فيلم “زنزانة ٧”.. فرصة ضائعة لساموراي جديد

“زنزانة ٧” هي المكان الذي التقي فيه حربي الكومي (أحمد زاهر) بمنصور العايق (نضال الشافعي)، وكانت نقطة الانطلاق لتعاون إجرامي طويل بين الشخصيتين على الشاشة الفضية، وانتهى نهاية مأساوية من جانب، وسعيدة من جانب آخر، ولتكون انعكاساً لنمطين من السلوك الإجرامي، أحدهما يمضى في طريق الشر حتى نهايته، والآخر يحمل شيئاً من الخير يجعله يعيد حساباته ويتوقف عن الشر قبل أن تتحول المأساة إلى كارثة.

الفيلم ينتمى إلى نوعية الأكشن والإثارة، ويغلب عليه الطابع الجماهيري التجاري. فقد حرص صنّاعه على حشد قدر كبير من التوابل التجارية المعروفة لجذب اكبر عدد من الجماهير، اعتماداً على تيمات جاهزة وعناصر جذب مستهلكة مثل الإفيهات الجنسية، وأغاني المهرجانات، والرقص الشرقي، بالإضافة إلى أجواء القرية السياحية التي تدور فيها أحداث الفيلم، وكلها عناصر نجاح مضمونة، إذا أُحسن توظيفها، تذكّرنا بأفلام السبكي خلال السنوات العشر الماضية.

وبهذا المعنى بدا الاستسهال واضحاً في النصف الأول من الفيلم، بحيث افتقد السيناريو، الذى كتبه حسام موسى، إلى البوصلة التي يمضى عليها، أو هكذا بدا للمُشاهد من فرط المبالغة فى استخدام التيمات المستهلكة فى معظم المشاهد سواء أكانت كوميدية أو رومانسية أو درامية، وحتى الأداء الحركي للممثلين، خاصة الشخصيتين الرئيسيتين : حربي و منصور، اللذين اعتمدت دراما الفيلم عليهما كثيراً. فهذه العناصر أتت مفككة فى البداية، ما جعل المشاهد يحتاج إلى كثير من الوقت حتى يلملم هذه العناصر ويربطها  بفكرة محددة أو خط درامي واضح يمكن أن يتابعه. والحقيقة أن السيناريو قام بهذه المهمة، بشكل موفق، في النصف الثاني من الفيلم، وفى الثلث الأخير تحديداً حيث وضحت أبعاد الشخصيات، وخيوط الصراع، مع تصاعد وتيرة الأحداث، ما يجعلك تشعر وكأنك تشاهد فيلماً آخر.

بدا الفيلم صاخباً، تغلب عليه نبرة الصوت العالي، على كافة المستويات من حيث الموسيقى والصورة والأداء، وهو ما أفسد الكثير من عناصر النجاح التى كان من الممكن أن تتحقق، خاصة فى مباراة التمثيل التي دارت بين أحمد زاهر ونضال الشافعي، وهما نجمان يتمتعان بقدرات تمثيلية عالية، وكان من الممكن أن نرى منهما أكثر مما ظهر على الشاشة بكثير.

لم يهتم السيناريو كثيراً بالعناصر النسائية فى الفيلم، ما أدى إلى ظهورهن بصورة تقليدية لم تضف إليهن أو إلى الفيلم، عدا منة فضالي التي لعبت دور راقصة، ربما لأول مرة، ولأن شخصيتها تعرضت لتحولات درامية ساهمت في تصعيد الأحداث. وهذا خلافاً لعبير صبري التي كانت تؤدى، وكأنها جالسة على كرسي متحرك، ففي معظم المشاهد كانت في حالة جلوس، وتعبر عن مكنونات الشخصية بالكلام فقط، الخالي من أي تعبير، بل إن شخصيتها كمحامية تتعامل مع مجرمين جعلتها تلقى العبارات بروح الأستاذ الذى يعلّم تلاميذه.

