ليس مخدوعاً، بل ذاب في خزّان الشمس (6 من 6)

Print Friendly, PDF & Email

دائرتان:  شمس الصحراء وعَجَلة شاحنة الماء (استكمالاً من الحلقة السابقة)

أما “الصورة المألوفة الثانوية” (secondary familiar image)ارتهاناً إلى تنظير ستيفان شارف Stefan Sharffالسابق ذكره في الحلقة الفائتة من هذه المادة في فيلم توفيق صالح “المخدوعون” فهي – وفقاً لاجتهادي المتواضع- صورة العجلة الأمامية اليسرى لشاحنة الماء في لقطات مقربة (close ups)نراها في وضعية مسير الشاحنة (وليس أبداً في أثناء توقفها).  تتكرر هذه الصورة سبع مرات في السرد الفيلمي اثنتان منهن نراهما قبل دخول الشخصياتالفلسطينية الثلاث (مروان، وأسعد، وأبو قيس) إلى بطن صهريج الشاحنة، واللقطات الخمس الأخريات يَرِدْنَ بعد ذلك في نسيج الحبكة.  إن دائرية العجلة الأمامية اليسرى لشاحنة الماء إنما تؤدي إلى ربطٍ (لا)واعٍ بين بينها وبين استدارة قرص الشمس باعتبار ذلك هو “الصورة المألوفة الرئيسة” (primary familiar image)في الفيلم؛ ففي هذا التماثل الشكلي وتكرار ظهور الصورتين (الرئيسة والثانوية) ما يُحيل إلى أن هناك تماثل وظيفي وبنيوي بين الصورتين باعتبارهما رمزين فنيين، إذ أن قرص الشمس الحارقة التي تصعد إلى كبد  سماء الصيف الملتهب إنما يجد له صدى بصرياً في العجلة اليسرى الأمامية في شاحنة الموت المجللة باللون الأسود التي تدبُّ وحيدة على صحراء المنفى بين العراق والكويت، ناقلةً الفلسطينيين الثلاثة الباحثين عن أمن ورفاهية إلى موت أقل ما يمكن أن يقال عنه انه خسيس وبشع، حيث تتبادل العجلة اليسرى الأمامية للشاحنة وقرص الشمس الظهور تتالياً وتجاوراً (juxtaposition)صعوداً وسيراً في أثناء نقاط حساسة وحرجة في الرحلة المشؤومة، كما حدث قُبيل الوصول إلى النقطة الحدودية الكويتية (مركز المطلاع)، إذ تواصل الشمس صعودها الشّرير (فيما يخص المُهَرَّبين الثلاثة) إلى كبد السماء وذلك كي تبلغ منتصف النهار، أي ذروته الحرارية الرهيبة التي ستخنق الفلسطينيين الثلاثة وهم في بطن الخزان، وتظهر العجلة الأمامية اليسرى لشاحنة الماء وهي تدور في الوقت نفسه إلى ذروة الرحلة، رحلة الحتف والهلاك.

واقعية الكابوس، كابوسية الواقع:  مفارقات ومقاربات

يشكّل دخول أبو الخيزران إلى المكتب الإجرائي المُكيّف في نقطة الحدود الكويتية (مركز المطلاع)، وما تلى ذلك من إعاقة غير متوقعة نتج عنها موت الفلسطينيين الثلاثة داخل بطن صهريج شاحنة الماء نقطة الذروة الدرامية (dramatic climax)في رواية كنفاني “رجال في الشمس” وفي فيلم صالح “المخدوعون”.  كما تشكل المعالجة السينمائية  لهذا المشهد نقطة الجدل الأكبر حول الفيلم؛ إذ إن هذا كان صريحاً للغاية في ان الفلسطينيين الثلاثة قد طرقوا جدران صهريج شاحنة الماء مستغيثين ومستنجدين، وذلك على عكس الرواية التي لم تورد ذلك بصورة صريحة، أو تركته نقطة غامضة وملتبسة قابلة لقراءات متناقضة  في أحسن الأحوال (ناقشت هذه النقطة في مكان أبكر ضمن هذه المادة).  غير ان هذا المشهد – في رأيي الصغير- لم يتعرض للدراسة الكافية من قِبل أولئك الذين كتبوا عن رواية كنفاني أو فيلم صالح أو كليهما، ولا أزعم هنا انني سأقوم بتفكيك هذا المشهد كي أقول الكلمة الفصل، بل ان غرضي هو التأمل فيه وإثارة أسئلة تنبع من ضرورة التوقف عند بعض جوانبه.

