يوميات مهرجان الاسكندرية الـ27: الفوضى هي العنوان
اُختتم منذ أيام قليلة مهرجان الإسكندرية السينمائي السابع والعشرين لدول البحر المتوسط ليصبح بذلك أول مهرجان سينمائي يُقام هذا العام بعد الثورة وربما يكون الأخير أيضاً لهذا العام بعد إلغاء مهرجان القاهرة وعدم التأكد من إقامة مهرجانات أخرى.
السطور القادمة ليست تغطية للمهرجان وإنما تجربتي الشخصية معه وهي التجربة الأولى أنقلها إليكم.
قررت حضور المهرجان ممنياً النفس بمشاهدة أفلام ذات قيمة فنية عالية والاستمتاع بمناقشات بناءة وتبادل الآراء مع كل من هو مهتم بالسينما، إلا أن الفوضى التنظيمية العارمة التي حدثت عكرت صفاء الأجواء ولم أنجح في التخلص منها بشكل نهائي بعد ذلك.
سافرت مع الأتوبيس الخاص بالمهرجان يوم الافتتاح، وحتى موعد السفر لم تتوفر أي معلومة عن أماكن وبرامج العروض مما ولد لدي حالة من التوتر سببها الشعور بالاتجاه نحو المجهول.
وجدت جدولاً مع أحد الأصدقاء أعد بطريقة غريبة جداً وكأنه بالهيروغليفية، ولم نفهم منه شيئاً سوى أماكن العروض وهي سينما فندق الهيلتون جرين بلازا (حيث تقطن إدارة المهرجان وضيوفه)، مركز الإبداع، أتيليه الإسكندرية والمركز الثقافي الفرنسي الذي استضاف مسابقة أفلام الديجيتال والأفلام القصيرة.
عندما وصلنا مكثت في مكان بوسط المدينة ساعة واحدة كانت تفصلني عن عروض مركز الإبداع فذهبت إليه مباشرةً إذ سأتمكن من مشاهدة فيلمين عوضاً عن حضور حفل الافتتاح.
مركز إبداع الإسكندرية (تغير اسمه بعد الثورة وأصبح مركز الحرية للإبداع) عبارة عن قصر كبير مكون من طابقين وله طراز معماري خاص تسير في ممراته فتجد جدرانها مزدانة بلوحات بورتريه كبيرة لفنانين وأدباء ذوي تأثير على الفن والثقافة المصرية.
وصلت قاعة السينما وهي غرفة صغيرة مزودة بجهاز بروجيكتور وكان موصلاً عبر لاب توب ولكنها مناسبة لعدد الجمهور الحاضر ليلتها من رواد مركز الإبداع.
تم عرض الفيلم الأول في السادسة مساءاً (جميع عروض مركز الإبداع شهدت انضباطاً في المواعيد).
اقترب مني شخص من الحضور بعد انتهاء الفيلم يسألني عن بلد الفيلم القادم فأجبته سلوفينيا فقال الرجل ” ايه سلوفينيا دي!” أخبرته أن سلوفينيا هي إحدى البلدان المستقلة حديثاً في التسعينيات عن يوغسلافيا رد على الرجل باستنكار وهو يضرب كفاً بكف بأنه لم يسمع بهذا البلد قط وهو في حالة غضب فكيف يحصلون على الاستقلال ودولة جديدة دون علمه!
انقطاع العرض
بدأ الفيلم السلوفيني بعد قليل وفي منتصف العرض انقطعت الكهرباء عن الغرفة دخل مسئول العرض وأخبرنا متأسفاً أن عامل قام بفصل ذراع الكهرباء الخاص بالغرفة عن طريق الخطأ وأنه تعود أن يفعل ذلك دوماً ونسي وجود جمهور هذه الليلة.
استكملنا مشاهدة الفيلم وإذا بالصورة تتوقف كل نصف دقيقة تقريباً وتقفز ثانيتين أو ثلاث حتى توقف الفيلم تماماً في إحدى المرات وتوقف أيضاً البرنامج على الكمبيوتر. دخل مسئول العرض هذه المرة ليقوم بمحاولة إعادة تشغيل البرنامج ثم أخذنا نرشد الرجل إلى مكان توقف الفيلم “لأ قبل كده….ارجع كمان….ارجع شوية…..لأ ارجع تاني” حتى وصل الرجل للدقيقة التي توقف عندها الفيلم ليتوقف الفيلم والبرنامج مرة أخرى و يخبرنا الرجل محرجاً أن العيب في اسطوانة الديفيدي ذاتها وأن نسخة الفيلم الواردة إليه من إدارة المهرجان غير أصلية لذلك سنضطر لقفز هذه اللقطة. قفز الرجل قفزة من قفزات الوثب العالي لينقلنا لمشهد آخر تماماً انتهى بعده الفيلم مباشرةً ونحن في حالة دهشة لا نفهم شيئاً
هل تعتقدوا أن الموضوع له علاقة ببلد الفيلم “سلوفينيا” ؟!!
