“سيد المجهول” أو العيش على الوهم

"سيد المجهول" متاهة الصحراء والخرافة "سيد المجهول" متاهة الصحراء والخرافة
Print Friendly, PDF & Email

ليس من قبيل الصّدفة أن يحصل فيلم “سيد المجهول” على ثلاث جوائز في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة (مارس 2020) هي جائزة الصوت وجائزة الإنتاج وجائزة العمل الأول. فهو عمل متكامل العناصر، من ناحية السّيناريو والتصوير والإخراج، زد على ذلك الاستحسان الذي لاقاه الفيلم من طرف الجمهور أو النقاد على حد سواء، رغم بعض الاخطاء التي سقط فيها عن قصد أو غير قصد والتي سنعود إليها لاحقا.

مخرج الفيلم علاء الدين الجم من مواليد الرباط سنة 1988. درس السينما بأحد المعاهد الخاصة بمراكش ليتمّها في بروكسيل. ولج الفن السابع من باب السيناريو ثم إدارة الإنتاج ليمرّ الى الإخراج سنة 2008 بأولى أفلامه القصيرة. وفي سنة 2015 سيبدع في “سمك الصحراء” وهو فيلم قصير حصد العديد من الجوائز سواء داخل المغرب أو خارجه. وبعد أربع سنوات ستبدأ قصته مع أول أفلامه الطويلة “سيد المجهول” والذي شارك به في أسبوع النقاد بمهرجان كان ومثّل المغرب بالمهرجان الدولي للسينما بمراكش سنة 2019.

في لقاء له مع الجمهور إبّان المهرجان الوطني للفيلم بطنجة، صرّح المخرج بأنه وظّف في فيلمه عكس الأدوات والقواعد التي تعلمها في معاهد السينما وطبّق كل ما كان يمنع في التصوير. لقد أراد أن يقدم كوميديا مختلفة، ساخرة وناقدة، مضحكة ومعريّة في الان نفسه، عن واقع مزري ما زالت تعيشه فئة عريضة من المجتمع يتغذى فكرها بالوهم ويعيش على الخرافات.

على مدار ساعة واربعين دقيقة يأخذنا المخرج في سفر إلى منطقة نائية في نواحي مراكش حيث تدور أحداث الفيلم حول “أمين” الذي يسرق مبلغا من المال ويدفنه في أعلى تلة، واضعا حجارة على شكل قبر كعلامة لمعرفة المكان. جسّد دور اللص”يونس بواب” بنمطيته المعهودة في الأداء دون مجهود يذكر في تغيير المظهر الخارجي (نفس تسريحة الشعر و اللحية) أو تغيير الأداء و طريقة الكلام. وبعد عشر سنوات قضاها في السجن يعود ”أمين” الى المكان الذي دفن فيه النقود ليجد ما لم يكن في الحسبان، ضريح ولد من رحم القبر الذي بناه و سّمي بـ”سيد المجهول”.

اختار المخرج لغة سينمائية بسيطة وحوارات قصيرة بعيدا عن الجمل المحشوة بكلام بدائي عهدناه في مجموعة من الأفلام، وذهب السرد الدرامي في خط تصاعدي مع غياب عنصر التشويق خصوصا في نهاية الفيلم. اختيار المشاهد الصحراوية و المناظر القاحلة أضفى جمالية خاصة على الفيلم، وقد اعتمد المخرج على اللقطات العامة ليعمّق من عزلة القرية ويجسد حدة معاناة سكانها من قلة فرص الشغل و الجفاف الذي يضرب المنطقة منذ سنوات قاضيا على كل أمل لإحياء خضرة المكان.

في هذا المجال المحصور بين القرية والولي “الصالح” أثّثت مجموعة من الشخوص مشاهد الفيلم، يمكن تقسيمها إلى أربع مجموعات أساسية مع وضع شخصية ثانوية مساعدة للشخصية الأساسية:

1 – اللص: الباحث عن المال المدفون، رغم المحاولات المتكررة لاسترجاعه إلاّ أنه يفشل أمام حارس لا ينام له جفن، استقدم مساعدا له وهو صديق قديم في السجن عجز هو الاخر في اختراق الحراسة. تقمص دور المساعد “صلاح بن صلاح” بنجاح ومصداقية.

2 – الحارس: يحب عمله وكلبه (المساعد)، بل يفضل هذا الأخير على ابنه. لعب دور السّد المنيع أمام المتطفلين على الولي وشكل عائقا حقيقيا أمام وصول أمين إلى هدفه. في مشهد سريالي يستبدل أسنان كلبه التي فقدها في حادث دهس بالسيارة بأسنان ذهبية.

لقطة من الفيلم

3 – الفلّاح: جسّد الدّور بانسجام كبير بين المظهر و الأداء الممثل “محمد نعيمان”، المزارع الفقير الذي لم يترك أرضه و بقي ينتظر المطر الذي سيأتي حتما في نظره،يساعده ابنه في الحرث مرغما، لأنه لا يريد البقاء في القرية ويحمّل “سيد المجهول” الأزمة والمشاكل التي يعيشها أهل القرية.

 4 – الطبيب: شاب أنيق عيّن مؤخرا في القرية، اصطدم طموحه بالمعتقدات الرجعية لسكان القرية الذين يؤمنون بقدرات سيد المجهول فقط بمداواة أمراضهم. لعب دور الطبيب “أنس الباز” وأبدع فيه مع مساعد أتقن دوره كذلك حسن بديدةالذي أدرك منذ زمن أن النساء يأتين عند الطبيب فقط للخروج من المنزل.

في ما يخص الأخطاء التي أشرنا إليها في بداية هذا المقال، فمن وجهة نظري كيف يمكن لشخص أن يحرث أرضا متحجرة ويصبر لسنوات ينتظر سقوط المطر، أظنه ضرب من الجنون. في لقطة تفجير الضريح، دمّر عن آخره لنفاجأ بأمين ينهض من بين الحطام و كأن شيئا لم يحدث، وهذا خدمة للسيناريو الذي قرّر أن يعود أمين الى السجن في نهاية الفيلم.

حاول المخرج ان يوازن بين شخصيات الفيلم لتحريك خيوط القصة مع إعطاء أفضلية لشخصية اللص حتى نتابع قصته الى النهاية ونعرف مصيره، فيلم بدون بطل هذا ما أراده المخرج، لكن المتتبع للفيلم سيعي جيدا أن البطل الحقيقي كان هو “سيد المجهول” الذي ولد من لا شيء واستطاع أن يأسر عقول سكان القرية السذّج ويوهمهم بأن بركاته هبة من السماء تخرج من بيت  صغير لشفاء أمراضهم التي ما هي في الحقيقة إلا أوهام ومعتقدات خرافية تعيش عليها شرائح كثيرة في مجتمعاتنا العربية، المثقفة منها والأمية، ترسّخت فيه مع مرور العصور وأصبحت جزءا من معاشه اليومي.

المخرج يتحدث عن فيلمه
Visited 206 times, 1 visit(s) today