الفيلم المصري “هيبتا”.. المحاضرة الأخيرة والسبعة الضالة!

Print Friendly, PDF & Email

ربما لم تكن رواية أدبية عظيمة لكنها بحكم تمحورها حول الحب؛ ذلك اللغز الكامن في حياة الجميع والقاسم المشترك في اهتمام الرجل والمرأة في كل الأعمار والمراحل؛ كان لها هذا الصدى الكبير سواء في صورتها الورقية كرواية تدعى”هيبتا” للكاتب محمد صادق والتي لقيت نجاحا كبيرا، أو في صورتها السينمائية في فيلم بنفس اسم الرواية “هيبتا” والتي لقيت أيضا نجاحا كبيرا خاصة من فئات الشباب والمراهقين كأعمار أبطالها.

هي عن الحب وليست حوله فقط ؛ تحاول تحليله وتشريحه لقواعد وأسس ونظريات تبدو مغرية لجموع المتعثرين في فهم مشاعرهم وعلاقاتهم وإن كان الكثير منها لا يزيد حقيقة عن محاولة للتفلسف وصناعة الحكمة المفتعلة لكن رغم ذلك يظل الأمر جذابا ومثيرا للرغبة في التعرف على كل ما قد يفيد في فك شفرات العلاقات العاطفية، وهي نقطة الجذب الأولي للرواية بالإضافة لتنوع للحالات العاطفية الأربعة التي قسمت لها الرواية (أ ، ب ، ج ، د) وتميزت بتنوع ثري في شخصياتها وتفاصيلها وتباين أعمارها ومراحلها وتركيباتها مما كان أهم نقاط القوة في بناء الرواية وما جعلنا نتوقع استثماره ببراعة بصرية في فيلم سينمائي يسهل توقع نجاحه بشكل يفوق الرواية الأدبية، لكن يبدو أن”هيبتا.. المحاضرة الأخيرة” الفيلم لم يستفد تماما من هذه المقومات وبالتالي هذه الفرصة لعمل فني جيد رغم النجاح الجماهيري.

الكمال في الحب

في الفيلم نجد الكاتب الكبير د. شكري مختار (ماجد الكدواني) يلقي محاضرة في مسرح كبير عن الحب ومراحله السبعة التي تنتهي بالـ”هيبتا” وتعني رقم 7 باللغة اليونانية والذي يرمز للكمال، ويمثل في رأي الكاتب المرحلة الأخيرة لنجاح العلاقة العاطفية وهو ما يعني مرحلة الكمال، تُبنى هذه الفكرة من خلال سرد د. شكري لأربع قصص أو حالات لأشخاص مختلفين تبين نشأة علاقة ما وأزماتها وتصاعدها عبر مراحل مختلفة ومصيرها فينفذ من خلالها لتشريح عِلل هذه العلاقات وما لم يستطع أبطالها فهمه والتعبير عنه ليصل بنا لقواعد وقوانين نهائية عبر عنها الفيلم بكتابتها على الشاشة محولا مشاهديه بذلك إلى جمهور محاضرة تعليمية لم يأتوا إليها بالطبع وهو أسلوب تقريري لا يناسب فكرة الدرام.

بتتابع السرد الذي يصور الشخصيات الأربعة بالانتقال بينها بترتيب معين نستطيع تبين عدم استفادة المخرج هادي الباجوري بشكل جيد من خبرته في إخراج الكليبات الفنية وتحديدا ميزة القدرة على الجذب البصري وتجدد الإيقاع والذي كان رتيبا إلى حد كبير خاصة في النصف الثاني من الفيلم، زاده سوءا التتابع الكلاسيكي السيمتري الذي صار متوقعا للمشاهد، والذي غذى رتابته الانخفاض العام لأداء معظم الممثلين وإن كان أغلبهم قادرا على الأفضل.

 وقد يكون من أسباب ذلك نقص تفاصيل الشخصيات التي تكفي لجعلها قريبة الأعماق والتي إن قارناها بالرواية لبدت أكثر اختزالا لأعماقها وأكثر سطحية بينما العكس هو المتوقع على الشاشة ، لكن الواقع أن تركيبة الشخصيات كانت أكثر وضوحا وتميزا في الرواية التي مدت بالكلمة خيوطا للخيال تمكن القارىء من إكمال الفراغات البينية للصورة الذهنية لتصبح متخيلة وكان على الفيلم الذي يقدمها أن يسد هو دراميا وبصريا هذه الفراغات ، لكن على سبيل المثال بدت شخصية “رامي”الفنان” أكثر تسطيحا ومباشرة عما هي، ولم نلمس رومانسيتها وغموضها واغترابها المحسوس وهي تفاصيل كانت جاهزة كفيلة بإثراء الشخصيات على الشاشة لكنها افتقدت، ولو كانت ملئت وكانت مقنعة لما استدعينا مقارنتها بالرواية.

