رواد أغفلهم التاريـخ.. ونشأه السينما انجليزية وليست فرنسية 

لقطة من فيلم "ابتزاز" لهيتشكوك لقطة من فيلم "ابتزاز" لهيتشكوك

د. صفاء زهير *

بات عدم التصديق هو الهاجس الأساسي عند قراءه أي من كتب تاريخ السينما،  فالحقائق دائما متضاربة، وكل بلد يسعي أن يكون له السبق والريادة، ولما كان مصدر معظم الكتب السينمائية العربية، في الأصل الترجمة عن كتب فرنسيه،  فبطبيعة الحال مجدت هذه الكتب تاريخ فرنسا السينمائي، ونسبت لفرنسا الريادة في فن السينما، دون الاشارة لرواد آخرين، وزاد الأمر سوءا قله الكتب العربية في مجال السينما عموما، وتكرار اقتباس المعلومات الخاطئة في الكتب الحديثة والرسائل العلمية، دون التحقق من صحتها، حتي أصبح الأمر يبدو مؤكداً لدارسي  السينما، بل و وصل لحد التشكيك في التاريخ الصحيح نفسه.

 عجبا.. فالكثير من الكتب السينمائية المترجمة تذكر ان الفرنسيين هم اول من اكتشف فن الفيلم، ولم تعبأ بالرواد الآخرين في مختلف بلدان العالم، بالرغم من ان هناك العديد من التجارب السينمائية المثيرة للدهشة والاعجاب مثل الانجليزية والاسبانية و الألمانية بل والأسترالية ايضاً. وبقليل من القراءة والبحث عن بدايات الفن السينمائي، نجد الكثير والكثير من المغالطات والتحيز لبدايات السينما وقصرها على الافلام الفرنسية.

فمثلا ربينا على أن اول عرض سينمائي كان في فرنسا للأخوين لوميير في 28 ديسمبر 1895، بينما الحقيقة هي أن أول صورة متحركة لفيلم سينمائي كانت عام 1889 وعرضت في (هايد بارك) بمدينة لندن[1]، تلاه عرض في نيوريورك للكندي (اندرو هولاند) عام 1894، تبعه عرض آخر وكان بألمانيا للأخوين (سكلادانوفسكي) بواسطة آلة البيوسكوب في نوفمبر 1895 وكانت عباره عن افلام لحديقة برلين، وكل ذلك قبل عرض الأخوين لوميير ديسمبر 1895، فكيف اذن كان لفرنسا حق رياده اول عرض سينمائي بالتاريخ؟

كذلك ربينا علي أن السينما ظهرت صامته حتي عام 1927 حتى ظهور فيلم (مغني الجاز)، لكن هذا مخالف تماما للحقيقه، فالسينما لم تولد خرساء بل ولدت ناطقه منذ اليوم الاول لها، فعندما صنع اديسون ومساعده ديكسون اله (الكينوجراف) 1891 [2]، والتي كانت في الاساس آلة لسماع الموسيقي، اراد اديسون ان يضيف عليها الصورة كنوع من التسليه للمستمعين وهنا يتضح لنا أن:

 السينما ولدت ناطقه، وان وجود الصورة كان لمصاحبة للصوت وليس العكس.

كذلك ربينا على أن الالوان بالسينما جاءت في خضم الصراع بين السينما والتليفزيون، وايهما يفوز بقلب وعقل الجمهور، لكن الحقيقة هي ان السينما ولدت ملونه. نعم فقد كانت أولعملية ناجحة للأفلام الملونة، في افلام البريطاني (جورج البرت سمث) George albert Smith عن طريق  آلة الـ  Kinemacolor التي اخترعها بنفسه.

الكثير والكثير من المغالطات التي لا يسعها مقال يحوي بضعه أسطر، والحقيقة لم يلفت انتباهي كم هذه المغالطات بقدر ما لفت انتباهي حجم الانجازات الرائدة للسينما البريطانية.

