن كل هذه التفاصيل لا تكفي لانقاذ فيلم تقليدي يسير مسارا رتيبا، يصور بطريقة مبالغ فيها جموح الكاتب وولف خاصة وأن الممثل لو جود يبالغ في أدائه مما يوقعه في النمطية والسطحية دون أن يمتلك التعبير عن مشاعر وانفعالات حقيقية تكشف عن عمق فلسفي أو نظرة خاصة للحياة، ويكتفي بالمغالاة في تحريك يديه ومضغ الكلمات التي تتدفق من فمه بسرعة تجعلها تستعصي أحيانا على الفهم، في محاولة من المخرج والممثل لإقناعنا بالنزعة الطفولية عند توماس وولف الذي يصاب بمرض السرطان في وقت مبكر من حياته الى أن يقضي نحبه عام 1938.

ورغم وجود بعض المشاهد التي تم تنفيذها بشكل جيد في الفيلم مع الاحاطة الدقيقة بكل تفاصيل الفترة (نيويورك في الثلاثينيات) إلاأن الطابع المسرحي يغلب على الفيلم، ويتراجع أداء كولن فيرث (صاحب الدور الذي لا ينسى في فيلم “خطبة الملك”) ليصبخ مثل أداء معلم بإحدى المدارس، يدير تلاميذه بكفاءة في الفصل الدراسي، يرتدي القبعة في جميع الأوقات حتى على مائدة الطعام مع أسرته، لا ينزعها سوى بعد أن يعلم في النهاية عندما يعلم بوفاة وولف.

Visited 25 times, 1 visit(s) today