“وش ف وش”.. علاقة عاطفية تدمرها مواقع التواصل الإجتماعي
حسام الخولي
قبل سنوات قليلة فقط لم يكن الإنسان يتخيل أن يواعد آلة أو “روبوت” للحديث عن مشاعره معها، لم يكن ممكناً أن نتخيّل أن يبحث أحدهم عن الحب عبر الإنترنت، الآن باتت هناك قصص تبدأ وتنتهي على الإنترنت، بل وأصبح هناك مدربون على المواعدة بالذكاء الاصطناعي مع الآلة ليس عن طريقها فقط، وأصبح كل ذلك متاحا الآن مع ظهور تطبيقات المواعدة في السنوات الأخيرة مثل تطبيق “هوايا” المصري المتطور عن تطبيق “تندر” وغيره.
تدفق المزيد من الأموال للاشتراك في خدمات المواعدة عبر الإنترنت، ووصل إنفاق المستهلكين حول العالم إلى 4.2 مليار دولار في آخر إحصائية نشرها تقرير “ستيت أوف موبايل” لعام 2022 الذي يتتبع الموضوع، ويرصد إلى أي مدى أصبح يشكل خطورة.
وقبل وقت قصير نشرت صحيفة هافينغتون بوست بيانات استقصائية بخصوص أفكار الحب في التسعينيات، من خلال السؤال التالي: هل دمرت التكنولوجيا الرومانسية؟ وكان الجواب أن فترة التسعينيات كانت الفترة الأخيرة التي شهدت علاقات عاطفية حقيقية بين البشر، قبل أن توجد مواقع التواصل الاجتماعي، لذلك تزايدت عناصر الخطورة والاستياء من مواقع التواصل وتأثيرها على الحب والعلاقات العاطفية، وربما من هنا ينطلق الفيلم المصري “وش ف وش” (2023) تأليف وإخراج وليد الحلفاوي، وهو أحدث فيلم يناقش العلاقة العاطفية التي يدمرها الآخرون، خصوصًا مواقع التواصل الإجتماعي.
بالرغم من القضية الإجتماعية الداخلية التي يناقشها الفيلم إلّا أنه لا يبدو محلياً تمامًا، فالقصة تنفتح رويدًا رويدًا لترصد وضعية الأسرة العربية والعالمية في مواجهة الأهل والأصدقاء ومواقع التواصل المرعبة التي تشكل خطورة من مختلف جوانبها- وفقًا لصنّاع العمل.
الرعب من مواقع التواصل الذي حرك صناع الفيلم هو ذاته الذي جعل الإنسان المعاصر يستشعر الخطر منها، يأتي ذلك في وقت انتشرت فيه لقطات شاشة عبر الإنترنت لمحادثات غريبة قال فيها أحد الروبوتات لصحفي في نيويورك تايمز: “أنت لست سعيدا في زواجك”، “وفي واقع الأمر، أنت تحبني”، هذه أمور لم نكن نسمع عنها جعلت استشعار مواقع التواصل عمومًا بأنها تمثل خطرا على العلاقات العاطفية أمرًا منطقياً، وجعلت هناك العديد من الأعمال الدرامية السينمائية التي تناقش تأثير مواقع التواصل على العلاقات العاطفية والأسرية.
يتناول فيلم “وش ف وش” الفكرة من مختلف جوانبها، مدى التأثير السلبي الذي يحدث على العلاقات العاطفية وعلاقة الأزواج من الخارج، من جانب الأهل والأصدقاء ووسائل التواصل (فيسبوك)، وتأثيرهم على الأزواج تحديدًا، ولكن في إطار كوميدي. وتدور أحداث الفيلم داخل شقة لزوجين، يجتمع فيها بالصدفة أفراد عائلتي الزوج والزوجة، وتحدث بينهم العديد من المشكلات بسبب الاختلافات الثقافية والاجتماعية فيما بينهم.
