“ذا ميج” وفكرة تقديم شيء من كل شيء

في عام 1975 قدمت هوليود فيلم “الفك المفترس”Jaws  وحقق الفيلم نجاحا غير مسبوق على مستوى الإيرادات والأهم من ذلك، ساهم الفيلم في صناعة نجومية المخرج ستيفن سبيلبرج.

ولعل الميزة الأساسية في نجومية سبيلبرج هي القدرة على ابهار المتفرج وشد انتباهه عن طريق الخدع والمؤثرات البصرية. ونحن هنا لا نحلل أفلام ستيفن سبيلبرج، فليس هذا هدف المقال، بل الفكرة هي التأكيد على وجود علاقة وثيقة بين التطور على مستوى التقنية وبين تقديم أفلام مغامرات البحار (إن جاز التعبير).

أفلام مغامرات البحار تساعد على عرض أحدث ما توصلت إليه السينما في مجال الخدع والمؤثرات، بجانب أفلام الخيال العلمي بالطبع. فالتطور على المستوى التقني سواء على مستوى الأفلام أو صالات العرض، لصيق الصلة بأفلام البحار وبدرجة أكبر أفلام الخيال العلمي. فعلى المستوى شخصي، مازلت أذكر في طفولتي التطورات التي حدثت في سينما أمير بالإسكندرية على مستوى الصوت، حيث اعلنت دار السينما عن توافر تقنية الصوت المجسم بالدار، وعرضت فيلم أعماق البحار Deep Blu Sea   بالتزامن مع ميلاد هذه التقنية بالدار.

يعتبر فيلم The Meg أو “قياس القوة المغناطيسية” فيلما مثاليا لدار العرض التي تعرض الفيلم بتقنية دي بوكس، والتي تقوم بإنشاء جو حركي مناسب لطبيعة الفيلم. ولقد قدم المخرج جون تورتيلتوب فيلم مثالي سيشعر المتفرج بمتعة هائلة وهو يشاهده داخل دار عرض تستخدم تقنية دي بوكس، فقد وفق إلى حد كبير في تجسيد جو من الإثارة وحبس الانفاس كما أجاد في تصوير صراع البطل (جيسون ستاثام) مع الطبيعة (سمكة القرش) بشكل بارع، من خلال التركيز على الفارق الجسدي بين حجم البطل وحجم سمكة القرش.

لكن تظل متعة الفيلم متعة لحظية، بمعنى أن المشاهد يخرج من الفيلم لا يتذكر أي من أحداثه، كل ما يتذكره هو بعض الادرينالين الذي شعر به أثناء المشاهدة. وبشكل عام، على الرغم من أهمية التقنية، ما يكسب الفيلم الخلود هو القصة المحكمة. فعلى سبيل المثال، نحن مازلنا نشاهد فيلم ساحر أوز لفيكتور فليمنج The wizard of Oz   على الرغم من بساطة التقنية والمؤثرات بسبب السيناريو والقصة المحكمة.

وهنا يكمن الفرق بين ستيفين سبيلبرج وجون تورتيلتوب، فستيفين سبيلبرج بجانب امتلاكه للتقنية، قادر على تقديم حبكة مثيرة، تجعل أفلامه عالقة في الأذهان. فعلى سبيل المثال، يظل فيلم (إي تي مخلوق من الفضاء الخارجي) صالح للمشاهدة حتى الآن، لأن القصة والحبكة ممتعة وتقدم علاقة فريدة وممتعة بين طفل ومخلوق فضائي. وهذا ما لم يدركه جون تورتيلتوب، ففيلم “ذا ميج” جعجعة بلا طحين، أو في معنى آخر، تقنية بلا قصة.

وتدور أحداث الفيلم حول جوناس تايلور غواص الانقاذ الذي يتقاعد من وظيفته بعد فشله في انقاذ طاقم غواصة، ورفض مزاعمه المتعلقة بهجوم مخلوق غامض على طاقم السفينة حيث يتم اتهامه بالتقاعس والهلوسات البصرية. لكن يتم الاستعانة بخدماته من جديد، لإنقاذ طاقم غواصة عالقة في أعماق البحار فيها ثلاثة أشخاص من بينهم زوجته السابقة. وأثناء الانقاذ تتأكد براءة جوناس، عندما تتأكد مؤسسة الأبحاث من وجود سمكة قرش من نوع ميجالودون، وتتعاون مع جوناس للتخلص منه.

المشكلة الرئيسية هي محاولة تقديم شيء من كل شيء في الفيلم بطريقة ساذجة، فالفيلم يحاول تقديم بعض الكوميديا من خلال اقحام شخصية رجل أحمق لا يعرف السباحة في مشاهد قليلة، وبعض الرومانسية من خلال تقديم علاقة حب بين البطل جوناس وسوين في مشاهد وقفزات سريعة مفتعلة، ومن خلال تقديم علاقة باهتة بين البطل جوناس وطليقته جيسكا وبعض الصراع، من خلال تقديم الرجل الغني راين ويلسون الذي يمول الأبحاث ويهتم بالنتائج ولا يبالي بالخسائر البشرية، وبعض المعلومات العلمية، من خلال تقديم زانغ الذي يظهر قلق على المستقبل العلمي دون توضيح أو تفصيل!

كل هذه الشخصيات تظهر وتختفي، فلا يتفاعل المشاهد معها، فظهورها بشكل عشوائي غير مدروس أدى إلي عدم نمو أي علاقة بين المشاهد والشخصية. لذلك موت أحد الشخصيات لا يمثل حدث في حد ذاته لأن الشخصيات نمطية ظهرت فجأة وماتت فجأة. نحن أمام فيلم لا يهدف إلي تقديم شخصية مبهرة في حد ذاتها، بل يهدف إلي تقديم مشهد مبهر عن طريق التهام هذه الشخصيات من قبل القرش! وهنا يكمن الفرق بين هذا الفيلم وفيلم أعماق البحار deep blue se مثلا.

فيلم “أعماق البحار” بجانب المشاهد التقنية، يرسم شخصيات محددة، بشكل يجعل المتفرج مترقبا وقلقا من احتمال موتها في أي لحظة. أما هنا فالمشكلة الأكبر تأتي مع نهاية الفيلم التي تبدو مقحمة إلي حد كبير، فالفيلم اراد إقامة علاقة بينه وبين فيلم “الفك المفترس” Jaws، عن طريق هروب القرش من الأعماق وتوجهه إلي المياه المفتوحة، مما يهدد حياة بعض المصطافين، بشكل يجعل الفيلم هجينا بين فيلم “أعماق البحار” وفيلم “الفك المفترس”.

الخلاصة، نحن أمام فيلم قد يقدم بعض التسلية لمن يشاهده بتقنية دي بوكس، لكنه سينسى كل شيء بمجرد خروجه من دار العرض.

Visited 104 times, 1 visit(s) today