“نهر الحب” لعز الدين ذو الفقار.. فيلم سياسى!

قد يبدو هذا العنوان صادما بعض الشئ لما هومعروف عن هذا الفيلم تحديدا، وهو فيلم “نهر الحب” (1960) من رومانسية و نعومة ورقة، وأنه يعد من أهم وأجمل وأكمل كلاسيكيات السنيما المصرية و ذلك على الرغم من أن القصة هى للكاتب الروسى الشهير تولستوى وهى قصة ” أنا كارنينا ” و لقد تم تمصيرها بواسطة عزالدين ذوالفقار ويوسف عيسى ولقد خرجت على قدم المساواة مع الأعمال العالمية التى تناولت نفس القصة وذلك من خلال تضافر جميع عناصر هذا العمل الفنى الراقى من تمثيل والذى كان يجمع بين أهم وأجمل وأروع وأرقى ثنائى عرفه تاريخ السنيما المصرية وأكثر هذه الثنائيات نجاحا أيضا وهما سيدة الشاشة العربية فاتن حمامه وساحر السنيما المصرية النجم عمر الشريف .

  ذلك بالإضافة إلى الأدوار الثانوية أيضا للممثلين فؤاد المهندس وعمر الحريرى وزهرة العلا وزكى رستم وأيضا التصوير لمدير التصوير المبدع وحيد فريد والمونتاج لحسين أحمد والموسيقى المتناغمة دائما مع أحداث الفيلم سواء فى الحالات الرومانسية أو المشاهد السياسية أو العسكرية فى الفيلم لأندريا رايدار وأيضا الديكور والإضاءة وبقية عناصر العمل الفنى المتكامل وأهمها عنصر الإنتاج لحلمى رفلة.

وأخيرا ويعد العنصر الأهم وهو عنصر الإخراج للشاعر الذى كان يوجد خلف الكاميرا المخرج الرومانسى الحالم الراحل عزالدين ذو الفقار ويعد ما جسده هذا المخرج من معان جميلة وخلابة بالفعل مثالا حيا للتفانى والإخلاص فى العمل ولو على حساب مشاعره الشخصية فمن المعروف أنه كان هو الزوج الأول للفنانة فاتن حمامه قبل زواجها الثانى من الفنان عمر الشريف ورغم ذلك حينما تم البدء فى الإعداد لعمل فيلم نهر الحب وأكتملت الرؤية الفنية بضرورة وجود الثنائى فاتن حمامه وعمر الشريف فلم يتردد أبدا فى العمل معهما وإخراج العمل بهذا الشكل الذى ظهر عليه رغم ما كان من إنفصاله عن زوجته الفنانة فاتن حمامه.

عودة إلى العنوان الصادم بعض الشئ فكل من يشاهد هذا الفيلم قد يشاهده من زاوية واحدة فقط وهى الزاوية الرومانسية الرقيقة مع تشعب هذه العلاقات الرومانسية الجميلة و توزيعها على معظم أبطال و شخصيات العمل فعلى سبيل المثال إلى جانب العلاقة الرومانسية التى تنشئ بين خالد و نوال نجد علاقة جميلة أيضا بين ممدوح وصفية زوجته وبين نوال وصفية وبين ممدوح وأخته نوال وبين خالد و ممدوح وأخيرا بين خالد ووصفى صديقه فكلها علاقات جميلة ورومانسية تعكس طابع و شكل الحياة والعلاقات فى القصة وفى هذه الفترة بعد ما تم تمصير القصة  طبعا.

ومن غير العدل الحكم على هذا العمل العظيم المكتمل الجوانب من زاوية واحدة فقط وإغفال عدة زوايا أخرى ومنهم على سبيل المثال الزاوية السياسية والظروف التاريخية لهذا الفيلم والتى بالطبع ليست موجودة فى القصة الأجنبية وهى إضافة الأجواء السياسية و التاريخية لإقناع المشاهد أو المتلقى بالظروف المحيطة بالبطلة و التى دفعتها لحب شخص أخر غير زوجها وبالفعل لقد تعاطف معها أغلب الناس بالرغم من أنه كان لابد وأن يكون رد الفعل الطبيعى والواقعى وخاصة فى هذا المجتمع المصرى والشرقى أن ينهر هذه السيدة التى تخلت عن طفلها من أجل حبها و حبيبها و لكن من منطلق الإخلاص و التفانى فى العمل وحب العمل أولا جعل عزالدين ذو الفقار هذا المجتمع المصرى الشرقى يتعاطف مع هذه الشخصية أو هذه السيدة ويساندها بدموعه وقتما تدمع و أهاته وقتما تتأوه أو تتألم و إبتساماته وقتما تسعد.