 كيف بعد انجازات السينما البريطانية بمجال صناعه الفيلم تهمش ويتم تجاهل روادها؟ ويظل المعروف والمتداول عبر الأجيال هو خطأ ريادة السينما الفرنسية؟

كيف والثابت في البعض الآخر من كتب تاريخ السينما يؤكد اعتماد الرواد الفرنسيين أنفسهم في بدايات السينما الفرنسية علي رواد السينما البريطانيين

 والواقع ان اول من اعتمد عليه (لوميير) واشتري منه آلة العرض، كان المخرج الانجليزي (روبرت بول) 1895، الذي كان رائدًا إنجليزيًا في صناعة الأفلام وصانع الأدوات العلمية والسينمائية، والمعروف انه قد صنع أفلامًا روائية في وقت مبكر من أبريل 1895، كما سنذكر ذلك لاحقا هذا بالاضافة الي قدوم الأخوين لوميير الي مدينة لندن لتقديم عرضهما الأول عام 1896 وهو اعتراف ضمني منهما بمكانه السينما البريطانية وريادتها في ذلك الوقت.

 والغريب أن كل هذا مذكور في العديد من الكتب المتخصصة، ولكن عند الحديث عن نشأه فن السينما نجد الأمر يختلف وينحي منحي آخر، ويعود بنا لجدل لتلك المغالطات.

دعونا اذن نستعرض دور السينما البريطانية وسأترك للقاري حرية الاجابة عن كون نشأه السينما فرنسية أم بريطانية؟

السنيما البريطانية

كان روبرت دبليو بول Robert W. Paul  وبيرت إيكر Birt Acres،  اول من صنعوا كاميرا 35 ملم في بريطانيا، وقاموا بعمل أول فيلم بالتاريخ Clovelly Cottage في فبراير 1894، وتم عرضه بحديقة (هايد بارك) انظر الشكل رقم (1)  ففي عام 1894، اشتري (روبرت بول) جهاز      Kinetoscope   لتوماس إديسون، وكان جهاز (الكينو سكوب) يعرض صوره لشخص واحد فقط، ويشاهدها خلال ثقب في الباب.

 وتم تطويرها على فيلم سينمائي عام 1889 من قبل المخترع البريطاني (ويليام فريز غرين)، وحصل على براءة اختراعه العملي في عام 1890، أي قبل خمس سنوات من عرض لوميير.

كانت الأفلام الوحيدة المتاحة للعرض على النسخ المقلدة لـ Paul’s Kinetoscope  هي تلك التي صنعها Edison الذي قصر التوزيع على عملائه، لذلك اضطر بول إلى صنع أفلامه الخاصة وإنتاج كاميرا لتصويرها.

وكانت النتيجة هي كاميرا Paul-Acres ، التي تم تطويرها بالاشتراك بين Paul و Acres باستخدام أفكار من كليهما. وكانت أول كاميرا للصور المتحركة صنعت في بريطانيا والتقطت صوراً على فيلم 35 مم بمعدل 40 كادر في الثانية، وهو نفس فيلم Kinetoscope من Edison، ونفس مقياس الفيلم المستخدم في أفلام السينما الحديثة، أي أن اول كاميرا سينمائية بالتاريخ كانت بريطانية وأول عرض كان بريطانيا أيضا.

وسرعان ما تم افتتاح العديد من شركات الأفلام البريطانية لتلبية الطلب على الأفلام الجديدة، مثل ميتشل Mitchell وكينيون Kenyon في بلاكبيرن Blackburn

على الرغم من أن الأفلام البريطانية الأولى كانت من الأحداث اليومية مثلها مثل بقيه بلدان العالم،  الا ان السينما البريطانية تميزت في أوائل القرن العشرين بظهور أفلام قصيرة روائية، خاصة الكوميديا ​​والميلودراما، وكان هناك تفضيل واضح لخطوط القصة المعروفة بالفعل للجمهور، على وجه الخصوص، الاقتباسات من مسرحيات شكسبيرShakespeare  وروايات ديكنزDickens ، وهو الاتجاه الذي اخذت السينما البريطانية فيه السبق وتبعتها بعد ذلك السينما الألمانية والايطالية وغيرها.

