الناقد المخضرم عبد الكريم قابوس يوجه سهامه إلى مهرجان قرطاج

من جريدة الجمهورية التونسية هذا الموضوع الذي يجسد رأي الناقد المخضرم عبد الكريم قابوس، أحد المقربين من المهرجان طوال تاريخه، وهو يوجه نقده للدورة الأخيرة الخمسين التي اختتمت مؤخرا…

خلف حفل افتتاح الدورة 27 من أيام قرطاج السينمائية  الذي احتضنه ولأول مرة قصر المؤتمرات بشارع محمد الخامس بالعاصمة، ضجة وانتقادات على جميع المستويات.


حفل شهد حضور عدد كبير من الوجوه الفنية والإعلامية والسياسية كما سجل حضور رئيس الحكومة يوسف الشاهد، ولعل هذه النقطة الأخيرة هي التي أثارات استياء البعض، حيث اجمعوا على كون الحضور المكثف للأمن والأمن الرئاسي، أفقد المهرجان بريقه، كما أن الاجراءات الأمنية المكثفة، وتّرت الأجواء وساهمت في حدوث الكثير من الفوضى، دون ان ننسى لوم البعض وتعبيرهم عن استيائهم لافتتاح الدورة من قبل رئيس الحكومة.


ومن اهم ملاحظتنا حول افتتاح هذه الدورة هو فقدانها لبريقها واشعاعها، ولعل السبب الرئيسي يعود بالأساس لتغيير المكان حيث كان للمسرح البلدي وسط العاصمة طابع خاص، ولشارع الحبيب بورقيبة بهرج اضافي، كما لاحظنا ان سوء التنظيم انطلق من السجاد الأحمر، الذي وضع على حفر ومطبات كانت سببا في تعثر جل الضيوف وسقوطهم ارضا مما تسبب في احراج العديد منهم.


وتجدر الاشارة الى ان هذه الدورة التي تتواصل الى غاية يوم 5 نوفمبر تشهد مشاركة 322 فيلماً بين روائي ووثائقي وقصير، من عشرين بلداً عربياً وأجنبياً.


وتتزامن الدورة الجديدة مع مرور خمسين عاماً على تأسيسها (1966)، كأوّل مهرجان سينمائي في أفريقيا والبلاد العربية؛ حيثُ كانت تُنظّم مرّة كل سنتين بالتناوب مع «أيام قرطاج المسرحية» قبل أن تصبح تظاهرة سنوية.
50 سنة مرت على انبعاث هذا المهرجان، ليبقى السؤال هل حافظ هذا المهرجان، على بريقه واشعاعه، كأهم مهرجان سينمائي في افريقيا والعالم العربي، أم أن سقوطه في التقليد الأعمى للمهرجانات العالمية على مدار السنوات الأخيرة افقده طابعه الخاص، الذي حارب من اجله الطاهر شريعة بل وسجن من أجله؟

نقاط ضعف عديدة رصدناها مع الناقد السينمائي  والصحفي الكبير عبد الكريم قابوس.

الخروج عن التنظيم الكلاسيكي

في البداية افادنا الناقد السينمائي عبد الكريم قابوس، ان الشعار الذي يرفعه هذه السنة هو «اعيدوا لنا أيام قرطاج السينمائية» ويقصد بضمير «نحن» نوادي السينما وهواتها ومحترفيها، وذكر محدثنا ان السبب الرئيسي لتراجع اشعاع هذا المهرجان هو خروجه من التنظيم الكلاسيكي حيث كان وزير الثقافة هو من يحدد الهيئة المديرة التي تتكون من مدير دورة يساعده عدد من المختصين وممثلي الجمعيات السينمائية في حين تتكفل الوزارة بالدعم الاداري والمالي، مضيفا ان مدير كل دورة عادة ما يكون اداريا محنكا او شخصية اعتبارية مؤكدا ان الدورات التي شهدت تراجعا هي الدورات التي اشرف عليها منتجون وتحديدا مع درة بوشوشة التي تعاملت مع المهرجان وكأنه فيلم من انتاجها، مؤكدا ان الأيام فقدت منذ ذلك الوقت طبيعتها كمهرجان عربي افريقي، واصبحت مجرد نسخة او «مسخة» على حد تعبيره لمهرجان «كان»، وافادنا عبد الكريم قابوس انه كان في وقت سابق يطلق على شارع الحبيب بورقيبة ايام المهرجان اسم «شوكولا» لأنه كان مزيجا من الافارقة والعرب، اما اليوم فاصبح يزج بالغرب مع قلة قليلة من الافارقة.

تغيير القانون الاساسي

ومن النقاط الاخرى التي اضرت بالأيام تغيير القانون الاساسي الذي كان حسب محدثنا ممتازا لكن درة بوشوشة غيرته، كما قام مدير الدورة الحالية ابراهيم لطيف بتغيير دباجته التي صارت تقتصر على سطر واحد جاف.

