غودار ضد غودار: عن التجريب والشكل والمضمون

حسنا يفعل الناقد أمير العمري في أن يضيف بين الفينة والأخرى الى كتاباته النقدية عن الأفلام والسينما، دراسات نظرية لمخرجين إشكاليين يستخدمون الأفلام في التعبير عن نظرتهم الفكرية والفلسفية وربما أيضا السياسية لأنهم في الواقع ليسوا من أرباب السياسة، لذلك نراهم ينقلون نشاطهم السياسي إلى مجال السينما، لكي يغيروا السينما كما يقول أمير العمري بعد أن أدركوا أتهم عاجزين عن تغيير الواقع بالسياسة! وهذا ينطبق على المخرج الفرنسي جون لوك غودار بشكل واضح وجلي خلال كل تاريخه السينمائي الطويل، وما يميز مثل هؤلاء المخرجون نظرتهم النقدية للواقع التي تميل بالضرورة الى الكشف عن الواقع المزيف الذي تجعله السينما الوهمية أكثر تزيفا. كما أنهم يلجأون الى التوغل بعمق في الواقع والتصدي الى واقع السينما كإنتاج او كاستقبال.

يضع العمري بضعة استنتاحات حول إنجاز غودار السينمائي كما يطرح بضعة أسئلة مهمة ربما تساعد محاولة الإجابة عليها هنا، في التعمق أكثر في إنجاز غودار ودوره الفني. يرى العمري أن غودار:


أولاً: مارس النقد السينمائي قبيل ظهور “الموجة الجديدة” في فرنسا في الستينيِّات:


* في فرنسا بدأت  تقاليد نقد خاصة مع الكاتب والناقد والمخرج المبكر لويس ديلوك ومع السرياليين، أما في البلدان الأخرى فكان فيها أناس ماهرون وأكاديميون، لكنهم نقاد قلة. أما بالنسبة لهنري لانغلوا فأن تعرض فيلما كنت أو تتحدث عن أفلام،  يعني كما لو انك تخرجها.


* حول دوره كناقد يقول غودار في مقابلة طويلة معه ومع مصوره راؤول كوتار في كتاب صدر عنه في ألمانيا في عام 1979: شاهدت كناقد أفلاما كثيرة وكتبت عنها وكانت تلك الكتابة نوعاً من عمل الأفلام لهذا كانت كتابتنا في مجلة السينما مختلفة، وكانت بالنسبة لنا وسيلة للاقتراب من فهم السينما. وبالنسبة لي لم أكن تقريبا ناقدا جيدا كما هو شأن بعض من الآخرين. فقد كتبت نوعا من النقد المزاجي الذي أمن لي وجودي الثقافي. لكن  تريفو كان أفضل ناقد، ورومير كان أكثر أكاديمية، ونصه الأول “السينما فن المكان” هو ذو أهمية كبيرة لكل واحد.


* بودي أن أقول:  إن السينما التي تربيت عليها لم تعد تماما كما هي سينما اليوم. لقد صنع الموجة الجديدة ثلاثة أو أربعة أشخاص، إضافة إلى حوالي خمسة عشر آخرين راحوا يصنعون بعدئذ شيئا آخر. واكتشفنا عالما لم يخبرنا عنه أحد، وكان عالماً ثرياً بشكل نسبي، ولحظة فريدة، لكنها ليس الأرفع مقاماً. وبكلمات أخرى كانت لحظة مميزة. وكانت الموجة الجديدة طفل الفيلم فقط، بناته وأولاده فقط.

وبالنسبة لمن أتى بعدنا مثل غلاوبير روخا وبرتولتشي وغيرهم فكانت السينما تعني علاقتهم بالواقع، بينما ارتبطت علاقة الواقع في الموجة الجديدة بالمتخيل. كنا قريبين من أهل الكهف.. من أسطورة الكهف على أية حال. وجاءت العلاقة مع الواقع في وقت لاحق، على شكل فكرة يتطلب منك تحقيقها في الوقت نفسه عن طريق الواقع.


أعرف أن ما أقوله عن الفيلم يأتي من الفيلم، فأنا مثل طبيب يتحدث حول مريض. المرض يأتي من المريض وليس مني. الشيء نفسه مع الفيلم، مع الرسم أو الكتاب، عليك أولا أن ترى ماذا يقول الفيلم لكي يكون بوسعك أن تتكلم  حوله. هناك نقاد قليلون هذه الأيام.


لا أعرف ماذا ينتقد النقاد، إنهم يمتحنون أفكارهم التي تطورت من أجل إعتاق فيلم خاص.. نحن نتقاسم الأشياء لنتحدث عنها وليس حولها.



