“وسيط”.. كوريدا يعود لطرح مفهوم الأسرة

محمد كمال

يقتحم المخرج الياباني هيروكازو كوريدا السينما الكورية الجنوبية في الفيلم الثاني له على التوالي خارج حدود موطنه الأصلي اليابان بفيلم يحمل اسم “Broker” أو “وسيط” والذي شارك في بطولته دونج ون جانج وجي أون لي وسونج كانج هو، والأخير حصل من خلال دوره على جائزة أفضل ممثل خلال مشاركة الفيلم في المسابقة الرسمية للدورة الأخيرة من مهرجان كان السينمائي الدولي في مايو الماضي، وكان الفيلم الأول لكوريدا خارج اليابان هو “الحقيقة” الذي قدمه عام 2019 والذي فيه لم يبتعد كوريدا عن موطنه فقط بل عن الموضوع الأهم بالنسبة له في السينما ,والتيمة التي تشغله دائما في أفلامه السابقة حول  مفهوم الأسرة.

عبر كوريدا عن هذا المفهوم خلال أفضل أفلامه “سارقو المتاجر” الذي حصل على السعفة الذهبية من مهرجان كان عام 2018 وكان من أفضل أفلام العام ويستكمل كوريدا طرح هذا المفهوم بمعالجة ومنظور مختلفين في فيلمه الجديد لكن يستمر السؤال الأساسي والأهم لديه هل الأسرة هي صلة الدم أم أنها شعور بالحياة، في حقيقة الأمر لا أعرف السبب الذي جعل كوريدا يقرر أن يجنح إلى كوريا الجنوبية فمن خلال ما قدمه في السينما اليابانية نجد أن الأحداث تتماشى مع هذا المفهوم أيضا.

تدور أحداث فيلم “وسيط” حول الأم “سو يونج” التي تضع ابنها الرضيع “وو سونج” بجانب الصندوق المخصص لترك الأطفال الذين ترغب عائلتهم في التخلي عنهم ليتولى المسئولون عملية ابرام صفقات مع أسر أخرى ترغب في تبني هؤلاء الأطفال، يلتقط الطفل إثنين من موظفي الملجأ “شانج هيون” و”دونج سو” اللذان يعملان بدوام جزئي لكن في السر هم وسطاء يستخدما الطرق الغير قانونية  لبيع الأطفال نظير الحصول على مقابل مادي، ويحدث هذا أمام أعين الشرطة حيث تقوم الشرطيتان “شو ين” و”لي” بمراقبة ما يحدث للقبض عليهما وهما في حالة تلبس لكن تتغير الأمر قليلا بعد عودة الأم التي رغبت فجأة في معرفة مصير ابنها ومستقبله.

بداية موفقة لحبكة مميزة مبشرة جدا للعمل حيث تبدأ الرحلة التي تنضم فيها الأم للوسيطين  لرغبتها في الإطمئنان على مصير ابنها، وينضم لهم خلال الرحلة الطفل هيجين أحد أطفال الملجأ الذي نشأ فيه أحد الوسيطين “دونج سو” ومن خلفهم سيارة الشرطة التي تتابع تحركاتهم عن كثب واهتمام ربما يفوق اهتمام الوسيطان ببيع الطفل، حيث نجد أنفسنا أمام صراع ثلاثي يهتم بمصير الطفل (الأم – الوسيطين – الشرطة) كل طرف منهم له هدف يسعى للوصول إليه من خلال هذا الطفل.

يلتقي فيلم “وسيط” مع “سارقو المتاجر” في ثلاث نقاط أساسية الأولى التأسيس الدرامي لخلفيات الشخصيات فهي قليلة ويتم الكشف عنها بمرور الأحداث لكن دون استفاضة أو استطراد فما نعرفه عن ماض الشخصيات الثلاث الرئيسية الأم والوسيطين شحيح جدا وكذلك الضابطة، ويتم تكوين روابط مشتركة من خلال هذا الماضي تجعلهم كأنهم أسرة لكن بدون أي ارتباط بيولوجي لكن يجمعهم أشياء أخرى مثل التمسك بالحياة والشعور بالأمان والاحتواء والحنان والاحتياج إلى المال كلها عوامل تجعل منهم أسرة أو يمكن أن نطلق عليها “شبه أسرة”.

النقطة الثانية هي مكان التجمع ففي الفيلم الياباني نجد الشبة أسرة التي تتكون من  ستة أفراد يعيشوا فى منزل متواضع متهالك مكون من غرفة واحدة ليس لهم مصدر رزق أو تأمين حكومى أو علاج سوى الجدة التى لها معاش زوجها أما في “وسيط” فقد تجمع الشبه أسرة من خلال الطفل في رحلة بسيارة سانج هيون حيث يقطعون المسافات من أجل بيع الطفل لأسرة ثرية مقابل المال.

أما النقطة الثالثة فهي التحايل على القانون، في “سارقو المتاجر” نحن أمام شبه أسرة تعتمد على سرقة المتاجر لجلب الطعام اليومى لهم، ونفس الحال في “وسيط” فنحن أمام أم تخلت عن طفلها ووسيطين يقدما على بيعه بطريقة غير قانونية وهنا تكمن سر قوة كوريدا في رسم شخصياته برغم سلبياتهم إلا أننا لا نجد أمام أنفسنا سوى التعاطف مع ماضيهم وظروفهم ودوافعهم مع الارتباط أكثر بمفهوم كوريدا حول الأسرة.

لم يستطع كوريدا الحفاظ على إيقاع فيلمه وعنصر التشويق الذي حظى به النصف الأول حول مصير الطفل والصراع الثلاثي خاصة وان التوقعات كانت تشير إلى حدوث تحولات جديدة في رسم الأبطال لكن فقد الفيلم بريق حبكته في النصف الثاني من الأحداث سريعا حيث اتفقت الأم مع الشرطة لإيقاع بالوسيطين دون وجود أسباب منطقية أو مقنعة لهذا وبدأ الفيلم يفقد التركيز على النقطتين الأهم والأكثر جمالا الأولى المتعلقة بالجانب التشويقي من خلال الصراع الثلاثي والثانية التي ترتبط بمفهوم كوريدا حول تكوين تلك الأسرة، فقط ظلت المشاهد التي جمعت الأم والوسيطين وهيجين  مع الطفل هي الأقوى في النصف الثاني لكن لم يقوم كوريدا بدعمهم دراميا مثل فيلمه الياباني الأخير.

يعود كوريدا لقضيته المفضلة في السينما التي تبدو نفس عوالم فيلمه قبل الماضي والذي فيه تبدو الروابط والعلاقات أكثر قوة دراميا وإفعاما بالحياة لكن في فيلم “وسيط” برغم أنه لم يرتقي لمستوى “سارقو المتاجر” لكن نجد في التجربة الكورية الجنوبية إضافة بعد الرتوش الخاصة حول مفهوم الأسرة من خلال وجود خيوط ضعيفة تربط بين التخلي والتبني، الحماية والسرقة، القانون وروح القانون، لكن يظل مفهوم الأسرة أهم ما يفضل كوريدا ويؤرقه في نفس الوقت وهذا ما جاء في مشهد النهاية عندما استقلت الأم سيارتها في لقطة على سلسة تضعها على المرأة تجمعها مع ابنها والوسيطين والطفل هيجين كأنها لم تجد الحياة ولم تشعر بها إلا من خلال تواجدها معهم.

Visited 1 times, 1 visit(s) today