من جهة اخرى اوضح عبد الكريم قابوس ان ابراهيم لطيف خلق طريقة جديدة وغريبة لادارة الايام، حيث باتت الأيام تعول على الافلام الامريكية التجارية والحال ان القانون الاساسي ينص على مقاطعة السينما الامريكية المنتجة للافلام الامبريالية، مشيرا الى أن لطيف اجر في الدورة السابقة بقرابة 40 الف دينار افلاما تجارية امريكية عرضها في المهرجان، راميا عرض الحائط بالقانون الذي يفرض عرض افلام عربية افريقية، واوضح ان الدورة 26 شهدت مشاركة 6 افلام افريقية بالمسابقة الرسمية من 17 فيلما، كما ان مسابقة الفيلم الأول لم تشهد سوى مشاركة فيلم واحد افريقي.


ومن الامور الاخرى التي خرق فيها ابراهيم لطيف القانون الاساسي للمهرجان هو بعثه لمسابقة السينما الواعدة وهي عبارة عن استنساخ لمسابقة افلام المدارس في العالم المأخودة من مهرجان «كان» .

توقيت خاطئ وافلام قديمة

وفي سياق آخر ذكر عبد الكريم قابوس ان اختيار توقيت المهرجان غير موّفق، حيث يتزامن مع 12 مهرجانا عربيا افريقيا متوسطيا، وهو ما من شأنه ان يفقده بريقه واشعاعه.


كما حدثنا عن محتوى الأيام، مشيرا الى أن هذه الدورة لا تضم افلاما جديدة باستثناء الافلام التونسية، حيث سبق ان عرضت جل الافلام بمهرجانات اخرى على غرار الفيلم المغربي المشارك في المسابقة الرسمية والذي سبق له أن حاز على جوائز بمهرجانات اخرى، اضافة الى فيلم «اشتباك» الذي عرض هو الآخر بمهرجانات اخرى، كما شارك الفيلم الفلسطيني «3000 ليلة» مؤخرا بمهرجان عنابة بالجزائر، وذكر عبد الكريم قابوس انه وفي الوقت الذي كانت فيها ادارة الايام مطالبة بالاتصال بالبلدان العربية والافريقية لمدّها بالافلام الجديدة خير ابراهيم لطيف ان يقتات من بقايا بقية المهرجانات على غرار الافلام المصرية التي جلبها من مهرجان الاقصر السينمائي. مؤكدا وجود كسل كبير في الابداع، حيث يخير ابراهيم لطيف الذهاب الى «كان» و»برلين» و»فينيس» واقتناء الافلام العربية والافريقية من هناك.

تهميش لأهل السينما

وعبر عبد الكريم قابوس عن استيائه من من تهميش اهل السينما وفي المقابل دعوة من لا يمتون للفن السابع بصلة، واشار الى ان المهرجان يحتفل هذه السنة بخمسينيته، وكان على ادارة المهرجان دعوة من هم على قيد الحياة من الذين شاركوا في كل الدورات السابقة، وكذلك دعوة كل وزراء الثقافة الذين سهروا على تنظيم الدورات السابقة من الشادلي القليبي الى الباسطي جميعهم دون استثناء.


كما كان على ادارة المهرجان تنظيم تظاهرة خاصة بالافلام التونسية الفائزة بالتانيت الذهبي، على حد تعبير محدثنا الذي اكد ان الخمسينية حدث مهم، وكان يجب ايضا تكريم الممثلين الذي حازوا على التانيت الذهبي وكل التقنيين والممثلين الذين حازت افلامهم على جوائز.


ولئن ذكر عبد الكريم قابوس ان تكريم يوسف شاهين خلال الخمسينية امر هام، فانه ذكر انه كان حريا تكريم المبدع التونسي، مشيرا بطريقة لا تخلو من سخرية الى ان الادارة تبنت عنوان الفيلم الاخير ليوسف شاهين «هي فوضى» كشعار لها.

مهرجان لعرض الازياء

في جانب آخر عبر محدثنا عن استيائه من سياسة التهميش التي اعتمدتها ادارة هذه الدورة خاصة على مستوى الدعوات، مشيرا الى ان الادارة الحالية حرصت على تحويل الافتتاح الى عرض ازياء متجاهلة قيمة الضيوف، كما ذكر ان الدعوات التي وجهت الى الصحافة العربية والعالمية والى الضيوف الاجانب بصفة خاصة ليست في محلها وتنم عن جهل كبير بالسينما واهل الاختصاص.