ثانياً: يجرب غودار في “الشكل”، دون أن يتنازل قط عن وجود “المضمون” في أفلامه.
 

* حينما يتكلم غودار عن مضمون جديد فهو يتكلم عن أشكال جديدة، وحينما يقول أشكالا جديدة يريد علاقات بين المضمون والشكل جديدة: “لم أحقق في السينما إلا اكتشافا واحدا وهو كيف أقوم بإجراء الانتقال من لقطة لأخرى بانسياب سهل يصدر عن حركتين مختلفتين أو حتى عن لقطة متحركة إلى لقطة ثابتة وهو أمر أصعب. وهكذا يمكن الاستمرار بوصل أي لقطة بأي لقطة أخرى. عملت في تركيب الفيلم انطلاقا مما هو في الصورة أي من الدال وليس المقصود بالدلالة. عثرت على هذا الاكتشاف مع فيلم “اللاهث- على آخر نفس” ومن حينها انتهجت تطبيق ذلك”.


* كيف
* حينما أخرجت “اللاهث” اعتقدت أني أعرف قليلا كيف تصنع الأفلام، وحينما شاهدت المونتاج الأولي تأكدت أن الفيلم كان طويلا لهذا قمنا بتقصيره، بعملية مونتاج منهجية، ونتج عن ذلك أسلوب آخر تقريباً. هذا كل شئ  وكما قلت كنت أعتقد أني أعرف كيف يصنع المرء أفلامه، لكني لم أكن أعرف، والشئ نفسه ينطبق على أفلامي الأخرى تماما. على المرء أن يصل إلى نتيجة يفهم فيها ما يعرف وما لا يعرف. واليوم أعتقد أني نجحت بعض الشيء.



ثالثا: استخدم غودار أساليب مختلفة في السرد:
* بدت محاولات غودار “القصدية” لاغتصاب موهبته فنيا في جزيئياتها، ليجعلها مجرد أمثلة تطبيقية “لأفكاره المتناقضة التي يحاول أن يحققها في أفلامه كل مرة بشكل مختلف. ومرد ذلك أن أزمته، إن صح التعبير، كانت أزمة في الوصول إلى الوضوح الفكري في عالم متحرك ومضطرب ومتعدد الاتجاهات والأحزاب، لم يجد فيه مكانا ثابتا، خصوصا وأن كل شيء من حوله كان يبدو للآخرين كما لو كان بديهيا، لهذا نجده يسعى باستمرار إلى طرح الأسئلة على نفسه، كل مرة بشكل مغاير: “نطرح أسئلة جديدة كي نتمكن من الرد بإجابات جديدة”. وكانت النتيجة ميله الصارم إلى تبني أجوبة هي نفسها أسئلة؟ لكن الشرط في كل هذه الحصيلة الفكرية وجود “نرجسية” تنفي الآخر كما تنفي حتى نفسها، لتكون مدار الاهتمام الفائض ليس لقيمتها وجدية عمقها في الدرجة الأولى، إنما لأنها كانت تبرهن باستمرار على موهبة مميَّزة تُكتشف في كل فيلم من أفلامه.

لقطة من فيلم “اللاهث” أو “على آخر نفس”

فمنذ أفلامه الأولى- “اللاهث” أو “على آخر نفس”: أول محطة يبدأ منها غودار في الهجوم على المونتاج ويبدأ منها الانطلاق نحو طريق طويل يظهر فيه انتهاكاته التالية للأعراف والتقاليد السينمائية. كاميرا متحركة، سرد مفكك مضطرب، وبعده إخراج – الجندي الصغير- المرأة هي المرأة- عُرَّف بأنه مخرج ، يريد من أسلوبه تصفية الحسابات مع كل أسلوب وأن طبيعة نزعته التجريبية كانت في الوقت نفسه تخريبية؟ ساهمت أفلامه مساهمة خاصة واسعة في تفجير البُنى المُغلَقة وفي تفريغ الحكاية من دراميتها، بشكل يجعلها عاجزة في أنْ تفلح بتوفير تطور منطقي ومتماسك، على الرغم من أنها باهرة، على مستوى “المقاطع- سيكوينس” أحيانا، كما أنها كانت توفر لحظات تبلغ الصدقية المعاشة فيها حقيقة لا تكف أبدا عن كونها تظل فورية في الأساس، وجائزة، مع أن ترابطها التسلسلي يبقى قاصرا أو متعسفا بشكل حاد يظهر وسط حرية تفضحه، عندما يقوم باختلاق قصة مبنية دون التمسك بمبرر تطورها الدرامي المألوف. كما أنه أعاد تعريف حدود ما سمي واقعية بلا ضفاف وركز على الواقع الذهني وعلاقته الحوارية مع المتفرج، ففي سلسلة أفلامه – مقالاته الفيلمية الصعبة، التجريبية والاختبارية.

