خفايا توزيع الأدوار على الممثلين في السينما

مارلون بر اندو مارلون بر اندو

 د. صالح الصحن- بغداد

“التوزيع المثالي للأدوار، هو عندما تمنح الذات نفسها بامتياز للدور، وحين تضيف الذات إلى التكنيك الذي يتمتع به ممثل ممتاز، بحيث يستطيع السيطرة على أدائه”

جون هوستون..

 يشكل التمثيل في العمل الفني (سينما وتلفزيون)، ركيزة أساسية في تجسيد الحكاية، والتي يسهم في سردها عدد من الشخصيات التي يجسدها جمع من الممثلين والممثلات، هذا التجسيد الذي يثير منظومة شخصيات الحكاية ذاتها، والمتفرج والمعنيين بالأمر، من صناع ونقاد وغيرهم.

هناك من يجيده، وهناك من يخفق في ذلك، ولربما نقول، لو أعطوا هذا الدور للممثل س، لكان أفضل وأقرب إليه من الممثل ص، وقد يحصل ثمة اندفاع او تردد في اختيار الممثل أو الممثلة، من قبل المنتج أو المخرج على أساس قوة الأداء أو ضعفه، وهذا ما يتطلب المعرفة العميقة والخبرة الواسعة في إجادة فن التصنيف وتشخيص عناصر المهارة والكفاءة بثقة عالية وبيقين واضح.

يقول الناقد السينمائي الأمريكي جيف فايس وهو يصف الممثلين مارلون براندو وروبرت دي نيرو وإدوارد نورتون “ان بإمكان هؤلاء الممثلين الثلاثة أن يقرأوا دليل الهاتف بصوت عال أو أن يستخدموا نصا سينمائيا ضعيفا ليقدموا عملا سينمائيا جيدا”. وهذه قناعة ناقد متمرس في معرفة السمات والخصائص، ولهذا يجب علينا أن نحسن الاختيار بحسب ملائمة دور الشخصية للممثل أو الممثلة التي وقع عليهم التكليف.

ولغرض التأكيد على ما نحن بصدده، يمكن أن نتساءل، كيف يتم الاختيار؟ أي كيف توزع الأدوار؟ وعلى وفق اية معايير؟

ويشكل اختيار وتوزيع الأدوار تحديا كبيرا للمخرج وجهة الانتاج، خصوصا اذا كان من بين المختارين من حاصلي الأوسكار، وبما لا يقبل التراجع أو الأقل شأنا وأداءا، فمطابقة الدور للممثل س، هو ضمان لبث  الروح والحياة في الشخصية، وفي نسغ مجريات الأفعال والأحداث الدائرة في الحكاية المرئية، مع الاشتراط الأمثل بضرورة اشتغال الاحساس والشعور والتعبير المثير بلغة الفعل ورد الفعل لمعايشة واداء القيمة العميقة للدور على أكمل وجه، ذلك ما يتطلب الدراية الكاملة من قبل المخرج  بمعطيات وجذور الحكاية و الموضوع، مع تفسير عميق لفلسفة العمل، والتعرف على حقيقة وسمات وإبعاد  الشخصيات الفاعلة في القصة، لغرض التمكن من توزيع الأدوار على من نعتقده هو الأقرب إلى الدور عند التجسيد ورغم الضرورات المهنية اللازمة لإجادة فن اختيار الممثل أو الممثلة، ولكن نحن لسنا مع عملية اختيار تستغرق ثلاث سنوات، الذي وقع على  ممثلة مغمورة في وقتها “فيفيان لي” لبطولة شخصية سكارليت اوهارا في فيلم ذهب مع الريح.

وفي بعض التجارب المختلفة محليا وعربيا وعالميا، ترد بعض المفارقات أو الاشكالات أو الحالات التي تقترب أو تبتعد إلى حد ما، من هذا الاشتراط أو المعيار الأمثل الذي ندعو اليه في الاختيار، ومنها:

  • مواضفات الشخصية

 من البديهي أن مواصفات الشخصية يفضل أن تقترب أن لم تكن مطابقة للسمات والمهارات الخاصة عند الممثل أو الممثلة س، بما فيها العمر.

ففي فيلم “العروس الهاربة” ١٩٩٩، منح المخرج جاري مارشال دور البطولة للممثلة جوليا روبرتس، بسبب التشابه المعروف بين قصة الفيلم وبعض من حياتها الخاصة، اما لمبرر اخر فقد سعى الممثل جيمس ستيوارت لنيل موافقة المخرج هيتشكوك لدور البطولة، الا انه لم يوافق بسبب فشله في فيلم سابق “الدوار” وان عمره قد تقدم في السن بما لا يلائم الدور.

من هذه المواصفات احيانا، وفي فيلم “لمن تقرع الاجراس” ١٩٤٣، أصر الكاتب ارنست هيمنجواي على اختيار الممثل كاري كوبر والممثل انجريد برجمان، لأنه أثناء الكتابة، بنى بعض الشخصيات مطابقة لبعض الممثلين، دون الأخذ برأي هيئة الإنتاج.

ويبحث المخرج احيانا، في اختياره عن الشبه بين أوصاف الشخصية والممثل، ففي فيلم ” معك في الجانب الجنوبي” ٢٠١٦، اختار المخرج ريتشارد تان لدور شخصية باراك أوباما في الفيلم، الممثل باركر سويزر، بسبب التشابه الكبير بينهما، وكذلك عثر على التشابه الكبير بين شخصية ميتشيل روبنسون زوجة الرئيس أوباما وبين الممثلة تيكا سامبتر، مع إجراء التدريبات على حركاتهم ومشيهم ولهجتهم وسلوكياتهم بما فيها الاطلاع على السير الذاتية لهما. كذلك الشبه الذي حصل بين الممثل جوش برولين مع شخصية جورج بوش التي جسدها في فيلم دبليو٢٠٠٨، وفي فيلم ” سوبرمان يعود” ٢٠٠٦، تم اختيار الممثل المغمور براندون راوث لدور شخصية سوبرمان، رغم تقديم العشرات من الممثلين المشهورين، وذلك بسبب الشبه القريب بينه وبين أبطال سلسلة سوبرمان الأربعة الماضية.