 كذلك فقدت شخصية”علا” الكثير من روحها التي تجمع بين الرقة وملامح النضج العقلي والذكاء فبدت عصبية حادة دون رقة أو ذكاء، وكذلك”يوسف”اختصرت الكثير من تفاصيله النفسية كشخصية صعبة المراس معقدة الأعماق حادة متصارعة ذات تاريخ متشابك ليظهر يوسف آخر هشا مسالما مختصر الأبعاد ومسطحها. أما”رؤى”بعد أن كبرت فتعبيراتها المبالغ فيها والتي قد تكون نيللي كريم  أدتها كما طلبت منها؛ لا تنم عن فهم لشخصية رؤى غير مفرطة الرقة أو الرومانسية والتي لا تعبر عن عاطفتها بشكل مبالغ أو تقليدي، كذلك”سلمى” الحبيبة السابقة ليوسف تلك الشخصية الهادئة المسالمة التقليدية الصبورة على حبيبها بدت عصبية انفعالية، هذا عن رسم الشخصيات على الشاشة والذي ليس بالضرورة أن يلتزم فيه الفيلم أبدا بالرواية لكن على الأقل أن تكون الشخصيات مشبعة ومتسقة مع إطارها خاصة أنها العنصر الأكثر بريقا في الرواية التي اختار الفيلم تجسيدها ونقلها.

عن الأداء التمثيلي

فإذا انتقلنا للحديث عن التمثيل فإن أحمد مالك يعتبر الأكثر تميزا أدائيا، فقد تشرب أعماق الشخصية بسلاسة ولم يبخل بانفعالات صادقة عميقة دعت للتعاطف الحقيقي مع شخصية كريم المراهق المريض الوحيد وتصديقها، وجاء ظهور الطفل عبد الله عزمي في دور”شادي” مثيرا للإنتباه بطبيعية أدائه وتلقائيته مع الكاميرا والدور بحضور جميل لطفل وتعبيرات قوية، وكان الفنان أحمد بدير أيضا ذو حضور قوي مؤثر في دور”عبد الحميد”زميل كريم في المستشفى، وكذلك كان محمد فراج مؤثرا ومقنعا في دوره الصغير كفرد من جمهور المحاضرة يناقش أحيانا د. شكري، وأدت ياسمين رئيس دورها وعبرت عن شخصية رؤى بشكل موفق يدل على فهم جيد للطبيعة الخاصة لشخصية “رؤى”.

ورغم أن ماجد الكدواني أعطى بأدائه الصوتي على وجه الخصوص تأثيرا قويا وجذابا لكن يظل دوره هنا واحدا من أدواره الجيدة في إطار معتاد بتعبيرات معتادة؛ فرغم تقدير كفاءته كممثل جيد لكن المتابع لأدواره يجد أغلبها ينقسم لوجهين يديرهما بإتقان جميل يغفر التكرار واقترابه من نمطية الأداء فيمكننا تخيل أدائه والمفاجأة به في ذات الوقت سواء في الأدوار الكوميدية الساخرة أو الجادة الساخرة، أما جميلة عوض (دينا) فظهرت باردة متبلدة بعيدة لم تعط بصمة أو بعدا للشخصية مع التقدير لطبيعة السن الذي تؤديه الذي لا يتطلب تعبيرا يبدو ناضجا، هذا باستثناء لقطات خاطفة منها مشهد بكائها من والدتها رغم أنها تملك الأفضل.

أما أحمد داوود (رامي) فرغم قدراته إلا أنه بدأ يدخل أيضا في طور التنميط الأدائي؛ فتعبيراته باتت مؤخرا تتطابق ببسمة دائمة ساخرة مستكينة صارت تلازمه في معظم أدواره بالإضافة لنبرة صوته المبتلعة للداخل تأثرا بأدواره للشخصيات الشعبية التي أجادها بواقعية؛ مع محاولة سطحية لتفادي ذلك أحيانا لا تجد كثيرا ، وهذا التنميط في الأداء أول إشارات الخطر للممثل الموهوب وليس أسوأ من أن يتوقع المشاهد كيف سيؤدي فنان دورا ما ، دينا الشربيني أيضا كانت في بؤرة التسطيح فلم تنجح في خلق روح شخصية علا الرقيقة والناضجة والذكية معا، ولم يكن عمرو يوسف الأنسب تماما لهذا الدور سواء على المستوى الشكلي لشخصية تتآكل ذهنيا ونفسيا لحد الانتحار ومفترض أن يشي جسدها وملامحها بهذا الصراع العميق أو الأدئي فرغم جهده كانت تعبيرته راكدة لم تصل بالمشاهد لأعماق الشخصية المثقلة وعالمها الداخلي وإن نجح في رسم خطوطها العامة والتعاطف معها، وهذا العدد غير المتوقع للأداء المنخفض لممثلين جيدين في الأساس إنما يدفعنا لأن نشير لغياب تأثير وتوجيه المخرج بالأساس.

