الاسترالي جورج ميللر: رئيس لجنة التحكيم في مهرجان كان
ابتسم الحظ مؤخرا للمخرج الاسترالي جورج ميللر (71 سنة) أكثر من مرة، فقد عاد بعد 31 سنة ليخرج فيلم “ماكس المجنون: طريق الغضب” وهو الفيلم الأحدث في السلسة التي بدأها ميللر قبل 36 عاما، بفيلم “ماكس المجنون” عام 1979، وبعد 31 عاما على إخراجه الفيلم الثالث في السلسلة “ماكس المجنون وراء قبة الرعد” (1985). وقد حقق الفيلم الأحدث نجاحا كبيرا فاق كل التوقعات، ورشح لعشر ترشيحات لنيل جوائز الأوسكار، فاز بست جوائز منها، أي أكبر مما ناله أي فيلم آخر في المسابقة، ثم مضى الفيلم لكي يحقق إيرادات بلغت ما يقرب من 400 مليون دولار.
عاد الحظ ليبتسم مرة أخرى لميللر الذي ترسخت مسيرته في عالم السينما بفيلم “ساحرات إيستويك” (1987)، فقد أعلن عن إسناد الفيلم الجديد في سلسلة “ماكس المجنون” إليه، وأنه سيشرع في إخراجه قريبا، وسيقوم ببطولته الممثل البريطاني توم هاردي، ويحمل عنوان “ماكس المجنون: أرض القمامة”.
كان “ماكس المجنون: طريق العضب” قد عرض عرضا احتفاليا خاصا في مهرجان “كان” العام الماضي، وشهد إقبالا كبيران واعتبر أكثر الأفلام شعبية في الدورة الماضية من المهرجان الشهير. وقد أرادت إدارة مهرجان “كان” أن تحتفي هذا العام بجورج ميللر فأسندت إليه رئاسة لجنة التحكيم الدولية للمسابقة الرئيسية في الدورة الـ 69 التي افتتحت الأربعاء الماضي.
جورج ميللر من مواليد كوينزلاند في استراليا. تخرج من كلية الطب لكنه اتجه الى العمل في السينما بعد أن التقى في إحدى ورشات التدريب على العمل السينمائي، بالمنتج بايرون كنيدي الذي أنتج له واشترك معه في اخراج فيلمه القصير الأول “العنف في السينما- الجزء الأول” عام 1971، الذي حصل على جائزتين من معهد الفيلم الاسترالي، ثم أسس الاثنان معا شركة انتاج سينمائي هي التي انتجت الفيلم القصير التالي لميللر، ثم الفيلم التسجيلي القصير الذي أخرجه ميللر قبل ان تنتج الشركة نفسها فيلمه الروائي الطويل الأول “ماكس المجنون” عام 1979 الذي قدم فيه للمرة الأولى ميل غيبسون في دور البطولة وهو الدور الذي حقق له شهرة عالمية جعلته يكرر التجربة في الفيلمين التاليين من السلسلة نفسها ومن اخراج ميللر أيضا. وقد رشح ميللر عن فيلمه الطويل الأول لجائزتي أحسن إخراج وأحسن سيناريو، في مسابقة معهد الفيلم الاسترالي، وعاد ليخرج فيلمه الطويل الثاني في السلسلة نفسها عام 1981 محققا نجاحا كبيرا، ثم حصل على جائزة أحسن إخراج من معهد الفيلم الأسترالي، ثم الجائزة الكبرى من مهرجان أفوريازالسينمائي.
بعد ما حققه من نجاح كبير في استراليا جاءت الفرصة الكبرى أمام ميللر للانتقال الى هوليوود حيث أخرج “ساحرات إيستويك” الذي قام ببطولته جاك نيكلسون وسوزان ساراندون والمغنية شير وميشيل فايفر. وفي هذا الفيلم يواصل ميللر الابحار في عالم الفانتازيا، فهو يغادر مؤقتا عالم “ماكس المجنون”، ليعود الى عالم أقرب الى ما قبل التاريخ، تسيطر عليه القوة والمادة والصراع حول الطاقة والاختراعات الجهنمية، ليسبح في عالم خيالي يفترض وجود ثلاث نساء يبحثن عن رجل يشبع رغباتهن، ولا يجدن هذا النموذج سوى في الشيطان نفسه (يقوم بالدور ببراعة جاك نيكلسون) الذي يقطن منزلا معزولا، لا يتذكر ماضيه، يختبر الحياة الأرضية للمرة الأولى، ويتنكر في زي رجل غريب عن البلدة، ويتمكن من إغواء النساء الثلاث واحدة بعد أخرى، ثم تبدأ حقيقة الرجل- الشيطان تتضح تدريجيا مع وقوع بعض الأحداث الغريبة التي تدفع أهل البلدة الى حالة من الهستيريا والذعر. ويساهم اداء نيكلسون في اضفاء الجانب الأسطوري على الفيلم خاصة مع الانسجام الكبير بيه وبين بطلات الفيلم.
رشح ميللر عام 1993 لأوسكار أحسن سيناريو مكتوب مباشرة للسينما عن فيلمه الأميركي التالي “زيت لورينزو” الذي عاد للعمل فيه مع سوزان ساراندون أمام نيك نولتي وبيتر أوستينوف، ويصور الفيلم بحث والدين عن علاج لمرض ابنهما الغامض. وعاد ميللر ليحقق نجاحا جديدا مع ترشيحات الأوسكار التي حصل عليها فيلم “بيب” (1995) الذي كتب له السنياريو وأنتجه بنفسه، فقد حصل على سبعة ترشيحات نال واحدة منها عن أفضل مؤثرات خاصة. لكن الفيلم، حصل أيضا على جائزة أحسن فيلم كوميدي موسيقي في مسابقة “غولدن غلوب”، كما رشح لأربع من جوائز “بافتا” البريطانية، من بينها جائزة أحسن فيلم، وجائزة أحسن سيناريو مقتبس.
وقع الاختيار على ميللر لإخراج المشاركة الاسترالية للاحتفال بمئوية السينما فأخرج وأنتج الفيلم التسجيلي الطويل “40 الف سنة من الحلم”. ومازال ميللر يواصل نجاحاته ويحصد الجوائز. فلاشك في موهبته وقدرته على تحويل قصص الخيال الجامح إلى صور مدهشة، وشخصيات تتحرك على الشاشة، كما أنه لا يلجأ للحيل التي يستخدمها السينمائيون حاليا بواسطة برامج الكومبيوتر، بل يصر ويتمسك باستخدام الممثلين الثانويين وما يعرف ببدائل الممثلين في المشاهد الخطرة.
يفتتح الممثل توم هاردي الذي قام بدور ماكس في الفيلم الأحدث “طريق الغضب” بصوته من خارج الصورة وهو يقول “أنا ماكس.. عالمي مزيج من النار والدم.. كنت شرطيا في الماضي، ولكن بعد دمار العالم، أصبح من الصعب علي معرفة من الأكثر جنونا.. أنا أم الآخرين جميعا؟”. ولعل هذا يعكس، كأفضل ما يكون، الفكر السينمائي عند جورج ميللر نفسه!