ويمكن القول ان قناعة المخرج لن تتغير بإصراره على اختيار الممثل اذا ما أتيحت له ظروف الانتاج، فمثلا قناعة المخرج روبرت وايز في  اختيار الممثل سام جافي في فيلم “يوم أن توقفت الأرض عن الدوران” ١٩٥١، لن تتغير، رغم الضغط الذي تلقاه من إدارة الانتاج، بحجة التحقيق عن الفنانين اليساريين المتهمين بالفكر المناهض لأمريكا،

تغيير قناعة المخرج

قد تتغير أحيانا قناعة المخرج باختياراته، لأسباب متعددة، ففي فيلم “عدو الشعب” ١٩٣١، بدأ المخرج وليام ويلمان بالبروفات، قبل تصوير الفيلم، وفي اثناءها قرر تبديل بين دورين “مات” و “توم باورز” لممثلين، جيمس كاجني وادوارد وودز، بعد قناعة كل دور يلائم هذا أو ذاك.

وفي فيلم “كازابلانا”، قرر المخرج مايكل كيرتيز تبديل الممثل رونالد ريغان بالمثل همفري بوجارت، الذي أتقن الأداء ونال شهرة واسعة.، وفي فيلم “الرابطة الفرنسية” ١٩٧١، تراجع المخرج وليام فريدكين، عن اختياره للصحفي جيمي بريسيلين بدور البطولة بعد ثلاثة أشهر من الاستعداد والتدريب، ومنحه لممثل اخر، وارتكب المخرج ذاته خطأ، حينما اختار ممثلا آخرا ظنا منه هو المقصود، بعد تكليفه المنسق في توزيع الأدوار.

وفي فيلم “مساعدته الكفوء” ١٩٤٠، قام المخرج هوارد هوكس بتغيير شخصية الصحفي إلى صحفية، خلافا لما موجود في السيناريو، وفي أثناء اختبارات الممثلين لبطولة الفيلم، كلف إحدى موظفات الاستوديو، بالمشاركة، والتي أعجب بصوتها واداءا، مما دفعه لتغيير الدور إلى صحفية، بدلا من صحفي.

وفي فيلم” الرصاصة القاتلة” ١٩٨٧، استبدل الممثل انثوني مايكل لبطولة الفيلم، وحل محله الممثل ماثيو مادين، بسبب اعتراضه على أسلوب المخرج ستانلي كوبريك، وفي فيلم “الرجل الوطواط وروبين”  ١٩٩٧، عمد المخرج جول شوماشر علي ان يحل الممثل جورج كلوني محل الممثل فال كليمر، بسبب صعوبة التعامل معه، رغم انه اشتغل حلقتين من سلسلة الفيلم ذاته بدلا عن الممثل مايكل كيتون،

ملائمة الدور

 يمكننا الاعتقاد، بأن الدور المعين، قد يناسب العديد من الممثلين أو الممثلات، ولكن حرية الاختيار من قبل المخرج أو المنتج ، لابد أن تذهب إلى ما هو اقرب الى الدور من غيره بمسوغات مهنية وحرفية، وليست لاغراض أخرى .وكثير من الافلام، التي تم فيها اختيار ممثليها بطريقة المنافسة، بعد تقدم عدد كبير من المتنافسين، ولكن رؤية المخرج أو المنتج، هي الحاسمة لهذا الأختيار، ففي فيلم “سائق التاكسي” ١٩٧٦، قرر منتجو الفيلم تكليف المخرج سكورسيزي والممثل روبرت دي نيرو لبطولة الفيلم بعد مشاهدة احد الافلام لهما، و في فيلم “قدر من عزاء”   ٢٠٠٨تقدمت ٤٠٠ أمرأة للفوز بدور كاميل الذي فازت به الممثلة الحسناء الاوكرانية اولجا كوريلينكو، اما في فيلم الجاذبية فقد فازت بدور بطولته الممثلة ساندرا بولوك، بعد أن تقدمت لذات الدور ١٢ مرشحة بينهن أنجيلا جولي، وسكارليت جوهانسون، وراتشيل وايز، وناتالي بورتمان.

وكذلك الدور المتقن لبطولة فيلم المرأة الحديدية للنجمة ميريل ستريب، وفي فيلم حصان الحرب اختار المخرج سبلبيرج، الممثل المغمور جيرمي ارفين من بين مئات المتقدمين لدور البطولة، والذي ابدع في اداءه الذي أعجب كثيرا، وفي فيلم “سبارتكوس” ١٩٦٠، وهو من اخراج ستانلي كوبريك، وبطولة الممثل ومنتج الفيلم كيرك دوغلاس، الا انه استخدم نفوذه الإنتاجي في ايهام الممثلين للقبول في أدوارهم، من خلال عرضه لهم سيناريو مختلف للفيلم، يحمل ادوارا كبيرة لكل واحد منهم في الفيلم، وهذا الاسلوب يشكل خدعة رخيصة في التعامل الفني.

وكان اختيار المخرج الان باركر للممثلة مادونا لبطولة فيلم “ايفيتا” ١٩٩٦، قد آثار ردود أفعال واستهجان، بحجة الاعتقاد بعدم مطابقة دور القديسة ايفيتا بيرون مع ما عرفت به مادونا من جرأة جسدية وتحرر فاضح.

وفي فيلم “ضائع في الترجمة” ٢٠٠٣، اصرت مخرجة الفيلم صوفيا كوبولا على الاحتفاظ بالممثل بيل موري في دور البطولة، الذي لم يكن على قناعة تامة بقبول الدور في بداية العمل، ولكن اهتمامها ومتابعتها له، رفع من مستوى قبوله، الامر الذي جعله يقول بعد انتهاء التصوير انه دور العمر، وهو المفضل من بين أفلامه الأخرى.

النجومية

  هنالك من يتباهى من المخرجين أو المنتجين بإعطاء الدور الرئيسي مثلا إلى النجم س أو النجمة ص، بفعل تصنيفهم الفني العالي، وذلك، لرفع مستوى قيمة العمل ونجاحه، وهناك أيضا افلاما تتبناها مؤسسات حكومية أو خاصة، ترشح وترغب أن يمثل فيها عدد من النجوم العالميين، للحصول على النجاح والسمعة العالية، وهناك اختيارات للممثل الذي يعد نجما لشباك التذاكر، ففي فيلم “رعاة بقر في الفضاء” ٢٠٠٠، اختار المخرج كلينت ايستوود عدد من الممثلين النجوم المتقدمين بالعمر، وهم، جيمس جارنر ودونالد سوذرلاند وتومي لي جونز، في اطار التوازن في توزيع الأدوار، وعدم التفرد بأضواء النجم الرئيسي، مع وجود جاك نيكولسون وشين كونري كمشاركين في البطولة.

