فيلم “علاء الدين” وإشكالية التعامل مع الثقافة العربية

Print Friendly, PDF & Email

فيلم “علاء الدين” هو جزء آخر من مشروع شركة “ديزني” لتحويل أفلامها الكرتونيَّة القديمة التي أحبَّها الملايين. والمختلف في هذا الفيلم من إنتاجها أن أحداثه تقع في الشرق العربيّ؛ حيث تدور قصة الفيلم حول الحكاية التي وردت في الجزء الثاني من الكتاب الأشهر “ألف ليلة وليلة” تحت اسم “حكاية علاء الدين أبي الشَّامات”. وكتاب “ألف ليلة وليلة” أحد أهمّ الآداب العالمية كلها. ويُعرف لدى الأوربيين باسم كتاب “الليالي العربيَّة”. وقد قيل هذا الاسم بالنص في أول الفيلم.

دراما الفيلم لا تخرج عن الخط العام لفيلم “ديزني” القديم. ونوع الفيلم خيال أسطوريّ، ومغامرات. لكنَّ إخراج البُعد الأسطوريّ فيه لمْ يخلُ من خروج عن سياق الأسطورة لإشباع “الكوميديا”؛ فقد استخدم المخرج آلات عزف حديثة مثل “الدرامز”، وكذلك أنواع رقصات بالغة الحداثة. ليعزز الكوميديا -كما سبق-، وليصنع مزيدًا من التنوع البصريّ.

ومن حيث فنيات الصناعة فالفيلم -كما هو متوقع- مُغرق بالمُؤثرات البصريَّة من كل الأنواع والأنماط. وهذا هو الشأن الطبيعيّ في تنفيذ هذه النوعيَّة من الأفلام. وقد تفاوتتْ هذه المؤثرات في الجودة. لكنَّها -إجمالاً- ذات درجة عالية من الجودة. والعامل الأهمُّ في مثل هذه الأعمال على الإطلاق، ويغلب على المؤثرات البصريَّة حتى هو العامل البشريّ؛ أقصد الممثلين أنفسهم. لأنَّهم مَن يحولون أو يرتفعون بالفيلم من استعراض للمؤثرات وقدراتها -وهو عمل فنيّ جزئيّ- إلى درجة العمل الفنيّ الكامل. أو بقول آخر هم مَن يجعلون الفيلم فيلمًا.

وقد تفاوت الممثلون في العمل جودةً وتأثيرًا. ولعل الممثل الأفضل والأبرع، بل يكاد يكون عامود الفيلم الفقاريّ هو الممثل الكبير “ويل سميث”، الذي قام بدور جنيّ المصباح. اختيار بارع أضاف وحده إلى الفيلم الكثير، بل أقول أنقذ الفيلم من حيز الضياع والتهاوي، إلى حيز الحيوية والتفاعل. وساعد على إحياء الموات في بقية أداء الممثلين. ويأتي بعده “نعومي سكوت” في دور الأميرة. وكانت ذات حضور قويّ، وأداء عالٍ. ثم يأتي دور “نسيم بدراد” التي لعبت دور خادمة الأميرة. ثم في النهاية ولا أريد أن أكون قاسيًا عليه الممثل “مينا مسعود” ذو الأصل المصريّ، والذي يقوم بدور علاء الدين نفسه. هو لمْ يُقصِّر في شيء، بل كان مُجتهدًا، لكنْ خاصيَّة قوة الظهور، والتأثير لمْ تكن من خصائصه أبدًا. فبدا ظهوره غير لائق لا بالشخصيَّة، ولا باسم “علاء الدين” الأسطوريّ. إنَّه ليس خطأه، فهو لمْ يقصِّر -كما سبق- لكنه خطأ مَن اختاره.

وقد دُعِّم الفيلم بعدد لا بأس به من الاستعراضات والأغاني. التي أغنتْ الفيلم صوتيًّا وأثرتْ تجربة المشاهدة. وقد اختار كاتب الأغاني أنْ تكون من النوع الخفيف دون إغراق في معانٍ وفلسفات. كما امتلأت بالكوميديا وفنون الإضحاك. وقد برع مصمم الرقصات، ومدرب الممثلين والمُؤديين بشكل لافت. وقد بلغ الإتقان قمته في استعراض “الأمير علي”.