أود إذاً أن أثير هنا ثلاث نقاط.  النقطة الأولى هي مناداة أبو الخيزران بصيغة المؤنث (تقريباً).  أما النقطة الثانية فهي لامعقولية قصة العلاقة الغرامية المزعومة بين أبو الخيزران والراقصة كوكب بالنظر إلى عِنَّة الرجل التي أعلمنا السرد عنها قبل الوصول إلى مركز المطلاع الحدودي الكويتي.  والنقطة الثالثة هي الطبيعة الكابوسية لكامل المشهد.

تتمحور النقطة الأولى التي أرغب في محاورتها حول حقيقة ان أبو الخيزران يُنادى وللمرة الأولى في رواية كنفاني وفيلم صالح بصيغة التأنيث (تقريباً) أي انه يُسمّى “أبو خيزرانة” بدلاً من “أبو الخيزران” (في الرواية يدعى “أبو خيزرانة” طوال المشهد بواقع سبع مرات من قِبَل أبو باقر، الموظف الحدودي الكويتي في مركز المطلاع، وهو الوحيد من الموظفين الثلاثة في المكتب الذي يكلمه مباشرة، بينما يواصل الراوي تسميته بـ “أبو الخيزران”.  وفي الفيلم يناديه الموظف الحدودي الكويتي علي بـ “أبو الخيزران” لمرة واحدة في أثناء دلوفه إلى المكتب، ثم يناديه أبو باقر بـ “أبو خيزرانة” ثلاث مرات في أثناء تبادله وعلي الحديث معه).

سوف أعود لمناقشة هذه النقطة بعد مناقشة النقطة الثانية المتصلة بها.  النقطة الثانية هذي، إذاً، متعلقة بحكاية الراقصة كوكب التي وفقاً للراوي في رواية كنفاني أنهاها الحاج رضا هاتفياً إلى أبي باقر [139] (32).  الحاج رضا لا يتجسد صوتياً أو بصرياً في فيلم صالح مع انه يتبادل الحوار مع أبو الخيزران في رواية كنفاني بعد أن غرزت عجلات شاحنة المياه في الوحل في أثناء رحلة الصيد [96].  وبهذا إن الحاج رضا لا يمكن أن يكون إلا أحد ثلاثة.  فهو إما أن يكون على معرفة بمسألة العجز الجنسي لأبي الخيزران، وبالتالي فإنه من الصعب بمكان تصور انه سيختلق هكذا قصة وذلك نظراً لاستحالتها الموضوعية، ومع ذلك فقد اختلقها.  وإما ان الحاج رضا بسبب من علاقة السلطة بينه وبين أبو الخيزران (فالأول هو رب عمل الثاني) على دراية بالعجز الجنسي المصاب به الثاني، ولكنه مع ذلك ولأسباب ما لا نعلمها على وجه التحديد تعمّد تلفيق القصة وإنهائها إلى أبي باقر.  وإما أن يكون الحاج رضا على غير دراية بالعجز الجنسي لأبي الخيزران، وبالتالي فإنه لأغراض في نفسه قام بتلفيق حكاية العلاقة المزعومة بين أبو الخيزران والراقصة كوكب (33).

ما حدث هو انه عندما أخبر الموظف الحدودي باقر أبو الخيزران بأن الحاج رضا قد حكى له وللآخرين “القصة” من أولها إلى آخرها فإن التعبير الوجهي (facial expression)لأبي الخيزران كما تسجله آلة التصوير هو سيماء خوف وملامح الشعور بغدر، الأمر الذي يعني انه هناك فعلاً ثمة “قصة” ما، أو سر ما مشترك بين الحاج رضا وأبو الخيزران، وما كان ينبغي من الحاج رضا أن يبوح به لأي أحد، ومع ذلك فإنه قد فعل.  ولهذا فقد كان الخوف والشعور بالخذلان والغدر هما ردة فعل أبو الخيزران التي تجلّت واضحة في تعبيره الوجهي، وذلك لذيوع شأن “القصة” السرِّية ووصول أمرها إلى موظفي الحدود في مركز المطلاع الكويتي.  لكن السؤال يبقى:  هي “قصة” ماذا بالضبط؟.  سأجتهد هنا ان “القصة” التي خطرت في بال أبي الخيزران هي قصة التهريب عبر الحدود العراقية/ الكويتية الذي هو منخرط فيه، إذ أن أسعد كان قد اكتشف تناقضات أقوال أبو الخيزران في مشهد إتمام الصفقة التهريبية في الفيلم، وأخبر زميليه في الرحلة بذلك (في رواية كنفاني ليس هذا التناقض تناقض في أقوال أبو الخيزران، ولكن بين أقوال أبو الخيزران وسرد الراوي).