كف القمر
انطلقت بعدها إلى مسرح سيد درويش لأشاهد فيلم الافتتاح “كف القمر” المقرر عرضه بعد نهاية الحفل الرسمي مباشرةً لأعلم هناك أن الفيلم سيُعرض بعد ساعة من نهاية الحفل في سينما جرين بلازا، ذهبتُ إلى هناك وقد مضت ساعة بالضبط.. انتظر بعدها الجمهور ساعة أخرى حتى يصل طاقم الفيلم بالكامل.
لاحظت مع عرض الفيلم حجم الفارق بين النسخة التي أشاهدها الآن على الشاشة وتلك التي كنت أشاهدها منذ فترة وجيزة بمركز الإبداع.
ولكن الجدول الهيروغليفي موجود به عرض واحد فقط يومياً بسينما جرين بلازا مما يعني عرض خمسة أفلام فقط في خمسة أيام هي مدة المهرجان فأين ستشاهد لجنة التحكيم باقي أفلام المسابقة الرسمية!
انتهى الفيلم حوالي الثانية صباحاً أسرعتُ بعدها في العودة لمحل إقامتي للحصول على بعض الراحة أخيراً.
سيرك كولومبيا
في اليوم التالي توجهت إلى جرين بلازا بعد الظهر لحضور العرض الخاص بفيلم “سيرك كولومبيا” من البوسنة (وهي معلومة بالمناسبة لم أعرفها إلا لاحقاً).
وصلت في الموعد المحدد بالجدول لأجد الفيلم بدء عرضه بالفعل، لم يطل جلوسي أكثر من ساعة انتهى وقتها الفيلم وسط تصفيق من الحضور، فقد دخلت على الفيلم في منتصفه بالضبط بفضل الجدول الهيروغليفي. بعد التصفيق طالت حيرة الحاضرين: هل توجد ندوة للفيلم أم لا ؟ ولا أحد يملك الإجابة!
ذهبت إلى المركز الصحفي بعد ذلك فوجدت مسئول الإعلام بالمهرجان يُعطينا جدولاً جديداً للعروض يشمل خمسة عروض في اليوم الواحد فاستبشرت خيراً بأن الأمور سوف تنتظم فيما تبقى من الدورة.
عُدت إلى السينما فوراً فالجدول كان يشير إلى فيلم قادم في الرابعة تماماً ولم يتبق إلا دقائق قليلة، حينها أخبرني مدير صالات السينما أن الفيلم القادم سيكون في السابعة مساءاً وهو الفيلم الفرنسي “سن الرشد” وليس الفيلم البوسني “المهجورة” كما يشير الجدول الجديد. أيقنت حينها أن أفضل ما تفعله مع الجداول في المهرجان هو أن “تبلها وتشرب ميتّها”.
انتظرت بجوار مجمع السينما حتى تجاوزت الساعة السادسة سألت أحد العاملين فأخبرني: الفيلم سيبدأ في السادسة والنصف (جميع العاملين بالسينما كانوا على مستوى عالي من المهنية ودماثة الأخلاق، وكانوا يتأسفون كثيراً بسبب هذه الحيرة والتضارب الدائمين مع كل عرض وأنه خارج عن أيديهم فيعلمون عن العرض قبله مباشرةً).
دخلتُ الصالة بانتظار بدء عرض الفيلم، انضم إلى الموجودين بالصالة لجنة التحكيم. كُنا من ثمانية إلى عشرة أشخاص بالإضافة للجنة التحكيم التي تبلغ أيضاً مثل هذا العدد.
نظر الشخص المرافق للجنة التحكيم إلينا بارتياب ثم إذا به يطلب منا مغادرة الصالة لأن العرض سيكون للجنة التحكيم فقط متعللاً بأن العرض السابق شهد صخب و أشخاص قاموا بالرد على الهاتف داخل الصالة أثناء عرض الفيلم مما أثار غضب اللجنة.
خرجت من الصالة ومعي صديقي محمد يوسف العاشق للفن السابع تسيطر علينا حالة من الحزن لعدم تمكننا من مشاهدة الفيلم ولخروجنا بهذا الشكل غير المبرر بالنسبة لنا وغير اللائق أيضاً وكأن إدارة المهرجان تنظم فعالياته من أجل لجنة التحكيم ولا تعبأ بالمشاهدين الحقيقيين على الإطلاق.
