صناعة الشخصيات السعودية في الرسوم المتحركة: “مسامير” نموذجًا

حسام الخولي

أثناء حضور فاعليات مهرجان البحر الأحمر، قال الكاتب عبد العزيز المزيني، أحد مؤسسي شركة ميركوت المنتجة لحلقات “مسامير” في حوار جانبي مع “عين على السينما”، أن الشركة بصدد إنتاج فيلم سينمائي بعيد نسبيًا عن شخصيات مسامير الكارتونية التي تمثل أشهر برامج السعودية في الداخل والخارج، بخلاف فيلم “محافظة مسامير”.

كان هذا التغيير، ثم التجربة التي خرجت فيما بعد في فيلم “راس براس”، رغبة في التجديد بدافع الملل من العمل على “مسامير” فقط لعشر سنوات أو أكثر، والحصول على كل الثناء والتشجيع. وهذا المقال يعود للوراء قليلًا لسرد قصة هذه السلسلة الشهيرة.

يعتبر “مسامير” أول مسلسل رسوم متحركة (تحريك) سعودي يُعرض على شبكة الإنترنت فقط غبر منصة عرض شبابية وحيدة كانت متاحة آنذاك، ويخضع لعملية إنتاج ذات حرفية عالية، لاقت إعجاب معظم الذين شاهدوها بالرغم من تمويلها الذاتي في البداية، وكان المسلسل أول إنتاجات شركة “ميركوت” التي قررت صناعة شخصيات كرتونية يمكن التحكم عن طريقها أكثر، من دون تردد في أي شيء، ضمن مجموعات شبابية أوسع من السعودية القديمة.

كان اختارا جيدا أن تجسد السعودية شخصياتها في مسلسل كرتوني لا يحتاج إلى ممثلين ليتحرر أكثر من الأشكال الرقابية المختلفة، ويقدم شكلاً فنياً مختلفاً لا يسهل إنتاجه عمومًا، نتيجة اعتماده على تكلفة إنتاجية عالية لكي يخرج بشكل احترافي. وبدأ العمل من جانب المخرج مالك نجر، وسيناريوهات فيصل العامر وعبد العزيز المزيني وربما غيرهم، وبتمويل ذاتي.

سنوات عديدة كانت الفارق بين فيلم “محافظة مسامير” الذي عرضته نتفليكس في أولى الإنتاجات السعودية المشتركة، وبين المقاطع القصيرة الكوميدية التي حصدت كل هذا التفاعل والإعجاب الذي أوصلها لتكون ممثلًا للسعودية أمام العالم في شبكة نتفليكس.

بدأ الموسم الأول من المسلسل كعرض عالمي لا يخص السعودية فقط، على نتفليكس، ليستمر تقديم الموسم الثاني كجزء من شراكة حصرية بين نتفليكس وشركة “ميركوت” في المملكة العربية السعودية لمدة خمس سنوات، تم توقيع اتفاقها في عام 2020، لإنتاج مسلسلات وأفلام عن المجتمع السعودي. ويتناول المسلسل التغييرات التي تحدث في السعودية بنظرة فكاهية متمثلة في سكان “محافظة مسامير”، ومغامراتهم الغريبة، وتصرفاتهم الطائشة المرحة التي اعتاد عليها مشاهدو القناة على يوتيوب.

خطوة للوراء ودعوة للتحقق

قبل أن يحدث التغيير الجذري الكبير الذي شهدته المملكة العربية السعودية خلال السنوات القليلة الماضية، على كافة المستويات السياسية والثقافية، مما أدّى إلى بروز الرغبة في التجريب وإنتاج أعمال فنية مختلفة تعكس هذا التغير، كان قد سبقه سنوات من التجارب الفنية التي كانت تسعى لإثبات قدرتها على المنافسة قبل الجميع، بعضها لم يلق التوفيق والاستمرارية، والبعض الآخر أثبت ذاته من العدم، وأصبح في الريادة بشكل يدعو إلى الإعجاب، ويتفوق على كل التجارب الأخرى، وهذا ما حدث في تجربة “مسامير”.

بدأت الفكرة من المخرج مالك نجر التي عرضها على صديقه فيصل العامر، لإنتاج مسلسل تحريك، يتكون من حلقات منفصلة، يحمل اسم “حارة مسامير”، واتفقا على بثها على الإنترنت “لعدم جدوى التلفزيون وقلة مشاهديه”. الآن إذا تصفحت قناة مسامير ستدرك الفارق الكبير الذي تثبته نسبة المشاهدات العالية التي وصل إليها مقارنة بما كان قبل عشر سنوات، فالمشاهدات مليونية، والتفاعل يفوق الوصف على كل حلقة، كانت البداية من شركة “ميركوت” لصناعة مسامير، وحازت تفاعلا كبيرا من جانب الأوساط الشبابية.

في مايو 2016، أنشأت السعودية “الهيئة العامة للترفيه”، كهيئة مختصة بكل ما يتعلق بالنشاط الترفيهي والثقافي، تماشيًا مع إعلان المملكة لرؤية «السعودية 2030» المستقبلية، وما يمثله قطاع الترفيه من أهمية اقتصادية وفقًا لتطلعات الرؤية.  كانت هذه هي السعودية الجديدة التي تناسبها، “محافظة مسامير” الجديدة التي تهتم بالنقد والسخرية وصناعة الفن أكثر مما يناسبها الحي القديم. وجد الجميع أنفسهم في شخصيات مسامير: سلتوح وسعد غنام وبندر وطراد وريتشارد كلب الأسد، الكلب الأخف ظلّاً في المسيرة الفنية العربية حتى الآن ربما!

تعتمد مسامير على حس فكاهي شبابي نسبيًا، يستهدف جمهورا ذا علاقة قوية بالسينما العربية والعالمية، أحيانًا يقدم حلقات ساخرة مع بعض أفلام الممثل المصري أحمد زكي، أو سخرية لاذعة من إحدى أغاني أم كلثوم، وأحيانًا أخرى  يحاكي الفيلم الأجنبي الشهير Castawayأو فيلم “بين السماء والأرض” لصلاح أبو سيف،  يدين التعصب الكروي ومجتمعات المثقفين المتأففة من كل شيء، وبذلك يعتمد على أرضية واسعة غير محددة، أو يتناولها بالسخرية غير المهينة، التي تنتج ضحكا يقوم على النقد الاجتماعي اللاذع.

جسدت “مسامير” المجتمع السعودي بكل تناقضاته، كما توسعّت لتهضم بعض النماذج العربية والعالمية، وأثبتت كيف يمكن أن يقدّم الشباب السعودي ذاتهم بعيدًا عن السلطة التي كانت في الماضي، تستهجن إنتاج الفنون بهذا الشكل أو غيره، وخلقت مساحة آمنة للإنتاج العربي، تمثّل السعودية الجديدة كما تمثّل جيل شباب كاملاً بات يملّ من الإنتاج المتشابه، واستطاع أن يستوعب كل خيالات هؤلاء الشباب وغضبهم المكتوم من المجتمع.

نجحت “مسامي” عندما كان صنّاعها يدركون جيدًا أنها مجرد تجربة، يعبرون فيها عن مفاهيم جديدة، بدأت مع كتابات “فيصل العامر” الأدبية التي تحوّلت إلى مقاطع كوميدية، والآن مع الرغبة في التوسع في التجارب، بات عليهم أن يفكروا مرة أخرى في تعزيز نجاح مسامير الذي قد يحتاج إلى تجديد الدم والكتابة، لا تجاهل هذا النجاح تمامًا.

Visited 4 times, 1 visit(s) today