إن ما توصل إليه أسعد هو ان أبو الخيزران إنما يقوم بتهريب أشياء خاصة بالتاجر الكويتي الثري، الحاج رضا، وانه يقوم بتهريب الأشخاص في طريق العودة من العراق إلى الكويت لحسابه الخاص من وراء ظهر رب عمله الحاج رضا.  غير انه إذا كان الأمر كذلك حقاً فَلِمَ يقوم الحاج رضا بالتضحية بُمَهَرِّبِهِ مختلقاً تلك القصة الفانتازية عن العلاقة الجنسية بين أبو الخيزران والراقصة كوكب؟.

في الحقيقة إن الراوي، في السرد، مصدرنا الوحيد لمعرفة الأمر على نحو موثوق به في ان تلك المكالمة قد حدثت بالفعل.  لكن الراوي في “رجال في الشمس” لا تمكن الثقة به لأنه كان قد ضلل بنا من قبل، فعلى سبيل المثال كان هذا الراوي قد أخبرنا بأن الشاحنة التي كانت مهمتها تأمين الماء لضيوف الحاج رضا في رحلة الصيد الصحراوية قد أصابها عطل بسيط قبل أسبوع من يوم تهريب الفلسطينيين الثلاثة  [96]، وهذا ما يتناقض بصورة فاقعة مع قول أبو الخيزران بأن “الخزان لم يَرَ الماء منذ ستة شهور” [98].  ولذلك فإن يقيننا ان الحاج رضا قد هاتف أبو باقر وأخبره بشأن العلاقة المزعومة بين أبو الخيزران والراقصة كوكب يبقى يقيناً مهزوزاً في أحسن الأحوال، حتى وإن لم نتوافر على بيِّنة جليَّة بأنه لم يتصل.

إن ذا هو ما يقود إلى النقطة الثالثة التي أشرت إليها سلفاً، ألا وهي كابوسية المشهد السينمائي الذي يجري في مكتب الموظفين في مركز المطلاع الحدودي الكويتي بعد دخول أبو الخيزران إليه لاستكمال إجراءات العبور الروتينية.  إن تنفيذ هذا المشهد قد اعتمد على البساطة البالغة سواء لجهة حركة آلة التصوير (التي على سبيل المثال لم تلجأ لزوايا تصوير معقَّدة)، أو لجهة “الديكورات” (حيث ان “ديكورات” المشهد طبيعية وواقعية وليست تعبيرية)، أو لجهة الإضاءة (حيث لا مؤثرات بصرية كاللجوء إلى الإضاءة القاتمة مثلاً).  غير ان هذا المشهد على الرغم من كل ذلك، أو ربما بسبب منه، ينطوي على حسٍّ كابوسي عالٍ يبدأ بدخول أبو الخيزران إلى المكتب.  وفي كُنْيَة أبو الخيزران ثمة علاقة جِناسيَّة لا تخطئها الأذن الحصيفة بين “أبو الخيزران” و”الخزّان”.  وهذه العلاقة اللغوية إنما تحيل إلى علاقة تماثل وظيفي في الدور الموضوعي الذي يشترك فيه الإثنان.  وإضافة إلى هذا فإن الكُنية إنما تنطوي على حمولة سلطوية وعِقابيّة حيث انها تُذَكّر بعصا الخيزران واستخداماتها المعروفة في الضرب، والتأديب، والعِقاب في الثقافة العربية.  كما انها تنطوي كذلك على رمز قضيبيٍّ (phallic symbol)واضح بما فيه الكفاية.

غير ان أبو الخيزران يدخل إلى المكتب الحدودي في مركز المطلاع بصفته “أبو الخيزران”، حيث هكذا يحييه الموظف علي، لكنه يصبح فجأة “أبو خيزرانة” على لسان أبي باقر.  وفي هذا التضمين الجنسي التأنيثي ما يحيل إلى “لا رجولة” أبو الخيزران من وجهة نظر ذكوريّة.  ولا شك ان أبو الخيزران الواعي بعجزه الجنسي قد فهم الإشارة.  بيد ان المفارقة هنا هي ان “أبو خيزرانة” متهم في ذات الوقت بقضاء ليالٍ حمراء مِلاح مع راقصة تدعى كوكب.  وهذا اتهام قد “ينقذ” رجولته (من الخارج في الأقل)، حيث يكمن “البارادوكس” هنا في أن المؤنث (تقريباً) يقوم بدور ذكوري.  غير ان “رجولة أبو خيزرانة” كما يعتقد بها أبو باقر (في الأقل، كما يقول) هي بالضبط ما يتسبب في موت الفلسطينيين الثلاثة القابعين داخل صهريج شاحنة المياه انتظاراً لإكمال أبو الخيزران إجراءات عبور الحدود إلى الأرض الكويتية عبر مركز المطلاع.