وبالرغم من أن أول استوديو للتصوير السينمائي كان في أمريكا عام 1893، بناه  توماس إديسون Thomas وكان عبارة عن هيكل مغطى بالورق بالقرب من مختبراته في ويست أورانج West Orange، نيو جيرسي،  الا انه في عام 1898 تم  بناء استوديوهات Lime Grove في غرب لندن- انجلترا، الذي يعد اول استوديو في التاريخ مخصص لتصوير الافلام البريطانية،  بينما كان أول استوديو فرنسي  في عام 1897، حيث قام جورج ميلييسGeorges Méliès،  رئيس مجلس النواب ومدير مسرح روبرت هودين،  ببناء أول استوديو سينمائي له في حديقته في مونتروي Montreuil.

الفيلم البريطاني الملون

وتذكر بعض المراجع السينمائية أن أول فيلم ملون بالتاريخ السينمائي هو الفيلم البريطاني “زيارة إلى شاطئ البحر” Visit to the Seaside (1908). والذي تبلغ مدته ثماني دقائق و تم باستخدام عملية Kinemacolor، لالتقاط سلسلة من اللقطات لواجهة برايتون بجنوب إنجلترا، ولكن الحقيقة المؤكدة أنه قد تم إنتاج أفلام ملونة قبل ذلك التاريخ باستخدام عملية Kinemacolor وبالتحديد في أفلام المخرج البريطاني (جورج البرت سميث) George albert smith مبتكر هذه التقنية، والذي سجل براءة اختراعه لهافي 22 مارس 1899.

السينما المجسمة

السينما المجسمة ثلاثية الابعاد s3D فيعتقد الكثيرون انها اكتُشفت في الفينات هذا القرن،  لكن الحقيقة هي ان السينما المجسمة ولدت مع بدايات مولد الفيلم،  والاكثر غرابه هو ان الانجليز كان لهم دور فعال باكتشافها، فيرجع تاريخ الصورة ثلاثية الأبعاد إلى بداية التصوير الفوتوغرافي، ففي عام 1844 قدم الانجليزي  (دايفيد بريوستر) David Brewster المجسام Stereoscope، وهو عبارة عن جهاز يلتقط الصور الفوتوغرافية بطريقة ثلاثية الأبعاد، إلا أنه عدل فيما بعد على يد لويس جولي دوبوسك Louis Jules Duboscq عندما عرض صورة الملكة فيكتوريا ثلاثية الأبعاد عام 1851 في المعرض الكبير The Great Exhibition[3]، وبحلول الحرب العالمية الثانية أصبحت الكاميرات الفوتغرافية ثلاثية الأبعاد شائعة للاستخدام الشخصي إلى حد ما”.

وفي أواخر التسعينيات من القرن التاسع عشر وبالتحديد عام 1890 بدأ العصر ثلاثي الأبعاد للأفلام السينمائية، عندما تقدم رائد السينما البريطاني (وليام فريس جرين) Friese – Greene William ببراءة اختراع لطريقة صناعة فيلم ثلاثي الأبعاد، حيث تم عرض فيلمين بجوار بعضهما البعض، وكان المشاهد ينظر من خلال جهاز المجسام stereoscope لتجميع الصورتين.

الفيلم البريطاني الناطق

يعتبر فيلم (Blackmail) عام 1929، اول فيلم بريطاني إخراج ألفريد هيتشكوك وبطولة آني أوندرا، وجون لونغدين، وسيريل ريتشارد، مقتبس من مسرحية تحمل الاسم نفسه عام 1928 من تأليف تشارلز بينيت[،  يدور الفيلم حول امرأة من لندن تم ابتزازها بعد أن قتلت رجلاً حاول اغتصابه، انظر الشكل رقم (2).

 فبعد بدء انتاجه كفيلم صامت، قررت شركه British International Pictures تحويل Blackmail إلى فيلم صوتي أثناء التصوير، وتم إصدار نسخة صامتة للمسارح غير المجهزة للصوت  لا تزال النسخة الصامتة موجودة في مجموعة معهد الفيلم البريطاني.

كثيرًا ما يُستشهد بالفيلم باعتباره أول فيلم روائي طويل ناطق بريطاني. تم التصويت على أفضل فيلم بريطاني لعام 1929 في استطلاع للرأي في المملكة المتحدة في العام الذي صدر فيه، في عام 2017، وشمل استطلاع رأي 150 ممثلاً ومخرجًا وكاتبًا ومنتجيًا ونقادًا لمجلة Time Out ، ونتج عن هذا الاستطلاع كون فيلم Blackmail احتل المرتبة 59 كأفضل فيلم بريطاني على الإطلاق.