ولا تختلف مايا نصري كثيراً عن عبير صبري سوى في كونها تؤدى فى حالة من الوقوف والحركة بنحو أكثر، وإن كنت لا تجد مبرراً فنياً لأن تلعب هذا الدور سوى كونها سبق وأن لعبته فى فيلم “كود ٣٦” أمام مصطفى شعبان.

ونفس الكلام يمكن أن يُقال عن إيهاب فهمى الذى كان متأثراً بأدائه  في مسلسل “الأب الروحي”. أما عن مدحت إسماعيل، فقد نجح في إضفاء نوع من المرح بأدائه الكوميدي، الذى ساهم في التقليل من وطأة الجرعة الدرامية المثيرة والحادة فى الآن نفسه.

على مستوى الصورة، نجح المخرج إبرام نشأت فى تقديم فيلم “أكشن” بمستوى عال، لولا المبالغة فى استخدام تقنية الحركة البطيئة slow motion   ، التى عملت على كسر الإيهام السينمائي ما أدى، في كثير من المشاهد، إلى انفصال المُشاهد عن الحدث والنظر الي الأداء الحركي باعتباره عملاً “أكروباتياً” مستقلاً بذاته.

أتت كثير من المعارك غير مقنعة، خاصة فى مشهد الهجوم على القرية السياحية من عصابة مسلحة تطلق النار بعشوائية فى كل الاتجاهات، ولا تصيب سوى شخص واحد، بينما ينجح ثلاثة أشخاص فقط (أبطال الفيلم)، لا يحملون أي سلاح، فى التصدي للعصابة بالكامل، وتلقينها درساً مهيناً في فنون القتال.

اعتمد الفيلم درامياً، فى شق منه، على فكرة الساموراي (المحارب الذى يضع نفسه في خدمة الآخرين) ، غير أنه مر عليها سريعاً، بحيث ضاعت وسط خيوط درامية أخرى كثيرة، واهتم السيناريو أكثر بالصراع الفردي بين حربي و منصور، وهو صراع تقليدي يدور بين رجلين حول امرأة، خاصة أن الرجلين من عتاة الإجرام والمرأة راقصة تعمل في ملهي ليلى. وكان من الممكن تقديم إضافة كبيرة ومعاصرة لفكرة الساموراي، لو استغل السيناريو أجواء القرية السياحية التي دارت فيها معظم الأحداث، وأنماط الشخصيات التي تعيش فيها. غير أننا لا ننكر أن الدفاع عن قرية سياحية غارقة في الملذات من قبل أشخاص احترفت الإجرام، لا يمكن أن يحقق تطهيراً كاملاً لهذه الشخصيات، التي لم تأخذ حظها كاملاً من المجتمع. وعلى ذلك يمكننا أن نقول إن السيناريو كان موفقاً عندما كتب النهاية السعيدة لشخصية بينما كتب النهاية المأساوية للأخرى. بينما لم يكن موفقاً فى جعله الحب سبباً لأن يجمع بين رجل جاهل يحترف السرقة والقتل وامرأة ارستقراطية تمتلك قرية سياحية كبيرة، حتى لو كان هذا الرجل سبباً في إنقاذ حياتها وأموالها.

اكد الفيلم على نجومية أحمد زاهر ونضال الشافعي، وكونهما قادرين على حمل بطولة فيلم بمفردهما، خاصة أنهما كانا موفقين في أداء مشاهد الحركة، مع إبراز الأبعاد النفسية والذهنية للشخصيتين. فقط يحتاج أحمد زاهر إلى التخلص من شخصية “فتحي” التي جسدها ببراعة في مسلسل “البرنس”، وما زالت تهيمن على أدائه، وأن يمنح الجمهور ثقته لنضال الشافعي، الممثل المجتهد، صاحب الطاقة التمثيلية العالية، والأداء المتنوع.

https://www.youtube.com/watch?v=8gzFWn24vgg
Visited 128 times, 1 visit(s) today