السينما السعودية.. النجاح والتحديات الصعبة

Print Friendly, PDF & Email

خلال خمس سنوات فقط قطعت السينما السعودية شوطاً كبيراً من الإنجازات على جميع الأصعدة، حتى أصبح السوق السينمائي السعودي هو الأكثر ربحاً في المنطقة بإرادات تجاوزت الثلاثة مليارات ريال خلال تلك المدة الزمنية.

وشهد هذا القطاع، بدعم من جانب المؤسسات الرسمية السعودية، قفزات نوعية هائلة، ونمواً ملحوظاً في البنى التحتية وتزايد أعداد دور العرض التي تجاوزت السبعين داراً، وأيضا في الخدمات المساندة لصناعة السينما، مما أسهم في رواج المنتج السينمائي وتعزيز وتطوير جودة الأفلام السعودية.

يكفي أن نراجع المستوى الفني لأخر ثلاثة أفلام رشحتهم السعودية للأوسكار وهم (“سيدة البحر” لشهد أمين، و”حد الطار” لعبد العزيز الشلاحي، و”أغنية الغراب” لمحمد السلمان) ليتضح لنا أن القفزة النوعية في صناعة السينما السعودية لم تقتصر على مستوى تأسيس البنى التحتية القوية لهذه الصناعة بل كانت في الجودة الفنية لصناعة الفيلم المحلي السعودي الذي أصبح قادرا على المنافسة الدولية المشرفة.

فقد نجحت جهود ومبادرات هيئة الأفلام السعودية في خلق أطر تضم الأصوات السينمائية الواعدة وتتبنى المواهب الشابة وتدعم بسخاء المشاريع الجادة، والتقت هذه الجهود مع الإسهامات الحثيثة للمؤسسات غير الربحية كمؤسسة “مسك “، ومركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي «إثراء»، ومؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي، ومهرجان الأفلام السعودية، هذا بالإضافة لمنجز السينما المستقلة الذى يحمل رصيداً من الأفلام الجيدة، إذاً نحن أمام بيئة إبداعيه مبشرة رغم حداثتها تنبأ بمشروع سينمائي واعد ومؤثر.

يصل طموح السينما السعودية إلى إنتاج 100 فيلم سعودي كل عام، وأن يتجاوز حجم سوق الانتاج السينمائي المليار دولار، وأن يصل عدد دور العرض إلى 350 داراً بنهاية عام 2030 وكلها أحلام مشروعة وقابلة للتحقق في ظل هذه الإرادة الرسمية الحقيقية التي أمنت بالسينما كهدف له مردود ثقافي واقتصادي.

إلا أن التحديات كبيرة، والاستمرار يحتاج إلى طاقة لا تنضب من الحماس والشغف والإصرار، حتى يتم فعلياً توطين هذا الفن في المملكة ونشر الثقافة السينمائية وسط مجتمع ظل مبتعداً عن تلك الثقافة لعقود طويلة.

ولكن هذا الغياب هو ميزة في حد ذاته، حيث بدأت السينما السعودية من حيث انتهى الآخرون، وأصبح الصانع السينمائي السعودي يرى المشهد السينمائي العالمي بكل تطوراته ومنجزاته الفنية والتقنية، ويخاطب جمهورا من الشباب المتشوق لسحر السينما، وهذا الجمهور البكر يمكن صياغة ذائقته الفنية وتنمية حسه الجمالي ومدركاته الإبداعية بسهولة. بعيداً عن الابتذال والركاكة وبئس الأفكار. فالمجتمع السعودي الذي تحرر لتوه من وطأة التشدد والتزمت والانغلاق الاجتماعي جدير بأن يرى النور من خلال سينما جادة ملهمة تحترم عقله وتشكل وجدانه، وهذه مهمة الأجيال الجديدة من صناع السينما المحملين بالشغف.

من فيلم “محار ب الصحراء”

أولى خطوات صناعة السينما هي إعداد جيل قادر على صياغة أفكاره بصرياً بشكل احترافي وتقني وإبداعي، فنهاك ضرورة كبيرة لوجود معهد سينمائي سعودي وطني بمواصفات عالمية يضاهي معاهد الغرب المتطورة تقنيا وأكاديمياً.

هذا المعهد سيكون النواة الحقيقية لصناعة السينما السعودية، بقدرته على تأهيل الشباب السعودي في جميع مجالات العمل السينمائي من إخراج وتمثيل وتصوير وكتابة سيناريو وديكور ومونتاج وهندسة صوت وجرافيك ومؤثرات وتصميم إنتاج. ويكون لهذا المعهد استديوهاته ومعامله المتطورة القادرة على الإنتاج والمنافسة تيمناً بمعاهد الفيلم الغربية. هذا حلم قريب المنال لا تنقصه الامكانات المادية ولا الرؤية الواعية بضرورة الفن.

فتحت السعودية أبوابها لصناع السينما العالميين في السنوات الثلاث الأخيرة، حيث شهدت المملكة إنتاج العديد من الأفلام العالمية، التي جرى تصويرها في مناطق مختلفة من السعودية، مثل فيلم “قندهار”- بطولة جيرارد باتلر، والذي تم تصويره في محافظة العُلا ومدينة جدة؛ وفيلم Cherry الذي تم تصويره أيضًا في محافظة العُلا والعاصمة الرياض. وفيلم “محارب الصحراء” من بطولة أنتوني ماكي، والذي صور جزء كبير منه في مدينة تبوك على مدار العام.

وهذه الأفلام وفرت فرص عمل لأكثر 850 فرداً من التقنيين والفنيين المحليين في المملكة خلال فترة التصوير، إلى جانب المئات من الأدوار المساندة والثانوية والمساعدة التي شارك فيها ممثلون سعوديون فاق عددهم الـ 425 سعودياً.

وعلى صعيد الشركات المتعاقدة، تم تعيين نحو 214 شركة سعودية ومحلية متعاقدة لإنجاز أعمال فنية وتقنية ولوجستية وغيرها في هذه الأفلام، كل هذا يدفعنا للحلم بمدينة إنتاج سينمائي مصغرة تكون قبلة فنية للسينما الإقليمية والعالمية.

تعتزم الشركات التي تملك شاشات العرض السينمائية في المملكة الدخول بقوة في مجال الإنتاج السينمائي وهذا ضروري لدفع عجلة الإنتاج، ولكن لابد من الحظر تجاه هذه الخطوة التي قد تتسبب في تنميط اتجاهات الفيلم السعودي والجنوح بها ناحية الأفلام التجارية السطحية أو أفلام الكوميديا المبتذلة التي كانت سبباً في انهيار سينمات إقليمية لها تاريخ طويل.

وهذا ينطبق أيضا على إعادة تقديم المحتوى الرقمي في أفلام سينمائية تحمل ثيمات وأفكار صناعة المحتوى، وهو ما ينقلنا إلى ضرورة وجود بيئة نقدية تؤسس لثقافة سينمائية واعية، تجعل ذائقة المشاهد قادرة على تذوق الألوان السينمائية المختلفة والحكم على جودتها.

كل ما سبق يمكن تحقيقه وانجازه طالما توفرت الإرادة والرؤية وهما ما يملكهما المشروع السينمائي السعودي في الوقت الراهن.

Visited 7 times, 1 visit(s) today