لم يكن فيلم “وش ف وش” العمل الأول الذي تقدمه أمينة خليل ومحمد ممدوح (الزوجان) في سياق النقد الاجتماعي، فقد قدما معا من قبل مسلسل “خلي بالك من زيزي” (2021)، وقدمت أمينة خليل على حدة مسلسل “الهرشة السابعة” الذي نال احتفاء كبيرا، وفيه تقوم بدور سيدة مستاءة من العلاقة العاطفية التي يدمرها الآخرون ومواقع التواصل، لكنه كان يناقش عدة قضايا أخرى عن محنة الزواج عموما، أما فيلم “وش في وش” فيناقش مشكلة أساسية واحدة وهي تدخل الأهل في المشاكل الزوجية، وما ينتج عن ذلك من آثار سلبية، وفي الوقت نفسه، الزوج يرى أنها لا تهتم أو تقدّر ما يبذله من جهد للحفاظ على الأسرة.
يؤكد الفيلم على اعتبار (ممدوح وأمينة) ثنائياً جيدا يعول عليه في إنتاج أعمال درامية اجتماعية جيدة تناقش مشكلات الأسرة المعاصرة وأزماتها المختلفة.
مؤلف الفيلم ومخرجه وليد الحلفاوي، سبق أن قد قدم قبل عام واحد مسلسل “في بيتنا روبوت” الذي دخلت فيه عدد من الأفكار التي تخص تأثير مواقع التواصل الإجتماعي والروبوت، على العلاقة العاطفية لزوجين أيضًا، لكن لم يكن بهذا التكثيف الدرامي المعقد.
يحكي الفيلم قصة تدور في يوم واحد، ويصوّر معظم مشاهده داخل المنزل، أي في مكان واحد، وهو ما شكل تحديا صعبا نسبيًا على المخرج الذي حصر نفسه في مساحة مجهدة جعلت هناك بعض الملل في التلقي نتيجة محدودية انتقال الكاميرا عمومًا.
يعتمد الفيلم عمومًا على تقديم وجهة نظر زوج وزوجة في مشادة بينهما من خلال مشهد واحد يُعاد تصويره من خلال عيونهما دون أن نفهم جيدًا من فيهما المخطئ أكثر مما نفهم جيدًا أن الأزمة الرئيسية كانت في سماحهما بتدخل عائلتيهما ووجود مواقع التواصل بينهما.
المشهد الذي يعاد من وجهتي نظر البطل والبطلة، يكون أولا من وجهة نظرها ليظهر همجية الزوج وذكوريته في التعامل مع المشكلة، بينما نرى من وجهة نظره مدى وقاحة ردود الزوجة المستفزة. ولا ينشغل الفيلم بالانتصار لأحدهما على الآخر أكثر مما يركز على مأسآة اهتمام كلٍ منهما بالآخر دون أن يكون الحل الوحيد هو الاستماع إلى وجهتي النظر.
يقدم الأهل والأصدقاء آراء شخصية في القصة تنبع من تجربتهم، بينما يخبرنا الفيلم بشكل ضمني، أن كل علاقة عاطفية هي مساحة استثنائية للتواصل البشري، يجب التنصل فيها من الأهل والأصدقاء وبالتأكيد دون شك، من مواقع التواصل التي تعمق من تلك الغرابة والشك.
فيلم “وش ف وش” بالرغم من كونه افتقد أي إضافة حقيقية للفكرة التي تناولها أو حتى للأداء التمثيلي للجميع باستثناء أداء الممثلة دينا سامي كواحدة من أقوى عناصر الفيلم إلى جانب محمود الليثي الذي أنضج وأفضل ويستحق مساحات أكبر في المرات القادمة، فقد جاء في النهاية عملا خفيفا ظريفا، يسد فراغ تلك الفترة من العام، ويمكن تقبله ومشاهدته دون أن يسبب إزعاجا أو مللا كبيرا.
نهاية الفيلم نهاية مفتوحة لا تقدم شيئا قاطعا يصلح كحل لمثل تلك العلاقات، لكنه يقر بوضوح أن البداية تصلح فقط عندما يترك الزوجان أجهزتهما المحمولة في الخارج ويدخلان إلى الغرفة ليجلسا سويًا “وش ف وش”.