وتساءل عبد الكريم قابوس عن سر تنظيم حفل الافتتاح بقصر المؤتمرات الذي يفتقر الى ابسط مقومات احتضان تظاهرة ثقافية سينمائية حيث ان هذا المكان مخصص للتظاهرات السياسية والاجتماعات الشعبية، مؤكدا انه كان من الاجدر تخصيص قصر المؤتمرات للندوات والنقاشات لا غير وليس للافتتاح وعرض الافلام لان قاعات عرض الافلام لها خصوصيتها ويجب ان تستجيب لمواصفات عالمية مضيفا ان الكراسي الموجودة هناك تصلح للأعراس وليس لاحتضان تظاهرة ثقافية، مضيفا ان ابراهيم لطيف اتفق مع ادارة قاعة الكوليزي على اقامة الافتتاح هناك لكنه تراجع في اللحظات الاخيرة دون اعلامهم، واشار الى ان تحويل وجهة الايام الى المسرح البلدي وقصر المؤتمرات كان بهدف وضع السجاد الاحمر اسوة بمهرجان كان، في حين كان بالامكان الاعتماد على «المرقوم» والقماش الافريقي، عوض السجاد الاحمر الذي بات عادة مقلدة اساءت الى طابع وخصوصية الأيام، وفي سياق حديثه عن الافتتاح، استغرب محدثنا من تغييب وزير الثقافة ليحل محله رئيس الحكومة ويفتتح هو الدورة، كما اشار في سياق حديثه الى انها المرة الاولى التي لا تعتلي فيها لجنة التحكيم الركح خلال فعاليات الافتتاح.


وذكر محدثنا ان كل هذه الجزئيات ومنها اعتماد المشرفين على اللغة الفرنسية في الافتتاح دون مراعاة للضيوف العرب، اضافة الى البرنامج المكتوب بلغة موليير، هي جزئيات تنم على استخفاف كبير وعدم احترام لتاريخ ايام قرطاج السينمائية.
وبطريقته الساخرة استحضر محدثنا اشهارا كنديا لمشروب «كندا دراي» يقول مطلعه «لونه لون الكحول، وطعمه طعم الكحول لكنه ليس بالكحول»، وقال انه يخير احداث تغييرات على هذا الاشهار ليصبح «طعمه طعم المهرجان، ولونه لون المهرجان، لكنه ليس بالمهرجان».


وفي حديثه عن الجزئيات الهامة حدثنا عبد الكريم قابوس عن تخصيص مبلغ هام من ميزانية الدورة للاشهار (الاعلانات) والمعلقات في الشارع عبر شركات اعلانات مختصة في سوء التصرف، كما تحدث عن عملية بيع التذاكر وعبر عن استغرابه من عدم اعتماد الادارة على طريقة بيع التذاكر عبر الانترنت كما هو معمول به تفاديا للفوضى التي ترافق كل عرض، وتساءل ايضا عن سر تغييب نشرية الأيام ، ولم يفوت الفرصة للحديث عن أفيش الدورة حيث اكد انها مأخوذة او بالأحرى فكرتها مسروقة من لوحة لمختص في «الافيشات» الكبرى بفرنسا وهو تولوز لوتراك»

أكبر عملية تحايل

وواصل محدثنا كلامه بتأكيده ان الميزانية المخصصة للايام هي مليار ونصف تمنحها وزارة الثقافة للمركز الوطني للسينما والصورة، الذي عهدت اليها مهمة التصرف في الموارد المالية للمهرجان، لكن ونتيجة الخلاف بين ابراهيم لطيف والمركز اصر مدير الدورة على استقلالية الايام عن هذا المركز، واستقال في وقت سابق من الادارة لولا تدخل وزيرة الثقافة السابقة سنية مبارك التي خشيت الفضيحة واعادت لطيف بشروطه بل انضافت الى ميزانية الدورة ميزانية ثانية من صندوق مقاومة الارهاب وثالثة من الوزارة لتصبح الميزانية 2 مليار و300 الف دينار، مشيرا الى ان الميزانية المخصصة لدعم الافلام التونسية طيلة سنة كاملة هي 3 مليون دينار، واكد انه من غير المعقول ان ينفق لطيف نفس المبلغ في اسبوع واحد.

 
وفي ختام حديثنا اكد عبد الكريم قابوس انه سيطالب رسميا بقائمة المدعوين في حفل الافتتاح وكذلك بنشر قائمة المدعوين لحفل الاختتام لأن من شاهدهم في الافتتاح لا يمتون للسينما بصلة وطالب وزارة الثقافة بالتكفل بقائمة الضيوف والصحفيين في تونس وان تترك دعوات الاجانب فقط بعهدة ادارة المهرجان وقال «عموما قد نحتاج السنة القادة الى «هايكا خاصة بأيام قرطاج السينمائية قصد تعديلها ومراقبتها».

متابعة وحوار: سناء الماجري

Visited 19 times, 1 visit(s) today