“سرقات صيفية”.. بقايا ذاكرة وأطلال ثورة

Print Friendly, PDF & Email

ليس سهلا أن يولد عمل روائي طويل أول بمثل هذا التماسك، وبتلك الرؤية الناضجة لسنوات التحول في الستينيات، وما وصلت إليه تلك الأحلام في نهاية الثمانينيات، بحيث تقدم هذه الرؤية في إطار ذكريات جميمة، حافلة بالتفاصيل، فلا نفتقد الأبعاد الإنسانية، ولا نفتقد الأفكار الهامة التي تدعو الى التأمل.

توفر ذلك الى حد كبير في فيلم “سرقات صيفية” من تأليف وإخراج يسري نصر الله في فيلمه الروائي الطويل الأول، والذي عرض في العام  1988.

 في التجربة أصداء كثيرة من اهتمامات نصرالله بتأثير الظروف والتحولات الإقتصادية، وفيها أيضا ملامح أسلوب يتشكل محاولا التكثيف سردا وصورة، وإن ظهرت تأثرات واضحة في الفيلم بطريقة يوسف شاهين وأسلوبه، بالذات في بعض مشاهد حركية سريعة ومفاجئة للممثلين، وهم يلقون الحوار بسرعة واضطراب، ولكن من النادر، بشكل عام، أن يكون المستوى التقني والبصري بمثل هذا المستوى الرفيع، لمخرج جديد في عمله الأول.

تغييرات شاملة

لعل أقرب عمل من أفلام يوسف شاهين الى “سرقات صيفية” هو فيلم “فجر يوم جديد” بطولة سناء جميل وحمدي غيث وسيف عبد الرحمن، الذي يتأمل أثر قرارات يوليو الإشتراكية  في مصر على أسرة ثرية، ولكن بينما كانت النظرة الرومانتيكية المنفائلة سائدة في فيلم شاهين، وخصوصا في النهاية، فإن فيلم نصر الله يمزج بين نوستالجيا رومانيتيكة قوية وبين تحليل سياسي واجتماعي أكثر نضجا وعمقا، وهو أمر طبيعي للغاية، لأن شاهين قدم فيلمه في ذروة الصعود الثوري الناصري، ومن قلب التجربة في تطبيقها الراهن، ولكن نصر الله كتب وأخرج فيلمه بعد أن مرت سنوات طويلة على قرارات يوليو الإشتراكية، تعرضت فيها التجربة الناصرية لنكسات خطيرة، وتغيرت فيها أحوال العمال والفلاحين، وحدثت صدمة هزيمة 1967، وتولي أنور السادات ثم حسني مبارك، وطبقت سياسة إقتصادية مغايرة هي سياسة الإنفتاح الإقتصادي، وتواكب ذلك مع سفر الفلاحين والعمال المهرة للعمل في الدول العربية، وبالذات الى  ليبيا والعراق ثم الى دول الخليج.

كان يمكن ليسري نصر الله أن يكتفي ببقايا ذكريات قروية عذبة للطفل ياسر في قريته ( تم التصوير في قرية في محافظة الشرقية)، بل كان يمكن أن يكون ياسر هو سارد الفيلم كله من وجهة نظره الذاتية، والحياة من خلال عين طفل يمكنها أن تكون مثيرة وجميلة وثرية، وما رأيناه في فيلم نصر الله من ذكريات وشخصيات في طفولة ياسر يكفي تماما لعمل فيلم جيد ومؤثر، على أن تكون قوانين يوليو الإشتراكية مجرد خلفية لهذه الذكريات الحميمة.

ولكن “سرقات صيفية” أكثر تعقيدا من ذلك، إنه يستغل بقايا ذكريات لكي يتأمل أصداء تلك التغيرات الإقتصادية على الأسرة الثرية التي تملك الأرض، وعلى الفلاحين معا، وعلاقة الطفل ياسر، ابن العائلة الثرية، مع الطفل ليل، ابن الفلاحين الفقراء، وعلاقة الشابة داليا، ابنة الأغنياء، مع الضابط الشاب عبد الله، ابن الفلاحين الغلابة، هذه العلاقات لا تعمل كذكريات رومانيتيكة منعزلة، ولكنها تصب في التحليل العام  للعلاقة بين الطبقات، وبين الأغنياء والفقراء، في إطار تغييرات ثورية  لشكل الحياة المصرية.

