لماذا كان برجمان يكره أفلام جودار؟
بقلم: سوابنيل دروف بوس
ترجمة: رشا كمال
(عن موقع: Far Out)
ينتمي كل من إنجمار برجمان وجان لوك جودار، إلى نخبة المبدعين الذين ساهموا في ارتقاء الفن السينمائي، ولكل منهما علامات محفورة في تاريخ سينما القرن العشرين مثل فيلم “بيرسونا-persona” لبرجمان، و “بييرو المجنون- pierrot Le fou” لجودار.
ولا شك أن أفلامهما كانت في خطاب دائم متبادل، نظرا لاختلاف الوعي الفني الشاسع بينهما، إلا أن الهدف كان واحداً، وهو الارتقاء بالفن السينمائي إلى أعلى درجاته.
وقد أبدى برجمان إعجابه في عدة مقابلات بكثير من المخرجين الكبار مثل هيتشكوك، الذي كان يراه “فنيا ماهرا جداً”، وكان يكن اعجابا لقلة من المخرجين المعاصرين، كما أعرب عن استمتاعه بأفلام المخرج فيدريكو فيلليني و”المعيته الإبداعية اللاذعة”، وكذلك أسلوب فرانسوا تروفو في التعامل مع المتفرج، بينما يحل المخرج الروسي الكبير أندريه تاركوفسكي على رأس القائمة، وقد أطلق عليه برجمان لقب “الأعظم”.
ومن ناحية أخرى، لم يهتم برجمان بالعديد من المخرجين الكبار منهم مايكل انجلو أنطونيوني الذي وصفه بالـ”الجمالي”، ولم يسلم رائد السينما السيريالية لويس بونويل من انتقاداته بذريعة أن “رؤيته الفنية منغمسة في ذاته”. ولكن كان هناك مخرج واحد لم يتحمل برجمان أفلامه على الاطلاق، وهو أحد أهم رواد الموجة الفرنسية الجديدة، أي المخرج جان لوك جودار.
بدأ جودار مشواره الفني برائعته “النفس الأخيرBreathless“، واشتهر بأنه الطفل المشاكس في السينما الفرنسية، واكتسب سمعة سيئة بصفته مخرجا ذا نزعة تجريبية، وليس لديه صبر على استخدام التقاليد السينمائية المعروفة، فأستخدم الوسيط السينمائي للفت انتباه المتفرج للطبيعة الإيهامية في الفيلم بدلا ليست سوى كذبة”.
من المؤسف أم برجمان لم يفهم قط النزعات التجريبية لدى جودار، أو انعكاساتها الذاتية ما بعد الحداثية، فنبذ أعماله واصفا اياه بالمتكلف، المتذاكي، المهووس بذاته، مصرحا بأنه لم يستطع تقدير أو فهم أي من نواياه الفنية. كما أوضح في مجال انتقاداته العنيفة لأفلام جودار “لم أستطع أبدا فهم أي شيء من أفلامه، المرء يشعر أنها شديدة التكلف، وعقلانيتها مزيفة، ولا حياة فيها على الإطلاق. ومن ناحية الصورة السينمائية ليس فيها ابداً ما يثير الاهتمام.. إنها أفلام مملة إلى أقصى حد. إن جودار شخص مزعج، يخرج أفلامه من أجل النقاد فقط، وفيلمه الذي قام بتصويره هنا في السويد “مذكر مؤنثMasculin Féminin” كان مملاً للغاية”.
وفي حديث آخر منفصل أجراه في عام 1971، كشف برجمان بدقة عن أسباب نفوره من أعمال جودار قائلاً:
“في هذه المهنة، يعجبني الأشخاص الذين لديهم القدرة على الاستمرارية والمواصلة، ممن لديهم فكرة – مهما كانت تبدو مجنونة – يسعون دائما لنقلها وتحويلها، من خلال تجميع الناس والأشياء حول هذه الفكرة لتقديم شيء ما. لطالما أعجبني هذا.
ولكني لا استطيع مشاهدة أفلام جودار، فأنا أجلس امام الفيلم لمدة خمس وعشرين، أو ثلاثين، أو حتى خمسين دقيقة، ثم انهض بعد ذلك، بسبب الحالة العصبية التي تصيبني بها أفلامه، لدي احساس انه يريد إخباري بشيء ما طوال الوقت، ولكني لا استوعب ما هو هذا الشيء تحديدا، و يراودني دائماً إحساس بأنه يخادعني، ويحتال علي”.
وعلى عكس موقف برجمان من الروائع السينمائية التي قدمها المخرج – المؤلف للموجة الفرنسية الجديدة، كان جودار يعتبره أحد الذين تركوا تأثيرا قويا عليه. وفي مقالة يعود تاريخها إلى عام 1958 عندما كان يمارس كتابة النقد السينمائي كتب جودار:
يعتبر برجمان في الحقيقة، مخرج اللحظة الآنية، تولد جميع أفلامه من انعكاس أبطاله على اللحظة الحاضرة، ويعمق هذا الانعكاس من خلال إفراغ الزمن، على غرار بروست، ولكن على نحو مضاعف كما لو كان يجمع بين أسلوبي بروست وروسو، لكي يتحول إلى تأمل شاسع للحظة الحاضرة لا حدود له. يعتبر أي فيلم لبرجمان إذا كنت تريد الحقيقة، واحدا على 24 جزء من الثانية يمتد لمدة ساعة ونصف الساعة، انه العالم بين طرفة العين وانتباهتها، الظلمة الساكنة بين نبضات القلب، المسرة الكامنة بين تصفيقتين.
ولحسن الحظ لم يكن جودار بحاجة لمباركة، أو اعتراف أي من زملائه المعروفين لحماية حيوية روحه الثورية، وقد تمكن من الحفاظ عليها حتى آخر أعماله مثل “وداعا أيها اللغة” Goodbye to Language و”كتاب الصورة The image book“، وهناك مقولته الشهيرة: “من يقفز في الهاوية غير مجبر على تفسير أفعاله لمن يقف ويشاهد من على الحافة”.
وبالعودة للوراء، والنظر إلى مشواره الفني سنجد إن هذا المبدأ كان ينطبق عليه أكثر من اي شخص اخر.