رؤى الرجال لصورة المرأة في ثلاثة أفلام سعودية

منار خالد 

بدأت الأفلام القصيرة تخطو خطواتها الأولى في السعودية في عام 1977 حين تم إنتاج فيلم “اغتيال المدينة” إخراج عبد الله المحيسن، وكان موضوعه يدور حول الدمار الذي حل على بيروت بعد الحرب الأهلية.

وقد حصل هذا الفيلم على جائزة نفرتيتي الذهبية لأحسن فيلم قصير بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، ورغم ذلك النجاح إلا أن إنتاج السعودية للأفلام القصيرة تراجع بعد ذلك لسنوات طويلة، ثم عاد من جديد في بداية الألفية الثالثة، بفضل إقبال الكثير من شباب السينمائيين المستقلين على خوض غمار صنع الأفلام القصيرة بفضل توفر التكنولوجيا الجديدة.

وكان من أشهر هذه الأفلام فيلم “من؟” الذي أنتج عام 2003، وهو من إخراج هيفاء المنصور، لتصل عدد الأفلام التي تم إنتاجها في الفترة بين (2003 إلى 2007 فقط، إلى قرابة 50 فيلماً قصيراً، حسب “دراسة أثر الأفلام القصيرة على المجتمع السعودي”[1]

بعد ذلك، توالت الإنتاجات بل والثيمات المتنوعة، ومن بين هذه الثيمات نجد أنه على مدار أعوام متفرقة اهتم الفيلم السعودي القصير، والطويل أيضًا، بأطروحات إشكالية تخص العلاقات الزوجية، وعلاقات الرجل بالمرأة، حيث تظهر المرأة كمحور هام في أكثر من فيلم، بصورة قد تبدو في طابعها متشابهة مع اختلاف المواقف الدرامية والطريقة الفنية في الطرح.

وسوف أتوقف في هذا المقال أمام ثلاثة نماذج للعصور على السمات المشتركة فيما بينها.

انتقام المرأة الهادئ (أول درجات الانتقام)

في عام 2014 قد تم إنتاج فيلم قصير بعنوان “صفقة بندق”، فكرة وإخراج علي عبد الحميد المؤمن، تدور فكرته حول علاقات الأزواج والزوجات، من (خيانة، وانتقام) حيث تفسد “دلال” حياة “سهام/ بندق” بسبب علاقتها بزوجها، فتقرر سهام بعد مرور سنوات أن تدخل في علاقة مع زوج دلال التي تسببت في طلاقها، وتنتصر عليها وتخبرها أنها أخذت زوجها منها كرد اعتبار لما فعلته معها في الماضي.

ومن خلال تفاصيل اللعبة، يكشف الفيلم خيانة الرجال لزوجاتهم، وحيل النساء في الثأر لكرامتهن. ولم تتجاوز مدة الفيلم 30 دقيقة، وجاء على شكل لغز غير موضح تماما، بإخفاء وجه دلال، ثم بعد تحقيق الانتقام تنكشف هويتها ليتضح أسباب الصفقة بأكملها.

صفقة بندق

ولكن رغم محاولة الفيلم خلق حالة من الترقب، إلا أنه جاء فنيًا على نحو غير متقن. صحيح أنه التزم بمدة مناسبة لهوية الفيلم القصير، لكنه في طابعه حمل على عاتقه بنية الفيلم الروائي الطويل، من حيث عدم الارتكاز على نقطة محددة في الحدث، رغم أن الحبكة تدور حول تلك الرغبة المستبدة لدى المرأة في الثأر.

وقد تأرجح الفيلم أيضا بين أحداث مختلفة، وفضاءات وأزمنة متعددة، بينما يجب أن يعالج الفيلم القصير “لحظة مثلما تفعل الصورة الفوتوغرافية، ويعالج حالة عاطفية ومزاجية مثلما تفعل القصيدة، أو ملحوظة تأملية عميقة كما تفعل القصة القصيرة”.[2]

ما يكشف عنه الفيلم، محاولة مخرجه إنجاز فيلم طويل وهو ما لم يكتمل بسبب عدم اكتمال السيناريو الذي انحصر في مدة زمنية قصيرة، ورغم ذلك كان هناك إسهاب في المشاهد ذات الأداء التمثيلي الضعيف مع ارتباك في الأهداف. وحتى على مستوى البناء، مع ذلك الغموض الذي بدأه بمقتطف في البداية ثم الكشف عن هوية السيدة فيما بعد، هو بناء يصلح أكثر للفيلم الروائي الطويل، مع الأخذ في الاعتبار أن هذا يقتضي توفر فريق تمثيلي وكاتب سيناريو مختلف.

وعلى الرغم من كثرة المشكلات الفنية فيه، إلا أنه يوضع في خانة الأفلام السعودية الجريئة التي تحاول التطرق لمشكلات العلاقات الزوجية، ودهاء النساء وذكائهن في الانتقام.

انتقام المرأة العنيف (ثاني درجات الانتقام)

واستكمالًا لحالة الانتقام نجد أنه في عام 2021 تم إنتاج فيلم قصير آخر هو “الزوجة العاقلة” من إخراج محمد مكي، تدور أحداثه حول الـ”ثيمة” نفسها أي الخيانة- الانتقام، فهناك زوج مريض في المستشفى تأتي إليه حبيبته للزيارة في الوقت نفسه الذي تأتي فيه الزوجة، فتكتشف الخيانة، فتقتلهما معًا، وينتهي الفيلم بنظرة انتصار على وجه الزوجة، ووجهها ملطخ بالدماء.