أجور الممثلين

أن أجور بعض الممثلين والممثلات قد تحدد احيانا فكرة الاختيار، بالقبول أو الرفض، وبما ينتج عن البحث عن ممثل آخر، مع تمسك النجم بقيمة الأجر الذي يعتقده ملائما لقيمته الفنية العليا وكفاءته ومرتبته المصنفة بالامتياز STAR.

وقد حصلت حالات كثيرة، منها، تمسك الفيس بريسلي بأجر مليون دولار مع تصدر اسمه في التايتل لفيلم ” مولد نجمة”، الذي لاقي طلبه هذا رفضا من هيئة الانتاج، وفي فيلم “ساحر اوز”١٩٣٩ أصر الممثل” س. فيلدز” على أجر مائة ألف دولار، الان أن شركة الانتاج رفضت ذلك.

أما في فيلم “قراصنة الكاريبي” ٢٠٠٧ فقد حصل الممثل “جوني ديب” علي ١٠ ملايين دولار في الجزء الأول و٢٠ في الجزء الثاني و٢٥ في الجزء الثالث و٣٥ مليون دولار في الجزء الرابع، كما حصل على ٥٠ مليون دولار عن دوره في فيلم” أليس في بلاد العجائب” ٢٠١٠، الذي عد اقدر ممثل في هوليوود، وهو أجر عال جدا قياسا لبعض الممثلين، منهم سيلفستر ستالون الذي بلغ اجره ٢٠ مليون دولار عن دوره في فيلم “رامبو”، في حين تنازل الممثل ماثيو ماكونوهي عن جزء من اجره في فيلم “نادي دالاس للمشتركين” بوصفه دورا عظيما يستحق التضحية المادية، مع رفض أدوار في أفلام أخرى في نفس الوقت.

ما في فيلم “الادب الخيالي الرخيص” ١٩٩٤، طلب المخرج كويتين تارانتينو من بعض النجوم الكبار قبولهم للعمل في فيلم مقابل اجور رمزية، وقد أعربوا عن موافقتهم حالا، وهم جون ترافولتا وبروس ويليس وصاموئبل جاكسون واوما ثيرمان وهارفي كايتيل وكريستوفر واكين وفينج ريمز، وهذه من المواقف الجديرة بالاحترام لقبول دعوة مخرج محترف ومهم، ويعمل فيلم بميزانية قليلة.

أما في فيلم “سوبرمان” ١٩٧٨، فقد رفض عدد كبير من الممثلين النجوم منهم كلينت ايستوود وبول نيومان وروبرت ريدفورد، وآخرين، دور البطولة بسبب الأجر العالي الذي طالبوا به، بعد أن تم منح الدور لممثل مغمور خضع لمنافسة شارك فيها أكثر من ٢٠٠ شخص، بعد أن تفوق باداء دوره، وتخلى الممثل توم كروز عن جزء كبير من أجره الذي يقدر بأكثر من ٢٠ مليون دولار في فيلم “عيون واسعة ولكن مغمضة” ١٩٩٩، تقديرا لرائعة المخرج ستانلي كوبريك.

وفي فيلم “زمرة اوشين الأحد عشر” ٢٠٠١، اشترك عدد من النجوم الذين ينتسبون إلى “نادي العشرين مليون دولار” وهو أجرهم، الذي تنازلوا عنه مقابل الحصول على نسبة من إيرادات الفيلم، لاتاحة الإمكانية المادية لإنتاج الفيلم، وهم جورج كلوني ومات دامون وبراد بيت واندي جارسيا وجوليا روبرتس وانجي ديكينسون.

وهذه من المواقف الإيجابية المقبولة التي تحظى باحترام شديد، اما في فيلم “هانيبال” ٢٠٠١، فقد ورد الموقف مخالفا لما سبق، فقد طالبت الممثلة جودي فوستر عن قبولها بدور البطولة ٢٠ مليون دولار مع اضافة ١٥٪من إيرادات الفيلم، الأمر الذي قوبل برفض المنتج لطلبها، واعتذارها الذي شكل أعلى نسبة منافسات بين نجمات السينما الأمريكية، للحصول على اهم دور في السينما العالمية، وهن، كيت بلانشيت، وانجلينا جولي واشلي جاد وجنيفر جاسون لي،  وجوليا مور وهيلين هنت ووينونا  رايدر وهيلاري سوانك وجيليان اندرسون، ويمكن تسجيل أعلى نسبة اجر حصل عليها الممثل النجم توم كروز في فيلم “مهمة مستحيلة” ٢٠٠٦، بعد أن وقع عقدا مع شركة الانتاج لثلاث حلقات من سلسلة الفيلم عن اجر بلغ ٣٥ مليون دولار مقدمة عن بطولة كل فيلم، مع ضمان نسبة مئوية من إيرادات كل فيلم، وبما وصل إلى ٧٠ مليون دولار في الفيلم الأول و٧٥ في الفيلم الثاني، وكذا الحال في الفيلم الثالث.

كسب الإعلانات

 هنالك بعض القنوات الفضائية والشركات الخاصة، تنتج دراما تلفزيونية، وتعتمد اسلوبا انتاجيا خاصا بها وبالذات مع الإعلانات الداخلة في المسلسل، لوجود النجم أو النجمة س اللذان يشكلان حافزا مثيرا للإعلان في هذا العمل، مما يتطلب الاختيار على وفق السياسة الإنتاجية للقناة وما يمكن أن تروج له.

العلاقات والمصالح الشخصية

 سادت كثيرا في مساحات واسعة من البلدان، ان بعض الاختيارات وتوزيع بعض الأدوار، يأتي بفعل العلاقات الشخصية وتبادل المصالح، والصفات، وهذه الظاهرة لم تكن محدودة، وإنما توسعت في اغلب القطاعات، وكذلك انتشار اسلوب المجاميع ” ألكروبات” وتكرار فرص الاختيارات، مما تسبب باستياء الوسط الفني ، وحرمان الآخرين من فرص العمل. ففي فيلم “ريبيكا” ١٩٤٠، حاول الممثل لورانس أوليفيه اقناع المنتج سيلزنيك لمنح دور البطولة للممثلة فيفيان لي “عشيقته، ثم تزوجها”، الا ان المنتج رفض طلبه وأصر على إسناد الدور للممثلة جون فونتين، التي تلقت خشونة التعامل من قبل اوليفيه، أثناء التصوير، وفي فيلم “أن تملك ولا تملك” ١٩٤٤، حصل اختيار عارضة الأزياء الشابة لورين بأكال للتمثيل لأول مرة في الفيلم بناء ا على رغبة زوجة مخرج الفيلم هوارد هوكس، بعد أن اثبتت باكال جدارة ملفتة للإعجاب بأداءها، مع النجم همفري بوجارت، الذي تزوجها لاحقا.