ولما كانت دراستي وتخصصي بفن المونتاج، ولما كان فن المونتاج نفسه هو فن صنع الافلام و تطورها، سأكتفي هنا بذكر دور الرواد الانجليز به، فمتي كانت اول مدرسه للمونتاج؟ وكيف بدأ فن المونتاج.؟ من اخترعه؟

المونتاج والسينما البريطانية

بعيدا عن  البدايات المزيفة والتي تذكر بمعظم الكتب العربية، والتي اشادت بعبقريت الامريكي (ادوين بورتر) Edwin S. Porter انه اول من ابتدع فن المونتاج بفيلمه “سرقه القطار الكبرى”  The Great Train Robberyعام  1903، وانه اول من ادرج اللقطة القريبة لوجه السارق ليحقق التتابع، ولكن الحقيقة غير ذلك تماما  فهناك افلام كانت تحتوي علي القطع لأحجام اكبر مثل القطع من long shot  الي medium shot قبل هذا التاريخ بكثير.

 الحقيقة الغافلة علي كثيرين، أن فن المونتاج قد بدأ مع بداية السينما، حيث ادرك صناع السينما منذ البداية أن القطع يعد وسيله يمكن استخدامها لحكي القصة بشكل اقرب لما يحدث في الحقيقة، فتخيل انك تبحث عن كتاب ما بمكتبه الكلية فالنظرة الاولي تري ارفف الكتب جميعها دون تمييز، ولكن بمجرد أن عثرت علي الكتاب الذي تريده فانه يبدو لك كلقطه قريبه ولا تري غيره، هذا ما خُلقنا عليه، فكان من الطبيعي مع بدايات السينما ان يتجه صناع الفيلم لمحاكاة ما يحدث في الواقع.

وكان لانجلترا السبق بهذا المجال، فأول من ابتكار فن المونتاج كان الانجليزي (روبرت دبليو بول)  Robert W. Paul[5]، لتحقيق عنصر الاستمرارية والتتابع، وذلك في فيلم (تعال، افعل!) Come Along, Do!،  الذي تم إنتاجه عام 1898 وكان من أوائل الأفلام التي تعرض أكثر من لقطة واحدة.

في اللقطة الأولى، زوجان عجوزان خارج معرض فني يتناولان الغداء ثم يتبعان أشخاصًا آخرين بالداخل من خلال الباب، تُظهر اللقطة الثانية ما يفعلونه بالداخل، كانت كاميرا بول السينمائية تتميز بخاصية التدوير العكسي، مما سمح بعرض نفس لقطات الفيلم عدة مرات، وبالتالي إنشاء تعريضات متعددة multiple exposures.. والذي استخدمه (جورج ميلييس) بافلامه فيما بعد، كمؤثر بصري مثل فيلم The Four Troublesome Heads من عام 1898، تم إنتاجه بواسطة كاميرا Paul .

مدرسه برايتون الانجليزية  Brighton School

واستمر فن المونتاج في التطور والتأثير علي شكل الفيلم،  فكانت الفترة من (1899-1900) تحوي أفلاما متعددة اللقطات وخاصة بعد استخدام (روبرت دبليو بول)، و تطور الامر  بعمل مدرسة للمونتاج تدعي (مدرسه برايتون) Brighton School ، حيث تم تأسيسها من قبل (جورج ألبرت سميث )  George Albert Smith  و جيمس ويليامسون James Williamson‘،

حيث قام (سميث) بعمل فيلم ( As Seen Through a Telescope) عام 1900،  حيث تُظهر اللقطة الرئيسية مشهد الشارع مع شاب يربط رباط الحذاء ثم يداعب قدم صديقته،  بينما يراقب رجل عجوز ذلك من خلال تلسكوب. ثم هناك قطع لإغلاق لقطة للأيدي على قدم الفتاة تظهر داخل قناع دائري أسود،  ثم يتم قطع العودة لاستمرار المشهد الأصلي..