الفيلم إذن تتقاطع فيه الأحلام الفردية الخاصة مع الأحلام الوطنية العامة. فيه مساحة كبيرة للتفاصيل الإنسانية البسيطة، وفيه أيضا نظرة تحليلية للتجربة السياسية والإقتصادية، محاولة تذكرنا، مع الفارق بالتأكيد، بمحاولة برتولوتشي في ملحمته” القرن العشرون”، حيث يحلل سياسيا واقتصاديا من خلال علاقات إنسانية بين أسرة غنية، وأخرى فقيرة، وليس من خلال خطب وشعارات.

لكن فيلم نصرالله لا يغلق أقواسه في السيتينات، وكان يمكن أن ينهي فيلمه بانهيار علاقة ياسر وليل نهائيا، ليصل إلينا المعنى بأن المسافة الطبقية لن تزول، وأن صداقة ابن الأغنياء وابن الفقراء ستظل هشة، وستتحطم عند أول اختبار كبير، إلا أن الفيلم يقفز عشرين عاما لكي يتأمل ما وصلت إليه الأحوال، وهكذا نشاهد حال الأرض، مركز الصراع، وحال الفلاحين، ومصائر ياسر وليل، ومصير أفراد الأسرة الغنية التي تشتت أفرادها.

هذه الإضافة أثرت الفيلم، ومنحته عمقا وتفردا، تأكدت تماما خطة المعالجة الذكية في استيفاء الخاص والعام معا، وفي الجمع بين الذاكرة الخصبة الرومانتيكية عن الريف وأهله، وبين التحليل المدهش لحصاد التجربة بعد انكسارها، بحيث يحق لنا أن نصف “سرقت صيفية”، بأنه “بقايا ذاكرة وأطلال ثورة”: ذاكرة شخصية عن تشكل وعي طفل، وسط تشكل وعي ثورة، ولكن الثورة لم تنجح في تغيير الأحوال بعد عشرين عاما من محاولتها عبر قوانين يوليو الإشتراكية، بل إن الطفل ياسر الذي صار شابا، وأيضا ليل الشاب، سيتركان الوطن كله، وليس القرية وحدها، أما الأطلال فنراها أمامنا مجسدة، فتذكر ياسر بالأطلال التي شاهدها أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، فكأننا أمام أطلال مكان، وأطلال ثورة.

أجيال وثنائيات

سيناريو الفيلم الممتاز يحكي ويحلل في نفس الوقت، ويدير لعبته على أساس ثنائيات من عدة أجيال، لها آراء وأفكار مختلفة: ياسر وليل، ومنى وشقيقتها ريما، وداليا وعبد الله، وتفاصيل هذه العلاقات الإنسانية والعائلية تتقاطع مع اختلاف الآراء والأفكار، وعلى خلفية من اعلان عبد الناصر لقراراته الإشتراكية، التي منحت العمال مكاسب وأرباحا خاصة، وجعلتهم في قلب مجالس الإدارات، والتي أدت الى تأميم البنوك والشركات الكبرى، والتي حددت أيضا من جديد سقف الملكية الزراعية للأفراد والعائلات.

ياسر وليل علاقة تثير التأمل، ابن الأغنياء أحب الحياة في الريف، وعشق الفلاحين، وجد حياته الرسمية المحدودة فقيرة بالنسبة لعلاقتهم الحرة بالطبيعة، حتى الشاب الغريق عنتر، وجده جميلا ولامع الجسم، ولم ير فيه إنسانا ميتا.

يصبح ليل بالنسبة الى ياسر دليله الى هذه الحياة الحرة المنطلقة، ومنقذه من حكايات خرافية عن العفاريت والغيلان، وهو أيضا من سيعلمه السباحة، التي لا تعني الحركة والنشاط والإنطلاق فقط ، ولكنها تعنى أيضا مواجهة خطر البلهارسيا، يصبح ليل مفتاح تحدي القوانين العائلية، التي تمنع ياسر من الإقتراب  من الفلاحين، ولكن هذه العلاقة الرومانيتيكية والإنسانية تتعرض لاختبار أخير يكشف هشاشتها.