وفي فيلم “قابلني في سانت لويس”١٩٤٤،٣، رفضت الممثلة المغنية جودي جارلاند الدور المناط لها، بسبب سمة المراهقة في الدور، الا ان مخرج الفيلم فنسنت منيلي، الذي تربطه علاقة معها، أقنعها بقبول الدور، وبعد ذلك تزوجها بعد عام من الفيلم، اما في فيلم “أضواء المسرح” ١٩٥٢، فقد ظهر في الفيلم عدد من اولاد وبنات تشارلي تشابلن، وهم تشارلي الابن وسيدني من زوجته الثانية، وجيرالدين ومايكل وجوزفين من زوجته الرابعة، بالإضافة إلى ويلر درايدن، أخيه من أمه،.وفي فيلم “انديانا جونز وهيكل الهلاك” ١٩٨٤،اختار المخرج سبيلبيرج، لدور الشابة في الفيلم الممثلة  كيت كابشو، والتي تزوجها بعد انتهاء الفيلم.

جرأة المخرج

تعد  جرأة المخرج وكفاءته الماهرة علامة متميزة،  في اختيار الممثل أو الممثلة، ممن لم يسبق لهم دخول عالم التمثيل أو مارسوه من قبل، وهنا يسجل المخرج الثقة العالية بالنفس والقدرة على صناعة “نجم” جديد وباداء مقنع ومقبول، وقد استخدم ذلك الاسلوب العديد من المخرجين، منهم فيلليني الذي قال “غالبا يكونوا أكثر احترافا من المحترفين” ذلك لتمتعهم بنمو المستوى النوعي، او النمط الذهني.، فيما اختار المخرج جيمس كاميرون لفيلم تايتانيك، الممثل ليوناردو دي كابريو الذي كان مغمورا، بعد منافسة الممثل توم كروز والممثل كريستيان بيل على ذات الدور، والذي حقق لدي كابريو شهرة ونجومية واسعة.

وفي فيلم” متجر البيع بالفرق” تقصد المخرج رحمن بحراني اختيار معظم ممثلي الفيلم، من غير المحترفين، باستثناء الممثل الباكستاني احمد رضوي، فيما تم اختيار اربعة اشخاص صوماليين ممن لم يسبق لهم التمثيل، بالعمل إلى جانب النجم توم هانكس، في فيلم “كابتن فيليبس” ٢٠١٣ بعد اجتياز منافسة شارك فيها أكثر من ٧٠٠ صومالي، وهم، برخد عابدي ووبرخد عبد الرحمن، وفيصل احمد ومهات على، وفي فيلم “اي. تي. مخلوق من الفضاء الخارجي” ١٩٨٢، اسند المخرج سبيلبيرج الأدوار الرئيسية إلى عدد من الممثلين غير المعروفين.

الاختيار والنمط

 تقف احيانا سمة النمطية التي طغت على ممثل ما، عائقا أمام اختياره لدور معين اخر ومختلف، بما لا يقاوم الكليشة النمطية التي اقترنت بأداء هذا الممثل والتي تأخذ من جرف الدور المطلوب.

تعدد المهام

 عند توزيع الأدوار، تصدف احيانا، ان الممثل المختار هو كاتب العمل ذاته، او مخرجه، او منتجه أوقد ساهم بقدر معين من ميزانية الفيلم، وهذه الطريقة، يبدوا انها لا تخرج عن إطار السياقات المتبعة. وهناك الكثير من النجوم المشهورين الذين اعتمدوا هذا الأسلوب مثل شارلي شابلن، اورسون ويلز، ديفيد لين، توم هانكس، ومارلون براندو، جودي فوستر، وانجليا جولي، وسبيلبيرغ، كلينت ايستوود، وميل جيبسون وسيدني لوميت، وغيرهم، ففي فيلم “صمت النعاج” ١٩٩١اشترك فيه سبعة ممثلين هم مخرجين، منهم، جودي فوستر وأنتوني هوبكنز وروجر كرومان ودان بتلر وكاسي ليمون وجورج روميرو ومخرج الفيلم جوناثان ديمي.

وهناك من يتدخل في اختيارات الممثلين، او في شؤون التصوير والمونتاج، فمثلا، في فيلم “المرشح المنشوري” ١٩٦٢، ان الممثل فرانك سيناترا هو منتج الفيلم، وحاول اعطاء دور البطولة للممثل لوسيل بول، فلم يفلح، بسبب اصرار مخرج الفيلم على اختيار الممثلة انجيلا لانزبيري، التي تألقت به وفازت بجوائز عدة.

الاختيار والخصومة

قد تقف الخصومة بين فلان وفلان من الممثلين أو الممثلات سببا في عدم اختيار س أو ص، او عدم القبول بالدور، وذلك لعدم الانسجام والمشاركة في تمثيل مشاهد مشتركة في العمل بسبب الخلافات الحاصلة بينهم.

ففي فيلم “تمرد على السفينة باونتي”١٩٣٥، رفض الممثل والاس بيري دور الكابتن بلاي، وذلك بسبب كرهه للممثل كلارك كيبل،الذي يشاركه في الفيلم بدور اخر، وفي فيلم “فندق جراند” ١٩٣٢، حاول المخرج ادموند جولدنج، الا يشرك الممثلتين جريتا جاربو وجون كروفود، في مشاهد الفيلم مع بعضهن، بسبب العداوة الدائمة بينهما، وفي فيلم “سابرينا” ١٩٥٤، تعرضت عملية انتاج الفيلم إلى بعض المشاكل بسبب الخصومة الشديدة بين الممثل همفري بوجارت مع الممثلة اودري هيبورن، لأنه يريد اعطاء دورها لزوجته لورين بأكال، في حين ان بعض حالات الاختيار تأتي من قوة الألفة والانسجام والتفاهم الحاصل بين المخرج والممثل، وهناك العديد من هذه الحالات، منها، في فيلم، “حدائق الحجر” ١٩٨٧، يعرب الممثل جيمس كان عن رغبته الشديدة وقبوله بالدور بسبب ارتياح في العمل مع المخرج فرانسيس فورد كوبولا، بعد تجربة عمل معه، لأكثر من فيلم.

