“شعرية السينما” جديد الكاتب والشاعر أمين صالح

يكتب أمين صالح ويبدع، يقرأ ويترجم ويكتب وينسج من سينما الفن، وسينما المؤلف، ويقدم كتبا كثيرة من جدون ضجيج أو احتفاليات. ومن كتبه الأحدث وصلني كتابان: شعرية السينما، ولغز الواقع.. عنف الميديا في سينما مايكل هانيكه.

في حديثه عن “السينما الشعرية” في كتابه الأول “شعرية السينما”، يقول أمين صالح إن السينما تملك سلطة داخلية تتركز داخل الصورة، وتعبر إلى الجمهور في شكل مشاعر، محدثة توترا في استجابة مباشرة إلى المنطق السردي للمؤلف. وهو المنهج الذي بواسطته يرغم الفنان الجمهور على أن يبني من الأجزاء المنفصلة وحدة شاملة. ثم يستعرض التعريفات المختلفة- المتصلة لعدد من كبار السينمائيين والباحثين لماهية السينما الشعرية، فعلى حين يعتبرها تاركوفسكي السينما التي تبتعد بجسارة في صورها عما هو اقعي ومادي ومتماسك كما يتجلى في الحياة الواقعية، وفي الوقت نفسه تؤكد السينما وحدتها التركيبية الخاصة في رصدها للحياة على نحو خالص وصاف ودقيق.

بعد أن يستعرض أمين صالح تعريفات مختلفة لمفهوم السينما الشعرية يخلص إلى القول إنه “ليس هناك تعريف محدد لخصائص السينما الشعرية، بل ثمة طرائق مختلفة للاقتراب من الموضوع وفهمه، ولا يكن الجزم بصحة مفهوم وخطأ آخر، أو رفض أي منظور محتمل”. وأمين صالح بهذا يتخذ موقفا ديمقراطيا رائعا، يترك المجال مفتوحا أمام الاجتهادات التي يجب أن تأتي من جانب المتخصصين والدارسين والنقاد والممارسين، وليس بالطبع من جانب هواة التعليقات السريعة على مواقع التواصل الذين لا يعرفون الفرق بين الشعر النثر، ويعتبرون كل ما ه غامض، شعرا.

أمين صالح أيضا يؤكد هذه الفكرة، أي فكرة ضرورة فهم الفيلم من داخله، عندما يكتب أنه في سبيل تقدير السينما الشعرية (أو أي فيلم فني عموما) ينبغي فهم فنية الفيلم وبراعته (ليس فقط ما يحققه من تسلية وترفيه)، وفهم السرد البصري وكيف يكون المخرج والمصور قادرين على التعبير عن رؤية الفيلم وخلق المعنى.

أمين صالح شاعر معروف من البحرين، وهو يقول لنا إن الشعر اللغوي فعل انفرادي، متوحد، بينما الشعر في الفيلم، فعل جماعي، يشارك فيه المصور ومصمم المناظر والمونتير وآخرون. وهم يساهمون في العنصر التقني لشعرية الصورة، بخلاف الشاعر، المخرج السينمائي يتعامل مع عدد من الفنيين والممثلين في تحقيق الفيلم، وعلى المخرج أن يتعامل بوعي وفهم مع ذوات متنوعة، وحساسيات مختلفة ورؤى متعددة، والتي ينبغي أن تتوافق مع رؤية وأسلوب النمخرج من أجل إبداع عمله بصورة قوية وسلسة.

الكتاب يقع في 357 صفحة من القطع الصغير، ويشمل فصولا يتناول فيها المؤلف، أساليب عدد كبير من المخرجين الذين يصنعون السينما الشعرية، وعددا آخر من الأفلام الشهيرة. ومن أمثلة المخرجين برتلوتشي وفيلليني وجودار وبونويل وبارادجانوف وتيرنس ماليك ودزيجا فيرتوف، وغيرهم. وينقل المؤلف الكثير من أقوال هؤلاء في كيات كتابه، التي تتوافق مع مفهومهم للسينما. ومن الأفلام التي يتوقف عندها، شروق لنورناو، وكلب اندلسي لبونويل، ودم شاعر لكوكتو، والأرض لدوفجنكو، وقصة طوكيو لباساجيرو أوزو.. وغير ذلك.

والرحلة عبر صفحات الكتاب رحلة منعشة، ممتعة، تقود القاريء الى البحث في الأفلام والمخرجين، والعودة لمشاهدة مجموعة الأفلام المهمة التي تناولها في الكتاب، والتي صنعت تاريخ السينما الفنية في العالم.

Visited 18 times, 1 visit(s) today