الدراماتورجي: دراسة في أفلام الكاتب وحيد حامد
مقدمة
توحي أعمال الكاتب وحيد حامد بتبني وجهة نظر الجمهور تجاه المجتمع ومشكلاته، وبالتالي تقف هذه الأعمال مع الفرد في مواجهة السلطة السياسية، مُمثلة في رجالها وأفعالها، التي تحد من حرية الأفراد.
ولكن يتكشف في هذه الأعمال أيضاً مظهرها الخادع، فالكاتب يعتمد مفهوم التطهير الأرسطي في كل أعماله، ولا يحيد عنه، فتصبح أعماله عبارة عن صمام أمان للسلطة التي ينتقدها، في مواجهة الجمهور الذي ينتصر له ظاهرياً، بهدف الحفاظ على شكل وأفعال وأهداف هذه السلطة.
وانطلاقاً من الفرضية النظرية ـ مفهوم التطهير الأرسطي ـ نحاول إثبات أن الكاتب، محل البحث،يصبح أحد أهم أدوات هذه السلطة، وعمله الفني ما هو إلا دراما موظفة لتبرير أفعالها وخدمة أهدافها، بل ومروّج ومدافع عنها منذ أول أفلامه وحتى سقوط نظام المخلوع. مع ملاحظة أن النظام المشوّه الحالي لن يستمر بحال من الأحوال.
وقد اقتصرنا في بحثنا على الأفلام التي توصلنا إلى مشاهدتها قدر الاستطاعة وهي 28 فيلماً، من مجموع 40 فيلم كتبها وحيد حامد، إضافة للاستعانة ببعض المقالات النقدية، والآراء التي تناولت هذه الأفلام بالعرض والتحليل، أو حتى التي اقتصرت على الدعاية والترويج.
1-الفنان كأداة للسلطة
أولاً: الدراما الأرسطية ومفهوم التطهير:
يُعرّف أرسطو التراجيديا بأنها “محاكاة لفعل نبيل معلوم، له حيز مناسب، في لغة فنية، وذلك بهدف إثارة الشفقة والفزع، لكل فعل بهذين الشعورين، إلى درجة النقاوة والصحة”. (1)
فالهدف الأساسي الذي قصده أرسطو من التراجيديا، والتي جسّدت فكرته حول (مفهوم التطهير) هو عودة المتفرج بعد مُشاهدة العمل الفني إلى حالة من الاتزان “النقاوة والصحة”، وقد تم تفريغ انفعالاته وشحناته الغاضبة بالمعنى الصحيح.
كما أن البطل التراجيدي شخصاً نبيلاً، يفوق هذا الجمهور نبلاً (مكانة) وما يحدث له من كوارث، هي أنكى وأشد مما يحدث للجمهور في الحقيقة، فيشفق عليه منها، ويفزع على نفسه إذا صار مكانه.
وبذلك تبدو مشكلات الجمهور الحقيقية ـ أياً كانت ـ بالنسبة لمشكلات هذا البطل النبيل في غاية التفاهة، فيخرج الجمهور من العرض المسرحي، وهو يشكر إلهه على وضعه وحياته. مع ملاحظة أن أرسطو في الأساس كان رجلا يُنظّر للسلطة، ويعمل من أجل أهدافها وحماية مصالحها.
“فالديمقراطية اليونانية كانت قاصرة على الأحرار، بخلاف الطبقات الأخرى، التي كانت محرومة من كل حق. فهذا التحديد الصارم للطبقات كان لابد وأن تلازمه وسائل، منها الفن، لتحافظ السلطة على هذه الحدود”.(2)
وامتد هذا المفهوم في الدراما، ليصبح عنصر التطهير هو الأساس في كل دراما تخدم وتروّج للسلطة السياسية، التي تعمل في ظلها.
ولكن..
البطل لم يعد اليوم حاكماً أو نبيلاً، أو حتى نصف إله، بل أصبح فرداً عادياً في مفهوم الديمقراطيات الشكلية الحديثة، يشترك ومعظم الجماهير، سواء في بعض الصفات أو الوضع الفئوي والطبقي. وأصبح مفهوم التطهير عبارة عن رغبات تعجز الجماهير عن تحقيقها، فيقوم بها هذا البطل نيابة عنهم، وقد أصبح ينتقم لها (الجماهير) ممن تريد (السلطة). كل هذا داخل دور العرض على اختلافها، أما في الخارج فكل شيء مُستقر، إذ تعود الجماهير سيرتها، وتواصل السلطة مسيرتها!
ثانياً: الدراماتورجي
نرى أن هذا المُسمى يتفق أكثر ودرجة الحِرفية التي يتميز بها الكاتب وحيد حامد.
ومن خلال هذه الحِرفية، سنلاحظ تطور الخطاب السينمائي وتقنياته، مع الاحتفاظ بالسمة الرئيسية وتلونها (التطهير) حسب مقتضيات الأمور، وحسب مصالح السلطة السياسية التي يتفانى الكاتب في الإخلاص لها، رغم الإصرار على التظاهر بأن هذه الأعمال إنما تنتصر للفئة أو للقطاع العريض من الجمهور، ومحاولة التأكيد على الوقوف في صف مبادئ العدالة والحرية، وهذه الكلمات المفرّغة من المعنى، عند اختبارها على أرض الواقع .
السبعينيات
بدأ الكاتب وحيد حامد الكتابة للسينما بفيلم (طائر الليل الحزين-1977) من إخراج يحيى العلمي. وقد كانت أفلام تلك الفترة تتميز بانتقاد العهد الناصري، وما سُمّى بمراكز القوى، مصدر السلطة المطلقة والقهر والخوف، كرجال أي نظام شمولي.
ومن هذه الأفلام ..
(امرأة من زجاج 77 نادر جلال/ آه يا ليل يا زمن 77 علي رضا/ وراء الشمس 78 محمد راضي/ إحنا بتوع الأتوبيس 79 محمد عبد العزيز، دون أن ننسى أن هذا الحفل تم افتتاحه بفيلم الكرنك لعلي بدرخان 1976).
ولم يختلف الفيلم الأول للكاتب محل البحث عن هذه النوعية من الأعمال، وركوب الموجه، ودون أية تحليلات أو تفسيرات مقنعة، بل عمد الفيلم، كغيره من الأفلام على الدعاية والتهليل للنظام الجديد.
“وانتهى الفيلم بلافتة تحدد أن تلك الممارسات كانت هي البداية لنهاية ممارسات مراكز القوى، ومنها يُفهم أن مَن وضع هذه النهاية هي ثورة 15 مايو”(3)
لكن الأكثر من ذلك هو الفكر الذي سيظل يلازم الكاتب محل البحث طوال أفلامه، وهو تصوير الرجل السلطوي تصويراً مُبتذلاً ومُكرراً وسطحياً، يدعو لرثاء مُخيلة الكاتب، لكن هناك هدفاً أهم من مُخيلته.. فرجل السلطة إما يعاني عجزاً جنسياً، أو شبه عجز/ زوجته تخونه/ أحد الأبناء مُصاب بمرض نفسي أو يُعاني من الإدمان! (طائر الليل الحزين/ البريء/معالي الوزير) وهدف الكاتب وبالتالي السلطة التي يعمل في ظلها ولخدمتها، هو تصدير الصورة الساذجة لممثل هذه السلطة، وتثبيتها في مُخيلة المُشاهد، هذه الصورة التي تعوض الجماهير نقصها، ورغبتها في التحقق، والأكثر أن أحد هؤلاء المظلومين (البطل) في “طائر الليل الحزين”، يأخذ بثأر المقهورين ويُضاجع زوجة رجل السلطة القوي!
فهذه الفئة كما تصورها الأفلام عموماً ـ وكاتبنا على الأخص، سواء رجال السلطة، الذين أصبحوا الآن الوزراء ورجال الأعمال،هُم إما قوادين (المنسي/ دم الغزال) أو كما سبق وذكرتُ من صفات، هذه الصفات نفسها التي استخدمتها السينما لتصوير رجال العهد الملكي بعد الثورة. فهذه الصفات هي ضريبة فسادهم، وهذا يُغذي الاعتقاد الشعبي الساذج، ويحقق انتصاراً نفسياً لدى المُشاهد الذي يُقدس اعتبارات مثل الشرف والفحولة، حتى يصل به الأمر عند نهاية الفيلم بأن يحمد الله على الفقر وحالته ووضعه، دون أن يفكر فيما يحدث حوله، وقد انتقم له صانع الفيلم شر انتقام من أشباح السلطة التي تحيطه، ولا يراها إلا داخل قاعة العرض.
