وجدي كامل: غياب السينما الروائية في السودان هاجس كبير
عمل المخرج السينمائي السوداني وجدي كامل حاليا في تصوير فيلم وثائقي عن حياة المناضل الإفريقي باتريس لومومبا، ويقول إن العمل كان في أجواء متوترة للغاية بسبب الأحداث التي تدورفي الكنغو و يحكي الفيلم قصة باتريس لومامبا ويضيف: «كانت من أصعب التجارب على الإطلاق» والفيلم بعنوان «صمت المحارب» وسوف تعرضه قناة الجزيرة.
ويعتبر وجدي من المهمومين بتطور السينما في السودان وقد تخصص في هذا المجال بالإتحاد السوفيتي السابق، حيث تخرج عام 1986 في معهد السينما والتلفزيون كلية الإخراج وانجز اطروحة الدكتورة في ذات المعهد عام 1993م. وكانت عن «جماليات السينما الإفريقية جنوب الصحراء» و قام بتأليف كتب عن السينما الإفريقية وجماليات الفيلم صدرت عن المحمع الثقافي في أبوظبي ووزارة الإعلام والثقافة في الشارقة.
وأنتج العديد من الأفلام الوثائقية منها ثلاثية «وصمة حرب»، إضافة إلى فيلم «مر المحارب من هنا» وكذلك «العقرب» و»الجمعة في حمد النيل» و»الريكا أفراري» و»أرجوحة وزيت» و»البرداب»، و»الكمبلا لقوري» و»الخطو على الريح»وإنتهى مؤخرا من تصوير فيلم يبحث في الإضراب الذي نفذه عمال مناجم شركة لومنيوم عام 2012 لانتاج البلاتنيوم والذي أفضى الى مذبحة ماريكانا بجنوب إفريقيا هذا الفيلم عرض في قناة الجزيرة بعنوان «جراح الحرية».
ويقول لـ «القدس العربي» إنه نال جائزتين ذهبيتين من مهرجان الاذاعات والتلفزيونات الأفريقية ومهرجان الإعلام العربي بالقاهرة، وجوائزتقديرية من مهرجان طشقند والنهرالصناعي العظيم.
ويرى أن العمل في قناة كالجزيرة في مجال إنتاج الأفلام الوثائقية تتويج لجهود سابقة، ويضيف: «وجدت ضالتي في حسن وجودة المناخ الإنتاجي، حيث أوكل لي إنتاج الأفلام المتصلة والمتعلقة بأفريقيا جنوب الصحراء كمجال جغرافي وتخصصي ومن المفترض أن أنتج ثلاثة أفلام عنه سنويا».
والإختلاف بين تجربة الأفلام في السودان وقناة الجزيرة- حسب تجربته- هو أن الإنتاج في السودان يتم دون معرفة مكان العرض وأي القنوات سوف تقبلها. ويقول أن التجربة بالسودان كان يعوزها التسويق لعدم تشجيع القنوات المحلية لصناعة الفيلم الوثائقي بالمواصفات المهنية المطلوبة.
ويفسر: «أعني أن إنتاج الوثائقيات عادة ما يوكل لأشخاص بعيدين عن هذا المجال الدقيق. كما أن المجال أصبح مفتوحا لأي راغب في التجريب ووصف ما يفعله بالفيلم، أما في قناة الجزيرة فيمضي العمل بضوابط إنتاجية ذات معايير مهنية صارمة ويكفي أنه يذهب لفرجة ملايين الناس».
عمل وجدي كامل مديرا لمركز مالك عقار الثقافي الذي أنشأه رئيس الجبهة الثورة حاليا، وحاكم ولاية النيل الأزرق سابقا، ويتحدث عن هذه التجربة قائلا إن ذلك كان عن رغبة عميقة بدأت بنقد مركزية الإنتاج الثقافي والتدليل على أن القاعدة لأي نهضة سياسية هي النهضة الثقافية. ويضيف: «التنوع الثقافي وتوفرإمكانيات ثقافية جديدة في النيل الأزرق شجعنا علي تأسيس عمل ثقافي متكامل ومن ضمنها إستوديو، على احدث المواصفات لإنتاج الأفلام ولكن يد السياسة الباطشة كانت بالمرصاد، فقد تعرض المركز الثقافي للهدم والنهب بعد أحداث شهيرة إنتهت بحمل مالك عقار للسلاح مرة اخرى».