 

رابعاً: هل غاب غودار كمخرج – مؤلف- مفكر، عن سياق أفلامه؟
* عاش غودار كفنان قلق ممزق، بين الراديكالية البورجوازية والاندفاعات الثورية، حالة حرب مستمرة ضد المجتمع الرأسمالي يلجأ إلى السينما كسلاح لكنه يدين قصور وسيطها نفسه ويعده مجرد خدعة بورجوازية.


وتبين قراءة الجزء الثاني من كتاب “غودار يتحدث عن غودار” للقارئ المتمعن وجود موهبة عظيمة يتبنى صاحبها أفكاراً متعصبة ومضطربة ومتغيّرة في مراحل مختلفة من ممارسته للأفلام. ويمكننا حتى أن نرى في حالات تواضعه القصدية اعترافا منه مباشر بصحة شخصيته الفكرية الفوضوية:” فيما يخصني أعبر عن نفسي بشكل سيّء، لكني لم أفقد الإرادة في أن أحول طريقة تعبيري، كي أعبر عن نفسي بشكل أفضل”: أردت أن أقهر حصن السينما التقليدية الفرنسية وقد فعلت وها أنا الآن أقيم في هذا الحصن كسجين.
خامسا: تكشف أفلام غودار عن براعة صانعها وتعبر عن فكره، وهي أفلام يجدها الكثير من نقاد الغرب أيضا “من أكثر الأفلام صعوبة”.

يقول غودار:
سحر الفيلم يأتي من إخراجه للشاشة لكن في فيلم مثل “الحاسة السادسة” يأتي من النص. الشكل مقبول لكن النص يأتي أولا، فالسينما هي آخر فن ذو  تقاليد صورية، وأفلام اليوم هي سينما ذات توجه نحو  السيناريو الأدبي، فمنذ غوتنبرغ انتصر النص وجرى نضال طويل زواج أو علاقة غرام بين اللوحة والنص ثم انتشر النص في النهار. يتحدث الناس كثيرا عن الصور، لكن اليوم هناك النص فقط. هناك السيناريو الذي يعد اليوم بمنزلة الإنجيل.

دلالات العناصر الجمالية

حاول غودار من خلال عمله بمعية الطالب الشاب الماوي جان- بيير غوران، أن يحلل دلالات العناصر الجمالية للصورة: الزاوية، والتصميم الفني والعلاقات بين العناصر المُكَوِّنُة، التي يبنيها، والتي لها دلالة دقيقة وإيديولوجية حقيقية. وحقق بمعية جان- بيير غوران بين 1968 و1973 خمسة أفلام رسائلها ماوية قوية أكثرها أهمية كان “كل شيء على ما يرام” مع النجمة جون فوندا والنجم إيف مونتان. وبدت ثورية غودار في بدايات أفلامه- حسب غوران- أنه وجد الحل الثوري وقتئذ بشكل هائل وفعال وتمثل ذلك في ألا يكتب نصًا لأفلامه، بل يكون نص فيلمه هو نص تركيب الفيلم نفسه. ومن هنا جاء أسلوبه في تركيب أي فيلم من أفلامه الأولى أسلوباً ذاتيًا صرفا، تلازمه دائماً موضوعاته وتحقيقاته السياسية –الفلسفية وتبدو أفلامه أشبه بفصول من دراسة طويلة لا تنتهي عن المجتمع الرأسمالي:” لو سئلت عن تعريف أعطيه للسينما – يقول غودار- لقلت إن السينما صارت جهاز تحريض دعائي للرأسمالية، والبرهان على كونها أفضل أداة دعائية يملكها الرأسمالي أن أحدا لا يفطن للأمر”.