ويُلاحَظ .. أن أول أفلام الكاتب قد قدم عام 1977، وفي ذلك الوقت كانت هناك نوعية من الأفلام تنتقد ظاهرة الانفتاح الاقتصادي، سواء ببعض الوعي أو من منظور تجاري يتماشى وجمهور تلك الفترة. (فيلم “على مَن نطلق الرصاص” 75 لكمال الشيخ).
ورغم التباين كما قلنا في المستوى الفني ودرجة الوعي، إلا أن هذه الأفلام ناقشت ظاهرة الانفتاح من الناحية الاجتماعية والاقتصادية، دون الاقتراب من النظام السياسي.
ورغم هذا كان أول أفلام كاتبنا (طائر الليل الحزين عام 1977) عن مراكز القوى في الستينيات، وكأنه يُقدم أوراق اعتماده للنظام الجديد، من خلال تيمة الانتقام من العهد البائد لصالح العهد الجديد!
الثمانينيات
قدم الكاتب محل البحث خلال عقد الثمانينيات 20 فيلماً، بداية بفيلم (فتوات بولاق 81 إخراج يحيى العلمي)، حتى فيلم (الدنيا على جناح يمامة 89 إخراج عاطف الطيب). وأهم هذه الأفلام من حيث الإثارة للجدل، والادعاء بالتميز بالجرأة ونقد النظام السياسي، والانتصار لحرية الفرد، هما فيلما (الغول 83 لسمير سيف) و(البريء 86 لعاطف الطيب). ومن خلالهما سنجد أن تطور أدوات الكاتب، قد تماشى وطريقة تطور أداء ممارسة السلطة السياسية، التي تغيّرت تماماً عنه في الستينات والسبعينات إما بالدعاية لها، وتوطيد مركز النظام الجديد (فيلم الغول)، أو تفريغ انفعالات الجماهير من جراء وطأة الظروف الاقتصادية وقوانين الطوارئ (فيلم البريء)، وإن كانت الأحداث الواقعية قد فاقت تصور صُناع الفيلم والسلطة التي يعملون من أجلها.
الغول
يتم إنتاج الفيلم عام 83، ويُناقش ـ بعد موت الساداتـ مشكلة تداعيات الانفتاح الاقتصادي، وتركيز كل مساوئ النظام السابق في شخصية رجل أعمال رأسمالي، والتركيز على صور عديدة من الفساد، وصولاً لقتل هذه الشخصية على يد الصحفي الشريف.
وحتى يكتسب الفيلم الأهمية، رغم مستواه الفني المتدني والأسلوب الأمريكي المنقول حَرْفياً في الإخراج، إضافة إلى اقتباسه عن فيلمين آخرين ـ سنتحدث عنهما عند مناقشة موضوع الاقتباس ـ دون الإشارة لذلك. تقوم الرقابة بالاعتراض على مشهد القتل، في الوقت نفسه تقوم وسائل الإعلام، وخاصة الصحافة الدعائية، بعقد مقارنة بين مقتل رجل الأعمال ومقتل السادات، فيتم الترويج للفيلم، ويتم التعاطف معه حتى قبل رؤيته، خاصة وقد قام عادل إمام بالبطولة.
البريء
ينتهج النظام الحاكم في عهد المخلوع سياسة أخرى تخالف سياسة سابقيه، فقد تغيّر الموقف قليلاً وأصبح من الممكن انتقاد السلطة في الوقت الحاضر، دون الحاجة للترميز أو الإسقاط، أو حتى الاستناد للماضي.
وكالعادة ـ لنلاحظ اللعبة ـ تقوم الرقابة بالرفض، فيتظلم صُناع الفيلم، وتبدأ الصحافة بالدعاية للفيلم الجريء المظلوم، فيأتي مسئول أكبر، أكثر خبرة وحكمة وديمقراطية ليسمح بعرض الفيلم، فتصبح هذه الديمقراطية في جانب السلطة السياسية التي يُمثلها!
مع ملاحظة أن الظروف السياسية والاقتصادية في ذلك الوقت، ووجود قانون طوارئ ـ كنا حديثي العهد به ـ كان لابد من صُنع فيلم يحاول تفريغ الانفعالات والكبت لأقصى حد ممكن.
وكما هي عادة كاتبنا في تحوير أدواته للخدمة الوطنية فالساطور في الغول قد تحول إلى مدفع آلي في يد جندي الأمن المركزي. ثم جاءت ـ بالمصادفة ـ الأحداث لتخدم الفيلم ليصبح نموذجاً للعمل الفني المُدافِع عن حرية الإنسان، أو الحرية والإخاء والمساواة، أو أية حرية تختارها الدعاية التي هللت كعادتها أنه قد تنبأ، وأنه كذا.. وكذا.
ربما غاب عنهم ـ عن قصد ـ أن انتفاضة الأمن المركزي، لم تقم من أجل انتهاك حرية الجنود والقهر وخلافه، لكن هناك إشاعة قد تسرّبت بمد فترة تجنيد هؤلاء، كما كان لتجار المخدرات دور بارز في هذه الانتفاضة، للإطاحة بوزير الداخلية وقتئذ (أحمد رشدي)، الذي كان يحاربهم في شراسة.
من ناحية أخرى نجد أن كل فرد من جنود الأمن المركزي، ونحن نراهم اليوم، وإن كان يُلاقي سوء المعاملة وانتهاك الآدمية والقهر، وهذه المفردات المُستهلكة، نجده رغم ذلك يشعر بقيمة ما، ولو ضئيلة مقارنة بالمواطن العادي، فهو (جندي الأمن المركزي) جزء من هذه السلطة!
إضافة إلى ذلك نلاحظ التيمات المُكررة والغاية في السذاجة:رجل السلطة شبه العاجز جنسياً، والذي يشك في سلوك زوجته/ المثقف اليساري المعتقل، وقد أصبح راكوراً أساسياً لهذه النوعية من الأفلام/ المثقف الجامعي وثرثرته الجوفاء أمام مجلة الحائط بالجامعة، وجلبابه الكستور المقلم وهو في حجرته الضيقة، وهي مشاهد تذكرنا بأفلام الستينيات التي كانت تصور الحركات والتنظيمات الطلابية أيام المليك السعيد، وقد فعلها عسكر الجيش في النهاية.
التسعينيات
قلنا إن النظام الحاكم انتهج سياسة السماح بانتقاد السلطة، عبْر جميع وسائل الإعلام ومنها السينما بالطبع، في محاولة منه لامتصاص غضب وتوتر الجماهير، بما أن المسألة كلها أصبحت تتخذ صفة العرض Show. وقد تميزت التسعينيات بالعمليات الإرهابية ـ فالمشكلة ليست في المواطنين بل في الإرهابيين، فكان لابد من كَسب النوع الأول للتركيز في مواجهة الصنف الآخر ـ فساندت السينما الدولة في هذه المواجهة، وإن فعلت هذا بسذاجتها المعهودة.
والكاتب محل البحث إمعاناً في الحرية التي يدافع عنها دائماً، طوّر من أدواته،على المنوال نفسه من تطور أدوات السلطة، فقام بتبني خطاب رجل الشارع في أعماله، وهذه الجرأة المزعومة هي أخطر ما في الموضوع.
ولنتأمل مكمن الخطورة.
فهو يسب الحكومة، يسخر منها، ويصف بعض رجالها بالفساد وبأنهم سبب البلاء، وهذا نفسه هو حديث المقاهي والشارع بين الناس. ثم يدخل المُشاهد دار العرض، وبدلاً من التلميح يجد حديثة وكلماته وعباراته مباشرة ينطقها الممثلون المحبوبون، فيصدق، أو يتوهم بالمعنى الدقيق، أن هذا العمل يُعبر عنه في صدق.
ونظراً لطبيعة العرض الجماهيري، يجد المُشاهد نفسه متوحدامع آخرين، يُشاركونه الآراء والأفعال والانفعال، ويشعر أن صوته هذا، هو ومَن معه (الجمهور) قد سمعته السلطة، التي هي سبب جحيمه، وأنه قد انتقم منها، فيُغادر دار العرض وقد أصبح في حالة من الهدوء والاتزان، أي.. “درجة النقاوة والصحة” التي تحدث عنها أرسطو.