نوعية الأدوار

 قد تختلف أساليب توزيع الأدوار، من مخرج إلى آخر، وبخاصة الادوار الثانوية لشخصيات كبيرة في السن، فقد يرتضيها البعض من كبار الممثلين العظام رغم قصر الدور، كما ظهرت الممثلة فانيسا ريدغريف والممثل ديفيد ستراثيرون في أدوار قصيرة ولكنها مهمة  في فيلم “المخبرة”، وفي فيلم “كبير الخدم” ظهر عدد من كبار النجوم بأدوار قصيرة جدا مثل جين فوندا وفانيسا ريدغريف ووين وليامز وجون كوساك وماريا كاري، َالان ريكمان وجيمس مارسدين، وقد لا يرتضيها البعض الآخر، كما حصل في فيلم ” مرتفعات وذرنج” الذي رفضت الممثلة فيفيان لي دور ايزابيلا الذي اختاره لها  المخرج وليام وايلر، خاصة ان المنتجين يتعاملون بسقف الأجور على أساس البطولة وما يجاورها من أدوار وشخصيات.

وفي فيلم “أفضل ما يكون” ١٩٩٧، ظهر فيه عدد من المخرجين وكتاب السينما بأدوار فخرية، منهم لورانس كاسدان وهارولد راميس وشين بلاك وترد سولاندز،اما بطولة الفيلم، فمنحت للنجم جاك نيكلسون الذي فاز بالاوسكار كأفضل ممثل،وفي فيلم “سوبرمان يعود” قبل الممثل مارلون براندو بدور قصير وهو والد سوبرمان، مقابل اجر بلغ 3.7مليون دولار لم يستغرق تصوير مشاهده أكثر من عشرة أيام،

الاختيار والمهارات الخاصة

يلجأ المخرج احيانا في توزيعه للأدوار، بحسب المهارات الخاصة في بعض الأدوار، ولمن يجيدون هذه المهارات، كقيادة الطائرات، وركوب الخيل، والسباحة، والتعامل مع الأفاعي والحيوانات المفترسة، والاشكال الميكانيكية كالقرود والقرش والدلافين والنمور والأسود وغيرها، ففي فيلم “مهمة مستحيلة” ٢٠١٥، قام الممثل توم كروز باداء جميع الأفعال والحركات والمغامرات الخطيرة، وصعوده خارج طائرة حربية وهي محلقة في الجو، وبارتفاع عال، يفوق صعوده في مشاهد نفذها، فوق أبراج عالية بأفلامه السابقة، كما قام بعض الممثلين في فيلم “فجر كوكب القردة” ٢٠١٤، بأدوار شخصيات القردة، منهم اندي سركيس وجودي جرير وتوبي كيبيل، وكذلك تقديم نماذج حية لكائنات ميكانيكية،

مبررات رفض الأدوار

قد يقف عائقا أمام الاختيار، مسألة قابلية الممثل أو الممثلة على تقبل نوعية الأدوار وما تحتويه من تفاصيل، قد تكون خطيرة أو تحمل اشكالية فكرية أو أخلاقية أو مليئة بالمشاهد الجريئة وغيرها، والتي قد يعتذر منها البعض، ويتقبلها البعض الآخر بسهولة، ففي فيلم “بن هير” ١٩٥٩، اعتذر الممثل بيرت لانكستر عن قبوله بدور البطولة بسبب اعتراضه على المشاهد الاخلاقية الفظيعة في الفيلم.

وفي فيلم “الجانب المظلم” ٢٠٠٩، رفضت الممثلة ساندرا بولوك قبول دور البطولة ثلاث مرات، بسبب عدم رغبتها بأداء دور امرأة مسيحية متعصبة، وبعد ذلك تراجعت عن ذلك القرار وقبلت الدور الذي فازت به بالاوسكار،بأداء مفعم بالإحساس العالي والسيطرة.

وفي فيلم ” فرانكشتاين” 1931، رفض الممثل بيلا لوجوسي تمثيل دور الوحش بسبب خلوه من الحوار، وكذلك رفض الممثل جون كارادين ذات الدور، بحجة انه لا يرغب بدور “وحش” فيما أصر المخرج جيمس ويل على اختيار الممثل كولين كلايف لدور البطولة لشخصية دكتور فرانكشتاين.

وفي فيلم “مولد نجمة”١٩٥٤، اعتذر عدد من النجوم القبول بدور “النجم السينمائي المتراجع” بسبب خوفهم من اقتران هذا الدور بشخصياتهم الذين يعتقدون انه يقلل من قيمتهم الفنية، وهم، كاري كوبر وهمفري بوجارت ومارلون براندو ومونتجومري كليفت وكاري جرانت، وبعدها وافق الممثل جيمس ماسون على قبول الدور.

وفي فيلم “رجل المطر” ١٩٨٨، كلف المخرج باري ليفنسون الممثل داستن هوفمان وتوم كروز، الا ان هوفمان قبل الدور بتردد وقلق، لدور شخص مصاب بالتخلف العقلي، الذي دفعه بمراجعة الأبحاث والاستعداد لفهم الدور، ولكنه حاول الانسحاب، وكان يخشى من فشل الفيلم وعدم تقبل الجمهور، وان قناعته بالدور لم تكن محسومة، وكل هذا، اسفر عن نجاح الفيلم، واجادته للدور مع زملاءه الممثلين،

ويبحث بعض المخرجين في اختياراتهم عن ممثلين أو ممثلات، ممن تنطبق عليهم سمات بيئة الشخصية ولهجتها وبما نراه هو الأقرب إليها، رغم أن التقنيات الحديثة ومهارات المخرج قادرة على خلق أنواعا مثيرة من  كاريكترات ونماذج وتصاميم وأشكال، منسجمة مع البيئة المطلوبة، وهناك من يعتذر عن القبول بدور ما، ثم يندم للنجاح الساحق الذي حققه الفيلم.

قد ندمت كثيرا الممثلة ليندسي لوهان لأنها اعتذرت عن القبول بدور الراقصة في فيلم “الآثار البغيضة” ٢٠٠٩. وفي فيلم الفارس والنهار قبل الممثل توم كروز دور البطولة، من بين عدة افلام معروضة علية بسبب رغبته في العمل بأفلام التجسس والمفارقات.