ثم نأتى إلى الزاوية السياسية لهذا الفيلم والتى تتضح جلية فى شخصية طاهر بك والتى يجسدها الفنان زكى رستم صاحب المعالى والمقام الرفيع والقريب جدا من الملك والحاشية الملكية والذى كان يرتضى على نفسه أن تبقى أو تدوم علاقة نوال زوجته وأم ولده بالضابط خالد إذا لم تعرفها  الناس واذا لم تظهر أو تتضح لهم فهذا كانت طبيعة الشخصيات الراغبة  فى السلطة و النفوذ ولاتهتم بشئ سوى بالمظاهر الخادعة والكاذبة فينهروا القيم و المبادئ من أجل الوصول إلى السلطة و كراسى الحكم.

ثم نقطة أخرى هامة وهى إبراز تلك الشخصيات  على أنها من الشخصيات التى كانت توجد وتحيط بالملك وهذه هى طبائعها وتصرفاتها ثم أيضا تناول قصة الأسلحة الفاسدة (مع التحفظ على تلك القضية من الناحية التاريخية) التى بعث بها الملك وأعوانه للجيش المصرى لكى يستخدمها فى حرب فلسطين عام 1948 والتى تسببت فى فقد العديد من الضباط و المجندين المصريين.

وأعتقد أن عزالدين ذوالفقار وضع تلك النقاط عن عمد فقد عمل على إستخدام فترة زمنية وشخصيات كان السواد الأعظم من الشعب المصرى يكرههم بالفعل وذلك لإرتباطها بفترة الملكية والقساد وخاصة منذ عام 1946 حتى قيام الثورة عام  1952  وذلك أيضا بحكم كون المخرج عزالدين ذوالفقار ضابطا قبل أن يكون مخرجا وقد قام فعلا بإستخدام وتوظيف خلفياته العسكرية فى نسج خيوط القصة والحبكة الدرامية ليعمل على التقريب بين المشاهد وبطلى المأساة فجعل الزوج هو رجل لا يهتم سوى بشكله ومناصبه وجعل الحبيب ضابطا بالجيش المصرى والذى يذهب لمحاربة الأعداء أى أنه رجل ذو قضية ثم يستشهد  فى هذه الحرب ليكون بالفعل بطلا من وجهة نظر العديد من المشاهدين.

و لا يجب أن ننسى شئ هام جدا فى عملية التمصير ومحاولات عزالدين ذوالفقار و يوسف عيسى للربط بين الشعب المصرى والفيلم المأخوذ عن قصة أجنبية ألا وهو الجانب التاريخى الهام والتمثيل فى إستخدام أسطورة إيزيس وأوزوريس وهى أسطورة اصلها مصرى فرعونى تضرب بجذورها فى عمق التاريخ المصرى القديم .

و بالرغم من هذه البراعة فى التمصير والتى تجعلنا إذا شاهدنا الفيلم بدون أن نقرأ فى تيتر المقدمة أنه مأخوذ عن قصة أنا كارنينا لا نعرف أن هذا العمل مأخوذ من عمل أجنبى فلم يمنع ذلك أصحاب العمل من ذكر ذلك في مقدمة الفيلم وهو بالطبع ما لم يعد يُفعل بعد ذلك فأكم من الأفلام التى تم أخذها عن أعمال عالمية بعد ذلك ولم يذكر أصحابها ذلك وذلك خلال فترات السبعينات والثمانينات وإلى الأن ولنختتم الحديث ن هذا العمل الخالد بقول مأثور بات من أشهر أقوال السينما المصرية ذيوعا وشهرة قيل على لسان البطلة نوال فى أخر مشاهد الفيلم وهى بالفعل حكمة من الممكن لو طبقناها فى حياتنا لما واجهنا ما واجهناه ونواجهه من حروب و مصاعب وإخفاقات.

” إذا البشر أرادوا حياة فليفسحوا فى قلوبهم مجرى لنهر من الحب “!   

Visited 55 times, 1 visit(s) today