بينما ركز (جيمس ويليامسون) على صناعة أفلام تتحرك فيها الاشخاص من مكانها في لقطة لتنتقل بنا إلى لقطة أخرى في أفلام مثل (Stop Thief) عام 1901، وهو بذلك اول من قام باستخدام track in للقطات في تاريخ السينما،  وغيرها الكثير، لقد جرب أيضًا اللقطة القريبة،  وربما كان الأكثر تطرفاً على الإطلاق في (The Big Swallow ) عام 1901، عندما اقتربت شخصيته من الكاميرا ويبدو أنها تبتلعها.

كان هذان المخرجان رائدين في مونتاج الفيلم، بالإضافة الي قيامهم بتلوين عملهم بالألوان واستخدموا التصوير الفوتوغرافي الخادع لتعزيز السرد، بحلول عام 1900، كانت أفلامهم عبارة عن مشاهد ممتدة تصل إلى 5 دقائق.

وحين أن (جيمس وليام ) لم يكن مهتما بعميله المونتاج،  او ربما لم يعيرها الاهتمام الكافي، بينما (جورج البرت سميث) ذلك العظيم الذي يعد اول من وظفها بحق بأفلامه توظيفا يؤكد فهمه مدي تأثيرها علي عمليه السرد.

ونلاحظ من كل تلك الأمثلة أن القطع كان لأسباب درامية تفيد عمليه السرد علاوة علي اضافة الألوان للفيلم التي أضافت في توضيح المعني، حيث استشعر اهميتها في التأثير علي المتفرج، بالإضافة لابتكاره وسائل انتقال أخري كـ (المسح).

جورج ألبرت سميث

كان جورج ألبرت سميث George Albert Smith (4 يناير 1864 – 17 مايو 1959) منومًا مغناطيسيًا، وروحانيًا، ومحاضرًا في الفانوس السحري والمسرح الانجليزي، وزميلًا في الجمعية الفلكية الملكية، ومخترعًا وعضوًا رئيسيًا في الجمعية الفضفاضة لرواد السينما الأوائل the loose association of early film pioneers  

واشتهر (سميث) بعمله المثير للجدل مع (إدموند جورني) في جمعية البحث النفسي، وأفلامه القصيرة من عام 1897 إلى عام 1903، والتي كانت رائدة في مونتاج الأفلام واللقطات المقربة، كذلك تطويره لأول عملية ناجحة للأفلام الملونة عن طريق اختراعه المعروف بـ Kinemacolor).

ولد سميث في (كريبلجيت) Cripplegate بلندن عام 1864 كان والده تشارلز سميث كاتب تذاكر وفنانًا. انتقل مع عائلته إلى مدينه (برايتون).

في برايتون في أوائل ثمانينيات القرن التاسع عشر، لفت سميث انتباه الجمهور لأول مرة باعتباره منومًا مغناطيسيًا على المسرح، كان سميث قد شاهد افلام (لوميير) Lumière وايضا أفلام الانجليزي (روبرت وليام) Robert Paul،  واعجب بفكره صناعه الافلام ،  وسعي مع صديقه  (جيمس ويليامسون)  للحصول على نموذج أولي لكاميرات سينمائية من المهندس  (ألفريد دارلينج )، الذي بدأ في تصنيع معدات الأفلام بعد إجراء إصلاحات لرائد السينما في برايتون Esmé Collings ·.

في عام 1897 قام (سميث) بعمل مصنع للأفلام وطباعتها وتطور فيما بعد إلى معالجه الأفلام التجارية.

بالإضافة إلى تسجيل براءة اختراع للكاميرا ونظام العرض الخاص به، والذي اهله لإنتاج العديد من الأفلام التاريخية التي يبلغ طولها دقيقة واحده مثل:

شارلي شابلن

ولننتقل لمنحي اخر من مناحي السينما الأخري، فلو تطرقنا لأكثر الشخصيات المتعددة المواهب، التي اثرت الفن السينما بشكل كبير، سنجد شخصيات تعد علي اصابع اليد الواحدة، ويكن علي رأسهم ذلك الانجليزي العبقري (تشارلي شابلن)،  والذي علق بهذه الكلمات علي طفولته البائسة في كتاب سيرته الذاتية:

“I was hardly aware of a crisis because we lived in a continual crisis, and, being a boy, I dismissed our troubles with gracious forgetfulness.

