“شلبي”.. نسخة مكررة باهتة من “زيكو”!

محمد كمالالقاهرة

من الطبيعي بعد النجاح “المفاجئ” الذي حققه كريم محمود عبد العزيز جماهيريا ونقديا في أخر أفلامه “من أجل زيكو” الذي يعد من أفضل الأفلام التي طرحت العام الماضي أن يقرر استمرار التعاون مع نفس فريق العمل، السيناريست مصطفى حمدي والمخرج بيتر ميمي خاصة وان الفيلم حقق لكريم نقلة كبيرة، أما الفيلم الجديد الذي جمع الثلاثي كريم، بيتر وحمدي الذي كتب له القصة ميمي نفسه حمل اسم “شلبي” وشارك في بطولته  – وهو الأمر الوحيد المختلف عن الفيلم السابق – روبي وبيومي فؤاد وحاتم صلاح.

بشكل عام لا تمثل مسألة استثمار النجاح السابق أزمة وهذا لسببين الأول أن هناك تجارب استغلت هذا الأمر وحققت نجاحات كبيرة سواء على مستوى السينما المصرية أو الأجنبية وبما أننا في عصر نجاحات المنصات تعد هذه النقطة تحديدا هي المسيطرة على سوق الإنتاج والتوزيع ففي الغالب تنتظر المنصات نجاح العمل من عدمه حتى تقرر إنجاز جزء أو أجزاء أخرى حتى وان كانت الحبكة لا تستوعب أي إضافات جديدة لكن تظل فكرة استثمار النجاح هي الأهم.

والسبب الثاني خاص أكثر بالسينما المصرية، فهناك أفلام وأبطال حققوا نجاحات في مسألة محاولة استثمار النجاح السابق على مستوى الأفلام التي عرضت مؤخرا لدينا “الفيل الأزرق” و”ولاد رزق” وهناك أيضا ممثلون استثمروا نجاحات شخصيات قدموها من قبل على غرار تجارب محمد سعد وأحمد مكي وأحمد آدم وعبلة كامل وغيرهم ..

قد نعتبر هذا محدودية فكر أو نوع من الاستسهال لكنه في النهاية أمر مشروع خاصة إذا جاء العمل الثاني أفضل أو إذا ظل على نفس المستوى وحتى لو جاء بمستوى أقل نسبيا، لكن الأزمة الكبيرة التي وقع فيها كريم محمود عبد العزيز في فيلمه الجديد لم تكن محاولة استغلال أو استثمار نجاح فيلمه السابق “من أجل زيكو” فقط بل امتدت إلى أمرين الأول الفارق الكبير في المستوى بين العمل الماضي وبين الفيلم الجديد الذي يحمل اسم “شلبي” والأمر الثاني ان التشابه والتطابق بين الحبكتين بشكل مثير للدهشة والشفقة معا.

في البداية وهو نوع من الإجبار الذي تفرضه الظروف لا يمكن أن نتناول فيلم “شلبي” بمعزل عن “زيكو” لأن التجربتين تقريبا متطابقتين في أربع نقاط، الأولى على مستوى اختيار موعد العرض فقد عرض “زيكو” في يناير العام الماضي بينما جاء عرض “شلبي” في يناير الحالي وإذا لم تخونني الذاكرة الفيلمين تم طرحهما في نفس اليوم من العامين.

النقطة الثانية فكرة اختيار اسم الفيلم بعيدا عن اسم شخصية البطل “كريم محمود عبد العزيز” ففي الفيلم السابق كان الابن زيكو أما في الفيلم الجديد فهي الدمية الماريونت شلبي صحيح يقوم بالتحريك والصوت صابر “كريم محمود عبد العزيز” لكن الفيلم يحمل اسم الدمية وليس البطل.

أما نقطة التشابه الثالثة بين الفيلمين ارتباطهما بحياة المهمشين والبسطاء حيث أن فتحي في زيكو كان سائق سيارة دفن الموتى أما صابر في شلبي فهو شاب بسيط يعمل في بيت الرعب ويقوم بتصميم الدمى الماريونت ولديه دمية صنعها تسمى شلبي.

يعيش صابر في فندق قديم تديره سعدية “روبي” لديها ابنة فقدت النطق تدعى كارما بعد وفاة كلبها قرنفل ويعيش مع شلبي في نفس الغرفة الممثل الذي يحلم بدور كبير في التمثيل ويبحث عن الفرصة شريف جزرة “حاتم صلاح”، وفي إحدى الغرف يوجد نزيل يعتقدوا في البداية أنه قاتل مأجور لكن شلبي يكتشف أنه مؤلف وجامع تحف وثري سابق يدعى فؤاد “بيومي فؤاد”.

النقطة الرابعة وهي الأهم التشابه الكبير في الحبكتين وتسلسلهما الدرامي، بداية من مسألة التمهيد الطويل في عرض الشخصيات وهو كان من أهم نقاط ضعف فيلم “زيكو” لكن مع شلبي كان التمهيد والتأسيس للشخصيات أكثر بؤسا حيث الاعتماد على المشاهد الطويلة لإظهار تفاصيل كل شخصية مع مزج “إفيهات” كوميدية ليس لها أي توازن أو داعي درامي وجاء معظمها غير مبرر من خلال التنقل المرتبك بين الشخصيات صابر ثم سعدية ثم شريف وأخيرا فؤاد.

