عطيات الأبنودي..‏ والسينمات الثلاث والفيلم التسجيلي!

نشرت الصحفية آمال عويضة في “الأهرام” تحقيقا حول عطيات الأبنودي، المخرجة المصرية التي تخصصت في الأفلام التسجيلية، والتي أصدرت أخيرا كتابا ضخما حول مفهوم السينما الثالثة…


عطيات‏..‏ هذا ما يكفينا منها وهذا ما نعرفه مقربون وأقل قربا صغارا أو كبارا‏,‏ متجاوزين عن لقب عائلتها أو اسم شهرتها الذي لم تتخل عنه علي الرغم من انفصالها عن صاحبه منذ عقدين ويزيد‏.

هنا نص التحقيق المنشور:

 الشابة التي تجاوزت السبعين تأبي أن يمر العام دون أن تهدينا كتابها السينما الثالثة الذي انتهت منه قبيل يناير2011 مباشرة وتسارعت الأحداث فلم يخرج إلي النور إلا بعد طول انتظار عن المجلس الأعلي للثقافة.


الكتاب
يقع الكتاب في 4 فصول من أربعمائة وتسعة وستين صفحة كتب مقدمته الناقد وزميل عمر الكاتبة كمال رمزي الذي أشاد بجهدها في التأريخ للسينما بموجاتها الفكرية وتطوراتها الصناعية وعلاقتها بالقضايا المرتبطة بالواقع حيث تصنف عطيات السينما في كتابها إلي سينمات ثلاث وتخصيص الفصلين الأول والثاني للحديث عن: السينما الأولي وهي سينما هوليوود ضخمة التكاليف واسعة الانتشار والتي لم تمنع رغم سطوتها ظهور السينما الثانية عقب الحرب العالمية الثانية, حيث انتشرت أفكار تنتقد السائد والمألوف كما في أفلام الواقعية الإيطالية والموجة الفرنسية وأفلام عكست تحركات شباب السينمائيين في أوروبا وأمريكا نفسها ممثلة في مدرسة نيويورك وظهرت في أفلام ساتاجيت راي الهندي وبينويل البولندي وكيروساوا الياباني وسيمبان السنغالي.

ويدور الفصل الثالث من الكتاب حول السينما والمشهد السياسي العالمي واختراع التليفزيون وحرب فيتنام والعنصرية في أمريكا وحركة التحرر الوطني في إفريقيا ثم جيل الستينيات وانتفاضة الطلبة وما أعقب ذلك من إصدار البيان الشهير للمخرجين فيرناندو سولاناس واوكتافيو خيتينو بعنوان نحو سينما ثالثة والذي ترجمته الكاتبة كاملا بينما خصصت الفصل الرابع لعلاقة السينما بدول العالم الثالث وخاصة في أمريكا اللاتينية فضلا عن تناول الخاتمة للسينما في عصر الديجيتال التي منحت صناع الفيلم آمالا وآفاقا جديدة لانتعاش كل الاتجاهات المعروفة وما يستجد.


مشوار
لا يمكن النظر للكتاب الصادر في معزل عن مسيرة صاحبته التي بدأت في الستينيات ووهبت معظمها للفيلم التسجيلي الذي انحازت فيه للبسطاء في واقعية فنية مسئولة وشاعرية منذ عرضت في جمعية الفيلم في القاهرة في 1971 فيلمها الأول حصان الطين ومدته 12 دقيقة بالأبيض والأسود عن معاناة الفقراء العاملين في صناعة الطوب لتتوالي بعده الجوائز والأفلام التسجيلية التي يتجاوز عددها 25 عملا عن الإنسان وهو ما يفسر انحيازها في الكتاب للسينما في علاقتها بالإنسان وهو أيضا ما يجعل منه إطارا إنسانيا/ عالميا لمشروع عطيات في وصف مصر ليصبح كتابها عن السينما وعلاقتها بالواقع مدخلا للسينما والواقع في مصر.

ويأتي كتاب السينما الثالثة في نهاية قائمة كتب متنوعة بقلم عطيات الأبنودي أولها أيام الديمقراطية في 1996 لتوثيق مكمل للفيلم التسجيلي عن تجربة المرشحات المصريات في انتخابات مجلس الشعب الذي خرج في طبعتين عربية وإنجليزية عبر منح كانت سببا فيما قبل لهجوم البعض بدعوي أنها تتلقي تمويلا أجنبيا ثم تلته في 1999 بشبه سيرة ذاتية عنوانها أيام لم تكن معه قبل أن تقدم في 2006 كتاب أيام السفر.

الكاتبة
تعترف عطيات أنها ليست كاتبة وإنما مخرجة باحثة تستخدم القلم أحيانا للتوثيق وإن ازداد الأمر صعوبة منذ إبريل الماضي بعد جلطة تركت آثارها علي البدن واللسان ولكنها لم تخدش الروح المقاومة. وهو ما دفعني لتهنئتها قبل أسابيع بعيد ميلادها لأحظي بإفطار معها ودعوة لاصطحابي إلي غرفة مكتبها ومشاهدة الفيلم التسجيلي الذي صنعه تحية لها مجموعة من الشباب المجتهدين لتعرضه الجزيرة الوثائقية.

تتابعه معي بينما تدخن سجائرها الكليوباترا وتسألني عن تفاصيل عني لم تنسها. عطيات امرأة التفاصيل المجتهدة التي اختارت أن تكون نفسها وكل ما حولها يؤكد ذلك: تفاصيل بيتها الذي لم يختلف كثيرا ما بين المقطم ومدينة نصر وملابسها ذات التصميم الريفي وحليها التي حملت دوما بصمة صديقة العمر الفنانة عزة فهمي.

وفي تلك التفاصيل تكمن إنسانية عطيات وهو ما يلخصه سؤالها الأول لكل من يدخل بيتها: إنت أكلت؟ وهكذا أيضا لخص الروائي عبده جبير ملامح عطيات الأم التي اكتفت بأمومتها المسئولة للأستاذة الجامعية الشابةأسماء يحي الطاهر عبد الله التي احتضنتها عطيات وتولت رعايتها بعد وفاة والدتها.

وقد اختارت عطيات بوعي أن تهدي كتابها إلي أستاذها المخرج الانجليزي بول وارين والمخرج المصري شادي عبد السلام وحفيدتها من أسماء دليلة التي تعكس إيمانا وأملا في أجيال تواصل حمل راية الفن والإنسانية في مصر.

تعليق من موقع “عين على السينما”:

نود فقط الإشارة إلى أن الناقد أمير العمري كان قد خصص فصلا في كتابه “حياة في السينما” (الذي أهدى منه نسخة إلى عطيات الأبنودي في ربع 2010) للحديث عن “السينما الثالثة” متناولا ما يعرف بـ”السينما الأولى” ثم “السينما الثانية” قبل ان يتطرق إلى مفهوم السينما الثالثة ويستعرض تجربته الشخصية في مجال تأسيس جمعية تحمل هذا الإسم في مصر، كما أشار إلى أنه ربما تكون الأفلام التسجيلية التي تخرجها عطيات الأبنودي، هي الأقرب إلى روح السينما الثالثة. وذكر العمري في كتابه ان “بيان السينما الثالثة” الذي أصدره كل من أوكتافيو جيتينيو وفرناندو سولاناس في أمريكا اللاتينية في الستينيات، ترجم ونشر بالكامل في كتاب “أفلام ومناهج” الصدار عن المجلس الأعلى للثقافة عام 2008.

Visited 33 times, 1 visit(s) today