حول الدورة الـ 27 من مهرجان الفيلم العربي بفاماك

Print Friendly, PDF & Email

جاءت فكرة تنظيم المهرجان حينما بادر شابان من منطقة فاماك، العمالية الفرنسية التي تضم عددا كبيرا من العمال المغاربيين، والواقعة بوادي فينش القريب من مدينة “ميتز” الجميلة، والمتاخمة بدورها للوكسمبورغ والحدود الألمانية، إطلاق دورة للتعريف بالثقافة العربية بين سنتي 1989 و1990، والعناية بالسينما بشكل خاص، فأتت الفكرة أكلها، وكانت انطلاقة أول دورة سنة 1990 بالمركب الاجتماعي للمدينة، ودعم من فيدرالية الأعمال العلمانية ومركز “جون موريت” بفاماك.

تضم المنطقة عدة مجموعات إثنية تتجاوز 15000 ساكن، جاؤوا من المغرب وتونس والجزائر للعمل بمصانع الفولاذ بمنطقة اللورين، إلا أن الاقتصاد والعمل ساهما في اغتصاب البعد الثقافي في حياة تلك الساكنة الوافدة، فجاءت فكرة المهرجان لتعزز ذلك الإرث، وهذا ما جعلها تتحول إلى بؤرة إشعاع ثقافي بشرق فرنسا بعد أن تمكن الشباب بفضل السينما من التعرف على جذورهم، واستعادتها وتطويرها.

كانت الدورة الأخيرة من المهرجان فرصة لالتقاء مئات الشخصيات الثقافية والسينمائية المنحدرة من بلدان المغرب العربي، والبلدان العربية الأخرى، للتواصل عبر السينما مع سكان المنطقة لمناقشة بعض الهموم، الخاصة والعامة، المشتركة بغية توطيد أواصر التثاقف وإدامتها لتعويد عشرة آلاف شخص على الاستفادة من خدمات المهرجان وتجاوزها.

أفلام العرب

عرض المهرجان خلال هذه الدورة ما يزيد عن أربعين فيلما روائيا، طويلا وقصيرا، ووثائقيا، ومن بينها العروض الأولى لبعض الأفلام، وذلك بهدف تشجيع بعض التجارب السينمائية الناشئة. فقد عرفت البرمجة قرابة مائة وعشرة عروض فيلمية لعدد من الدول العربية منها المغرب ومصر وتونس والجزائر وموريتانيا وسوريا وفلسطين ولبنان والعراق وغيرهم فضلا عن برنامج خاص تحت عنوان: “انفتاح على العَالَم” يتضمن بعض الإنتاجات المنفتحة على الثقافة العربية كالسينما الإيرانية أو الأفغانية.

ينتصر المهرجان لعرض التجارب السينمائية العربية الجديدة والمُجَدِّدَة، ورفدها ببعض العروض الفنية، والمعارض، والصناعات التقليدية، وفن الطبخ، والفلكلور، والكتاب، لتحقيق رؤية متكاملة حول الثقافة، وإرساء فكرة التكامل بين مختلف أنواع الإبداع خاصة وأن السينما كفن حديث وحداثي يستطيع الجمع بين كل هذا، وتقديمه وفق تصور أصيل يجعل من الصورة السينمائية، باعتبارها أكثر استعمالا بين الشباب، وسيلة ناجعة لترويج الثقافة.

احتفت دورة هذه السنة بالسينما المغربية؛ إذ حرص المنظمون على حضور عدة وجوه للمشاركة في الندوات ولجان التحكيم وتقديم الأفلام سواء تلك التي كانت مبرمجة ضمن المسابقات أو العروض الموازية مما أعطى صورة عامة عن واقع الممارسة السينمائية بالمغرب، وتقريبهم من مواضيعها ومشاكلها ضمن حراك ثقافي مدعوم من طرف الدولة باستثناء بعض المبادرات التي تجد لها أفقا آخر بالخارج، وخاصة بفرنسا.

موائد مستديرة

ناقشت الموائد المستديرة للمهرجان عدة قضايا تتعلق ببعض الموضوعات التي تتناولها الأفلام، والتي تشغل الرأي العام العربي والدولي كالحرية واستقلالية الصحافة إضافة إلى لقاءات المهنيين التي جمعت بين متدخلين معنيين بالتعاون المغاربي الفرنسي في قطاع السينما كما هو الحال بالنسبة للمائدة التي شارك فيها المغاربة مراد بوسيف ومحمد العيادي وعبد الرزاق الزيتوني والفرنسية “بريجيت أكنين” والمخرج الجزائري كريم طرايدية.