وأنتج فيلم «بروق الحنين» الذي تعرض لردود أفعال من جنوبيين وشماليين ويقول عن هذه المواقف إنّ الكتاب الجنوبيين الذين تصدوا للفيلم بغضب عنيف يمكن تصنيفهم بأنهم من فئتي القومييين المتطرفين وبعض العاملين في جهاز الأمن القومي لدولة جنوب السودان.
ويضيف: «جهاز الامن في جنوب السودان قام بإعتقالي والمصور عن طريق الخطأ المعلوماتي، ولكن الذين إرتكبوا هذا الخطأ لم يريدوا لخطأهم أن ينتهي بإطلاق سراحنا، بل ذهبوا الي دفع عدد من الصحافيين بعد مشاهدة الفيلم، إلى الكتابة ضده بإعتبار أن الشماليين، مطلق الشماليين، عبارة عن مستعمرين سابقين ولا ينتظر منهم اي إحقاق للحق أو المعالجة الامينة للموضوع؛ والفيلم كان واضحا في مقدمته التي جاء بها أنه- أي الفيلم- سوف يعمل على كشف المستور السياسي والإجتماعي للإنفصال».
ويقول إن الجميع تعاموا عن ذلك وشتموا الفيلم لأنه جاء ببنات تحدثن عن علاقات غرامية سابقة مع شماليين، وكذلك قدم الفيلم شهادة الكاتبة «استيلا قايتانو» التي كانت مكتوبة أصلا في صحفهم عن تجربة عودتها مع إبنيها للخرطوم لأول مرة بعد الانفصال.
ويضيف: «للأسف الشديد إن الواقع بعيد كل البعد عن تفسيرات إخوتنا الذين أغضبهم أيضا النقد الذي أثاره كل من باقان اموم وإدوارد لينو لسلفاكير عندما وصفوا إنحيازه للانفصال نتيجة لتأثير مجموعة القوميين الإنفصاليين وعلى رأسهم بونا ملوال».
غياب السينما الروائية في السودان هاجس كبير ويقول وجدي إن السينما اوالأفلام الروائية هي المعنية جوهريا بوجود أوعدم وجود صناعة فيلمية. وهو يرى أن الناس يفهمون- عادة- الافلام الروائية لأنها تتطلب مجالات متعددة من أجناس الفن كالسرد والتمثيل والموسيقي والمعمار ومحاكاة الحياة عبرمعالجات فنية ذكية.
ويضيف قائلا: «للأسف السودان فشل في تقديم مستوىً راق ومنتظم من هذه النوعية من الإنتاج الروائي والأسباب تعود مباشرة الى غياب البنية التحتية المطلوبة من دورعرض وصالات فرجة مهيئة ونظام تسويقي يتمكن من إعادة تدوير رأس المال المبذول في إنتاج الأفلام، وذلك رغم الثراء الكامن في إمكانيات الأدب القصصي والروائي في السودان».
تطورت السينما في كثير من البلدان الأفريقية وعن ذلك يقول: «سينما أفريقيا جنوب الصحراء أوما يطلق عليها السينما الإستوائية والسينما السوداء تجربة لايعرفها وللأسف قراء ومتعاطي الثقافة العربية ومنهم أغلبية السودانيين، لأن تسويقها يتم في البلدان المتحدثة بالإنجليزية والفرنسية وهي بالتالي، تشكل سوقها من المدخل اللغوي والثقافي ولذلك فإن المعرفة بها تجدها معرفة يعوزها العمق المعلوماتي، وهي سينما عظيمة وثرية إستطاعت ومنذ تجاربها الاولى في ستينيات القرن الماضي، ان تخط ملامح جديدة في خارطة الإنتاج السينمائي العالمي وتمكنت الأجيال الجديدة من وضعها جنبا الى جنب مع السينما العالمية».
ويضيف انها- إي السينما الأفريقية- صاعدة يوما بعد يوم من حيث كثافة الإنتاج ونوعيته والتجريب الجمالي بها، ويكفي أن نيجريا تمثل حاليا «هوليود أفريقيا»، حيث تغذي أفلامها إحتياجات فرجة غالبية الأفارقة جنوب الصحراء، وكذلك لا ننسى الدور الهام الذي يقوم به مهرجان السينما الأفريقية في «بوركينا فاسو»، في التعريف والعرض للتجارب الفيلمية المختلفة».