 
لقطة من فيلم “كل شيء على ما يرام”

منذ فيلم “أراك عند ماو” الذي يجمع فيه أفكار ماو وفلسفة البيتلز وتسجيلات صوتية متعددة ومركبة وفقا لأسلوب الفنان الأمريكي آندي وارهول: كاميرا ثابتة وزمن حقيقي إضافة إلى تضمينات من أقوال سياسيين ومن البيان الشيوعي، ولسوء الحظ فان الأفلام التي نتجت عن هذا الالتقاء منذ فيلم “أراك عند ماو” إلى “كل شيء ما يرام” برهنت على أن فرض السينما السياسية بدون وساطة الفن هو إحباط ذاتي. عمله مثلا في “امرأة متزوجة” يتأرجح بشكل جامح بين اللقطات الطويلة في مقابلات سبعة مع شخصيات مختلفة بأسلوب سينما الحقيقة التي تسير في إيقاع بطئ، ومشاهد حب مؤلفة من صور تستغرق من عشر ثواني إلى عشرين ثانية يدفع تحقيقها مثلا لأن يتساءل أ. فوغل: هل الضجر وخطب المواعظ التعليمية والصور الثابتة تخدم حقا الأهداف الثورية التي يطمح المخرج إلى تحقيقها؟



وجود الفيلم لا يتحقق إلا في حالة عرضه على الجمهور، فمن هو الجمهور الذي يريد غودار الوصول إليه، لهذا بقيت عملية الاتصال في كثير من أفلامه من أهم المشكلات التي يواجهها، إضافة إلى تساؤلات تثير الشك في جدوى أسلوبه الكولاجي: مقابلات. كتابة. وإشارات. وعناوين فلسفية. فترات صمت طويلة ومقابلات طويلة مما يدفعنا، يقول فوغل، لأن نفقد الإيمان بما يفعله؟



يؤكد مصوره راؤول كوتار:  لم يكتب غودار أي سيناريو. وكان يقول أنا لا أعرف أن أروي حكاية فيلمي، واتفقنا على أسلوب عمل ملائم لأننا كنا نصور خلال فترة قصيرة، لأن المال كان ينقصنا. فمثلا كنا نصور بدون استخدام إضاءة صناعية ونصور بالقدر الممكن بكاميرا محمولة وبدون صوت. وكان غودار يكتب المشاهد في دفتر ملاحظات كل يوم بيومه. وكان يملي على الممثلين حوارهم أثناء التصوير ويرددون الحوار بعده. وكان يتم الدوبلاج لاحقا. كنا قلما نكرر اللقطات وكنا نصور في الغالب بنسبة 3 إلى 1.



لم تكن عند غودار في البداية خبرة تقنية كبيرة، لكنه نجح في اكتسابها بسرعة أيضا.. لم يكن ينظر حتى من خلال الكاميرا، لكنه أخذ مع الوقت يهتم بذلك. أغلب الأفلام التي صورتها معه صورت بسرعة فائقة، ما عدا فيلم “الاحتقار” الذي أخذ تصويره وقتاً أطول، بينما تراوح تصوير بقية الأفلام بين ثلاثة إلى خمسة أسابيع  أو ستة. وكانت النسخة صفر تصبح جاهزة خلال خمسة أسابيع.



كان غودار مبتكراً لا يتورع عن أي مخاطر يأخذها على عاتقه. وحينما كان يطلب شيئا كنت أقول له سنحاول، لكني لست متأكدا من النتيجة. بالنسبة له كانت المحاولة مسألة بسيطة، فهو مولع بتجربة الأشياء دائماً. وكان كل فيلم من أفلامه يختلف عن الآخر. كان يقول لمونتيرته أنه يجد الفيلم بصري- سمعي بينما هي تعتقد انه سمعي-بصري. وكانت كمونتير بالنسبة لها الصوت هو الأهم وبالنسبة له كمخرج كانت الصورة هي الأهم.


بعد فيلم “عطلة نهاية الأسبوع”، أكثر أفلامه لحد نهاية الستينيات نضجا، بشر غودار برفضه لأعماله السابقة باعتبارها بورجوازية. في كل تلك المراحل التي استمرت ممارسته النقد في مجلة “دفاتر السينما” إلى تلك السنوات التي مارس فيها الإخراج والتي كانت تسمى السنوات الماوية حتى أعوام الثمانينيات نجده ينتقل من الوجودية في “دفاتر السينما” إلى “دفاتر” الماركسية اللينينيّة إلى كتاب ماوتسي تونغ الأحمر، وتدخل في بينية هذا التحول الفكري تأثيرات ثقافية من البنيوية ومن أفكار ومبادئ إيزنشتين وفيرتوف وبريشت.  


لقطة من فيلم “عطلة نهاية الاسبوع”

لنحاول أن نتوقف عند بعض من أفكاره في المقابلات المنشورة في الجزء الثاني من “غودار يكتب عن غودار” ونحاول أن نتعرف على  مصدرها:


* تخلق البرجوازية، والجملة من ماركس، عالما على صورتها ومثالها. وتخلق أيضا صورة لعالمها وتخلق صورة لهذا العالم تدعوه انعكاسا للواقع
 

*الصورة الفوتوغرافية ليست الانعكاس للواقع، بل هي واقع هذا الانعكاس.  من بريشت.
 

