“الذئاب” رهان على كاريزما الشخصيات بعناصر سينمائية مُحيدة

يجذب صوت امرأة تصرخ هلعاً سمع المشاهد، فيما تعلق عيناه في اللقطة العامة الساحرة لأضواء المدينة ليلاً، قبل أن تسحب الكاميرا خوفه المثقل بالفضول الى غرفة فارهة في أحد الفنادق، حيث تلعب الإضاءة الليلية الخافتة دور البطولة في توريطه بمزيد من الغموض، لتتكشف له فيما بعد أحداث فيلم الذئاب” Wolfs إخراج وسيناريو جون واتس وإنتاج عام  2024، مصنف على أنه أكشن وكوميدي، بطولة جورج كلوني وبراد بيت في أو لقاء بينهما بعد 16 عاما على آخر فيلم جمعهما سوياً، وهو فيلم “احرق بعد أن تقرأ” Burn after Reading إخراج جويل وايثان كوين، انتاج عام 2008.

يظهر سبب هلع المرأة عندما توسع الكاميرا زاويتها، فتكشف عن وجود جثة لرجل عارٍ ملقى على بطنه في أرضية الغرفة، فيما تتناثر حوله قطع زجاج مكسور، وفي حركة درامية تحاول المرأة المترددة أن تسحب حقيبتها العالقة تحت الجثة، فتغرق نفسها في بقع الدماء، وسط تصاعد في حالة التوتر والهلع التي تعيشها، حتى يشعر المشاهد بسرعة التحول الدرامي في أدائها، عندما تطلب رجلاً على الهاتف فيلبي ندائها، ليظهر فيما بعد أنه متخصص في تنظيف الجثث أو ما يسمى (الذئب المنفرد)، جورج كلوني.

وبمفاجئة تخطف استرسال الحوار بين المرأة والرجل، يقتحم المشهد رجل آخر (براد بيت)، يتضح أنه وسيط آخر لإخفاء الجريمة، أرسلته مالكة الفندق التي راقبت موت الشاب من خلال كاميرات مراقبة زرعت في الغرفة.

تبدأ خيوط القصة بتشابك خجول يقود الى الصراع، فور الكشف عن شخصية المدعية العامة التي رافقت شاباً الى غرفتها لتلهو معه، لكن سرعان ما يقفز الشاب عن السرير في حالة غير طبيعية ويموت.

 تنسحب النائبة من المشهد تاركة الوسيطين في مواجهة بعضهما، حيث تظهر علامات النفور والمنافسة بين الشخصيتين غير المسميتين؛ الاول (جورج كلوني) في العقد السادس من العمر نشيط ومندفع، ويتعامل مع الوسط بحرفية عالية، أما الثاني (براد بيت) فهو خمسيني كسول مغرور ومستفز ببروده.

وعلى الرغم من الاشتغال على ملامح الشخصيتين وأبعادهما المادية والسيكولوجية، إلا أن فشل الحوار في الكشف عن أعماقهما خلق حاجزاً بينهما وبين المشاهد، فلا عاطفة ولا تأثر بهما، لا سيما أنهما قضيا ما يقارب 90 دقيقة من وقت الفيلم الكلي (107 دقائق) يتراشقان المسبات واللعنات، مما جعل الحوار الذي يشكل جزءاً مهما من السيناريو ضعيفاً غير جاذب.

وقد بدت الأحداث التي قادت الى الصراع غير مترابطة منطقياً، فظهر الصراع بارداً والحبكة شبه مفككة، مما أضاع قوة السيناريو، الذي ترى ليندا كاوغيل في كتابها (فن الحبكة السينمائية) بأنه يحتاج الى ثلاثة مكونات جوهرية حتى ينجح وهي: شخصية رئيسية تتصرف من أجل تحقيق شيء ما، صراع تواجهه الشخصية، ومعنى للقصة حينما ينتهي كل شيء.

تجلت ذروة الصراع رغم ضعفها عندما بُعثت الجثة من جديد في صندوق سيارة بعد أن ظهر معها طروداً من المخدرات، فيجد الرجلان نفسيهما مجبرين على ايصالها الى تاجر خطير مرتبط بعصابات الألبانيين والكرواتيين، الذين يبدو أنهم يعرفون الرجلين بل عملا لصالحهما، يسعى الوسيطان الى علاج الشاب، ويتفقان معه على تسليم المخدرات لصاحبها، لكن سرعان ما يكتشفان أنهما وقعا في فخ مع الشاب.

 تحدث مواجهة مع العصابات في مشاهد أكشن تقليدية، يسفر عنها التخلص من العصابتين وتخليص الشاب منهما، بعد أن اكتشف الذئبان المنفردان أنهما صديقان، وأن من يشغِلهما هو الشخص نفسه، يسعى الرجلان الى توطيد علاقتهما ببعض الحركات الكوميدية، لكنها أيضا تبدو باهتة ولم تنجح بنقل التحول الدرامي الذي حدث على علاقتهما كما يجب.

يلجأ الرجلان الى مطعم هادئ ليتعارفا وعندما يدركان حقيقة ربطهما ببعضهما في العديد من المواقف، تتجلى الحقيقة، وتتم محاصرة المطعم من قبل مسلحين، فيستعد الرجلان للمواجهة بروح النكتة، فيشير أحدهما الى أنه لا يعرف اسم الآخر، وسيعرفه بعد انتهاء المعركة، يقول ذلك وهو منبطح خلف الجدار استعدادا لمواجهة الموت، فتبقى نهاية الفيلم مفتوحة وعالقة عند حاجز اسم الشخصيتين اللتين استندتا على كاريزما جورج كلوني وبراد بيت، فبدت العناصر السينمائية الأخرى مُحيدة وغير قادرة على جذب الجمهور.

Visited 1 times, 1 visit(s) today