أما الممثل النجم مات دامون، فقد اعتذر عن دور البطولة لفيلم “أسطورة بورن” بسبب تغيير المخرج الذي اخرج جزأين من سلسلته، وقد انسحب أيضا الممثل ليام نيسون بعد اختياره لبطولة فيلم لينكولن، بحجة ان عمره لا يناسب الشخصية.

 وفي فيلم “الصقر المالطي”١٩٤١ اعتذر الممثل عن الدور بحجة ان الفيلم ضعيف وان المخرج كذلك. وفي فيلم “دكتور جيفاجو” ١٩٦٥، اختار المخرج ديفيد لين الممثل بيتر اوتول، لكنه اعتذر عن التكليف بحجة ان المخرج لين قد سبب له متاعب كثيره سابقا في فيلم “لورنس العرب” مما أزعج المخرج لين وبخصومة طويلة في حين فاجأ المخرج لين النجم عمر الشريف بمنحه دور البطولة، رغم ان الشريف كان يطمح ان يحصل على دور الضابط الروسي في الفيلم.

وفي فيلم “غدا لن يموت” ١٩٩٧، تفاجأ فريق الفيلم، بانسحاب الممثل انثوني هوبكنز عن دوره كبطل للفيلم بعد ثلاثة أيام من تصوير بعض المشاهد، بحجة الإرباك وعدم التنظيم في إدارة اجواء العمل، فضلا عن عدم اكتمال السيناريو، مع تغيير اسم الفيلم لأكثر من مرة.

وفي فيلم “الوان مائية” ١٩٩٨، اعتذر الممثل توم هانكس عن القبول بدور البطولة التي تمثل شخصية الرئيس كلينتون، بسبب صداقته مع الرئيس بيل كلينتون، كون الفيلم يتناول الفضائح الجنسية للرئيس، وكذلك اعتذر عن الدور ذاته الممثل ميل جيبسون، فيما قبل فيه الممثل جون ترافولتا، الذي حظي بإعجاب النقاد والجمهور.

وفي فيلم ” عيون واسعة لكن مغمضة” بعد أن بدأ المخرج ستانلي كوبريك في العمل واكمل اختياراته ، انسحب الممثل هارفي كايتيل، والممثلة جنيفر جاسون، من الفيلم بعد تصوير عدد من المشاهد، بسبب تأخيرخطة التصوير، مما يتقاطع مع التزامهما بأفلام أخرى، وهنا يفضل أن تراعي الدقة في وضع  خطط العمل بتوقيتات معلومة مع هامش من المرونه، والطوارئ، وفي فيلم “الوطني” ٢٠٠٠، رفض الممثل هاريسون فورد دور البطولة، بحجة ان الفيلم مليء بالعنف المفرط، فيما ذهب الدور للممثل ميل جبسون، وكذلك اعتذر فورد عن قبول دور البطولة لفيلم “سيرينا” ٢٠٠٥،والذي حل محله جورج كلوني، ولكن فورد عند مشاهدته الفيلم، أقر بأن رفضه الدور قد  ارتكب خطأ جسيما في عمله السينمائي.

الاختيار والعلامات الفارقة

يتاح للمخرج فرص اختيارات متعددة بطريق البحث عن علامات فارقة في معالجة بعض الشخصيات، ومنها، كأن يكون الدور لقصير القامة أو طويلا أو معاقا، او محدودب الظهر، او ما يميزه من ندبة أو رتلة تلعثم في الكلام، او اية عيوب أخرى.

فقد حصل الممثل المعاق هارولد راسيل على الاوسكار في فيلم “أفضل سنوات حياتنا” ١٩٤٦ والذي لم يتردد المخرج باختياره بسبب اعاقته، ،و في فيلم “اغاثا”، ظهرت الممثلة فانيسا ريدغريف المعروفة بقوامها الطويل، أمام الممثل داستن هوفمان في قصدية إظهار الفرق بين طوليهما، وكذلك يمكن الاشارة  الى ان المكياج يمكن أن يسهم في معالجة مثل هذه الحالات، فالبراعة المستخدمة في معالجة مكياج شخصيات فيلم الحسناء والوحش، وغيرها من الافلام،  فتقنيات المكياج أصبحت قادرة وبشكل مذهل على تجاوز مثل هذه العلامات واشتغالها، على وفق دقة المعالجة والتصميم التعبيري المطابق للسمة والعلامة المطلوبة ،ففي فيلم “الرجل العنكبوت المذهل” ٢٠١٤، تطلب المكياج للممثل دين ديهان حوالي ٤ ساعات يوميا لمطابقة الشكل والهيئة، في حين تطلب مكياج الممثل ريان رينولدز ٨ ساعات يوميا في فيلم ديدبول ٢٠١٦..لاضافة التشوهات، رغم ان الوسامة والجاذبية

  التي يتمتع بها الممثل أو الممثلة، من المسوغات الداعمة للاختيار، فضلا عن براعة الاداء والإتقان الفائق للحرفة، وهنا نود الاشارة الى ان السينما المحلية والعربية والعالمية زاخرة بالأسماء الرفيعة من من الممثلات والممثلين الذين أصبحوا ماركة ذهبية في عالم السينما ولن يتسع المجال لذكرهم.

الاختيار وقوة الاداء

يحصل أحيانا الاختيار بفعل الاعجاب الذي يتحقق بفعل  قوة الأداء، فمثلا  في فيلم “باتمان ضد سوبرمان: فجر العدالة ٢٠١٦، وبعرض خاص له، أمام مدراء ستوديو الاخوة وارنر، وبعد الانتهاء من العرض مباشرة، وقع المدراء فورا عقدا لبطولة ثلاثة افلام قادمة مع بطل الفيلم الممثل” بين فليك ” جراء الدهشة العالية من السحر التي حققها الممثل” بين أفليك” ،  حيث وقفوا تصفيقا واعجابا له”، وفي حال آخر، اعترض مديرو ستوديو مترو على رغبة المخرج فرانك كابرا عندما اختار الممثلين، روبرت مونتجومري وميرنا لوي لفيلم” حدث ذات ليلة ” ١٩٣٤، بحجة ارتباطهما في عمل اخر في الاستوديو ذاته اما في فيلم” شمال مع شمال غرب” فقد أراد استوديو مترو جولدوين إعطاء دور البطولة النسائية للممثلة سيد شاريز، ولكن المخرج هيتشكوك أصر على منح الدور للممثلة ايفا ماري سانت.وفي فيلم “لقاءات قريبة من النوع الثالث”١٩٧٧عد النقاد اختيار المخرج سبيلبيرج للمخرج الفرنسي فرانسوا تروفو للقيام بدور شخصية العالم الفرنسي من المواقف السليمة التي اثبتت المهارة الاحترافية في حسن الاختيار.