أما جيل منى وريما فهو أيضا له همومه واختلافاته، منى عملية لا تفكر إلا في الأرض، تحتقرالفلاحين وتريد أن تطردهم منها، ولكن صدور القوانين الإشتراكية تجعلها تدعو الفلاحين الى وليمة هائلة، علاقة منى مع سعيد رجل النظام الجديد فيها قدر من العشق، ولكن فيه أيضا رهان عملي صائب على المستقبل، حيث نرى سعيد في نهاية الفيلم وهو عضو في الحزب الحاكم.

 منى هي وريثة الباشا، الذي يقدم الفيلم قصة استصلاحه للأرض من خلال الفلاحين بصورة هزلية، وبالأبيض والأسود، لقد أقنع الفلاحين بأن عليهم أن يبحثوا عن كنز مدفون، ومن يعثر على الكنز يمتلكه، لم يكن هناك كنز، كانت هناك الأرض الكنز التي استحوذ عليها الباشا، وحصل الفلاحون منها على الفتات، عرفت منى معنى الكنز، ولم تتردد في المحافظة على الأرض.

ريما، على العكس، متعاطفة مع الفلاحين، وتبدو مأزومة بسبب فشل حياتها الزوجية، ونتيجة انعكاس هذا الفشل على ياسر وأخته، فكرة امتلاك الأرض لا تؤرقها مثل منى، والفلاحون بالنسبة لها بشر يستحقون التعاطف,

ما بين جيل ياسر وليل الأصغر، وجيل منى وريما الأكبر، يتبلور جيل الشباب الأوسط سنا، وتمثله ريما وعبد الله.

داليا تناقض أمها وعائلتها وطبقتها كلها في الإنحياز الى القوانين الإشتراكية، بل وتقول إنها ستشارك في بناء المجتمع الإشتراكي الجديد، داليا قوية الشخصية، التي تعرف ما تريد، هي التي ستسرق أجهزة الراديو الشخصية لأفراد العائلة، لكي تضعها بجوار بعضها البعض، ثم تفتحها بصوت عال، لكي يسمع الجميع خطبة عبد الناصر وقراراته،  وداليا أيضا هي التي ستضرب ياسر، لأنه باع صديقه ليل من أجل أن يظل مع أمه، داليا نموذج فريد وهام، وكان موجودا بالفعل في تلك الفترة، وكأن ثورة عبد الناصر أنقذت هذا الجيل من حياة رتيبة وتقليدية، وكأنها ثورة تدعم ثورة هؤلاء الشاب الخاصة على كل الحياة القديمة.

أما عبد الله فهو أكثر ضعفا وشعورا بالنقص من داليا، ابن فلاح توسط له الأغنياء فالتحق بالكلية الحربية، ولكنه ما زال يشعر بالمسافة بينه وبين داليا، وأم عبد الله ستطلب من داليا صراحة أن تبتعد عن ابنها، القرارات وحدها لن تذيب الطبقات، وعبد الله وأمه نموذجان واضحان على ذلك، بينما تبدو داليا أكثر إيمانا بالقدرة على التغيير الشامل.

شخصيات ونماذج

هذه الثنائيات الثلاثة المحورية في السيناريو يدعمها الرسم الجيد للشخصيات سواء من الفقراء أوالأغنياء، رجال العائلة الثرية الذين تتضارب آراؤهم ومواقفهم من الأرض والفلاحين: عماد وداغر وعزيز، والفلاحون والفلاحات الذين يستقبلون القرارات بفرحة غامرة، بينما تنخرط عيشة وزكية وخضرة في حياة يومية لا تتغير، عيشة الأم الحنون ل ياسر، وزكية ذاكرة التاريخ الأسطوري المتحرك، التي تتحدث عن الغيلان والأموات، والتي تطارد الحيوانات وتتحدث إليها، والتي يكسرها تماما أن تتهم بالسرقة بعد كل هذا العمر الطويل، وخضرة التي تسعد بصداقة داليا، وبمحبة ياسر، ولعلهما بالنسبة ل داليا وياسر محاولة أعمق لاكتشاف الآخر، ولاكتشاف حضوره الجسدي أيضا.