وما زال الحديث عن الشخصيات يتسع للمزيد من الصدمات، فالفيلم يعتبر اختلاف ألوان البشرة والعيون بل اختلاف ملامح الشخصيات بشكل كامل في مراحلها العمرية المختلفة مجرد شكليات، فنفس الشخص الذي كانه أحمد مالك ذو البشرة البيضاء والعينين السوداوين صبيا صار أحمد داوود شابا ثم عمرو يوسف بعينيه الملونتين وبشرته البيضاء والأكثر طولا رجلا  ثم عاد وصار أسمرا بعينين سوداوين كهلا (ماجد الكدواني) وهذا الأخير هو نفسه جميع الشخصيات السابقة فصار  بذلك ما كان مقبول دراميا كتابة يحمل خللا بصريا عميقا على الشاشة صار بدوره خللا دراميا، وفي مزيد من تألق عصا السحر صارت ياسمين رئيس ( رؤى ) هي نيللي كريم بعد مرور الزمن ودينا الشربيني ( علا ) ببشرتها السمراء وعينيها السوداوين صارت مرة واحدة شيرين رضا ببشرتها البيضاء وعينيها الزرقاوين بهذه البساطة.

أزمة الفقد

التزم الفيلم في أغلبه بخطوط الرواية بشكل كبير مع تغذية وائل حمدي لمعالجته بمواقف موفقة مثل مشاهد الطفل”شادي” التي كانت مناسبة ومغذية لماضي الشخصية التي تتطور باستثناء ما يخص تفاصيل الأب والأم التي لم يكن هناك داع للتوسع فيها، مع إبراز موفق لأزمة الفقد في قصص الشخصيات مما يقوي ربطها بخيط واحد مستمر وإن حطمه الفيلم بالتقاء الشخصيات بشكل عابر في بعض المشاهد بينما هم شخص واحد وقد يكون الفيلم أراد بهذا التداخل الإشارة لارتباط الشخصيات لكنها إشارة لم تكن موفقة حيث بدت نافية لما تبنيه في النهاية بأن كل الشخصيات لشخص واحد في مراحل مختلفة فكيف لها الالتقاء؟

وهنا نصل للتغير الأهم الذي قام به وائل حمدي بجعل الشخصيات الأربعة هي نفسها شخصية د. شكري مختار وهو ما كان يمكن أن يكون جيدا إن بدا مقنعا على الشاشة وهو ما لم يحدث كما أوضحنا، كما لم يوفق في تبرير اختيار شكري لإيقاف سرده وإنهاء الحكاية بموت يوسف إثر سقوطه من سور الشرفة فاكتفى بقوله “لأننا جميعنا سنموت” وهي الإجابة المفلسة التي أجاب بها رؤى حين سألته نفس السؤال.

 وبقدر ما أراد الفيلم الحفاظ على روح الرواية وأحداثها وتفاصيلها أخمد وهج أكثر مشاهدها بريقا والتي تصلح لصبغ الفيلم بواقعية سحرية جذابة وممتعة بصريا؛ كمشاهد رؤى ويوسف التي بدت على الشاشة مصنوعة متوقعة كمجرد تنفيذ حرفي لشكل دون وهج أو خيال مؤثر، وبدت علاقة رامي وعلا سطحية ساذجة خاصة بمشهد “الشات” واستعراض رسوماته ووجوهه التعبيرية بشكل مبالغ يفرغ الحوار من جاذبيته مع الإصرار على أن نرى هذه الرسومات والوجوه بينما الجمل ينطقها طرفا الحوار.

 واستكمالا للحالة السطحية في تناول الفيلم وعرضه يأتي وضع قواعد من محاضرات د. شكري القائم بدور الراوي العليم ببواطن الأمور كفواصل مكتوبة تعليمية وعظية مباشرة تليق بفيلم وثائقي لا فيلما روائيا، ليكون اللافت للنظر أن الفيلم الذي كان منشغلا باستعراض قواعد الكمال في العلاقات والحب بمراحله السبعة التي تبدأ من البداية واللقاء لتنتهي بكمال الهيبتا؛ نسي وضل الوصول إلى هيبتاه .

Visited 61 times, 1 visit(s) today