وتبدأ الجماهير بعد ذلك في الارتباك والتوهم، وصولاً لمغالطة المنطق، فالفيلم جريء ـ ظاهرياً ـ يتكلم لغتهم، والبطل النجم يناقش ويُصارع ويسخر ويوجه الاتهام (اللعب مع الكبار/ المنسي/ الإرهاب والكباب/ طيور الظلام/ النوم في العسل/ اضحك الصورة تطلع حلوة). والسلطة توافق على عرض هذه الأفلام، فهناك المزيد من الديمقراطية غير المسبوقة/المسبوكة، وهناك نوع من الحرية بالفعل. فيكتسب الكاتب صفة الجرأة والشجاعة، وتكتسب السلطة صفة الديمقراطية!!
هذه هي اللعبة، التي تمتد إلى الصحافة والتليفزيون وكل وسائل الإعلام، فالنظام الحاكم في عهد المخلوع يُعد أذكي من سابقيه في التعامل مع الجمهور، من خلال فكرة العرض، التي أصبحت النهج المثالي في كل شيء.
قدم الكاتب محل البحث خلال فترة التسعينيات 12 فيلماً مُنتقاة، بداية بفيلم (الراقصة والسياسي 90 لسمير سيف)، حتى فيلم (اضحك الصورة تطلع حلوة 98 لشريف عرفة) ونجد في أكثر أفلام الكاتب في تلك الفترة، ما يؤيد فرضيتنا حول دوره وما يقوم به ليصبح أداة للسلطة، وتصبح أعماله صمام أمان لها، بالإضافة لتوافر كافة إمكانات النجاح لهذه الأعمال من ممثلين ودعاية وتوقيت ودور عرض.
وسنحاول مناقشة أفكارنا من خلال بعض هذه الأفلام …
اللعب مع الكبار 1991 إخراج شريف عرفه
البطل البسيط الشريف “نموذج البطل الشعبي” (عادل إمام) يقوم بالإبلاغ عن عمليات فساد وتخريب، التي يعلم بها عن طريق صديقه مهندس الاتصالات بسنترال رمسيس (محمود الجندي).
الفيلم في الظاهر ينحاز للإنسان العادي ـ سنطلق عليه مجازاً المواطن ـ ولكن سُمعة الأجهزة الأمنية، خاصة جهاز أمن الدولة وما يُمارسه من تجاوزات وممارسات فاقت ما كان يفعله هذا الجهاز منذ أن كان اسمه القلم السياسي (أصبح الآن يُسمى بالأمن الوطني ويقوم بالدور نفسه على الوجه الأكمل). فكان لابد من امتصاص غضب الجماهير من جراء هذه الأفعال، والعمل على تجميل صورة مكمن الرعب هذا، بل والدعوة للتعامل معه. وللمرّة الأولى يصبح ضابط أمن الدولة (حسين فهمي) ودوداً، مُتفهماً، وديمقراطياً بدرجة قصوى لا يحتملها دُعاة الديمقراطية أنفسهم (نلاحظ تكرار نموذج الضابط هذا في مسلسل الجماعة)، وحتى يتميز الفيلم بالصدق المزعوم، أتى بنموذج آخر مضاد (مصطفى متولي) يحمل صفات القسوة والوحشية، أي ما يُشاع عن هؤلاء الضباط ـ يُشاع هذه مستوحاة من مضمون الفيلم ـ واللعبة اللئيمة التي يلعبها الفيلم هي.. لابد من وقوف الضابط اللطيف بجوار البطل في مواجهة أعداء الوطن، فخطأ البطل الجسيم الذي كلفه حياة صديقه، هو عدم الاعتراف بالحقيقة للضابط.
فلابد من تعاون المواطن مع هذه الأجهزة، لأنها الوحيدة الكفيلة بحماية الأرواح، ولعل صراخ البطل أنه سيحلم حتى النهاية، لابد وأن تحمي هذا الحلم رصاصات الضابط المندفعة في وجه الأشرار!
هذا بخلاف الجزء الدعائي لهذا الجهاز، الذي يشبه الفيلم التسجيلي..
من كيفية إجراء التحقيقات وتصويرها، وأن التلفيق لا مجال له، فهناك تحقيقات ونيابة وحاجات كثيرة، دون أن ننسى مهما حدث “أن هناك قانونا في البلد”!
البطل (عادل إمام) عامل السكة الحديد، الذي فاته قطار الزواج ولا يتواصل مع النساء إلا من خلال صورهن في المجلات، وحضور أفلام المهرجانات، حيث تتميز الرقابة بالعالمية مُمثلة في روح التسامح. والبطل بذلك يمثل قطاعاً عريضاً من شباب أو كهول تلك الأيام، وهو في هذا الفيلم يقف أمام سلطة رجال الأعمال.
وكأي رجل أعمال يمتلك الثروة، يريد الفيلم ترسيخ صورته في أذهان المتفرجين بأنه منعدم الضمير والأخلاق والشرف، بل ويتطوع في سهولة بأن يصبح قواداً (الصورة الساذجة نفسها في المخيلة الشعبية) وبالتالي يقوم البطل البسيط الشريف ـ المتمسك بالمبادئ ـ بالانتقام ـ بديلاً عن جمهور هو خير مَن يمثله من رجل الأعمال الذي يجسد جميع صور الفساد.
وهذا يتماشى بالطبع وسياسة الحكومة وقتها من بيع للقطاع العام/ الخصخصة، فرجال الأعمال يزدادون ثراء، كما أن تسريح العاملين وازدياد البطالة تزيد من هذا الثراء، الذي سيتحول أصحابه بعد ذلك ضمن رجال السلطة السياسية تحت مُسمى الوزراء، فكان لابد من لعبة فنية تطمئن الجمهور على نفسه وتجعله يأخذ بثأره، ولكن داخل قاعات العرض فقط، دون أدنى محاولة لجعله يفكر، أو على الأقل محاولة رؤية الأمور بطريقة مختلفة.
وللتمادي في تأصيل وجهة النظر هذه، يقوم السيناريو بافتعال أشياء غريبة تنافي المنطق ـ حتى منطقه الزائف ـ كدخول البطل القصر مثلاً وضربه لهذا العملاق الذي يحرس المكان، خاصة والبطل في حالة من الإنهاك الشديد، بل وينجح في تخليص المرأة بالفعل! الفيلم من البداية يعمل لهذه المواجهة، فجميع مشاهد الفيلم السابقة على دخول البطل إلى عالم رجل الأعمال/عالم العفاريت، عبارة عن فلاشات.
وفي أحد المشاهد التي تنتقم للجمهور الساذج من كل ما يحاصره، يتم السماح للبطل/ الجمهور بالحلم، وهو يصعد درجات السلم ليلقي بالخطبة العجيبة، دون أن يكون هناك هدفاً سوى تبني وجهة نظر الجماهير والتحدث بلسانهم، ليُشعرهم الفيلم أنه يتحدث عنهم، وعن مشكلاتهم.
لا نقول إن الفيلم كعمل فني سيغير الواقع، لكن قوة الفن الحقيقي تتجلى في تحفيز التفكير، لا الرضى على ما هو كائن، والتحايل حتى يترسخ هذا الكائن أكثر.
وهل كل مَن يمتلك ثروة يتميز بعدم الأخلاق؟!
وهل كل رجال الأعمال على شاكلة رجل الأعمال بالفيلم؟!!
إلا أن المشكلة ستكون أكبر إذا وجد الجمهور رجل أعمال له مبادئ أخلاقية، ولديه ثروة، عندها سيشعر هذا الجمهور بالنقص ويبدأ بالتفكير في الأسباب الحقيقية لوضعه هذا، أما لو صاحب الثروة عديم الأخلاق، فسيحمد الجمهور الله على هذا الوضع، ويشعر بالتفوق ويرضى عن نفسه.
هذا هو هدف الفيلم.. ينقل الصراع داخل دور العرض، ليظل الواقع بعيداً عن أية اضطرابات، وتعيش هذه الفئة الثرية، والتي تتماهى مع السلطة السياسية، لتظل بعيدة، في مأمن من صخب الجمهور.
أليست هذه هي فكرة التطهير كاملة، مهما بدت في مظهرها الخادع؟!
