“انتحار في تايبيه”.. البحث عن الحياة على شفا الموت

في احدى ضواحي العاصمة التايوانية ( تايبيه) يوجد فندق يتيح لمن أن أراد أن يتخلص من حياته، المبيت في ليلته الأخيرة مع توفير طرق، وأدوات مختلفة لنزلائه لمساعدتهم على الانتحار، والتكفل بإجراءات الدفن، ولا تمنع قواعد الفندق من مراجعة النزلاء أنفسهم، والعدول عن قرارهم بالانتحار، والبحث عن فرصة جديدة للحياة.

يبدأ فيلم قصة انتحار في تايبيه (Taipei Suicide Story) بحصر حالات الانتحار التي تمت في الليلة السابقة ( ثلاثة بجرعة زائدة، وواحد شنقًا، وآخر اختنق)، العمال في الفندق يؤدون مهامهم ببرود دون تأثر، غير آبهين سوى باختيار بعض المنتحرين لطرق انتحار متعبة لهم ( كالاختناق بدخان الفحم).

وبينما يسير العمل في الفندق على نحو عادي، وعند تَفَقُد غرفة أحد النزلاء يُكتَشف وجود فتاة داخلها منذ أسبوع دون أن تنهي حياتها أو تغادر الفندق كما تقضي قواعده.

يذهب إليها موظف الاستقبال ليعرف سبب وجودها كل هذه المدة دون علم من في الفندق، فتقول له أنها جاءت إلى الفندق لكي تنهي حياتها على الفور، واعتقدت أن الحياة في الفندق كئيبة لدرجة تدفع الإنسان لقتل نفسه فور وصوله أو مغاردته إن فشل في ذلك، ولكنها بمجرد وصولها للغرفة التي حجزتها في الفندق أحست بسلام غريب، وأيقنت أن جميع من في الفندق يشبهونها في ضياعها، ووحدتها، للدرجة التي لم تعد تشعر فيها أنها وحيدة، لتتوقف لوهلة عن مطاردة الموت، لكنها لا تريد العيش في الوقت ذاته.

يتأثر موظف الاستقبال بكلام الفتاة ويمنحها فرصة للبقاء لليلة أخرى، إما أن تنهي حياتها، أو تغادر الفندق، وإلا سيبلغ عنها الشرطة.

يعود الموظف لاستكمال عمله، وفي الليل وعندما تجد الفتاة مطعم الفندق مغلقًا تستأذنه للخروج في شراء بعض الطعام من الخارج، فيستأذنها أن يصحبها في طريقها إلى السوبر ماركت، ويعتذر لها عن أسلوبه وتبدأ بوادر مشاعر الاهتمام والتعاطف في النشوء بينهما.

فهل يتعلق بها موظف الاستقبال، ويثنيها عن قرارها في الانتحار، وبذلك يخالف طبيعة عمله، أم يفعل ما تقتضيه وظيفته، ويتركها تنتحر، وهو الذي بدأ التعلق بها؟!

يطرح الفيلم الفائز بجائزة ScreenCraft لمهرجان كان السينمائي 2020 العديد من القضايا الوجودية الجدلية عن الحياة، والموت، والوحدة، والسعي للمعنى، والقيمة، عن ضغوط الحياة التي تدفع المرء أحيانًا ليعمل في مجالات لا يحبها، عن الأحلام بوصفها وقود، وباعث على استكمال الحياة، والبحث عن فرصة للبدء من جديد، وعن تغير الأحلام كلما تقدمنا في العمر.

كما تَعرَضَ الفيلم لتأثير النوع الاجتماعي على الوقوع تحت ضغوط الحياة، وهل تختلف الضغوط باختلاف الجنس، وبالتالي يصبح الرجال أكثر عرضة للتفكير في الانتحار عن النساء نظرًا لقلة المطالب، والتوقعات منهن.

وعن الجهل بقيمة الحياة التي يملكها الإنسان في مقابل التطلع للعيش كما يعيش الآخرون، وهل العيش على هامش الحياة يجعله بمأمن عن الميول الانتحارية عكس من يحيا تحت الأضواء والتطلعات، وهل التوقعات المُبالغ فيها تدفع إلى الاحساس بالفشل، وخيبة الأمل، ومن ثم التعاسة والرغبة في انهاء حياتنا.

وعن الشعور بالشيخوخة والعجز وانقضاء الفرص في مقتبل العمر، عن فقدان الشغف ومطاردة السراب.

عن الاحتياج لمن يؤمن بنا، حينما تجتاحنا الشكوك، يمسك بنا حينما نريد افلات أيادينا، يمنحنا الطمأنينة، وسط قسوة العالم.

ولكن هل من الصواب أن يتعلق فاني بفانٍ مثله، أم أن الإنسان في حاجة إلى ما هو أبقى سواء كان شخص أو قيمة أو معنى يحيا به وله.

Visited 16 times, 1 visit(s) today