الشخصية الحكائية السينمائية: أنواعها وأبعادها


 في اللغة: 
نجد أن دلالة لفظة ” الشخصية ” في معجم لسان العرب من خلال مادة ” ش خ ص” ، حيث ورد ” شخص: الشخص: جماعة، شخص الإنسان، وغيره، مذكر والجمع أشخاص وشخوص وكل شئ رأيت جسمانه، فقد رأيت شخصه”.

 في الاصطلاح: هي مجموعة السمات والخصائص والصفات الفكرية والسلوكية والوجدانية التي تخص فرداً بعينه وتميزه عن غيره، فهذه المعاني تشير إلي ذات هي الإنسان، وإلي فعل مرتبط بالإنسان نفسه أو مرتبط بغيره.

 الشخصيةالحكائية Character- Personnage: وهي كل مشارك في أحداث الحكاية سلباً أو إيجاباً، فهي عنصر مصنوع ومخترع ككل عناصر الحكاية، وتتكون من الكلام الذي يصفها ويصور أفعالها وينقل أفكارها وأقوالها.

والشخصية الحكائية ليست شخصاً، ولا وجود لها خارج العمل الفني، في دور من أدوراها المتعددة والمختلفة.

يفرق النقاد بين الشخصية Personne” وهي الإنسان الفرد كما هو موجود في الواقع المحسوس، ذلك الكائن الذي يمارس نشاطات عديدة( يعمل/ يعيش/ يفكر/ يكره / يشعر / يرغب/…) فهو انسان حقيقي من لحم ودم له وجود واقعي ينتمي للجنس البشري، وبين الشخصية الحكائية Personnage” التي يسند إليها النشاط الفني الإبداعي بحيث يكون وجودها ورقياً، تعيش بين دفتي العمل الفني فقط.

 وتتخذ هذه الشخصية أبعاداً وأنواعاً متعددة ومختلفة، فقد تكون رئيسية أو ثانوية أو صورية ، حاضرة أو غائبة، وقد تكون متطورة ( تتغير أوضاعها ومواقفها)، أو جامدة متماسكة (لا تناقض بين صفاتها وأفعالها)، أو غير متماسكة مسطحة (صفاتها محددة وأفعالها مرسومة أو متوقعة)، أو ممتلئة مستديرة ( متعددة الأبعاد قادرة علي أن تفاجئ الآخرين بسلوكها).

ثانياً: أنواع الشخصية:

أولاشخصية الرواي: وهي التي تعرف بـ “الشخصية الإشارية الواصلة” في تصنيف فيليب هامون، ذلك السارد الذي يتشكل لفظياً من خلال ضمير الغائب”هو”، يُوصف بأنه السارد المتعالي، مالك الحقيقة المطلقة، يكون داخل الشخصيات وخارجها، حيث يجمع بين يديه وظيفة السرد ووظيفة التأويل، خطابه ذا وظيفة ميتاسردية يتحدث من خلاله عن الحكي وعن القصة.

وليس شرطا أن تتواجد هذه الشخصية في  كل عمل فني، حيث يكون لتوافرها حسب رؤية المولف للعمل السينمائي.

ثانياً شخصيات تاريخية: تلك الشخصيات التي لها وجود تاريخي حقيقي، لجأ إليها الكاتب كي يرسخ مبدأ الإيهام بالواقعية، وهو يقوم بدور تسجيلي لفترة محددة من التاريخ .

ثالثًاً الشخصيات الحكائية العادية: وهي مختلف الشخصيات التي لا نجد لها اسماً تاريخياً محدداً،فلا تحمل بعدا تاريخيا، تعيش فقط علي مستوي الفضاء الحكائي، وهذه هي الخاصية الفارقة بينها وبين الشخصيات التاريخية، بالرغم من التشابه الكبير بينها من ناحية أنها ذات ملامح واقعية معاشة، وهذه الشخصيات يحفل بها كل أنواع القص، فهي تلك الشخصيات التخيلية التي يتجسد فيها صورة من صور الإنسان العادي الحقيقي الواقعي، وتنقسم هذه الشخصيات إلي:

  • الشخصيات المبنية التامة: وهي شخصيات تتصف بالجمود والثبات والنموذجية، تكون جاهزة ومكتملة النمو، يطلق عليها  الشخصية البسيطة ذات المستوي الواحد، أي التي تمضي علي حال واحد لا تكاد تتغير ولا تتبدل في عواطفها ومواقفها وأطوار حياتها، أطلق عليها فورستر الشخصية الثابتة  Statique  فهي سلبية لا تستطيع أن تؤثر ولا تتأثر.

 بسيطة في صراعها غير معقدة، تمثل صفة أو عاطفة واحدة، تظل سائدة من مبتدء القصة حتي نهايتها، لذلك فهي لا تفاجئنا ومن السهل معرفة نواحيها إزاء الأحداث والشخصيات الأخري، يصفها فورستر بالسطحية، وتكون منمذجة دون بعد سيكولوجي.