الألفية الجديدة
ضمن مشوار الكتابة الجادة والملتزمة، يدشن الكاتب محل البحث الألفية الجديدة بفيلم (سوق المتعة 2001 لسمير سيف)، وهو عن القهر الإنساني، والسلطة التي تشوّه حواس الفرد وبالتالي إنسانيته. وآخر الأفلام التي تم عرضها (دم الغزال 2005 لمحمد ياسين). فكانت الحصيلة 6 أفلام، بدأت بالقهر الإنساني وانتهت بالمواطن العشوائي. وخلال هذه الأفلام لم يتخل الكاتب عن أسلوبه وطريقته، وإن كان هناك اضطراب ما، قد أصاب هذا الأسلوب غلبت عليه السرعة في الإعداد، قد يكون لملاحقة الأحداث والتعليق عليها، فيلم (محامي خلع 2003 لمحمد ياسين)، أو مواجهة أمر خطير يُقلق النظام الحاكم والأجهزة الأمنية، فيلم (دم الغزال 2005 لمحمد ياسين).
(2) ظاهرة الاقتباس
تعتبر ظاهرة الاقتباس سِمة أساسية في السينما المصرية، سواء اتخذت هذه السمة صفة التمصير، أو الاقتباس الصِرف، الذي بدوره تنوعت وتراوحت أشكاله، بداية من النقل الحَرْفي، إلى دمج مجموعة أعمال في عمل واحد، حتى لا يتم اكتشاف الأصل، أو المصدر المأخوذ عنه العمل السينمائي. كذلك تنوعت مصادر الاقتباس.. بداية من الاعتماد الأساسي على الأدب، وصولاً إلى العروض والأفلام الأجنبي . (4)
وهذه الظاهرة قد تعامل معها الكاتب محل البحث في بعض أعماله، سواء أشار صراحة إلى المصدر، أو لم يُشر إلى أن عمله مُقتبس عن عمل آخر، أو عبارة عن دمج لعدة أعمال أخرى.
ونظراً لحِرفية الكاتب الكبيرة في فن الكتابة، فهو يبتعد عن النقل الحَرفي للمصدر المُقتبَس عنه، أو المعتمد عليه، فيقوم بإعادة بناء تفاصيل الأحداث لتتوافق والحالة المصرية، وكذلك ملامح الشخصيات.
إلا أن هذا لا ينفي وجود أعمال تتميز بروحها العالمية نتيجة القضايا الوجودية التي تناقشها، فيلم مثل (بنات إبليس) يُعد عملاً على درجة فنية عالية، نظراً لتميز النص المسرحي المأخوذ عنه، إضافة إلى موهبة الكاتب وحيد حامد وحِرفيته التي لا يُنكرها أحد. ونعتقد أن تناوله لمثل هذا النص وتحويله إلى شاشة السينما يعتبر جرأة فنية وفكرية، لو استمر عليها الكاتب لانفتح أمامه عالم آخر أرحب وأجدى من عوالم السلطة المُتمسّح بها على الدوام. كما توجد أعمال أخرى، تميزت طريقة بناءها الدرامي بأنها لا تمت للحياة في مصر،كفيلمي (كشف المستور)و(رغبة متوحشة).
فالاقتباس في حد ذاته ليس عيباً، لكن كشف المصدر أمر بديهي، ولن يضر الكاتب، بل قد يُظهر مدى قدراته عند المقارنة بين عمله والمصدر الأصلي.
من ناحية أخرى نجد الكاتب محل البحث يُشير صراحة للمصدر الأساسي، عند اعتماده على نص أدبي لكاتب كبير، كنجيب محفوظ أو إحسان عبد القدوس، كما في فيلم (فتوات بولاق 81 ليحيى العلمي)، المأخوذ عن قصة لنجيب محفوظ، وكان يحمل في البداية اسم”شيطان الحب الأزرق”، وفيلم (الراقصة والسياسي 90 لسمير سيف) عن قصة لإحسان عبد القدوس.
وهذا على سبيل المثال لا الحصر.
أما بالنسبة للأدب والأعمال الأجنبية فقد قام الكاتب بالكشف عن مصادره في الأفلام الآتية (غريب في بيتي/ بنات إبليس/ رغبة متوحشة). أما الأفلام الأخرى المقتبسَة فلم يكشف عن مصدرها،وهي (انتخبوا الدكتور سليمان عبد الباسط/الغول/رجل لهذا الزمان/الإرهاب والكباب/ كشف المستور).
وهذه قائمة بأسماء الأفلام والمصادر المقتبسَة عنها مُرتبة زمنياً:
1 ـ انتخبوا الدكتور سليمان عبد الباسط 1981 إخراج محمد عبد العزيز
عن فيلم امرأة في النافذة لفريتز لانج.
2 ـ غريب في بيتي 1982 إخراج سمير سيف
عن فيلم فتاة الوداع لهربرت روس 1977.
3 ـ الغول 1983 إخراج سمير سيف
عن فيلم المواطن الثائر لدانتسيو كاستيلا وفيلم تحرير ل.ب.جونز لويليام وايلر 1968
4 ـ بنات إبليس 1984 إخراج علي عبد الخالق
عن مسرحية”مُهاجر برسيبان” لجورج شحاده.
5 ـ رجل لهذا الزمان 1985 إخراج نادر جلال
عن فيلم الحلم لأندريه كليات 1975
6 ـ رغبة متوحشة 1991 إخراج خيري بشارة
عن مسرحية”جريمة في جزيرة الماعز” لأجوبيتي
7 ـ الإرهاب والكباب 1993 إخراج شريف عرفه
عن فيلم بعد ظهر يوم لعين لسيدني روبرت 1982
8 ـ كشف المستور 1994 إخراج عاطف الطيب
عن فيلم الاسم الكودي راقص إخراجBuzz Kulik.
هذه هي الأفلام التي استطعنا التوصل إلى مصادرها، وهناك أفلام تتشابه أفكارها مع أعمال أخرى، وأوضح مثال على ذلك فيلم (النوم في العسل) ورواية (وقائع حارة الزعفراني) لجمال الغيطاني، ذلك رغم تباين الموضوعين. فالحديث هنا عن الفكرة الأساسية، التي يدور حولها العمل.
(3) موقف النقد السينمائي
من خلال استعراض بعض المقالات النقدية، التي تناولت أعمال الكاتب محل البحث، والذي تتوفر له ولأعماله عوامل نجاح كثيرة أهمها الدعاية في وسائل الإعلام المختلفة، منها الصحافة، فدخلت بذلك بعض المقالات المُسماة بالنقدية في إطار الدعاية لهذه الأعمال والترويج لها. إلا أن هناك أصوات أخرى اختلفت حول رؤية الكاتب وأعماله، سواء على المستوى الفكري أو الحِرفي.
ولكن بعض من هذه الأصوات أيضاً كان اختلافها يقوم على مُطالبة الكاتب بالمستحيل. سواء من حيث عدم النطقية، أو أن الفكرة جانبها الصواب، دون الانتباه إلى أن الكاتب لا يشغله إلا خدمة النظام السياسي في المقام الأول.
وسنستعرض بعض من هذه المقالات، ونحاول التعليق عليها من خلال الأفلام محل النقد، وذلك في ترتيب زمني، حتى يتجلى مدى تماسك فرضيتنا النظرية، وعلاقتها بهذه التحليلات.
وسنقتصر على 7 أفلام نرى أنها من أهم أفلام الكاتب محل البحث، وهي
الغول/ البريء/ الراقصة والسياسي/ اللعب مع الكبار/ الإرهاب والكباب/كشف المستور/دم الغزال.
الغول 1983/ سمير سيف
يلفت الناقد محمود قاسم النظر إلى نقطتين عند حديثه عن الفيلم (5)
1 ـ أن الفيلم من الأفلام العادية، ويدور حول مسائل الشرف والأخلاق، وأن مكانة الرجل الذي يُصارعه البطل يستمدها من وضع اجتماعي رأسمالي، دون ممارسته العمل السياسي بشكل مباشر.
2 ـ تلعب المصادفات دورها كثيراً في خلق الصراع بين الصحفي ورجل الانفتاح.ومنه نجد أن الفيلم يرتدي الثوب السياسي، ليكتسب بعض الأهمية، هذا على مستوى الفكر. كما تميزت المُصادفات بعدم المنطقية والتبرير، هذا على مستوى الحِرفية. واقتصر الناقد على هذين الملحوظتين، دون لفت الانتباه للهدف من الفيلم، وقد سبق وأوضحنا ذلك.