وسط الجميع تبدو الجدة منعزلة تماما، حتى مساجلات بناتها ينقلها إليها ياسر عبر تليفونه البدائي، موت الجدة، وانعزال أمينة في حجرتها، يبدو كما لو أنها عناوين لنهاية الأسرة، ولنهاية المجتمع القديم، نرى الجدة وهي تتأمل صورا فوتوغرافية لأفراد العائلة، و يبدو حوارها الصامت مع زكية بمثابة محاولة اعتذار متأخرة، عالم يتداعى، فهل يولد بدلا منه عالم جديد؟ وهل نصر الله لا يدرك مشكلات النظام الناصري رغم أحلام عبد الناصر الجارفة؟

في الفيلم إشارات واضحة لطبيعة النظام وتناقضاته، الذي يطبق قرارات إشتراكية، بينما يعتقل الشيوعيين، والذي يشحن الفلاحين الى الإسكندرية، لكي يحضروا خطاب عبد الناصر، ولكي يصفقوا له، مقابل ربع الجنيه لكل فرد.

وشخصية مثل سعيد، الذي يبدو معتمدا على سطوته وقوته، وكثيرون مثله، يجعل من ألباع النظام نماذج مؤلمة ومتلونة، وكأنهم يصفون حسابات شخصية، وارتباط منى مع سعيد بعد طلاقها له مغزى واضح في احتماء الأرستقراطية الغاربة برجال الثورة، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

الإنساني والسياسي

هنا لوحة سياسية واجتماعية بقدر ما هي إنسانية، حتى مفهوم السرقات الصيفية يكتسب معنى مزدوجا بديعا، إنها ليست مجرد سرقات طفولية مثلما فعلت داليا بجمع أجهزة الراديو، ولكنه  أيضاتعبير أطلقه الأثرياء على اجراءات التأميم، وتوزيع أراضيهم على الفلاحين، والفيلم يتأمل معنى السرقات، وتأثيرها، على كلا المستويين، لا يفلت منه الخط السياسي والإجتماعي والإقتصادي، ولا يفلت منه الخط الإنساني، ومستوى الذاكرة الشخصية الخصبة، والحافلة بالتفصيلات.

لم تعد القرارات الإشتراكية مجرد خلفية نسمع عنها، وإنما صارت تنعكس على سلوك الأسرة في أجيالها المختلفة، وفي علاقتهم مع الفلاحين والأرض، ومع التداخل الكامل بين أهل القصر، وبين عيشة وذكية، فإن مشاهد استحمام الأطفال الجماعية لا تنقل فقط صورة إنسانية حميمة، ولكنها  أيضاعنوان للحظة تندمج فيها عائشة الفقيرة مع أولادها الأثرياء، ووجود ياسر على الترعة متأملا الفقراء الذين يسبحون، مع عدم قدرته على النزول، ليس مجرد تجربة شخصية عادية، إنها محاولة للإندماج مع مجتمع آخر، وفرصة للتحرر من أوامر العائلة والطبقة، وعلاقة داليا وعبد الله ليست قصة حب عادية، ولكنها أيضا محاولة لم تنجح للعبور الطبقي من خلال العاطفة.

وبينما يبدو الريف جميلا بمياهه وزراعاته ( مدير التصوير الكبير رمسيس مرزوق)، بحيث تذكرنا رحلة خروج ريما  للحقول مع منى والأطفال باللوحات التاثيرية التي يذوب فيها الضوء في الأماكن والأشخاص)، فإن غرف القصر ومشاهده (المشرف الفني الكبير أنسي ابو سيف) كانت أيضا دافئة وحميمة، مشهد ريما وطفليها، وحركتهما في القصر في لحظة حديث مؤثرة، جعلتهما جزءا من المكان، واستغلال نصر الله البارع للبلكونة، جعل القصر باذخ الحضور مثل الحقول سواء بسواء.