 يجعلها ميشيل زيرافا تقتصر علي سمات قارة ومحدودة ولاكن هذا لا يمنعها من القيام بأدوار حاسمة في بعض الأحيان، لذلك فهي شخصيات خاضعة للحبكة، و تكون عند هنري جيمس الخيط الرابط لأنها لا تظهر إلا لتقوم بوظيفة داخل التسلسل السببي للأحداث ، فعلي الرغم أنها تشبة مساحة محدودة بخط فاصل،فلا يحظر عليها في بعض الأطوار أن تنهض بدور حاسم في العمل السردي.

ولذلك تكون شخصية نمطية، تفتقر إلي كل ما هو خاص وفردي وتتمتع بصفات محددة تطرح في عموميتها، وهذا ما يسمح بالتعرف عليها بشكل مباشر وقبل أن تبدأ بالتصرف ضمن الحدث، فهي لا تعرف أي تحول أو تغير لافتقارها إلي الكثافة الإنسانية النفسية، لها وجه واحد يعطي مظهر واحد، يمكن معه التنبؤ بسلوكها، تتحقق فيها صفات عامة تشاركها فيها عشرات الشخصيات، و تنتمي في الغالب إلي طبقة أو مهنية معينة.

وهذا النوع من الشخصيات أيسر تصويراً وأضعف فناً، لأن تفاعلها مع الأحداث قائم علي أساس بسيط، لا تكشف به كثيراً عن الأعماق النفسية والنواحي الاجتماعية، وللكاتب أن يصور بعض شخصياته هكذا إذا كانت لا تقوم بدور، رئيسي في القصة أو كانت هزلية.

  • شخصيات متجددة البناء: هي الشخصية التي تكون موضوعاً للحكي بواسطة شخص محدد بحيث تنمو وتتطور مع الأحداث، لا يتستطيع المتلقي أن يعرف ماذا سيؤول إلية أمرها لأنها متغيرة الأحوال متبدلة الأطوار.
  • لذلك يطلق عليها الشخصية النامية ، وهي التي تتطور وتنمو قليلاً قليلاً بصراعها مع الأحداث أو المجتمع، فتنكشف جميع جوانبها وعوطفها الانسانية المعقدة كلما تقدم القارئ في القصة، ويقدمها القاص علي نحو مقنع فنياً، فلا يعزو إليها من الصفات إلا ما يبرر موقفها تبريراً موضوعياً وذلك في محيط القيم التي تتفاعل معه.

وتتميز هذه الشخصية بعنصر المفاجئة للقارئ والحركة والتناقض داخل القص، تلك الشخصية المركبة المعقدة التي لا تستقر علي حال، فهي متغيرة ، متبدلة الأطوار في كل موقف علي شئ ، توصف بأنها الشخصية المغامرة الشجاعة المعقدة التي تكره وتحب وتصعد وتهبط وتؤمن وتكفر وتفعل الخير والشر معا، تُأثِر وتَتَأثر من خلال قدرتها العالية علي تقبل العلاقات مع الشخصيات الأخري .

فهي شخصية مركبة لأنها تتركب من مجموعة من السمات التي تبدو غير منسجمة، لا تستقر علي حال واحد ويصعب التنبؤ بمصيرها، وعلي الرغم أنها تدهش المتلقي، إلا أنها تقنعه بواقعية ما تفعل، ويكون تأثيرها علي الأحداث نتيجة تطورها الدائم وهذا يرجع إلي تعددية أبعاد هذه الشخصية في الحياة داخل النص.

ولهذا تلعب هذه الشخصية داخل القص الدور الرئيسي و المحوري فهي شخصية رئيسية محورية دينامية تمتاز بالتحولات المفاجئة داخل البنية الحكائية الواحدة، وتخضع لخاصية التغيير، لذلك نجد كل من تودورف وميشال زيرافا يقررون أن الشخصيات العميقة المتعددة الأبعاد هي التي يتوفر فيها أوصاف متناقضة ولذلك هي شخصية دينامية، وهذا ما جعل ميشال زيرافا يري أنها تشكل عالماً شاملاً ومعقداً تنمو داخله القصة وتكون ذات مظاهر متناقضة، وتخضع لها الحبكة وتكون خاضعة للسرد السيكولوجي حيث تكون غايته إبراز خصائص تلك الشخصية.

وتعرف تلك الشخصية بأن لها عمقا سيكولوجيا تتفرد به عن سائر الشخصيات بآرائها ومشاعرها ومواقفها وعاداتها وقوة تأثيرها في مسار الفعل الدرامي وهذا ما يجعلها شخصية مزدوجة.

ويطلق عليها أيضا اسم الشخصية المدورة وهو معادل مفهوماتي للشخصية النامية، وهذا المصطلح اصطنعه الروائي والناقد الانجليزي فورستر في كتابة “أركان الرواية” الذي ترجمه ميشال إلي “الشخصية المدورة   Personnages Plats في حين ترجمه تودورف إلي “الشخصية المكثفة Plats”. وأطلق عليها الشخصية الإيجابية التي تستطيع أن تكون واسطة أو محور اهتمام لجملة من الشخصيات الأخري عبر العمل الفني ، فتصبح ذات قدرة علي التأثير وذات قابلية علي التأثر.

