العميل صفر”.. التعارض الذي يخلق الكوميديا”

حسام الخولي

ينقل الكاتب «ميلفن هيليتزر» وأستاذ الصحافة الأمريكي «مارك شوارتز»، في كتاب “أسرار كتابة الكوميديا“، قول الكاتب الساخر «آرت غلاينر»: «نكون شبابًا مرة واحدة، لكن مع الضحك، لا نكبر أبدًا»، هذا شيء يميز الكوميديا عمومًا، يقول الكاتب في إحدى نظريات الكتاب التي تخص التعارض والتضاد: عندما يتصرف أحدهم بطريقة جافة تتعارض فجأة مع منطق المناسبة، ينتج سيناريو ساخر ومضحك من خلال التعارض، لو قلت مثلًا: حبيبي، إنهم يعزفون أغنيتنا المفضلة، هذه جملة عادية تمامًا، لكنها يمكن أن تصبح كوميديا إذا وضعتها تحت صورة لرجل وسيدة بدينين في سفينة، بحيث تكون «الأغنية المفضلة» هي جرس العشاء يُقرَع، أو تحت صورة لاثنين من فنيي السيارات وفي الخلفية اصطدام سيارتين.

هذا المثال توضيح نسبي للبطل في فيلم “العميل صفر” الذي طرح مؤخرًا في قاعات العرض العربية وهو أول بطولة مطلقة للممثل والكاتب أكرم حسني. وتدور أحداث الفيلم في إطار كوميدي حول فرد أمن يحلم بأن يكون بطلاً مثل جيمس بوند؛ لكنه يفشل في ذلك ويتعرض للعديد من المواقف الكوميدية.

الخط المستمر الذي اعتمد عليه الفيلم يمكن تحليله في سياق الحديث عن مشوار البطل ورحلة الشخصية التي خلقها في عدد من الأعمال الأخرى، وربما لذلك تأخر عرض الفيلم لسنوات قبل أن يتصدر شباك التذاكر في أول أيام عرضه في دور السينما.

هزلية متعمّدة

أخيرًا خرج الفيلم إلى العلن بعد عدة تأجيلات وأكثر من اعتذار لعدد من جانب عدد من المثليين، إذ كان من المُقرر أنّ يُخرج الفيلم محمد سامي صاحب الفكرة، بعدما تعاقد عليه قبل نحو 3 سنوات، إلا أنه اعتذر عن المشروع، وذلك لانشغاله في أعمالٍ فنية أخرى، والأمر ذاته مع الفنانة نيللي كريم، التي كان من المُفترض أنّ تتقاسم البطولة مع أكرم حسني، إلا أنها اعتذرت هي الأخرى لتترك الدور لأسماء أبو اليزيد.

يحمل اسم الفيلم معرفة ضمنية بما سيحدث لاحقًا، “العميل صفر”، بما يمكن أن تحمله كلمة عميل في الوعي العام من جدية، وتتحول في الفيلم لمصدر سخرية: البطل صفر الذي نكتشف أن اسمه هكذا نتيجة خطأ موظف السجل المدني الذي حوّل اسم “صقر” إلى صفر فجعله: “صفر عبد اللطيف شداد الهمم”. تسير كل حياته والكوميديا التي ينتجها نتيجة هذا التعارض بين المتوقع وما يحدث في الواقع.

تتصدّر عناوين الفيلم جملة “من ملفات رخا للأمن والنظافة”، ومنذ اللحظة الأولى الأولى يبدو أن الفيلم يتبع خطا هزليا تمامًا لا يهتم بأي شيء سوى السخرية من كل ما حوله: البطل والقصة والسياق، كل حركة هي محاكاة ساخرة لمشاهد مواقف من أفلام الأكشن والجريمة والمخابرات، محاكاة أمنية ساخرة لبطل محدود الحركة والذكاء، يورّط نفسه والآخرين في أعمال متعارضة تنتج الكوميديا.