ويرى الناقد سمير فريد (6) بعد المديح على درجة الديمقراطية، التي تتمتع بها مصر، وأن أفلام الانفتاح تتناول عهداً آنياً، وتنتقد واقعاً قائماً. يرى في الفيلم عيباً في السيناريو، هو أن ابن رجل الأعمال قد نال البراءة وفق القانون، وصراع البطل طوال الفيلم لا هدف له إذن!
هذه هي مشكلة الفيلم الوحيدة وفق رأي الناقد، لكن توقيت إنتاج الفيلم وعرضه لا يتوقف عندهما، والربط بين شخصية الرأسمالي/الانفتاحي والسادات،ونهاية كل منهما، لا يلتفت إليها!!
فالعمل بكامله، ما هو إلا امتداد لاستعمال المؤلف لفكرة التطهير الأرسطي، التي استفضنا في شرحها، إضافة وقبل كل شيء أن هذا هو عمله الأول لاعتماده لدى النظام الحاكم الجديد.
البريء 1986/ عاطف الطيب
يعتبر هذا الفيلم من أهم أفلام الكاتب وحيد حامد، والذي يستشهد به حتى الآن، ويرجع ذلك من وجهة نظرنا فقط للجدل والضجة الذي أثارهما.
بعدما يعنون الناقد علي أبو شادي مقاله بـ “الفيلم النبوءة” (7) يسترسل في سخاء بليغ بذكر مآثر الفيلم، على غرار.. “أوضاع مهينة أشار إليها الفيلم، وأفزعت ممثلي الحكومة، فنهشوا جسد الفيلم”!
ولم يأخذ كاتب المقال على السيناريو سوى أن شخصية العقيد (محمود عبد العزيز) تعود إلى ظروفه النفسية وسلوكه الخاص، لا منهج النظام. وهذه النقطة هي هدف الفيلم، الذي غاب عن الناقد الكبير، الذي تجاهل الحوار الركيك، والكلاشيهات والنمطية السلبية للشخصيات، من حيث كونهم راكورات أفلام النضال.
ملاحظة أخرى
سنتماشى مع الرأي الإعلامي قليلاً، الذي رأي في الفيلم الجرأة والانتقاد السياسي، وهذه هي وجهة نظر الكاتب في السلطة، فهل تتغير فجأة وجهة النظر هذه في الأفلام التالية، وتنحاز للسلطة وتعمل كصمام أمان إعلامي لها (اللعب مع الكبار/المنسي/ طيور الظلام/ الكارثة المسماة بالإرهاب والكباب، الذي سنقوم بتحليله على وجه الخصوص) علامات التعجب ستشعر باليُتم أمام كلمات الناقد المدهشة.
الراقصة والسياسي 1990/ سمير سيف
يرفض الناقد سمير فريد (8) فكرة الفيلم، ويراها سطحية وساذجة، في أن كلا من الراقصة والسياسي، يرقص بطريقته. كما يرى أن الفيلم مثل الأفلام التجارية الاستهلاكية، يجعلنا نختار بين شخصية لا أخلاقية، وأخرى لا أخلاقية.
بينما يرى الناقد سامي السلاموني (9) أن البطل الحقيقي هو كاتب السيناريو وحيد حامد، ولكنه يعيب عليه ويعتب عتاب الأخ.. شخصية صبي العالمة المكررة والمعهودة/العدد الكبير للرقصات بالفيلم/ عدم منطقية بعض الأحداث، خاصة نقطة التحول بالفيلم، التي تجعله يصل بالصراع إلى نهايته.
وماذا يتبقى من السيناريو الذي يعطيه الناقد البطولة، إذا كانت دراما الفيلم بهذا الخلل؟!
ولنا حق التساؤل لماذا لم يكن السياسي على سبيل المثال رجل أمن، أو رجل أعمال؟ لأن هذه الشخصية ستتحول بعد ذلك، عندما بدأ الكاتب ينتقد السلطة ـظاهرياً ـ إلى رجل الأمن (اللعب مع الكبار) حينما أصبحت الأزمة مع رجال أمن الدولة، ثم رجل الأعمال (المنسي) عندما أصبح رجل الأعمال يتماس مع السياسة، ثم ممول للحزب الحاكم.
اللعب مع الكبار 1991/ شريف عرفة
يرى الناقد سامي السلاموني (10) مدى القدرة التمثيلية لعادل إمام، خاصة في مشهد صفعه من قِبل الضابط الشرس، ويمجد هذه القدرة في تعبير بليغ مثل.. “التعبير المكثف عن كل هذه المشاعر المشحونة بالتوتر”! ويأخذ على الفيلم عدم إظهار دوافع البطل وصديقه لأفعالهما، وعدم معرفة شيء عن هذا الصديق. كما لا يعتقد في سلوك الضباط، مثلما عبّر عنه الفيلم في شخصية “حسين فهمي”. ثم يكيل المديح لباقي عناصر الفيلم التقنية، على غرار .. امتلك أدواته!!
وفي مقال سريع بجريدة الأخبار (11) يلخص مقاله السابق، بلا زيادة أو نقصان في رأيه النقدي.بينما يرى محمود قاسم (12) أن مباحث أمن الدولة قد ظهرت بشكل مشرف، ويبتهج لأنها المرّة الأولى التي يتم التصوير فيها في لاظوغلي، كما يُحسب للفيلم أنه انتقد هذا الجهاز في الوقت الحاضر وليس العهد الماضي، بل وكاشفاً عن سلبياته وإيجابياته!
أما الكاتب ياسر عبد العزيز (13) فيرى أن المواطن الجريح أصر على الأحلام/كشف الفساد، عندما ساعده الضابط النبيل بإطلاق الرصاص على المسيطر الفاسد.
فليس هناك أي حديث عن الدعاية لهذا الجهاز ـ ووقت إنتاج الفيلم ـإلا هذه الرؤية القاصرة أو الدعائية، وصولاً إلى الكلمات المدرسية الساذجة الأخيرة في نهاية الفيلم.
الإرهاب والكباب 1992/ شريف عرفة
يعيب الناقد علي أبو شادي (14) على الفيلم أنه تعثر وسقط في دائرة التمويه، ذلك لأن البطل حينما أتيحت له فرصة إعلان مطالبه، طلب العدل وعدم القهر والكرامة، وبهذا قد أهدر فرصة لفضح سياسة الحكومة. (لاحظ أن المعركة تقتصر على المواطن والحكومة من وجهة نظر الناقد، دون الاقتراب من رأس النظام).
ماذا يريد الناقد من البطل؟
يريد أن يطلب توفير المسكن والصحة والتعليم والأمان!
هذه هي كلمات الناقد، والتي تتفوق على غموض وسذاجة كلمات كاتب السيناريو.
ثم يرى أن موضوع الإرهاب في الفيلم مُفتعلاً، ولا يقترب من الجماعات، ويلجأ للتبسيط والتهوين.بالطبع لم يلتفت الناقد السينمائي المثقف إلى أن الفيلم يتعدّى حد الاقتباس.
ولكن الكاتب ياسر عبد العزيز (15) يخالف الرأي السابق تماماً، ويتمادى في أداء الواجب المدرسي في مقاله الذي يشبه موضوعات التعبير الركيكة، ولكنها عالية البلاغة، ويرى أن الفيلم.. شهد أنضج محاولات الرفض ثم التحريض، ثم يُضيف عبارات مثل ..”هتكت السلطة السياسية والاجتماعية حقوقهم”/”جرس تنبيه عارم الصوت للسلطة”. فكم من الجرائم ترتكب باسم البلاغة.
كشف المستور 1994/ عاطف الطيب
تعددت الآراء النقدية بشأن هذا الفيلم بشكل لافت..فالناقد أحمد رأفت بهجت (16) يعيب التيمات المُقتبسة عن الأفلام الأمريكية،والجو الأمريكي للأحداث التي لا تمت لمصر، والتشويش المقصود للفيلم عن عالم المخابرات وما يقومون به، في وقت هناك قضايا أهم يجب مناقشتها.
بينما الناقد علي أبو شادي (17) بعدما يتغنى باجتهاد كاتب السيناريو في فضح فساد أساليب تلك الأجهزة، وممارساتها اللاأخلاقية واللاإنسانية، يعيب على الكاتب ركاكة البناء والتشوّش، وسوقية الحوار.