كيف أخرج أنا من الصالة وأنا أقدس العرض السينمائي فكثيراً ما اشتكي من يعرفونني من تجاهلي لهم شخصياً أثناء عرض أي فيلم وتجاهلي الرد على اتصالاتهم ، شعرتُ حقيقةً بالحسرة حينها.
بعد مداولات لم نجد الناقد نادر عدلي حينذاك، أخبرونا أنه ذهب لحضور تكريم الممثل يحيي الفخراني…فاتصلت هاتفياً بالمسئول عن العروض الأستاذ ماجد حبشي ولا أعلم أين كان حينها وشرحت له الموقف فكان رده بأنه ليس في يده شيء لأن إدارة سينما جرين بلازا أعطت المهرجان صالة واحدة فقط هذا العام وبالتالي لا يستطيع التدخل في هذا الشأن وبعد سؤالي عن عدد الذين كانوا يريدون رؤية الفيلم استقلل العدد (عشرة أشخاص) وقال إنه ربما يُحاول عرض الأفلام التي لم يستطع الجمهور والصحفيين رؤيتها في اليوم الأخير من المهرجان بعد انتهاء لجنة التحكيم من مشاهدة جميع الأفلام!
كان الأستاذ أحمد الحضري (أعطاه الله الصحة والعافية) هو منسق عمل لجنة التحكيم، ذهبت أنا وصديقي نسأله أن تسمح لنا اللجنة بحضور العروض معها طالما أن إدارة المهرجان لم تكلف نفسها بتنظيم العروض وتقسيمها بين الجمهور ولجنة التحكيم وأخبرناه بما حدث معنا. غاب الرجل خمس دقائق وعاد إلينا بعدها فقال إن لجنة التحكيم أثار استياءها رد الناقدة ماجدة موريس على هاتفها أثناء عرض فيلم “سيرك كولومبيا” ظهر اليوم!
مشاهد عادي
انفعل حينها صديقي محمد يوسف قائلاً وهل قطعنا كل هذه المسافة من القاهرة يا أستاذ أحمد لكي نشاهد الأفلام على النُسخ الرديئة التي تُعرض في الأتيليه ومركز الإبداع؟ فأجابه الحضري لا بالطبع اكتب إذن عن كل ما تراه هُنا من إهمال وفوضى. ليخبره صديقي بأنه ليس صحفياً وإنما بالتعريف الذي يفضل دوماً تعريف نفسه به “مشاهد عادي”. وعند هذه الكلمة بالتحديد استاء الحضري كثيراً وقال لصديقي إذا كنت مشاهدا عاديا فلا يحق لك مشاهدة أفلام المهرجان، فكيف أنت هنا؟ هذا المهرجان ليس للمشاهد العادي!
ما قاله الأستاذ الحضري هو أغرب كلام تتوقعه من هذا الرجل فما نعرفه ونراه عنه يفيد بأنه رائد الثقافة السينمائية فهو يسعى لنشرها وهو يعمل دءوباً من أجل هذا الهدف خاصة في مجال الترجمة وإثراء المكتبة السينمائية العربية.
انتهى الموقف بعد وعد من الحضري شخصياً بدخول الصحفيين والجمهور لحضور أفلام الغد. وكان ما قال الرجل ففي اليوم التالي دخل بالفعل عدد كبير وكان عرض الفيلم الإيطالي “حياتنا”، لتبدأ مشكلة أخرى وهي نسخة الفيلم الرديئة للغاية التي كانت تُعرض ولا أبالغ إذا قلت أنها كنسخ الأفلام المسروقة من السينمات والمنتشرة على فضاء الإنترنت حتى أنني سمعت جيهان فاضل تتحدث لخالد الصاوي والاثنان أعضاء لجنة التحكيم بأنها لو شاهدت الفيلم على اللاب توب الخاص بها لكان أفضل.
لم يكن الفيلم الإيطالي وحده على هذه الشاكلة ، بل عدد كبير من الأفلام أذكر منهم الفيلم المغربي “بيجاسوس” والإسباني “خطط للغد”.
واستمر المهرجان على هذا المنوال المُخزي حتى النهاية والسؤال هو إذا كانت إدارة المهرجان غير مستعدة لتنظيم مهرجان على المستوى فلماذا لم تتريث ولم كل هذه العجلة ؟ فيبدو أن المهم بالنسبة لهم أن يقولوا لقد أقمنا مهرجاناً ولم يفكروا كيف أقمنا المهرجان!