 وهناك طريقتان في عرض تلك الشخصية:

الإتجاه الأول: أن تكون متكافئة في الصفات منطقية في تصرفاتها بحيث يمكن تفسيرها بالحالة النفسية والموقف، تحمل تناقضا مفهوما، فيكون مهمة القاص في تلك الحالة أن يوضح كل ما هو مختلط ومضطرب في المخلوق الإنساني، في محاولة منه أن يوازن اتجاهات قواه وينظمها، حيث أننا نجد الشخصيات تتطور في الشريط الفيلمي وتغير أفكارها ومسلكها كلما تقدمنا في الحدث، ولكنها تظل واضحة موضوعياً مفسرة في ضوء طبيعتها ودوافعها وصراعها، فيسهل الحكم عليها، وهذا الاتجاه صار عند كتاب الواقعية وعلي رأسهم بلزاك.

الاتجاه الثاني: أن لا  تكون منطقية متكافئة مع نفسها في سلوكها، حيث الإهتمام بالتصوير النفسي للشخصية بصورة بالغة التعقيد، لذلك يتعذر الحكم عليها بصورة خاضعة لمنطق معين، حيث يحشد فيها ما هو جليل سام بما هو دنيء حقير، تقترن العواطف المتضادة، تتجسد فيها الحقائق النفسية دون أن يحكم عليها أو يعلل لها منطقياً.

  • وقفة مع البطل: اختلفت صورة البطل الملحمي الذي كانت تتجسد فيه كل ألوان البطولة الحقة، في نجاحة لإسقاط كل ما يعترض طريقه من عوائق وعوارض، وتسند إليه كل الأفعال الخارقة في محاولة منه لإعلاء قيم الخير، ومحاربة قيم الشر مثلما نجد في  الأعمال الفروسية، تحولت هذه الصورة وأصبح البطل هو تلك الشخصية التي يجعل لها مؤلف العمل ومخرجه عناية كبيرة، ليجسد من خلاله أنماط السلوك والوعي  الإنساني كما تحددها رؤية العمل ومنظوره.

فبطل الأسطورة الذي يلازمه صفة الثبات أو الإنسان الخارق يختلف مع بطل المعاصر الذي يخضع لقانون التغيير ويتخذ طريقاً محفوفاً بالحواجز والصراعات التي تفرض عليه التحول والتغيير وعدم الوصول إلي البطولة الكاملة كما في الأسطورة والملحمة.

ولكن عندما اعتلي مذهب الواقعيين والطبيعيين، أهملت فكرة البطل الأوحد، في مقابل تصوير القاص لعدة أشخاص لا يخص أحداً بعنايته وإنما يسلط عليهم جميعا الضوء، علي الرغم من أنهم قد يتفاوتون، فيكون هناك من بينهم شخصية رئيسية تفوق سواها في القص، ولكنهم يتقاربون جميعاً في هذه العناية، وتكون الغاية هي الكشف عن وعيهم مجموعة من الأشخاص يمثلون طبقة أو طبقات مختلفة في المجتمع، فمن خلال هذا الوعي تعرض الحقائق الاجتماعية في مواقف انسانية تكشف استلاب المجتمعات الحديثة لطبقة ما، لذلك نجد أن صراع البطولة الجماعية في سبيل التغلب علي هذا الاستلاب مثلما نجد في الأعمال السنمائية الآن .

  • الشخصيات الحكائية الغريبة: وهي كل الشخصيات التي تضطلع بأدوار في المتن الحكائي يكون تكوينها المورفولوجي ” البنيوي” وقدراتها الخارقة، مفارقة لما هو موجود في الحياه الواقعية المعاشة، حيث توظف دا خل العمل الفني توظيفاً عجائبياً خيالياً.

 ثالثاأساليب رسم الشخصية: ترسم الشخصية الحكائية من خلال عدة أبعاد تكون بمثابة الأضواء الكاشفة عن الملامح الداخلية والخارجية لها، وتنحصر أبعاد الشخصية في كل من:

1- البعد المادي: وهو كل ما له علاقة بالشكل الخارجي للخشصيات من خلال أوصاف الملامح و والمظهر الخارجي للملابس وغيرها، ويرتبط هذه البعد دائما بطبيعة الشخصيات، من خلال توافق كل من ملامح الشخصية بطبيعتها الداخلية وسلوكها.

2-البعد الاجتماعي: وهو ما يوضح الطبقة الإجتماعية لدي الشخصية، ونوع التعليم، ونوع العمل/ وتقديم الحياة الأسرية/ والدين / والهوايات وغيرها من مجالات اجتماعية رسمها الكاتب في شخصياتة.

البعد النفسي: ويشتمل علي ما تحمله الشخصية من فكر وعاطفة/ ومن المزاج/ والتدين/ والأدب/ والطباع/ والطموحات.

Visited 121 times, 1 visit(s) today