ويصل أحمد يوسف (18) لبعض الحقيقة، ويتوصل إلى أن الفيلم يوهم بالجرأة، لأنه تناول الماضي والحاضر، ويرى أنه استغلالاً تجارياً لموضوع شبه سياسي، لإضفاء الأهمية، ولكنه في الأساس لخدمة بطلة الفيلم”نبيلة عبيد”.
فلا توجد رؤية موضوعية ناضجة، فقط .. تفصيل سيناريو على مقاس البطلة، وقد نجح الكاتب في تفصيل فيلمها السابق،”الراقصة والسياسي” وكأنه تمريناً قبل”كشف المستور”. الأمر الذي جعل عاطف الطيب ينفذ الفيلم بشكل مدرسي.
من فيلم “دم الغزال”
دم الغزال 2005 / محمد ياسين
في حوار مع الكاتب وحيد حامد وقت الإعداد للفيلم وكنوع من الدعاية، وحتى لا تكون هذه الدعاية حكومية، فالحوار فيجريدة”الأهالي” (19) لسان حال المثقفين المعترضين والمُعارضين دائماً، يتم تقديم الكاتب بهذه الكلمات:
“كاتب مبدع يعشق الغوص في القضايا الشائكة، التي تهم الناس وتعبر عنهم”
ونستعين ببعض العبارات التي وردت بهذا الحوار…
ـ كيف تكون الدراما مقنعة وجاذبة للناس؟
ـ عندما تطرح قضايا تهم قطاعاً كبيراً من الناس، وتستحق المناقشة، والتعامل معها بصدق.
ـ وما المقصود بدم الغزال؟
ـ المقصود دم الوطن، ولذلك طرحتُ تساؤلاً من خلال قصة الفيلم، وهو مَن المسئول عن هدر دم الوطن، ومن خلال الأحداث يتم التطرق لتبعات قضية الإرهاب على الحياة الاجتماعية.
ـ بعد كتابتك للعديد من الأفلام السياسية الجريئة، مثل طيور الظلام/ الإرهاب والكباب/معالي الوزير. ألم تقابلك مضايقة مع الرقابة؟
ـ الخلافات موجودة دائماً، ولكن يتم التغلب عليها، ونصل إلى حل بالحوار والنقاش.
وبعد عرض الفيلم، تقوم الجريدة نفسها بمناقشته في مقال بعنوان “بين السطوة وقِلة الحيلة” (20) حيث ينساق كاتب المقال وراء مقولات الفيلم الساذجة، ويتوقف عند العبارات التي تعجب الجمهور الأكثر سذاجة، ويصبح كاتب المقال بدوره من المروجين للفيلم، فما كان منه سوى اختيار حوار صبي المقهى مع الضابط، حتى يدلل على جرأة وصدق الفيلم.
الضابط: لماذا أحضرت سيارة للإرهابي؟
صبي المقهى: لو طلب منك رئيس الجمهورية أي شيء .. هل تنفذه؟
الضابط: فوراً.
ثم يشهر كاتب المقال أسلحته النقدية، ويتساءل بـ ربما يرمز دور حنان إلى مصر .. وهل يحتاج الأمر إلى ربما في كل دراما فجة؟!
وبعدما يكرر العبارات المعهودة والمبتذلة، اقتداء بنقاد الصحف القومية الكبار (21) من تفوق الأبطال على أنفسهم، ووصفهم بالمتوهجين دائماً، يُفرد البطولة للسيناريو.
ثم يبدأ في سرد مبادئ جريدته .. فساد الأجهزة المحلية/غياب الرقابة الأمنية/ الجهل والتهميش الذي يُمارسه المجتمع الفوقي على الطبقات الفقيرة.
ثم يختتم مقاله النقدي بمقولة مُباركة من مقولات الفيلم.. “بلد تانية غير بلدهم، ميعرفوش عنها أي حاجة”.
(4) تطبيقات
فيلم .. الإرهاب والكباب
(إنتاج سنة 1992/ إخراج شريف عرفة)
أحمد (عادل إمام) شخص يتشابه مع الكثيرين من أمثاله/فئة الموظفين، يذهب إلى مجمع التحرير بحجة نقل أولاده إلى مدرسة قريبة، ويتصادم بالنموذج العام لموظفي المصالح الحكومية الذين بدورهم يزيدون من عذاب الناس، ويجد البطل نفسه فجأة مُمسكاً برشاش، ويُشاع بوجود إرهابي في المجمع. وبعد التوتر داخل المجمع، يكتشف الرهائن أنه طيب القلب، يعاني مثلهم، فيتطوعون بالوقوف إلى جانبه في مواجهة الأمن، الذي يضطرب بشدة لهذه العملية، ويُساعده الإعلام في وصف صورة الإرهابي. ثم تتم مواجهة سريعة غير متكافئة، يخرج على إثرها الجميع من المكان بسلام، بما فيهم الإرهابي المزعوم نفسه.
هذه هي حكاية الفيلم، ولكن الشخصيات كالعادة نماذج/دُمى تتحرك ..
فتاة ليل، يريد بوليس الآداب الزج بها في قضية هي بريئة منها (يُسرا).
ماسح الأحذية الهارب من جريمة قتل (أحمد راتب)، لأخذ أرضه منه عنوة، وهو الذي دافع عن الأرض “على شط الكنال” على حد تعبيره.
جندي المراسلة (أشرف عبد الباقي) الذي يجنده الضابط لخدمة أولاده.
الشاب الذي أتى للانتحار (علاء ولي الدين) من جراء تسلط زوجته.
توليفة من الشخصيات تبدو من بعيد جيدة، ولكن ما هو دورها؟
نعم .. كل الشخصيات تعاني من القهر والكبت والتسلط، فوقفت مع البطل في مواجهة الحكومة، مُمثلة فقط في جهازها الأمني.
وبعد الحوارات المنولوجية الطويلة للشخصيات، حتى تشرح مبررات أفعالها، لتقترب من المسرح أكثر من السينما وحوارها، الحوارات التي تتشابه وتدّعي مقولات الجمهور عن المعاناة الحياتية، خاصة مطالب البطل العبقرية، وهي في الأساس موجهة للجمهور، الذي يريد مقابلة مسؤول ما، ليعرض شكواه .. ماذا سيطلب؟ لا شيء!
وإمعاناً في شد الضحكات، وهي في رأي النقاد الأجلاء ما يُسمى بالسخرية السوداء، ـ هذا المصطلح الذي أصبح مبتذلاً أكثر من بعض مشاهد الفيلم ابتذالاً – نرى ..(جلوس أعضاء الحكومة في جامع عمر مكرم، وخاصة ما يتشابه ورئيس الوزراء وقتها “عاطف صدقي” كما يبدو في رسوم كاريكاتور “مصطفى حسين”، الذي يمارس بدوره نقد الحكومة، حسب كتالوج الدعاية الرسمي المسموح به من قِبل السلطة).
ويبدأ الجمهور يشبّه ويقارن، ويضحك على ممثلي الحكومة، ويشعر بالراحة، وأنه انتصر عليهم وهو يراهم في ورطة ومأزق، بل ويتعجب من صدق الفيلم، الذي يُشارك الجمهور رؤيته ورأيه، خاصة والبطل هو النجم عادل إمام. ثم جرأة العمل الذي انتقد كل هذه الأوضاع في صراحة، ويتساءل الجمهور .. كيف سمحت الحكومة بهذا؟
(الحديث دائماً عن الحكومة، والممثلة دائماً في البوليس، بعيداً عن التكوين الأساسي لها، والمتمثل في السلطة السياسية ورأسها، دون الانتباه إلى أن العمل في الأساس هو في صالح النظام، أو الحكومة حسب تعبير الجمهور).
(راجع .. مواطن ومخبر وحرامي لداوود عبد السيد، ورأي ضابط المباحث في نظرية الأمن ـ وقد حذفت الرقابة هذا المشهد عند عرضه السينمائي ـ حتى يتضح الفارق).
ثم تأتى المواجهة الكاريكاتورية بين الأمن والناس الطيبين، وبعد شحن المتفرج حوالي ساعة ونصف، ليفرغ شحنات غضبه، وهذا هو الهدف، ماذا يحدث؟ لا شيء!
فالبطل يخرج مُبتسماً للانتصار الوهمي الذي حققه هو ورفاق الصف، وكأنه انتهى من رحلة مدرسية.
فهل تغير شيء؟ هل هناك دعوة متأملة لكيفية التفسير والتغيير، أبداً. إنها لعبة أو مُزحة سخيفة، لا يضحك لها سوى صناع الفيلم والسلطة الديمقراطية، والجمهور اللطيف الطيب.