كل السابق كان حديثًا عن فنيات العمل. ولا بد هنا أن أنوِّه على عدد من الأمور علينا الانتباه إليها عند رؤية الفيلم. وكلها تتعلق بمشكلة تعامل الفيلم مع الثقافة العربيَّة التي تحتويه، والتي يقدمها. سألخص هذه الأمور في الآتي:

  • لمْ يرضَ مؤلفو الفيلم أن يكون فيلمًا للمتعة فقط، بل اختاروا قضيَّة. وإذا كان المؤلفون الغربيِّون يشيرون كثيرًا للعرب والمسلمين في أفلامهم. فما بالنا والفيلم يدور في أحضان الثقافة العربيَّة! قضيَّة الفيلم تدور حول حقوق المرأة العربيَّة. حيث نرى الوزير يقول للأميرة في أحد المشاهد: “مظهركِ هو الهامّ لا رأيك”. وفي هذا القول يظهر الفكر المُعلَّب الذي يقدمه دائمًا الغربيون عن الشرق العربيّ، والمرأة العربيَّة. من كونها تلك الحيوان المُزيَّن الذي يُتَّخذ تسلية للرجال العرب والمسلمين. وفي هذا كل السوء لمَن يقوله لأنَّه مزيِّف يزيف الحقائق. وللمُتلقِّي العربيّ لإهانته المباشرة إن كان من العرب والمسلمين، ولتشويهه والإساءة إليه إنْ كان من غيرهم. وبالقطع نرى المؤلفين يتمركزون حول هذا الهدف؛ بدور الأميرة في التخلص من الشرير، وفي الأغنية التي تقول فيها صراحةً: لا لنْ أصمت بعد الآن، سأظلّ أتحدث.
  • الخلط بين النمطين العربيّ والهنديّ في الفيلم. فقد خلط صانعوه بين النمطين في الملابس، وتصفيف الشَّعر، وفي الهيئة العامة، حتى في حركات اليدين والجسد. نرى استخدامهم للنموذج الهنديّ منها محلّ العربيّ. وهو من مظاهر قلة الاهتمام من الصناع، وقلة بحثهم من الأساس.
  • عدم الاعتناء بالجانب العربيّ في الكتب؛ حيث ظهرت الكتابة العربيَّة في مشهدَيْن أحدهما في كتاب للفلك، مكتوب بمعنى مستقيم، لكن مع أخطاء إملائيَّة واضحة، مع أنَّهم بالقطع استعانوا بمتخصص. وفي مشهد استعراض الجنيّ لقوانين السلطنة في ورقة بالغة الطول. حيث كُتب الكثير من الكتابات المُكرَّرة، وجاءت في لغة الدساتير الحديثة لكن بصياغة مُهترئة جدًّا. أيْ أنَّه كتب أيّ كتابة، وعندما لمْ يجد ما يكتبه أعاد تكراره مرة أخرى.
  • أمر عجيب آخر هو أنّ المخرج استعان بالكثير من الكلمات والعبارات العربيّة في خلفيات المشاهد، مثل خلفيَّة مشاهد السوق. وهذا أمر عجيب غريب. فلغة الفيلم هي الإنجليزيَّة فلِمَ يُضاف كلام عربيّ. فمعنى أن اللغة إنجليزيَّة هو أنه لا معنى للغة العربيَّة، بل تكون هنا هي الغريبة دراميًّا. وهذا من مظاهر المُراهقة الشديدة، والخروج على التصور الفنيّ أصلاً.

وبالنهاية الفيلم يقدم قدرًا لا بأس به من الإمتاع والإضحاك، وكثير من التسلية. لكنْ فلنكُنْ متلقين واعين.. ولنشاهدْ الأفلام -جميعها- بعقولنا لا بأعينناوأسماعنا.


Visited 124 times, 1 visit(s) today