“كنت بالكاد على علم بالأزمة لأننا عشنا في أزمات مستمرة، وعندما كنت صبيًا، تجاهلت مشاكلنا مع النسيان الجميل”

هكذا عبر تشارلي بحكمه وبلاغه عن طفولته، التي اثرت دون شك علي شخصيته، فقد كان كما هو بهذه العبارة، واعيا جيدا لما حوله ملما بمشكلات مجتمعه،  ولكنه عمل علي حلها بأسلوبه الخاص جدا،  أسلوب ذكي ممزوج بنوع من الكوميديا الساخرة،  القريبة لقلب وعقل كل من يشاهده.

كان السير تشارلز سبنسر، شابلن جونيور (16 أبريل 1889 – 25 ديسمبر 1977) ممثلًا كوميديًا إنجليزيًا وصانع أفلام وملحنًا اشتهر في عصر الأفلام الصامتة، أصبح رمزًا عالميًا من خلال شخصيه الصعلوك، ويعتبر أحد أهم الشخصيات في صناعة السينما، امتدت حياته المهنية لأكثر من 75 عامًا، من الطفولة في العصر الفيكتوري حتى وفاته عام 1977، وشمل كل من التملق والجدل.

ولم تكن أهميه شارلي في كونه صانع افلام انجليزي فقط، ولكن تأثيره علي صناع فن الفيلم الاخرين بمختلف بلدان العالم وصل الي حد تغيير شكل هذه الافلام، وهو الامر الذي يستحق التوقف عنده.

فقد عمل “، شابلن” معظم حياته بالأفلام الصامتة وبالرغم من هذا فقد كان اداءه معبرا لدرجة أنه نقل دهورًا من المعلومات دون النطق بكلمة واحدة، واستطاع بشخصيته الجذابة التعبير عن أكبر مشكلات عصره مثل الكساد العظيم والحرب، في حين أن بعض أفلامه تناولت أمورًا مؤثرة تشمل الواقعية الاجتماعية والتلميحات السياسية، ولعب دور البطولة في اغالب هذه الافلام، وخلق شخصية خيالية محبوبة (الصعلوك).

كان الصعلوك بملابسه المضحكة (بنطلون فضفاض، معطف ضيق، قبعة صغيرة وحذاء كبير) حتى أن شابلن أضاف “شاربًا صغيرًا” “يضيف العمر، فقد كان الصعلوك متشردًا طيبًا وطيب القلب، ويكسبه وضعه الاجتماعي ازدراء المجتمع بينما يحاول يائسًا محاكاة سلوكياتهم، والكشف بخفه عن مشكلات مجتمعه، فشخصية الصعلوك لم تكن ساذجة بل كانت ناقضه ولها وجهه نظر تجاه ما يدور حولها ولكنها قليله الحيلة، هذا النوع من الشخصيات، كان من شأنه أن يكسب القلوب في جميع أنحاء العالم، ويعزز إرث شابلن كواحد من أعظم الممثلين في كل العصور

فقد كان “الصعلوك” لـ “، شابلن” رجلاً نموذجيًا تسبب له مصيره في مواقف لا مفر منها أدت إلى وقوعه في المشاكل (التي أصبحت سببًا للضحك)، في عصر الأفلام الصامتة، كانت شخصية الصعلوك تحظى بشعبية كبيرة بسبب توظيف الأفعال الجسدية، وسرعان ما أصبح رمزًا للثقافة الشعبية، حتى وصلت شعبية شابلن إلى مستويات لا يمكن تصورها عندما تم الاعتراف به كنجم سينمائي عالمي، وهو أول شخص في تاريخ السينما العالمية يصل إلى هذه المكانة.

والأهم من هذا ان أسلوبه في التمثيل والإخراج كان مصدر إلهام للكثيرين على مدار سنوات، تكمن روعة أعمال شابلن في قدرته على دمج ومعاناة الجماهير العادية خلال الأحداث المعاصرة مثل الكساد الكبير والحروب والبطالة ونقص الغذاء وغير ذلك، في أدواره الكوميدية، وكانت الدعابة الهزلية مليئة بالمشاعر ونداء للاستيقاظ لإدراك كيف أن المجتمع ينهار تدريجيًا على أيدي البرجوازية المتعجرفة بالسلطة.