فيلم .. دم الغزال
(إنتاج سنة 2005 إخراج محمد ياسين)
يعود الكاتب محل البحث لمعالجة موضوع قديم، وهو يدرك ذلك جيداً، فوضع لافتة في بداية الفيلم تشير إلى أن الأحداث تقع في التسعينات.
(وهل التسعينات تحتاج إلى لافتة؟ أم أنها فقط إشارة لإعادة التطرف الديني للأذهان)!
وربما كان الفيلم عمل وطني، خاصة بعد انتخابات مجلس الشعب الأخيرة، الوضع الذي أوضح وكشف مدى الوجود القوي للإخوان بين الناس، إضافة إلى صفقاتهم ومهادناتهم للنظام السابق ـ لا ننسى أننا نتحدث عن عام 2005 ـحنان (منى زكي) فتاة وحيدة تعيش في حارة مصرية أصيلة/إمبابة، يتولى رعايتها صديقا أبيها المتوفى (نور الشريف ـ صلاح عبد الله). تتزوج من حشاش، ولا تتم الزيجة فعلياً، حيث يُقبض عليه ليلة الزفاف. يتصارع على الفتاة اثنان من شباب الحارة .. هجام (عمرو واكد)، طبّال (محمود عبد المغني).
يقوم الهجام بضرب الطبال/يتحول الطبال إلى إرهابي/ يصبح أميراً لجماعة متطرفة/ ينتقم من الجميع/ يحاول الوصول للفتاة، التي ابتعدت عن الحارة/تستغلها الشرطة للإيقاع به، فتعود بها للحارة/يتم قتل الفتاة/يفر الإرهابي/يجلس في هدوء، حراً طليقاً، يتأمل العالم من حوله.
هناك عدة نقاط خاصة بسيناريو هذه الحكاية
أولها عدم المنطقية، والتسطيح المفرط، في تقدم الطبال لطلب عون الجماعة المتطرفة بالحارة، ورحلته وجلوسه إلى الكوبري ليتطهر، ثم الاجتماع الكاريكاتوري لمدبّر الجماعة، الذي يحث أفراد جماعته على قبول الطبال بينهم ليصبح مُنفذاً لأوامرهم، وكأنهم مجموعة من الأطفال يلعبون العسكر والحرامية!
ويتضح مدى التصور الخاطئ عن هذه الجماعات، أو حصرها في جماعة قديمة، غيّرت من سياساتها لتتلاءم وقت عرض الفيلم. كل هذا يتجاهله الكاتب، دون أن يفسر أو يوضح سبب تواجدهم الكبير على أرض الواقع، وقد ظهرت وقائع عملية تثبت ذلك.
أم أن تصدير هذه الصورة عبارة عن دعاية مضادة ؟
ثم ينتقل كاتب السيناريو ــ حتى تكتمل التركيبة ـ إلى عالمه المفضل الذي يحياه، وهو مجتمع الأغنياء، لتصوير أوجه الفساد، وحتى يصبح الفيلم انتقادياً جريئاً ـ ضمن مفهوم التطهير الذي أوضحناه ـ وعن طريق نادية/عاهرة سابقة (تقوم بالدور يُسرا)، تتم إقامة العلاقة بين عالم الحارة المنسية، وعالم النوادي والفنادق.
وللحديث عن الجماهير وواقعها المؤلم، فعالم الحارة الطيب الأصيل لا يُنتج إلا الخدم/حنان، أو الجرسونات/صلاح عبد الله، أو المدّعين/نور الشريف، بخلاف الإرهابي والهجام، فالظروف هي التي تجبرهم على ذلك.
إضافة إلى أن طبقة السيدة نادية لا توسم كلها بالفساد، فهي خير مَن يُمثلها، وليس كل مَن نقوم بخدمتهم في النوادي والفنادق أشراراً. فمنهم الضحايا أيضاً، فالسيدة كانت زوجة لمسؤول كبير الآن، وضحية له، فقد حرمها من ابنها، والمسؤول الآن يمثل الفساد والسلطة.
(من الممكن تذكر معالي الوزير، الراقصة والسياسي، المنسي، ..) الفكرة والتركيبة نفسها، فهذه الفئة إذن تمثل الفساد، الذي هو السبب في هذا التطرف على الجانب الآخر، هكذا.. وكأننا أمام معادلة رياضية، وهي بالطبع لا تنتمي لعالم الدراما.
عالم الفساد/ عالم الإرهاب
بالنسبة للفساد وعالم الأغنياء، يتحول الأمر إلى حوار من قبيل كلام المقاهي، فيقوم الكاتب بتبني وجهات النظر الساذجة وكلمات المجموع في الصفوة.
(حوار صلاح عبد الله مع يسرا). ثم يُمارس لعبته الأثيرة/التطهير، ليظل عالم الصفوة وما يمثله من سلطة بمنأى عن الجمهور، في سطحية مقصودة، تضح حداً فاصلاً بين التفكير والفعل. (راجع..الإرهاب والكباب/المنسي/الصورة تطلع حلوة).
أما الإرهاب فالفيلم الجريء يحذر: إن لم تؤخذ الأمور بجديّة، فستموت الفتاة!
لم يستطع الفيلم التوصل إلى طبيعة السلطة الهشة وقتها والمثيرة للشفقة، أم أن الأمر يتعلق بهيبة الدولة أمام رعاياها من خلال جهازها الأمني المجنون، وخارجياً أمام المعونات الاقتصادية؟ (22)
المواطن العشوائي
يرتزق الرجل من خلال لعبة خطرة .. هي إلقاء نفسه أمام سيارات يختارها بعناية، فيعوضه أصحابها الموسرين، حتى لا يبلغ الشرطة. لكن مَن هو الرجل، ولماذا؟ لا يهم! فيصبح دُمية كباقي دُمى الفيلم. كما أن هذه الشخصية ليست مُبتكرة على الإطلاق.
(راجع شخصية “شارلي” التي قام بأدائها “أحمد كمالي” في “البحث عن سيد مرزوق” لـ “داوود عبد السيد”، فقد كان يقوم بالمهمة نفسها ولكن شتان).
فبمجرد معرفة ما تقوم به الشخصية، يتم بلا عناء استنتاج نهايتها! وهذا بالطبع ليس من مميزات أي سيناريو.
من ناحية أخرى.. تبدو علاقة هذا الرجل بجارته (عايدة رياض) غاية في الغرابة، فهو يتشاغل والمرأة منذ فترة، وهما جيران. إلاّ أن زيارتها الأولى لشقته تتم خلال أحداث الفيلم، فإذا كانت هذه العلاقة ممتدة ومعتادة فالأمر طبيعي، كما لا يوجد أي مبرر لقيام المرأة فجأة بهذه الزيارة!
ولكن.. في سيناريو مثل هذا، لا نستطيع الاحتكام لعلاقات منطقية، أو أسباب عليّة، بل دُمى تحمل كلاشيهات وتتفاعل بعشوائية، واللفظة الأخيرة يتفوّه بها (نور الشريف) في حكمة بليغة عندما تصدمه إحدى السيارات، فيتفلسف ويُصرّح بأنه.. “مواطن عشوائي”، وبالطبع لابد من تصديقه، لأنه إحدى شخصيات السيناريو.
ملحوظة
في المهرجان القومي للسينما المصرية 2005 نال الفيلم عدة جوائز هي ..
(أفضل فيلم/جائزة لجنة التحكيم الخاصة/أفضل ممثلة “منى زكي”/أفضل دور ثاني “عمرو واكد”/أفضل تصوير/أفضل ديكور).
خاتمة
نرى أننا خلال البحث حاولنا التوصل لإثبات صحة فرضيتنا، وأن النتائج اتسقت تقريبياً مع الفرض النظري.
فالكاتب في البداية كان يدين عهد عبد الناصر لصالح السادات، ثم تحول لإدانة عهد السادات لصالح عهد المخلوع. كما تطورت حِرفية الكاتب وفق تطور منهج السلطة السياسية ذاته، فالمواجهة الانتقادية المباشرة لعهد عبد الناصر لحساب السادات، تحولت في عهد المخلوع إلى السماح بالنقد الآمن، والتظاهر بالديمقراطية، فأصبح الكاتب ينتقد عهد المخلوع، فيدلل على الشجاعة والجرأة من ناحية، وعلى ديمقراطية السلطة من ناحية أخرى. هذا بخلاف تفريغ شحنة غضب وسخط الجمهور، فأصبح يتبنى خطاب الجمهور في نقد السلطة ـ دون أن يتعرض لرأس النظام فيشعر الجمهور بأن صوته يصل لمن يسمحون بعرض مثل هذه الأفلام، ويهدأ ويطمئن. فتظل السلطة السياسية بمنأى عن خطر الجمهور، وتصبح أعمال الكاتب وحيد حامد هي صمام الأمان لهذه السلطة التي كانت.