الاختيار والارتجال

يميل بعض المخرجين في الاختيار إلى الممثل الذي يحسن أداء الارتجال أثناء التصوير، وبقدر عال من الإضافة الابداعية التي تمنح المشهد دفقا تعبيريا عاليا.

وفي إطار اختيار الممثل أو الممثلة، نرى أن هناك ثمة أفكار تفسيرية للنص والشخصية، تتولد عند الكاتب والمخرج والممثل، وقد تصل إلى فهم وتفسير مشترك للشخصية، أوقد تختلف احيانا ، وبعض المخرجين يعتمدون على الممثلين في تفسيره الدور ، كما حصل مع مارلون براندو، الذي يردد بقوله ” البعض ينتظرون أن تأتيهم بكل شيء”، واحيانا تقف

 عائقا أمام الاختيار، تصرفات بعض الممثلين أو الممثلات، المتقاطعة مع نظام العمل ، كعدم الالتزام بأوقات حضور التصوير، أو عدم التحضير لحفظ الدور، واللجوء الى الارتجال لغرض تغطية سمة عدم الحفظ، والذي يسبب كثرة الارتباك وعدم السيطرة، فضلا عن الامزجة المتلونة، والعقد النفسية، وتعاطي المخدرات، ومن هذه المشكلات، سجلت التجارب الفنية، بعضا من العلامات، فمثلا، يرد  اسم الممثل القدير مارلون براندو أكثر من مرة، بالغرور، وكان اخر فيلم له هو “إصابة الهدف” ٢٠٠١ والذي تعامل فيه بمزاجية عالية وغرور مفرط في التدخل باختيار اللقطات وأشكال التكوينات الصورية وطرق الأداء، لدرجة اثبت انه من الممثلين الذين يصعب التعامل معه، والمزاجية والتدخل في شؤون المخرج، والجلوس في سيت المونتاج  والإصرار على الرأي، وبمسوغات ازعجت فريق العمل برمته، كما حصل في فيلم ” تمرد على السفينة بونتي” وكذلك حصلت مشكلات بين هيئة انتاج فيلم العراب وبين المخرج كوبولا عن اختياره باصرار للممثل براندو الذي اعترضت عليه شركة الانتاج بسبب مشاكساته المعروفة، فيما أصر المخرج كارول ريد على إسناد دور الشرير للممثل نويل كوارد في فيلم “الرجل الثالث “١٩٤٩ رغم مطالبة هيئة الانتاج في منح الدور لممثل اخر، فيما لاقي بعض المخرجين معاناة كبيرة في التعامل مع بعض الممثلين والممثلات جراء حالة الإدمان على الكحول و المخدرات، مما تسبب احيانا في إعادة مشاهد التصوير لمرت عديدة، وقد حصل لأكثر من ٤٠ إعادة ، مع إرباك مواقع التصوير، مع الممثلة المدمنة مارلين مونرو كما حصل في فيلم “انهم يفضلونها ساخنة” الذي تطلب إعادة تصوير مشهد لها حوالي ٦٠ مرة، فضلا عن التأخير والغياب ، وذات الحال تكرر مع الممثلة جودي جارلاند.

الاختيار وموازنة توزيع الأدوار

يتذمر الكثير من الممثلين والممثلات من عدم الحصول على فرصة عمل، في حين يتكرر ظهور بعض من زملاءهم الممثلين في أدوار عديدة وأعمال كثيرة مختلفة، فمثلا يحصل الممثل” كيانو ريفز” على بطولة أربعة افلام في عام واحد ٢٠١٥، عدا ادوار المسلسلات التلفزيونية، وغيرها الكثير من حالات التكرار، ومبرر ذلك، اما لسوء إدارة توزيع الأدوار، او لأسباب أخرى، وهذا ما يؤثر على تعطيل جهود ومهارات وكفاءات العديد من الممثلين والممثلات القادرة على أن تؤدي ذات الأدوار وباتقان عال.

والطريف في الأمر، ان الممثل جون ترافولتا، رفض العديد من الأدوار، بسبب كثرة العروض المقدمة اليه، لعدم وجود الوقت الكافي له، مما تسبب في ذهاب بعض الأدوار المهمة الفائضة التي رفضها، الى ممثلين اخرين، كتوم هانكس، وريتشارد جير، وغيرهم.

الاختيار بعد التدريب والاختبار والمنافسة

 يعد التدريب والمنافسة والاختبار، واكتساب المهارة شرطا في طريقة الاختيار، منذ نشأة السينما ولحد الان، ففي فيلم مقتل طاذر محاك “١٩٦٢ تم اختيار الطفلة ماري بادهام لدور تنافست عليه أكثر من ٢٠٠٠ طفلة، وفي فيلم “دكتور سترينج” ٢٠١٦، أذ خضع ١٤ ممثلا تم ترشيحهم لدوربطولة هذا الفيلم بدخولهم مرحلة التدريب على عادات التأمل الذهنية، وكيفية بلوغ حالة السكون، وقد تم  اختيار الممثل بينيديكت كمبرباتش، لبطولة هذا الفيلم، لاكتسابه المهارة، فيما اختير الطفل نيل سيثي لبطولة فيلم “كتاب الادغال”  ٢٠١٦من بين 2000 طفل تنافسوا على هذا الدور، بحثا عن اللياقة والثقة والحضور ورقي الاداء..

وفي فيلم “رجل الملك” ٢٠١٥ اختار المخرج ماثيو فون، الممثل تارون ايجيرتون لدور البطولة من بين 60 ممثل تقدموا للاختبار.

أما في فيلم “المختلفة” ٢٠١٤، فقذ تطلب اختيار الممثلين إلى دخولهم في معسكر تدريبي لفنون الحركات القتالية والرياضية ولمدة شهرين، قبل التصوير، فيما بقيت النجمة ميريل ستريب لمدة أكثر من شهرين وبمعدل ٦ ساعات يوميا متواصلة في التدريب على الة الجيتار في فيلم “ريكي وفرقة فلاش” ٢٠١٥، وكذلك في فيلم “موسيقى القلب” ١٩٩٩ التي تدربت ايضا بعد ان أصبحت بارعة في العزف علي آلة الكمان. .كما تدرب الممثل برادلي كوبر في فيلم القناص الأمريكي عدة ساعات يوميا دروسا في فن الرماية والقنص،. وغيرها الكثير من الاشتراطات التي رافقت الاختيار.