ويعتبر هذا الفيلم وبعد مرور 7 سنوات على إنتاجه، عملا أكثر إخلاصا لتقاليد ومعالم وهوية الفيلم القصير من حيث اقتناص لحظة في حياة أشخاص دون اسهاب أو مشاهد وتنقلات بين فضاءات وشخصيات عديدة، كما أنه يتميز أيضًا بوحدة الزمان والمكان والحدث وعدد محدود من الشخصيات، كما تميز بالأداء التمثيلي المناسب للشخصيات في حدود المساحة المحددة، رغم محاولة تقديم تبرير لخيانة الزوج، لم تكن مقنعة، لكنه جاء بشكل فني وتقني متطور عن سابقه.

 وعند تنحية الجوانب الفنية جانبًا والنظر في شأن القضية نفسها المتكررة بين الفيلمين، يتضح أنها مشكلة مجتمعية ملحة في المجتمع السعودي، وكذلك تمثيل المرأة بين الأفلام، في صورة الشخصية القوية التي تثأر وتظهر جانبا عنيفا أحيانًا.

المرأة قاتلة أسطورية (ثالث درجات الانتقام)

تشتد وطأة الانتقام لدى السيدات السعوديات سينمائيًا بشكل أكثر وضوحاً، في فيلم روائي طويل هو فيلم “الخطابة” الذي تم إنتاجه عام 2023 من إخراج عبد المحسن الضبعان.

وتدور أحداث الفيلم حول الموضوع نفسيه، أي الخيانة- والانتقام. ويبدأ الفيلم بمشهد تمهيدي حول احتراق رجل في الصحراء في زمن ماضٍ، قامت بحرقه زوجته “الخطابة” بعد علمها بخبر زواجه من امرأة ثانية، ذلك بعد أن حصلت على خاتم سحري يمنحها القدرة على حرق الرجال وإعادتهم إلى الحياة بشخصيات جديدة بعد تصفية أخطائهم مع زوجاتهنّ!

يعود الفيلم بعد ذلك إلى الزمن الحاضر، فنرى كيف أن “حسام”، ذلك الموظف بفضوله ورغبته في التعرف على زميلته في العمل “سلمى”، يقوده طموحه هذا للذهاب إلى الصحراء وعالم “الخطابة”، ذلك العالم الذي يقدم نفسه على أنه يوفر فرصة زواج ثاني للرجال، وفور وصول الرجال تبدأ لعبة الانتقام والحرق.

تسيطر على الفيلم العديد من محركات القوى الخارقة، والتصوير المخيف، وفهم اللغز في النهاية لزيادة حالة التشويق وربما الرعب في بعض المشاهد، كما يتميز الفيلم بالوعي بطبيعة المكان وطبيعة الدراما المطروحة باستخدام زوايا تصوير واسعة تبرهن على تلك المخاوف التي يحيا فيها البطل، مع مصادر الاضاءة القليلة لزيادة حالة الغموض.

ربما لم يستطيع الفيلم الدمج الكامل بين الأسطورة والعالم الحقيقي، كما أن نجاة شخصية البطل في النهاية، ومواجهة سلمى للخطابة، ربما أضعفت الحبكة وجعلت هناك محاولات لتقديم أسباب مقنعة تكشف عن سبب حرق وقتل الرجال، إلا أن هذه المبررات أو شرح الأسباب، قلل من تأثير حالة الغموض والتشويق.

على الرغم من ذلك، إلا أن الفيلم حقق تطوراً تقنيا عالياً وذلك دون مقارنة كلية مع الفيلمين السابقين، بسبب نوعه المختلف كونه عملا روائياً طويلا، كذلك من حيث اختيار عالم مغاير للتحدث عن النساء، وهو عالم الصحراء والأساطير، إلا أن وجود سلمى كعامل مشترك بين العالمين جرده من الجزء الفانتازي المتخيل وجعل هناك صلة بين امرأة اليوم وامرأة الأسطورة، المنتقمة من الرجل بسبب الخيانة، تخطط كثيرًا وتبني عوالم بعيدة وتتواصل مع قوى غيبية بغرض الانتقام الذي تخطط له، وزاد من حدة الرعب منها أكثر، كونها متواجدة في كل زمان ومكان، بل وقادرة على تحريك الأحداث في الحاضر أيضا!

الخطابة

رغم أنه يبدو أن للمرأة حيزاا كبير في تشكيل الدراما السعودية وأفكارها، إلا أن مما يمكن ملاحظته، أن الأعمال الثلاثة كانت من إخراج مخرجين رجال، صحيح اشتركت في الكتابة نساء، لكن يبقى النتاج الأخير وكل تفاصيل الصورة والأداء والتوجيه من صنع رجال، لا سيدات يعبرن عن ذواتهن بشكل كامل في قضايا مشتبكة مع واقعهن، وهو ما يقتضي اشتباكا أعمق من الثيمات الفردية المختصة بالانتقام وجرائم القتل وحدها، فكل من تطرق لمثل هذه الانتقامات العنيفة هم رجال يقدمون تصوراتهم عن النساء. لقد صوروا خيانات الرجال، لكنهم قدموا مقابل ذلك، داخل كل عمل سيدة خائنة، كما لم يكن هناك مساحة كافية لفهم طبيعة الشخصية النسائية السعودية أكثر.

هوامش:

١.  ريا حسن، هشام عبد الرحمن، مجلة بحوث التربية النوعية جامعة المنصورة، عدد 58، عام 2020.

٢.  عبد الباسط الحفار، جماليات الفيلم القصير، (بغداد: الشاطئ للنشر والتوزيع، 2016)، ص 47.


[1]

[2]

Visited 1 times, 1 visit(s) today