مع ظهور الأفلام الناطقة، تم الضغط على “، شابلن” لعمل افلام علي هذه الشاكلة، لكنه رفض فلم يكن يريد تشويه صوره شخصيه (الصعلوك) من خلال التحدث بلغته الإنجليزية البريطانية شديدة اللهجة، واستخدم بدلاً من ذلك الموسيقي المصاحبة، والتي  أصبحت تستخدم بالأفلام حتى الآن بخاصة في الأسلوب الهزلي.

والواقع كان شارلي كان شديد الذكاء، فقد تألق في كل جانب غمس يديه فيه – سواء كان ذلك التمثيل أو الإخراج أو التلحين الخ، ولكن لم تسلم مسيرة “، شابلن” وتم اتهامات تورطه مع فتيات أصغر سناً، ولكن تكمن الحقيقة في الصراع الذي كان قائم بينه وبين القوي السياسية، فبعد أن قرر شابلن أن يصنع فيلمه الديكتاتور العظيم،  ابتكر بفيلمه هجاءً سياسيًا يهاجم هتلر والحزب النازي والفاشية وانتقاده لشخصيه هتلر واستخدام شخصيه هتلر كأداة للضحك، فقد احتوي الفيلم على مونولوج مميز وجه فيه نداءً لمشاهديه لرفض الحرب والفاشية ورؤية هذه الأمور على حقيقتها.

وسرعان ما أصبح ضحية مطاردة ذات دوافع سياسية على أيدي الصحافة الصفراء، كما استفاد مكتب التحقيقات الفيدرالي، الذي أراد ترحيل شابلن، وقاموا بتأجيج مخاوف الرعب الأحمر بين الجماهير ضد شابلن، وأعلنوا أنه متعاطف مع الشيوعية. بإطلاق فيلمه Monsieur Verdoux، الذي اعتبره شابلن نفسه “أذكى وأروع فيلم صنعته حتى الآن”، كان التحول في المشاعر الغربية ملموسًا. مع تأكيد الفيلم على معتقداته المناهضة للرأسمالية، واجه شابلن مقاطعة وفشلًا كبيرًا في هوليوود، على الرغم من حصوله على الثناء والإشادة في الخارج.

ألفريد هيتشكوك

كان السير ألفريد جوزيف هيتشكوك (13 أغسطس 1899 – 29 أبريل 1980) مخرجًا إنجليزيًا يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه أحد أكثر الشخصيات تأثيرًا في تاريخ السينما حيث امتدت حياته المهنية لستة عقود، أخرج بها أكثر من 50 فيلمًا روائيًا طويلاً، لا يزال الكثير منها يُشاهد ويُدرس على نطاق واسع حتى يومنا هذا.

عُرف باسم “سيد التشويق”“Master of Suspense، وأصبح معروفًا للمشاهدين بفضل المقابلات العديدة التي أجراها، وأدواره البارزة في معظم أفلامه، وحصدت أفلامه 46 ترشيحًا لجوائز الأوسكار، بما في ذلك ستة جوائز، على الرغم من أنه لم يفز أبدًا بجائزة أفضل مخرج على الرغم من خمسة ترشيحات.

تدرب هيتشكوك في البداية ككاتب تقني وكاتب نسخ قبل دخول صناعة السينما في عام 1919 كمصمم بطاقة عنوان. كان أول ظهور له في الإخراج هو الفيلم البريطاني الألماني الصامت The Pleasure Garden (1925). ساعد أول فيلم ناجح له، The Lodger: A Story of the London Fo (1927)، في تشكيل نوع الإثارة، وكان Blackmail (1929) أول فيلم بريطاني ناطق، كما صنفت أفلامه المثيرة The 39 Steps (1935) و The Lady Vanishes (1938)   من بين أعظم الأفلام البريطانية في القرن العشرين. بحلول عام 1939، حصل على اعتراف دولي وأقنعه المنتج ديفيد سلزنيك

للانتقال إلى هوليوود،  تبع ذلك سلسلة من الأفلام الناجحة، بما في ذلك ريبيكا Rebecca (1940)، والمراسل الأجنبي Foreign Correspondent  (1940)، والريبة (1941)، وظل الشك Shadow of a Doubt  (1943)،  وسيئ السمعة  Notorious (1946).

