“قصة زواج”.. عن اشكالية الطلاق والحب والصراع

منذ ثلاثة أعوام مع اقتراب نهاية العام يخرج إلى النور فيلم أو إثنين ليعدلا كفة ميزان السينما الأمريكية قليلا فالبداية كانت في 2016 (مانشستر بجانب البحر) و(الجحيم أو المياة العالية) ثم (ثلاثة لوحات إعلانية خارج إيبنج ميتسوري) في 2017 وفي العام الماضي ظهر (المفضلة) و(روما)، ومع الدخول في الأيام الأخيرة لهذا العام تطرح شبكة نتفلكس أحدث أفلامها تحت عنوان (قصة زواج) والذي يعد أفضل إنتاجات العام في السينما الأمريكية بشكل عام ونتفلكس بشكل خاص ويحمل ثلاث مفاجآت جميلة.

المفاجأة الأولى بالطبع هي المستوى المتميز للفيلم، اما المفاجأة الأهم كانت الأداء المبهر واللافت للنظر للثنائى سكارليت يوهانسن وآدم درايفر وخصوصا الأولى فلا أخفي أني دوما كنت اعتبرها مؤدية جيدة مجرد وجه جميل تظهر في الأفلام التجارية ويحبها الشباب لكن في هذا الفيلم تظهر بقوة إمكانيات تمثيلية كانت مسسترة طوال الأعوام الماضية ،ممثلة تمتلك قدرات كبيرة وموهبة في التحكم في طبيعة دورها وكان التعليق الأول بعد المشاهدة تلك المرة الأولى التي أشاهد فيها “الممثلة” سكارليت يوهانسن.

المفاجأة الثالثة كانت قدرة المخرج الموهوب نواه باومباخ في العودة لتقديم الأفلام التي ترتبط بفكرة الزواج والطلاق على غرار فيلمه (الحبار والحوت) لكن في (قصة زواج) التجربة أكبر وأعمق وأشمل وأكثر حرفية على مستوى السيناريو برغم طول المشاهد الحوارية نوعا ما خصوصا بين الزوجين فمشهد المواجهة بينهما في نهاية الفيلم إقترب من ال 10 دقائق مع ذلك سردت الجمل الحوارية بشكل متقن فلم يكن هناك مشهدا خارج السياق ويبدو أن باوماخ لجأ للمشاهد الطويلة لتكون أقرب إلى الأداء المسرحي وهو العمل الذي جمع الزوجين (مخرج وممثلة) على مدار عشرة أعوام.

يبدأ الفيلم بالزوجين نيكول وتشارلي عن طريق التعليق الصوتي كل منهما يرثي الآخر ويذكر مميزاته وما الشئ الذي يفقده ويجده في الآخر ، كيف إنهما برغم الاختلاف في الإهتمامات والطباع الشخصية إلا أن الحياة بينهما مستمرة بنجاح ، لكن سريعا نجد ان تلك الكلمات ما هي إلا إتفاق على الطلاق ، ليقسم المخرج فيلمه إلى خطين يسير بينهما ببراعة وتمكن الأول تحول العلاقة بينهما إلى الأسوأ وسيطرة التوتر والإحتقان فيما بينهما ، والثاني مع سير الأحداث يعيدنا عن طريق ومضات صغيرة عن شكل العلاقة بينهما في السابق ليحدث نوعا من التوازن ليجعلنا كمشاهدين نتسائل هل هي قصة طلاق أم قصة حب.

نيكول ممثلة موهوبة حققت مردود جيد في أحد الأدوار السينمائية ثم تزوجت من تشارلي المخرج المسرحي وانتقلت للعيش معه في نيويورك بعد أن كانت تعيش في لوس أنجلوس ، تصبح بطلة فرقة زوجها المسرحية وبعد عشرة أعوام تكتشف إنها مجرد ظل لتشارلي سواء كزوجة والأهم كممثلة ترغب في الدخول بتجارب أكبر تجد من خلالها بصيص من الحرية والذاتية.

غاص باوماخ في أدق التفاصيل الخاصة بخطوات الطلاق، فبعد ان إتفق الزوجان على الإنفصال دون مشاكل جاء اللجوء إلى المحامين ليزيد الموقف احتقانا وتتفاقم الازمة ليظهر في الأفق أزمات النفقة وحضانة الإبن والمشاركة في الدخل المادي وأجور المحامين ليبدأ معها نوع آخر من الصراع يرتكز على تبادل اللوم والإتهامات بالتقصير يظهر فيه الغضب المكبوت بينهما في مشاهد نفذها المخرج بشاعرية جميلة مثل مشهد المواجهة الأخير برغم قسوة العبارات لكن الأداء المثالي للثنائي جعلنا نشعر بأن كلايهما يتمزق من داخله ، وأيضا المشهد الذي قرأ تشارلي الرسالة لهنري وانهمر الثنائي في البكاء.

الأداء التمثيلي لجميع الممثلين كان مبهرا فلم يتوقف عند الثنائي سكارليت ودرايفر فقط بل امتد إلى الجميع المحامية نورا “لاورا ديرن” ، والأم ساندرا “جولي هاجرتي” والأخت كاسي “ميريت ويفر” والمحامي جاي “راي لويتا” حتى الطفل الذي قدم دور هنري “أزهي روبرتسون ، وأضفى أداء الممثل الكبير الآن ألدا في دور المحامي “روبرت” مزيد من الشاعرية على أجواء العمل .

يحسب لنواه باومباخ عدم إنحيازه لأي طرف سواء نيكول أو تشارلي فلم يلقي اللوم على أيا منهما ولم يظهر أي منهما ضحية للآخر إنحاز فقط للحب الذي ظل هو القاسم المشترك طوال أحداث الفيلم حتى وإن تغيير مضمونه خلال خطوات الطلاق فهناك مشاهد كثيرة تؤكد أن الحب لايزال موجودا وسيظل حتى بعد الإنفصال .

العنوان الذي اختاره باوماخ لفيلمه (قصة زواج) برغم أن الاحداث دارت حول خطوات الطلاق لكن يبدو أن العنوان مقصود فهو فيلم عن الحب بشكل عام والزواج بشكل خاص بمراحله المختلفة ، فترات الدفئ الجملية وقسوة الخلفات المتراكمة ، التجربة التي معها يكتشف الإنسان ذاته وطباع شريكه ، فالزواج تلك العلاقة البسيطة وفي نفس الوقت المعقدة لا يمكن أن تنتهي بإتفاق طلاق يوقع عليه الطرفين ، فالطريق الذي أنجز خلال أعوام تظل ذكرياته الأكثر تأثيرا والحنين له يسيطر على الطرفين وتحديدا نيكول وتشارلي .

Visited 83 times, 1 visit(s) today