نصل إلى المحرك الأساسي للأحداث  فقد كان الفيلم السابق واضحا من الاسم “من أجل زيكو” لهذا في الفيلم الجديد يمكن أن نطلق على شلبي اسم “من أجل كارما”، مثلما فتحي في زيكو قاد رحلة مع أسرته من أجل الابن زيكو يقوم صابر بقيادة أصدقائه في رحلة مشابهة لكن هذه المرة من أجل كارما حيث يتفق صابر مع مجموعته على إقامة مسرحية يشارك فيها الدمية شلبي مع الممثل شريف وسعدية ويحاولون الحصول على المال بهدف تمويل هذا العمل.

يستمر التطابق بين الفيلمين في وجود  – كما كتبت في المقال الخاص بفيلم زيكو العام الماضي – ما يسمى بالوقفات بمعنى وجود أحداث تجعل الرحلة تنحرف عن مسارها قليلا للدخول في مسار اخر، في زيكو كان هناك تباين بين مستوى الأربع وقفات (البنزينة – الحفل التنكري – المحمية – البلطجي)  لكن بشكل عام كان وجودهم غير مزعج وأيضا جاءوا في توظيف درامي جيد لكن الاختلاف كان في مستوى طرح كل وقفة بشكل منفصل على الشاشة.

أما في “شلبي” فقد ظهرت الوقفات بشكل سئ جدا وبدون توظيف درامي حقيقي وبصورة شديدة الافتعال البداية مع شريف في المسرح ثم سرقة عائلة فؤاد وأخيرا ظهور عم لصابر فجأة دون أي تمهيد سابق، لدرجة جعلت مستوى عرض تلك الوقفات ظهر بشكل هزيل ومترهل جدا، حيث اننا في كل وقفة نكتشف بعد جمل حوارية طويلة لا محل لها من الإعراب تاريخ كل شخصية لكن بشكل تقليدي مفكك غير مكتمب شديد المباشرة مع افتقاد المنطقية في السرد.

وحتى تكتمل الصورة العبثية في فيلم “شلبي” سواء في تقليد الفيلم السابق أو سوء مستوى فيلم شلبي نفسه يقرر صناع الفيلم اقحام أغنيات أيضا صحيح في زيكو وظفت الأغنية بشكل مقبول بل وحققت نجاحا عند عرضها بشكل منفصل عن الفيلم، عكس شلبي فقد جاءت الأغنيات سيئة جدا على غرار الفيلم ككل ورغم طرح الفيلم منذ أيام إلا أن تلك الأغنيات لم تحقق نفس المردود السابق لأغنية “الغزالة رايقة”، ونفس الأمر ينطبق على الظهور الفاتر للمطرب الشعبي عبد الباسط حمودة، ما الجدوى من وجوده؟ بماذا أفاد الحبكة؟ كيف أثر في الأحداث؟ حتى المشهد الذي ظهر فيه كان شديد الافتعال.

تظل رحلة “من أجل زيكو” جميلة وممتعة تتميز بسرد محكم دراميا حتى في ظل وجود بعض التحفظات الخاصة بالتمهيد الذي كان الأضعف لكن حتى هذا البناء احتوى على تفاصيل تظهر حالة الفقر والتهميش الذي تعاني منه أسرة زيكو، عكس رحلة “من أجل كارما” التي جاءت مفتعلة ساذجة وبرغم التشابه في مسألة اللعب على المهمشين أيضا لكن الشخصيات الخاصة بفيلم شلبي لا نستطيع حتى التعاطف معها أو مع أزماتها أو مع فقرها لأن البناء والسرد افتقر إلى المنطق وكان عبارة عن حكايات غير مكتملة كل هذا ظهر بشكل شديد السوء والهزلية تفتقد حتى للتسلسل المنطقي.

وإذا تطرقنا إلى الشخصيتين أصحاب أسماء الفيلمين “زيكو” ثم “شلبي”، الأول هو المحرك الأساسي للأحداث والذي من أجله تقام الرحلة، أما الثاني “شلبي” فقد أراد صناع الفيلم أن يقدموا من ورائه مجموعة من الاسقاطات حول حياة المهمشين التي تشبه الدمى في وجود أخرون يقوموا بتحريكها والتحكم فيهم وأن ليس لهم حول ولا قوة لكن حتى تلك النقطة لم يتم خدمتها دراميا بصورة تعكس أهميتها لهذا كانت المحصلة النهائية ان في حالة حذف شخصية شلبي لن تتأثر الحبكة أو الأحداث.

على مستوى الأداء التمثيلي جاء ظهور كريم محمود عبد العزيز بأداء شديد التواضع ونفس الحال روبي التي تكمل سلسة أدوارها واختيارتها السيئة في السينما من عام لآخر، ويستمر بيومي فؤاد في أدائه النمطي ولم يقدم حاتم صلاح أي جديد أو إضافة تذكر للشخصية.

ولاستكمال الحالة العبثية يأتي مشهد النهاية ليغلف ويتوج تلك التجربة البائسة من خلال عرض المسرحية التي جاءت على نفس القدر من الحالة الهزلية العامة، فقد تم تنفيذ المسرحية من أجل كارما التي بالطبع تستعيد صوتها من جديد بمجرد رؤية شبيه كلبها قرنفل، على طريقة الريس عبد الواحد الجنايني “حسين رياض” في فيلم “رد قلبي” الذي استعاد صوته في المشهد الأخير أيضا بعد سقوط الطغيان.

Visited 2 times, 1 visit(s) today