فازت ريبيكا Rebecca بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم، حيث رشح هيتشكوك كأفضل مخرج؛ كما تم ترشيحه لجائزة Lifeboat (1944) Spellbound (1945) بعد فترة هدوء تجارية قصيرة، عاد ليشكل مع غرباء في قطار (1951) و Dial M for Murder (1954) ؛ ثم انتقل بعد ذلك إلى إخراج أربعة أفلام غالبًا ما كانت تُصنف ضمن أعظم الأفلام على الإطلاق: النافذة الخلفية (1954)،  والدوار (1958)،  والشمال من الشمال الغربي (1959)، وسايكو (1960).

و اهم ما قدمه المخرج هيتشكوك لفن السينما، هو اسلوبه المتميز في مونتاج سرد القصة، فكان يعتمد بشكل كبير قطعات المونتاج وحركة الكاميرا لعكس وجهه نظر الشخص أو ردود الفعل الأشخاص المشاركين في الحدث، وبالتالي تحويل المشاهدين إلى متلصصين، وايضا تقليل طول اللقطات لزيادة القلق والخوف لدي المشاهدين .

 وقد كتب الناقد السينمائي (روبن وود) أن اسلوب الاخراج عند المخرج هيتشكوك يتحدد في (الطريقة التي يقدم بها اللقطات وطريقه انتقاله من لقطة لاخرى،  فأصبح أسلوبه هو كائن حي،  مع الكل ضمنيًا في كل التفاصيل وكل التفاصيل المتعلقة بالكل).

أنتج هيتشكوك عدة أفلام مع بعض من أكبر النجوم في هوليوود،  بما في ذلك أربعة أفلام مع (كاري جرانت)  Cary Grant في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي،  وثلاثة أفلام مع (إنجريد بيرجمان) Ingrid Bergman في النصف الأخير من الأربعينيات،  وأربعة أفلام مع (جيمس ستيوارت) James Stewart،  وثلاثة مع (جريس كيلي) Grace Kelly في منتصف الخمسينيات. أصبح هيتشكوك مواطنًا أمريكيًا في عام 1955.

في عام 2012، أدى فيلم الإثارة النفسية Vertigo الذي أخرجه هيتشكوك،  بطولة ستيوارت، إلى استبدال فيلم Orson Welles ‘Citizen Kane (1941) باعتباره أعظم فيلم لمعهد الفيلم البريطاني على الإطلاق استنادًا إلى استطلاع الرأي حول العالم لمئات من نقاد الأفلام. اعتبارًا من عام 2021، تم اختيار تسعة من أفلامه للحفظ في السجل الوطني للسينما بالولايات المتحدة، بما في ذلك فيلمه المفضل ظل الشك (1943) حصل على زمالة BAFTA في عام 1971، AFI  جائزة Life Achievement في عام 1979 ومُنحت في ديسمبر من ذلك العام،  قبل أربعة أشهر من وفاته في 29 أبريل 1980.

وهكذا ومن كل ما سبق نري ان نشأه السينما وتطورها كان للرواد الانجليز عن جداره بكل  جوانب صناعه الفيلم، سواء علي مستوي صناعه الات ومعدات السينما أو بناء الاستوديوهات او تطور الفيلم نفسه واضافه اليه الالوان والصوت وحتي طرق العرض المجسمة، كل هذا في وقت مبكر من عمر صناعه الفيلم،  كذلك حجم الانجازات والاكتشافات التي قدمها رواد السينما البريطانيه تدل علي انه فن بريطاني الاصل،  كان موجودا ومستمرا بدليل تطوره يوما بعد يوم، بينما في المقابل لا نجد مثيلها لدي السينما الفرنسين، خاصه بعد اول عرض 1895، كما  فلم نسمع عن تطور حقيقي أحدثه الرواد الفرنسيين بالفن السينمائي، أليست نشأه الفيلم بريطانية أم مازال هناك تشكك في كونها فرنسية لمجرد ادعاء خاطئ بأن اول عرض كان في فرنسا؟

أستاذ المونتاج بالمعهد العالي للسينما- القاهرة


 

 

 

 

.

3

 

 

 

 

Visited 4 times, 1 visit(s) today