الهوامش
(1) د. رشاد رشدي. نظرية الدراما من أرسطو إلى الآن (ص9) مكتبة الأنجلو المصرية/ د.ت
(2) والتر كاوفمان.التراجيديا والفلسفة (ص72 وما بعدها) ترجمة كامل يوسف حسين
المؤسسة العربية للدراسات والنشر. بيروت 1993.
(3) د. درية شرف الدين. السياسة والسينما في مصر (ص144، 145)
مكتبة الأسرة/المكتبة السينمائية 2002.
(4) راجع في هذا الموضوع
محمودقاسم. (الاقتباس في السينما) مكتبة الأسرة/المكتبة السينمائية 1999.
(5) محمود قاسم. الفيلم السياسي في مصر (ص224 وما بعدها)
الفصل العشرون: الانفتاح الاقتصادي. مكتبة الأسرة/المكتبة السينمائية 2000.
(6) سمير فريد. جريدة الجمهورية 4/8/1983.
مخرجون واتجاهات (ص207، 208). الهيئة العامة لقصور الثقافة 2000.
(7) علي أبو شادي. كلاسيكيات السينما العربية (ص373 : 387)
كتابات نقدية/الهيئة العامة لقصور الثقافة 1994.
(8) سمير فريد. جريدة الجمهورية 20/8/1990.
مخرجون واتجاهات (ص209، 210). الهيئة العامة لقصور الثقافة 2000.
(9) سامي السلاموني. مجلة كل الناس 28/5/1990.
الأعمال الكاملة ج 4 (ص108: 112). آفاق السينما (19). الهيئة العامة لقصور الثقافة 2002.
(10) سامي السلاموني. مجلة كل الناس 24/7/1991.
الأعمال الكاملة ج 4 (ص177 وما بعدها). آفاق السينما (19). الهيئة العامة لقصور الثقافة 2002.
(11) السابق. جريدة الأخبار في 29/7/1991. (ص586 ،587)
(12) محمود قاسم. الفيلم السياسي في مصر (ص166: 170)
الفصل الثالث عشر. البوليس السياسي. مكتبة الأسرة/المكتبة السينمائية 2000.
(13) ياسر عبد العزيز. مقال بعنوان “تيار الرفض والتحريض في السينما المصرية”
مجلة القاهرة. (ص 61). العدد 169/170. ديسمبر ـ يناير 1997.
(14) علي أبو شادي. السينما والسياسة (ص155: 158)
مكتبة الأسرة/المكتبة السينمائية 2000.
(15) ياسر عبد العزيز. مقال بعنوان “تيار الرفض والتحريض في السينما المصرية”
مجلة القاهرة. (ص61). العدد 169/170. ديسمبر ـ يناير 1997.
(16) أحمد رأفت بهجت. “كشف المستور .. هذا الطريق إلى أين؟” (ص150:154).
سينما 94. إعداد علي أبو شادي. كتابات نقدية. الهيئة العامة لقصور الثقافة 1995.
(17) علي أبو شادي. “في كشف المستور، ما زال الفساد مستمراً” (ص161: 166).
المرجع السابق.
(18) أحمد يوسف. “سينما افتعال الجنس واستغلال السياسة” (ص167: 175). المرجع السابق.
(19) حوار مع الكاتب وحيد حامد. إعداد: نجوى إبراهيم. جريدة الأهالي.
عدد 1260 (28 ديسمبر ـ4 يناير 2006).
(20) مقال بعنوان “بين السطوة وقلة الحيلة”. أشرف بيدس. جريدة الأهالي.
عدد 1262 (18 ـ 25 يناير 2006).
(21) راجع مقال الناقد وكاتب السيناريو “أحمد صالح” في جريدة الأخبار،
بمناسبة حديثة عن فيلم (دم الغزال).
(22) راجع .. تيموثي ميتشل. “الديمقراطية والدولة في العالم العربي”.
ترجمة: بشير السباعي. مكتبة الأسرة/سلسلة الفكر 2005.
المصادر
1 ـ طائر الليل الحزين/ يحيى العلمي 1977
2 ـ الإنسان يعيش مرّة واحدة/سيمون صالح 1981
3 ـ غريب في بيتي/سمير سيف 1982
4 ـ الغول/سمير سيف 1983
5 ـ بنات إبليس/علي عبد الخالق 1984
6 ـ التخشيبة/عاطف الطيب 1984
7 ـ آخر الرجال المحترمين/سمير سيف 1984
8 ـ الهلفوت/سمير سيف 1985
9 ـ رجل لهذا الزمان/نادر جلال 1986
10 ـ حد السيف/عاطف سالم 1986
11 ـ البريء/عاطف الطيب 1986
12 ـ كل هذا الحب/حسين كمال 1988
13 ـ الدنيا على جناح يمامة/عاطف الطيب 1989
14 ـ الراقصة والسياسي/سمير سيف 1990
15 ـ المساطيل/حسين كمال 1991
16 ـ رغبة متوحشة/خيري بشارة 1991
17 ـ اللعب مع الكبار/شريف عرفة 1991
18 ـ الإرهاب والكباب/شريف عرفة 1992
19 ـ المنسي/شريف عرفة 1993
20 ـ كشف المستور/عاطف الطيب 1994
21 ـ طيور الظلام/شريف عرفة 1995
22 ـ النوم في العسل/شريف عرفة 1996
23 ـ اضحك الصورة تطلع حلوة/شريف عرفة 1998
24 ـ سوق المتعة/سمير سيف 2001
25 ـ ذيل السمكة/سمير سيف 2002
26 ـ محامي خلع/محمد ياسين 2003
27 ـ معالي الوزير/سمير سيف 2003
28 ـ دم الغزال/محمد ياسين 2005
المراجع
1 ـ تيموثي ميتشل. “الديمقراطية والدولة في العالم العربي”
ترجمة: بشير السباعي. مكتبة الأسرة/سلسلة الفكر 2005.
2 ـ د. درية شرف الدين”السياسة والسينما في مصر”
مكتبة الأسرة/المكتبة السينمائية 2002.
3 ـ د. رشاد رشدي “نظرية الدراما من أرسطو إلى الآن”
مكتبة الأنجلو المصرية. بدون تاريخ.
4 ـ سامي السلاموني “الأعمال الكاملة” الجزء الرابع (1989 ـ 1991).
آفاق السينما (19) الهيئة العامة لقصور الثقافة 2000.
5 ـ سمير فريد “مخرجون واتجاهات في السينما المصرية”
آفاق السينما (9). الهيئة العامة لقصور الثقافة 2000.
6 ـ علي أبو شادي
ـ “أفلام عام 94 (إعداد)” سلسلة كتابات نقدية/الهيئة العامة لقصور الثقافة 1995.
ـ “السينما والسياسة” مكتبة الأسرة/المكتبة السينمائية 1999.
ـ “كلاسيكيات السينما العربية” سلسلة كتابات نقدية/الهيئة العامة لقصور الثقافة 1994.
7 ـ محمود قاسم
ـ “الاقتباس في السينما”. مكتبة الأسرة/المكتبة السينمائية 1999.
ـ “الفيلم السياسي في مصر”. مكتبة الأسرة/المكتبة السينمائية 2000.
ـ “الموسوعة السينمائية لأفلام العالم العربي”. (إعداد) مكتبة مدبولي 2002.
8 ـ والتر كاوفمان “التراجيديا والفلسفة”. ترجمة: كامل يوسف حسين.
المؤسسة العربية للدراسات والنشر ـ بيروت 1993.
9 ـ ياسر عبد العزيز. مقال بعنوان “تيار الرفض والتحريض في السينما المصرية”
مجلة القاهرة. عدد169، 170/ديسمبر ـ يناير 1997.
10 ـ جريدة الأهالي عدد 1260 (28 ديسمبر ـ 4 يناير 2006)، عدد 1262 (18/25 يناير 2006).