لذلك يعتمد الفيلم على إتفاق ضمني مع المشاهد على السخرية فقط على امتداد الأحداث، لا شيء آخر يحرك العمل الفني، كل تطور للسيناريو يؤهل للتعمق أكثر في البحث داخل السخرية التي ينتجها بطل ساذج مترهل الجسد، بطيء الحركة، يحب النساء، جبان، أي أنه يحمل كل الصفات التي تتعارض مع بطل/ عميل في فيلم من أفلام الأكشن والبطولة، والهدف هو الإضحاك فقط. 

مفارقات لا تنتهي

الفيلم عن سيناريو وحوار وائل عبدالله الذي قدم قبل هذه التجربة فيلم “يوم 13” الذي يعتبر أول فيلم مصري ثلاثي الأبعاد، وهو من إنتاج لؤي عبدالله وإخراج كريم العدل، ويروي قصة فرد أمن يتحول إلى العميل صفر في ظروف غامضة، ويُشارك في بطولة فيلم العميل صفر، بجانب الفنان أكرم حسني، كل من بيومي فؤاد، وأسماء أبو اليزيد، ومصطفى غريب، ومنذر رياحنة، والنجمة السعودية الشابة فاطمة البنوي، وفيدرا، وإسماعيل فرغلي، وأيمن الشيوي.

كل ذلك من خلال مفارقة بين شخصية فرد الأمن الذي عادة ما يكون شابًا بسيطًا غير مصرح له بحمل السلاح، ولا يتحمل تبعات استخدامه، وبين شخصية العميل السري المعتاد، الذي لديه إمكانات جسمانية وعقلية مختلفة تمامًا تؤهله للتعامل مع العنف، يجيد استخدام جميع أنواع الأسلحة، ويمتلك مهارات متنوعة.

يبدو أكرم حسني (صفر) في أولى بطولاته المطلقة للسينما غير متشكك في موهبته، يستغل أقصى إمكاناته الكوميدية لإثبات ذاته في لحظة قاسية سقطت فيها أغلب الأعمال الكوميدية الحديثة في فخ الاستظراف وثقل الظل، بينما استطاع هو أن يقدم فيلما خفيفا يعتمد على كوميديا المواقف التي يصعب تقديمها.

من بين مفاجآت الفيلم مشاركة الممثلة السعودية فاطمة البنوي (الدوقة الصغيرة) نجحت في استخدام اللهجة المصرية وأتقنت الحديث والتفاعل كفتاة مصرية، وأثرت في تطور الحديث بالرغم من دورها لم يكن بارزا في الفيلم.

أصبحت الموسيقى التصويرية أيضا أحد أكثر عناصر القوة التي تساعد على الإضحاك، من خلال أوركسترا عميقة تجسد تناقض سطحية البطل في التعامل مع الأحداث الهزلية، هذا التناول والتعارض الذي خلقته حركات الكاميرا والموسيقى التي تناسب فيلم حركة أكثر، أنتج الكوميديا مع هزلية البطل ذاته، فأصبحت نقطة قوة، تمامًا مثلما اعتمد المونتاج على قطعات حادة قاسية تخلق تعارضا مع البطء الذي يتعامل به البطل.  

في لحظة صعبة استطاع أكرم حسني أن يقدم عملا كوميديا مضمونا يتسم بالذكاء وخفة الظل بينما أخفقت أعمال أخرى كثيرة في الموسم ذاته ونالتها انتقادات شديدة من المشاهدين، كان على رأسها فيلم “مرعي البريمو”.

“العميل صفر” عمل جيد استطاع أن يملأ فراغ الموسم الذي لا يقدم فيه الكثير من الأفلام، وضمن لأكرم حسني مساحة قوة بعدما نجح في البطولة المطلقة في موسم رمضان الماضي بمسلسل “مكتوب عليا”، ووضع اسمه وبصمته في منطقة أقوى يسحتقها ويمكن أن يؤسس عليها لأعمال أقوى.

Visited 2 times, 1 visit(s) today