عرف المهرجان لقاء مفتوحا مع الكاتب الفرنكومغربي الطاهر بنجلون، الحائز على جائزة الگونكور سنة 1987 عن روايته “ليلة القدر”، وعضو لجنة تحكيمها؛ إذ تحدث عن السينما التي اعتبرها “مرآة للمجتمع لأنها تقدم معلومات عن تطوره” كما خاض في قضايا الهجرة والسياسة والتطرف والإرهاب والدين الذي بات يفسره في كتبه الأخيرة بطريقة قد نختلف أو نتفق معه حولها للأقارب والعموم مما جعل اللقاء يتميز بنوع من النقاش الذي لم يسلم من الجدل.

منحت لجان التحكيم الخمسة جوائزها لعدة أفلام عربية، فنال فيلم “اشتباك” للمخرج المصري محمد دياب جائزة لجنة التحكيم التي ترأسها الكاتب المغربي الطاهر بنجلون، وضمت في عضويتها التونسية دليلة شكري (مخرجة ورئيسة المهرجان الدولي لسينما الشرق بجنيڤ)، والناقد السينمائي والمخرج التونسي فريد بوغدير، وليان شواف (مسؤولة قطاع السينما بمعهد العالم العربي)، ودونيس بلوم (رئيس الجمعية المستقلة للسينما بالشرق الفرنسي).

وحاز فيلم “ثلاثة آلاف ليلة” للمخرجة الفلسطينية مي المصري على جائزة الصحافة التي ترأسها الناقد السينمائي الفرنسي “باسكال بينيتروي”، وضمت في عضويتها محمد اشويكة، والصحافي الفرنسي “ڤانسون دييتش”، والكاتب والناقد السينمائي الفرنسي “جون ماكس ميجون”، والصحافي والناقد السينمائي الفرنسي عبد الصمد سحالي. وحصل فيلم “رجال من طين” للمخرج المغربي مراد بوسيف على جائزة لجنة التحكيم الشابة المتكونة من عدة تلاميذ بثانوية “سنت إيكسوبيري” بفامك.

ضد القوي

ونال جائزة الفيلم الوثائقي “ضد القوى” للمخرج الجزائري مالك بن اسماعيل كما نوهت اللجنة بفيلم “في رأسي دوار” (في راسي رونمبوان) للمخرج الجزائري حسن فرحاني على تنويه خاص من لدن لجنة التحكيم التي ترأسها المخرج الفرنسي “ألان كريتيان” مرفوقا بمديرة مهرجان “Caméras des champs” السيدة “ليك ديلما”، و”بونوا جيورجيني” (منتج ومدير قاعة سينمائية).

وفاز فيلم “حديقة التجريب” للمخرجة الجزائرية الفرنسية “دانيا رايمون” بجائزة لجنة تحكيم الفيلم القصير التي ترأسها آمنة لمرابط (أستاذة السينما بجامعة آميان) بمعية “كلير كاهن” (ممثلة ومخرجة)، و”بلاندين گلامزيفسكي” (مديرة المهرجان الدولي للفيلم بلورين)، و”ليك لبرييت” (أستاذ بثانوية الاتصال بميتز). وعادت جائزة الجمهور لفيلم “حظ سعيد للجزائر” للمخرج فريد بن التومي.

تفاعل الجمهور بشكل إيجابي مع الأفلام والضيوف وخاصة مع فرقة الدقة المراكشية التي افتتحت المهرجان على إيقاعات مرحة تعكس نمط العيش المراكشي البهيج، وتفتح للجمهور نوافذ على الفن والأدب المغاربي والعربي المكتوب بالفرنسية أو الرائج في فرنسا بشكل عام، وتنظم لقاءات وحفلات توقيع كتب أو دروس حول سينما بعض المخرجين المغاربيين كسينما هشام العسري التي نشطها المخرج والممثل علي الصميلي، وهي فرص حقيقية للانفتاح على رؤى صناع السينما الجدد وربطها بما أنجزته الأجيال السابقة، وبالتالي، مناقشة ما هو كائن بناء على ما تحقق، واستشراف القادم الذي قد يتخلص من كافة أشكال الارتهان إلى الرقابات الداخلية أو التبعيات الخارجية.
تعليقات القراء

Visited 6 times, 1 visit(s) today