* الفيلم هو صراع الصور والأصوات، صورة ضد صورة وصورة ضد صوت أو صوت ضد صورة أو صوت ضد صوت. من إيزنشتين.


* الحقيقة بسيطة ولكن  قول الحقيقة ليس بسيطاً من بريشت وفيرتوف. كما دأب غودار على الاقتباس من أقوال بريشت المأثورة حول أن “الواقعية لا تتلخص في إعادة إنتاج الواقع، بل في تبيان كيف هي الأشياء واقعيا”


ان المهمة الفكرية – السياسية التي كان يأخذها غودار على عاتقه هي أن . “المطلوب ليس عمل سينما سياسية إنما عمل سينما سياسيا” تميزت هذه المهمة بصعوبة تحويل أفكاره الفلسفية- السياسية المجردة إلى صور سردية حسية ملموسة.


 
يكتب الناقد الانكليزي ريتشارد رود حول أسلوب غودار الذي يسميه “ثنائية الأضداد”  في سرد- الصورة التي هي عنده مزيج من عنصري الوثيقة- الخيال والواقع- التجريد ويضيف الناقد الألماني ولفرام شوتته عناصر ثنائية عديدة أخرى هي النظر- الوصف والارتجال- التمثيل والسكون- الحركة، والكاميرا المحمولة- الكاميرا الثابتة واللقطة السريعة- واللقطة المتحركة واللقطة/ المشهد- التقطيع والحوار- التعليق والصورة- الصوت والحياة- الفن والشعر- العلم. كل ذلك في لا عقلانية فريدة في محاولة الوصول في آخر المطاف: إلى نوع من الصدفة، إلى نوع من تحقيق التوازن بين ما هو وجودي حياتي وما هو عديم الأهمية، إلى انتزاع الحياة، حسب غودار،  من الموت أثناء التصوير؟


 لكم هذا صحيح لكن صعوبة مشاهدة أفلام غودار وقراءتها لا تأتي فقط من تعدد أساليبه أو حتى من تعارضها، بل تأتي غالباً من كون كل فيلم من أفلامه يتطرق لعكس ونقيض ما كان قدمه في فيلم سابق. ويعترف غودار نفسه: غالبا ما اطرق في فيلم جديد عكس ونقيض ما قدمت في الفيلم السابق، ويبدو أنه بقى أمينا لطريقته في صنع الأفلام. إن حيوية غودار – حسب بازوليني- لا تعرف حدودا أو خجلا ولا ريبة. إنها تعيد انتاج العالم في ذاتها. كما أنها تسخر حتى من نفسها.



ويمكن حتى اليوم ان يقال أن راديكاليته المفرطة وتجاربه المتواصلة، استطاعت بشكل مؤكد أن تظل ذات تأثير هائل ومحرض لأولئك السينمائيين، لعل الأفلام نفسها تصبح موضوعا ومادة للنقاش عن السينما والتزييف والواقع والفكر؟


مراجع  الدراسة:

1. FILMKRITIK. Muenchen. February 1962.  
2. Jean-luc Godard. Hanser verlag. Reihe Film 19. München1979
3. Jean-Luc Godard. The future(s) of Film. Three interviews 2000-2001. Verlag Gachnan & Springer AG Bern – Berlin 2002
4. James Monaco. How to read a Film. Oxford University press. London. New York. 2009
5. فن المونتاج السينمائي. الجزء الثاني. جافين ميللار. ترجمة. احمد الحضري. الهيئة المصرية العامة للكتاب.1987
6. السينما التدميرية أ. فوغل ترجمة أمين صالح  دار الكنوز الأدبية بيروت 1995
7. سينمائيون بلا حدود. بندر عبد الحميد الفن السابع 50. دمشق. وزارة الثقافة. المؤسسة العامة للسينما 2001
8. المرئي والمسموع في السينما. قيس الزبيدي. الفن السابع/ 112/ المؤسسة العامة للسينما. دمشق/ 2006
9. “غودار يكتب عن غودار” في جزأين في سلسلة الفن السابع/ منشورات وزارة الثقافة/ المؤسسة العام للسينما/ دمشق في العام 2003 والعام 2007. ترجمة عبد الله عويشق.
10. مونوغرافيات في تاريخ ونظرية السينما. قيس الزبيدي. الفن السابع 177/ المؤسسة العامة للسينما. دمشق/ 2010

Visited 63 times, 1 visit(s) today