لكن المفارقة هنا هي انه حين يؤكد أبو الخيزران للموظفين الحدوديين بأنه لا أساس من الصحة لقصة علاقته المزعومة بالراقصة كوكب فإنه إنما كان فعلاً يقول الحقيقة بسبب من حقيقة معرفته الشخصية الداخلية انه غير قادر جسدياً على إقامة هكذا علاقة.  غير ان أبو باقر يصرخ به في عبثٍ مدمِّر:  “لا تكذب!”، و بالتالي فإن قول الحقيقة هنا لم يسعف أبو الخيزران في النجاة من المأزق الرهيب.  ليس هذا فحسب، بل ان “الكذب” الذي اقترفه أبو الخيزران (من وجهة نظر أبو باقر طبعاً) لم يكن بحق موظفي الحدود في مركز المطلاع الكويتي الذين لا يصدقونه فيه حين يقول الحقيقة، بل كان بحق مواطنيه الثلاثة الذين وعدهم بإيصالهم إلى الكويت فصدّقوه ليس بالمجّان، بل دفعوا له أجر ذلك مُقَدَّماً.  وها هو الآن يتركهم في بطن صهريج شاحنة المياه كي يموتوا مختنقين بعيداً عن فلسطين، وكذلك بعيداً عن الكويت التي على مرمى حجر من مكان الوفاة.

وإضافة إلى المفارقات المريرة التي تنبثق في الموقف من كُنية أبو الخيزران فإن هناك تساوق رقمي صارخ بين عدد الفلسطينيين المحتجزين في صهريج شاحنة المياه (ثلاثة) وعدد الموظفين في مكتب مركز المطلاع الحدودي (ثلاثة أيضاً)، فهناك إذاً تكافؤ عددي بين الطرفين (34).  هذه مسألة ينبغي التوقف عندها من حيث انها توحّد بين المكتب الحدودي وصهريج شاحنة المياه بصورة “غير معقولة” وكابوسية.  غير انها بالضبط هي تلك الكابوسية التي يظهر بها هذا المشهد أصلاً، فالموظفون الحدوديون الثلاثة  الذين يظهرون في لقطات مقربة (close ups)إنما يعرِّضون أبو الخيزران لمحاكمة جائرة هي أشبه ما تكون بالمحاكمات الكافكاوية، وهذا في الوقت الذي يعلم فيه أبو الخيزران ان كل لحظة من لحظات التأخير في المكتب/ المحاكمة تُقَرِّب المختبئين داخل صهريج المياه في الشاحنة من موت محقق.  غير انه في اللحظة التي يضرب فيها أبو باقر على طاولة مكتبه بيده كمطرقة القاضي مُثْبِتَاً بعد تذكير علي له بأن اسم الراقصة المزعومة هو حقاً كوكب فإن المونتاج يقطع إلى لقطة مقربة (close up)لشاحنة الماء حيث نسمع طرقات الرهناء الثلاثة (مروان، وأسعد، وأبو قيس) وهي تنطلق من داخل الصهريج وهي تطلق بدورها حُكْمَاً، وتقدّم إفادة ليس ضد “قائدهم” أبو الخيزران (بصفة القيادة هذه كما نعته أسعد) الذي وضعهم في هذا الموقف فحسب، بل كذلك ضد الموظفين الحدوديين الثلاثة (35).

وثمة تساوق رقمي أيضاً بين إجمالي جمع عدد الضحايا الذين هلكوا في كارثة صهريج شاحنة المياه (ثلاثة) وعدد الموظفين الحدوديين (ثلاثة أيضاً) أي أن الرقم هو ستّة، وعدد المرات التي استفسر فيها الحاج رضا عن أبي الخيزران وفقاً لأبي باقر (ست مرات أيضاً).  إن في الاشتمال الرمزي لشخص مفرد على معادل لستة أفراد ما يشي بقوته، وسلطته، وغلبته عليهم.  غير ان الفيلم، كما أسلفت، لا يجسد شخصية الحاج رضا بأي شكل من الأشكال، حيث تبقى هذه الشخصية الغامضة حاضرة بالإسم عبر الإشارة فقط، ومطلّة مثل شبح على السرد.

