نافذة على البحر.. وداع الحياة بقصة حب جميلة
“أنا عايز أدفن بمزاجي” .. تلك العبارة الشهيرة التي قالها يوسف توفيق سالم غبريال في الدور الذي قدمه الراحل محمود ياسين في فيلم الوعد عام 2008، فقد كانت رغبة يوسف القاتل المحترف السابق بأنه لم يختار مكان ولادته وأجبر على المضي في ارتكاب الجرائم، وبعد الحصول على مكافأة نهاية الخدمة أراد أن يختار للمرة الأولى في حياته مكان نهايته.
هذه الفلسفة كانت محور الفيلم الأسباني اليوناني “Window To The Sea” أو “نافذة على البحر” للمخرج الأسباني ميجل أنخيل خيمنيز وشارك في المسابقة الرسمية للدورة 36 لمهرجان الاسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط التي انتهت فعاليتها 12 نوفمبر الماضي وحصل الفيلم على جائزة أفضل سيناريو، وقامت ببطولته النجمة الإسبانية الشهيرة إيما سواريز التي حصلت هي الأخرى على جائزة أفضل ممثلة مناصفة مع كاول سماحة عن الفيلم اللبناني “بالصدفة”، إيما سواريز هي بطلة الفيلم القبل الأخير للمخرج الإسباني بيدرو ألمودوفار الذي قدمه عام 2016 ويحمل اسم “خوليتا”.
وكان فيلم “نافذة على البحر” ميستحق جائزة أفضل فيلم أيضا لكن حصل عليها فيلم “باري” وهو انتاج مشترك بين اليونان وفرنسا وهولندا لكنه إيراني الموضوع والهوية.
الفارق بين الفيلمين المصري “الوعد” والاسباني “نافذة على البحر” أن في الأول كانت تلك النقطة الخاصة بالاختيار الأخير عابرة فسريعا انتهى دور يوسف غبريال عكس الاسباني فماريا هي محور الأحداث لكن التشابه بين العملين كان في الرغبة المتأخرة لكليهما الخاصة باختيار مكان النهاية، ماريا إمراة في منتصف الخمسينيات من العمر تعيش في مدينة بلباو الاسبانية حياتها تسير بين أمرين منزل الابن ومكان لقاء الصديقات اللاتي انتهين معا من تنظيم رحلة سياحية إلى اليونان لكن ماريا تكتشف انها مريضة بالسرطان ففي البداية تقترح إلغاء الرحلة قبل أن تعود وتوافق على الاستمرار رغم نصيحة الأطباء لها ورفض الإبن إيمانويل، لكنها تتجه إلى أثينا مع أصدقائها ومنها إلى جزيرة نيسيروس وهي عبارة عن مكان يمتاز بالهدوء الشديد وهناك تقابل البحار استيفانوس وتنشأ بينهما قصة الحب.
اختارت ماريا أن تكمل الجزء المتبقي والاخير من حياتها في مكان جديد شعرت فيه بالسلام النفسي بعد أن حصلت على فرصة غير متوقعة لتجد من خلالها السعادة التي ظلت أعوام طويلة تبحث عنها، وهي السعادة الشخصية التي تخص الإنسان بمفرده دون أن تكون مرتبطة بعلاقات الأحفاد الأسرية أو لقاءات الأصدقاء المتفاوتة، ماريا أقدمت على هروب قصير لحظي من حياتها في بلباو إلى اختيار النهاية بشروطها في اليونان، رغم أن مانويل الإبن انهى كل اجراءات دخولها إحدى المستشفيات الكبيرة في برشلونة وكان في انتظار عودة وانزعج عند عودة أصدقائها بدونها.
برع المخرج في أمرين الأول الانتقال من الأحداث في بلباو إلى نيسيروس والثاني التدرج المثالي في بداية تعارف ماريا باستيفانوس، فقد نجح في جعل المشاهد يشعر بأن استيفانوس هو طوق النجاة لماريا قبل النهاية يظهر العكس بأن ماريا هي التي كانت طوق النجاة لاستيفانوس ذلك البحار الذي فقد زوجته وابنته في حادث غرق، لا يستطيع المكوث في منزله السابق يذهب إليه سرا متخفيا ويمكث في مركبه المتواضع، يرفض نزول البحر الذي يكن له مشاعر متضاربة فهو المكان الذي قضى عمره يعمل فيه مع ذلك خطف أسرته، استيفانوس أيضا وجد ضلته في ماريا التي أعادته للحياة بعد أن أعاد تصميم منزله ليكون البيت الذي يشهد قصة حبه مع ماريا، بدأ في التصالح نوعا ما مع البحر لكن يظل مترددا في النزول.
صعوبات كبيرة واجهت ماريا في اقناع ابنها وصديقاتها للبقاء في اليونان بمفردها لكن الاصرار للحصول على جزء من السعادة كانت أقوى لدى ماريا بعد السلام التي وجدته مع نفسها ومع استيفانوس، مع البحر ومع النافذة الخاصة التي جعلت استيفانوس يصممها من أجلها لتطل على البحر مباشرة، كأنها رسمت لوحة بديعة لمكان النهاية، وهذا ما عبر عنه المخرج بحرفية شديدة من خلال الكادرات الواسعة الخاصة التي تضم كلا من البحر والنوافذ في كل الاماكن التي مكثت بها ماريا بداية من أثينا وصولا إلى مكان النهاية في منزل استيفانوس، قدم المخرج صورة مفعمة بالحياة والسعادة رغم انها لإمرأة مريضة في النهاية ورجل عجوز بائس.
جاء الأداء التمثيلي في الفيلم مبهرا سواء للبطلة إيما سوايرز التي قدمت كل المشاعر الداخلية لشخصية ماري ,ونفس الحال الممثل اليوناني أكيلاس كارازيسيس الذي أبدع في دور البحار استيفانوس حيث الشخص الهادئ ظاهريا لكنه على وشك الإنفجار لما يحمله من ماض قاس وحوادث أليمة، وشكل الثنائي ثنائيا رائعا فالأحداث كلها ترتكز على قصة الحب الوليدة التي نشأت في ظروف غير متوقعة لك يكن مخططا لها، قصة حب كان وقتها قصير لكنها امتدت بعد وفاة ماريا حيث انتقل ابنها مانويل مع أسرتها للحياة مع استفانوس في اليونان في منزل واحد وتحت مظلة النافذة التي تطل على البحر والتي كانت المكان المميز لماري الذي اختارته ليكتب سطور النهاية السعيدة وتودع بها الحياة.