“كريمسون بيك”.. عن أولئك الذين لا يرحلون أبدًا

لا يُخاصم فيلم “كريمسون بيك”Crimson Peak  لمُخرجه المكسيكي غيليرمو ديلتورو الثيمات الشهيرة التي تُفضلِّها سينما الرُعب الأمريكية عادة، من دُمى صغيرة مُخيفة وأشباح لأشخاص قُتلوا غدرًا، وأبواب تُفتَح وتغلق لوحدها، أو قصور قوطية مُقبضِة. إنه يستخدم كل هذه العناصر داخل الفيلم، الذي سيبدو أحيانًا كما لو أنه الأخ الأحدث وربما الأبهى لفيلم رعب سابق هو “ماما”Mama  إنتاج عام 2013 وقد حقق أيضًا نجاحًا كبيرًا فور عرضه حول العالم كما هو منتظَر من كريمسون بيك الآن.

فيلم ديلتورو يستعين بذات البطلة جسيكا شاستين لكن في دور الشريرة هنا “الليدي لوسيال شارب”، بالإضافة إلى الموسيقى الشبيهة التي صنعتها سيمفونية كاملة لفرناندو فيلزاكز صاحب موسيقى فيلم ماما أيضًا.

عامل مشترك

أما العامل المُشترك الأهم بين الفيلمين، فهو الهيئة الجسدية والنفسيّة للأشباح التي تظهر على كلتا الشاشتين، هيكل عظمي داكن لامرأة هي أم سابقة فقدت طفلها، تظهر باستمرار مُحاولةً أن تستعيد شيئًا ضاع منها، وربما كي تُحذر الأبطال أيضًا. في “كريمسون بيك” البطلة ليست جسيكا شاستين كما هي في فيلم “ماما”، أعني ليست هي البطلة المُعلنَة على ملصق الفيلم، البطلة الرسمية هُنا هي إيديث، تلعب دورها ميا فيسكوفا، إيديث هي كاتبة قصص الرُعب التي ستجد نفسها متورطة في حُب “سير توماس شارب” شقيق لوسيال، يلعب دوره توم هيدلستون، ومن هُنا تدخل إيديث عالم القصر المُتآكل حيث الأشباح التي تُمارس حياتها يوميًا بالقُرب من البشر.

إن لوسيال وتوماس كما توحي هيئتهما الخارجية، متورطين فعلًا في قتل العديد من النساء، واستخدام جثثهم في تجارب شيطانية غريبة لا نعرف مغزاها الحقيقي حتى النهاية، ويستمد منها الفيلم اسمه “كريمسون بيك”، مادة حمراء لزجة تُذكِّرنا بلون الدم بالطبع، لكن ديلتورو في الواقع لا يستخرج الرُعب من كل هذه الجثث التي يعوم القصر فوقها، ولا من أشباحه كثيرة الصراخ في وجه الكاميرا، إنما يستخرجه من الحُب، الحُب الذي يُحرك قلب توماس شارب لأول مرة تجاه امرأة أخرى، هو الذي لم يُضاجع في حياته غير أخته لوسيال، فيختار بإرادته أن يتعرى مع إيديث، في مشهد ممارسة جنسية حميمة وناعمة، بينما إيديث تبقى بكامل زيها ربما كما ستكون دائمًا في هذه العلاقة، بلا حُب حقيقي لتوماس على عكس المتوقع من البداية شديدة الرومنسية للعلاقة التي ينبني الفيلم على أساسها، إن إيديث في الواقع لا تُحب أحدًا غير الحقيقة، إيديث باردة على نحو ما.

علاقة جنونية

على الجانب المُضاد، ثمة علاقة جنونية تجمع بين شقيقين يقصفان خلالها رؤوس العالم من حولهما في سبيل أن يظلا على قيد الحياة معًا، سوف يكون هُناك مشاهد قتل طويلة ومهووسة بالوصف غير المُحتمَل، وبلقطات قريبة لوجوه الموتى بعد هذا العنف غير المُبرر ولا المُتناهي لكن كل هذا الرعب سوف يأتي على خلفية موسيقية بديعة، مع حركة مُتهادية للكاميرا التي تنقل وجوه نجومها كما لو أنها ترقص رقصًا خفيفًا معهم، وهذا هو الخيار الجمالي الذي يُراهن عليه صُناع كريمسون بيك، والذي جعل واحدًا مثل ستيفن كينج أشهر كُتّاب أمريكا في الرُعب يُصرِّح أنه فيلم يخطف الأنفاس.

 ديلتورو لا يطرح في “كريمسون بيك” سؤاله حول حقيقة وجود الأشباح، إنه ينطلق أصلًا من فرضية تقول أنها موجودة، فقط تحاول أن تُفسر لماذا هي موتورة إلى هذا الحد؟ وهو حتى حين يُعمِّد نجمته ميا فيسكوفا بطلة رسمية لفيلمه، ويضعها على أفيش سيقف مُنتصبًا في مُختلف دول العالم بينما الناس يدخلون إلى قاعة السينما مُنتظرين أن يتفرّجوا على عمل فني ينتصر فيه الخير على الشر كما يحدث عادة في الأفلام، يكون قد أنجز فنيًا نسخة أخرى من بطلته، نسخة فتّانة، هي لوسيال، منذ اللحظة الأولى التي تقف فيها الكاميرا خلف ظهرها وهي تعزف على  البيانو بجذع مشدود ونظرات ثابتة، منذ هذه اللحظة يُجبَر المُتلقي على انتظار أن تستدير لوسيال له، هكذا يقول ديل تورو إن هذه هي نجمته الحقيقية، نجمته في السر، وهي التي ستسحب من إيديث حضورها الناعم والبارد، كي تبقى في الذاكرة مُشتعلة مثل نجمة حقيقية ولأطول وقت مُمكن بعد المُشاهدة.

Visited 88 times, 1 visit(s) today