مهارة يسري نصر الله في تقديم تكوينات مدهشة لا استثناء فيها، سواء كان يقدم مشهدا فيه عدد كبير من الشخصيات، أو حتى مع وجود شخصين فقط مثل ليل وياسر، أو داليا وعبد الله، ولاشك أنه أتقن ذلك من خلال عمله مع يوسف شاهين، الذي لم يكن يتسامح في التكوين البارع لكل لقطة مهما كانت، هناك أيضا لقطات طويلة مستمرة ممتازة، مثل لقطة سيارة النقل والفلاحين  يهتفون فوقها بحياة عبد الناصر، الكاميرا ثابتة، نرى ضوءا من بعيد وهو يتقدم، تدرجيا تظهر ملامح السيارة ، الفلاحون عليها يحملون الكلوبات المضيئة، ظهور الضوء أولا منح اللقطة رمزية جميلة، نور جديد يولد وسط الظلام بسبب زعيمهم عبد الناصر.

مشاهد كثيرة تشهد بنجاح المخرج في تقديم رؤية بصرية متماسكة، بناء مشهد غرق عنتر، وانتقالات رحمة منتصر الناعمة في مشهد تأمل الجدة للصور القديمة، وفي مشهد لقاء الجدة الصامت مع زكية الخادمة السوداء، والانتقالات الذكية بين أفراد العائلة وهم يتناولون الطعام، وتركيز الكاميرا على تقطيع الفراخ، بينما تتحدث منى عن عزومة افتراضية للفلاحين.

ولكن نصر الله لم يغفل أيضا انتقالات مونتاجية مفاجئة، كأن ننتقل فجأة من حديث داليا الى ياسر، لنجد أنفسنا أمام حديث بين داليا وعبد الله، وكأن داليا تعلم الطرفين معنى الحياة الجديدة.

 ربما صرخ الممثلون في مشهد أو اثنين على طريقة شاهين، وربما بذل المشاهد جهدا كبيرا أحيانا لتبين الحوار السريع أو البعيد بسبب مشاكل تسجيل الصوت، ولكن تكامل العناصر الفنية يبلغ مستوى رفيعا في العموم.
 يمكننا أن نتحدث مثلا عن موسيقى عمر خيرت، التي أعتبرها من أفضل أعماله في مجال الموسيقى التصويرية للأفلام السينمائية، رغم أن هذه المقطوعة التي تشعرنا بالحنين الى حلم مفقود، والى زمن قديم غارب، ليست في شهرة أعماله السينمائية الأخرى، خيرت استخدم  أيضا الدفوف وحدها لتواكب لحظات تغير أو توتر في مسار الأحداث، كانت فعلا سنوات حلم وتوتر وتغير وانتقال.

يمكننا الحديث بشكل عام عن اختيار جيد للممثلين، أفضلهم منحة البطراوي في دور منى ومنى زكريا في دور ريما وشوقي شامخ في دور سعيد وأميرة عبد القادر في دور داليا وبالطبع الرائعة عبلة كامل في دور عيشة، وظهر مجدي كامل في دور عبد الله بشكل جيد ولافت للنظر.

يبدأ الفيلم يغرق الفلاح عنتر، وينتهي بتوديع فلاح أخر: ياسر يودع صديقه الفلاح ليل المسافر الى العراق، يطلب منه ياسر أن يحضر له حلوى المن والسلوى التي تشتهر بها العراق، في الغالب لن يحدث ذلك، فقد يعود  ليل في صندوق ضمن الصناديق المغلقة القادمة من العراق،والتي ستظهر مكدسة في فيلم نصر الله التالي “مرسيدس”.

لم يتحقق الحلم لا على مستوى الحقل، ولا مستوى القصر، تغيرت الدنيا، ترك الفلاحون الأرض، وغادر أهل القصر الوطن، أو باعوا أرضهم لأثرياء جدد، بقيت أطلال وصورة قديمة التقطها ياسر لصديقه ليل، تخلى عنه قديما، وأراد أن يعوضه، بدون جدوى.

فشلت السرقات الصيفية في تغيير المجتمع، أما لماذا حدث هذا الفشل، فهو أمر سيحلله نصر الله بشكل أكبر فى أفلام قادمة، كما سيرصد ملامح مجتمع أقرب الى فوضى الكوابيس، عبر شخصياته القلقة والمتقلبة، ومن خلال بناء بصري وسمعي يشهد له بالقدرة على توظيف التكنيك في خدمة الدراما، وأفكارها القوية والعميقة، المثيرة للجدل وللتأمل.

https://www.dailymotion.com/video/x6zs2nr

Visited 43 times, 1 visit(s) today