وقد جابهت الممثلة جنيفر لورنس، تحديات صعبة في فيلم “عظم الشتاء” لأجل أداء دور الشابة “آي دولي” منها تسلق الأماكن العالية، والتعامل بقوة مع أخوتها، والتدريب على سلخ جلود بعض الحيوانات واكل لحمها، بما أفادها من إتقان الدور واقعيا. وفي فيلم الشجاع الحقيقي، اختار المخرج ايثان كوين، الممثلة هايلي ستاينفيلد، على أساس أن نجاح الفيلم يعتمد على قوة أداءها، كما وصفه، فهي نجحت بعد ان اجتازت المنافسة للدور مع ١٥ ألف مسابقة.

وفي فيلم “مهمة أندر” ٢٠١٣تطلب اختيار الممثلين دخولهم في مخيم فضائي استعدادا لتصوير مشاهد انعدام الجاذبية، والتي صور بعضها في مجمع وكالة ناسا الفضائية. كما حصل ذات الحال في أفلام عديدة تناولت مواضيع المركبات الفضائية واجواء الجاذبية والفضاء الخارجي.

وفي فيلم “انديانا جونز وهيكل الهلاك” اختار المخرج سبلبيرج مع مدير اختيار الممثلين، 13 صبيا، للقيام بدور الطفل الصيني، الذي جاء لمرافقة شقيقه المتقدم للاختبار مع مجموعة أطفال اسيويين، وفي فيلم “أضواء النهار الحية” ١٩٨٧،خضعت الممثلة مريم دآبو لاختبارات عديدة للقيام بالبطولة النسائية للفيلم، وكان أداءها قد أعجب منتجو الفيلم.

وفي فيلم “الممسوسة” ١٩٨٧، فشل الممثل نيكولاس كيج في اختبار لجنة اختيار البطولة، ولكن الممثلة شير أصرت على أن يشاركها في البطولة، والا ستنسحب من الفيلم، وعندها وافقت اللجنة على منح كيج الدور الذي تألق فيه، كأفضل ممثل، وفي فيلم “إمبراطورية الشمس” ١٩٨٧، تألق فيه بطل الفيلم بدور الفتى الذي جسده الممثل كريستيان بيل وعمره ١٢ عاما، بعد فوزه في الاختبارات التي تقدم إليها ٢٠٠٠ طفل متسابق.

وفي فيلم “رأس الخوف” تدرب الممثل روبرت دينيرو على حركات وتصرفات دور المجرم، وعن سلوكه المشين، بعد أن أمضى عدة أشهر من التمارين الجسمية ومتابعة سلوكيات المجرمين، وكذلك دفع مبلغ ٢٥ الف دولار لتغيير شكل أسنانه، ثم ارجاعها إلى حالتها الأصلية، وبما يلائم مظهر الشخصية التي يجسدها في الفيلم.

وفي فيلم “جيري ماكواير” ١٩٩٦، قام المخرج كاميرون كرو، باختيار ممثلة مغمورة، بعد مقابلة واختبار عدد ليس بقليل من نجمات هوليوود الشابات، وياتي هذا الاختيار كنزعة سادت رغبات اغلب المخرجين في اختياراتهم لممثلات مغمورات، او ممثلين مغمورين، او اشخاصا لم يجربوا التمثيل اصلا، وفي فيلم” إنقاذ الجندي رايان” ١٩٩٨،ولاغراض إتمام الاستعدادات الكاملة لاداء الممثلين، كلف المخرج سبيلبيرج مستشارا عسكريا وخبيرا في شؤون الحرب والعمليات بتدريب عدد من الممثلين لعدة ايام في أجواء وظروف حرب، وبأوامر قاسية في المنام والطعام والتدريب، مما أدى إلى محاولة البعض منهم الانسحاب من التدريب والفيلم، لولا تدخل الممثل توم هانكس باقناعهم والعدول عن قرارهم، وتصوير مشاهد الفيلم، وبتفوق عال.

وفي فيلم “المجالد” ٢٠٠٠، تدرب الممثل راسيل كرو لمدة ستة أشهر على المبارزة بالسيف، وكذلك التدريب مع عدد من النمور الوحشية، استعدادا للظهور والتصوير معها في مشاهد حلبة المنافسة، وفي اطار التدريب والاستعداد العالي في فيلم “الساموراي الاخير” ٢٠٠٣، قام الممثل توم كروز بحوالي سنتين من التدريب على فنون المبارزة والقتال والحركات المختلفة على الخيول، وتعلم التحدث بالكلمات اليابانية واجادتها، مع تحمل مواجهة المخاطر من عمليات التدريب، استعدادا لاتقان دور البطولة.

وفي فيلم” آلام المسيح” ٢٠٠٤، اختار المخرج ميل جبسون الممثل جيمس كافيزيل للقيام بدور السيد المسيح، لتشخيص السمات الإنسانية الواضحة فيه، وفي تمرينات عدة، بقي الممثل كافيزيل قرابة اسبوعين معلقا على الصليب خلال فترة تصوير مشاهده، فضلا عن عمليات المكياج التي تجرى له قبل مشاهد التعذيب لعشر ساعات كل مرة.

وفي فيلم “كنج كونج” ٢٠٠٥، تدرب الممثل اندي سركيس على ارتداء بدلة القرد لعدة اشهر، مع دراسة شاملة لسلوك القردة  وحركاتها، مع العيش لفترة مع أجواء تواجد القردة في مناطق أفريقية، وهذا ما يعزز القدرة والامساك بمتطلبات الدور.

وفي اطار المنافسة الشديدة للحصول على دور البطولة، في فيلم “شفرة دافنشي” ٢٠٠٦، تنافس عدد من الممثلين النجوم، منهم راسيل كرو وجورج كلوني والف فانيس وبيل باكستون وهيو جاكمان، وبعدها أصبح الدور للممثل توم هانكس، اما البطولة النسائية، فقد تنافست كل من كيت بيكنسديل وصوفي ما سو وفرجينيا ليدوين وجوديث جودريش وليندا هاردي وجولي ديلبي، وبعدها أصبح الدور للممثلة اودري توتو.

  • كاتب وأكاديمي من العراق
Visited 12 times, 1 visit(s) today