لقد عبّر كنفاني عن مسعاه الفني قائلاً بأنه متمثل في كتابة “قصة واقعية مائة بالمائة، وبنفس الوقت تعطي شعوراً هو غير موجود” (36).  وتنفيذ صالح لذلك المشهد الكابوسي في واقعيته، أو الواقعي في كابوسيّته، إنما يضعنا في روح نفس التصور الذي أراده الكاتب، ويفرض علينا تحديات تتمثل في قراءة العمل  ليس باعتباره تعبيراً فنيّاً عن المعاناة الفلسطينية كما جُسِّدت في محاولة دخول ثلاثة فلسطينيين تهريباً إلى الكويت، والذين كانوا يمكن أن يكونوا أيضاً ثلاثة مكسيكيين يحاولون دخول أراضي الولايات المتحدة الأمريكية، أو ثلاثة أتراك إلى ألمانيا، بل كذلك بوصفه تعليقاً على مأساة الشتات البشري بعيداً عن الوطن برمّته، حيث يمثّل المشهد “مايكروكوزما” وجودياً.  إذ انه على الرغم من السياق السياسي “المباشر” (كما يبدو)، والذي تدور فيه أحداث رواية غسان كنفاني “رجال في الشمس” وفيلم توفيق صالح “المخدوعون” فإن الأمر مرتهن إلى مناخات عبثيّة وكابوسيَّة عبّر عنها كُتّاب مثل صمويل بِكِتْ Samuel Beckettوفرانز كافكا Franz Kafka.  وأظن انه ليس في مقدوري قول أي شيء بعد هذه الجملة.       

هوامش:

(32).  تتصل أرقام الحواشي تباعاً في هذه المادة بما سبقها في الحلقات الخمس السابقات.  كما ان توثيق مصدر الاقتباس سيرد بالصيغة الاختصارية إن كان قد أُثبت بالصيغة الكاملة في تلك الحلقات، كما يستمر إيراد أرقام صفحات الاقتباس من رواية غسان كنفاني “رجال في الشمس” من الطبعة المذكورة في الحلقات السابقة بين معقّفات إن في المتن أو في الحاشية.

(33).  تعاني اللهجة الكويتية (كما اللهجة العراقية في المشهد العراقي القصير) في فيلم توفيق صالح من تحويرات مُكَسَّرَة وذلك على شاكلة التحويرات المُكَسَّرَة التي تعرضت لها اللهجة الفلسطينية.  يقول توفيق صالحان غسان كنفاني – الذي أعاد كتابة الحوار- كان قد نسي لهجته الفلسطينية فبدت اللهجة في الفيلم شاميَّة أكثر.  أنظر سليمان المعمري “المخرج الراحل توفيق صالح في حوار عن تجربته السينمائية: على السينمائي أن يحلم، وأن تكون أحلامه حقيقية وضرورية”، ملحق “شرفات” الثقافي، صحيفة “عُمان”، 27 أغسطس 2013، 12.

 (34).  يتوقف سامي سويدان عند الدلالات الرقمية في رواية كنفاني، ويشير في ملاحظة هامشية إلى تكرر الرقم “3” في السرد، ولكنه للأسف لا يحلل هذه النقطة.  أنظر:  سامي سويدان، “قراءة رجال في الشمس”، “شؤون فلسطينية” (81/ 82) 1978، 331 – 367.

(35).  أود الإشارة هنا إلى ان كلاً من رواية كنفاني “رجال في الشمس” وفيلم صالح “المخدوعون” كانا من أوائل الأعمال الفنية التي قدّمت “الخليجي” في الثقافة العربية المعاصرة بصورة نمطيّة (stereotype)هي مستمرة لغاية الآن للأسف الشديد، وذلك باعتبار ان “الخليجي” شخصغبي، وتافه، ومتخلف، ولا همّ له في الحياة سوى الجنس.  غير انني لا أود التطرق إلى هذا الأمر في هذه النسخة من مشروع الكتيب.  وقد أثرت هذا الأمر مع توفيق صالح في لقاءاتنا في مسقط بصراحة وشفافية اظن انهما ينبغا أن تُحسبا لكلينا، غير اننا للأسف أخفقنا في التوصل إلى أي رأب للصدع المؤسف.

(36).  أقتبس في:  فضل النقيب، “عالم غسان كنفاني”، “شؤون فلسطينية” (13)، 194.

Visited 44 times, 1 visit(s) today