نقد الأفلام وإفساد المخرجين
العلاقة بين النقد وصناع السينما علاقة ملتبسة يشوبها الكثير من عدم الوضوح والاتهامات المرسلة، كما أن هناك الكثير من الخلط السائد منذ زمن طويل، بين النقد والانطباعات الصحفية التي يكتبها محررو صفحات المنوعات في الصحف العربية. هذا الخلط ليس ناتجا من جانب من يزعمون أنهم ينقدون الأفلام، بل ومن جانب الكثير من السينمائيين أيضا، وهو خلط يساعد في ترسيخ رؤيتهم المسبقة عن النقد والنقاد.
جرى العرف على أن المخرج لا يحب سوى سماع أو قراءة كلمات الإطراء والاطناب والمجاملة والمديح. ويكره كثيرا نقد فيلمه بالسلب، أي ابراز الجوانب السلبية العديدة التي قد يتضمنها العمل، فالمخرج يرى أنه بذل جهدا كبيرا استغرق منه وقتا طويلا في صنع فيلمه، فكيف يأتي ناقد ليهدم هذا “الصرح” في مقال واحد!
جرى العرف أيضا على أن يعتبر المخرج أن ما يطلق عليه “الناقد الحقيقي” أو الذي “يتمتع بالمسؤولية” هو الناقد الذي يتبنى أفلامه، يشجعه ويمتدح ما يقدمه مهما بلغ مستواه، ويساعده على عرض أفلامه الرديئة في المهرجانات السينمائية. ولذلك فقد رأينا الناقد “المثقف” الذي يشاهد أعمال السينما العالمية الرفيعة من الشرق ومن الغرب، والذي يدرك جيدا الفرق بين الغث والسمين، وبين الردئ والجيد، وهو يختار عن وعي وهدف واضح محدد سلفا، الدفاع عن الكثير من الأفلام الرديئة في سينما بلاده، لا لشئ إلا لأن يصبح “الأب الروحي” الذي يلجأ إليه السينمائيون، يعرضون عليه سيناريوهات أفلامهم، يجعلونه أيقونتهم التي تدافع عنهم وعما ينتجون من أعمال رديئة. وهذا هو باختصار ما يمكن اعتباره تدميرا للسينما وتدميرا للنقد، وهو وراء إفساد عدد كبير من مخرجي الأجيال الشابة التي تكون عادة في حاجة إلى التعامل مع أفلامها بجرأة وصراحة ووضوح رؤية، بدلا من نفاقها ومديح أفلامهما مهما كان مستواها متدنيا. هذا النوع من نقاد مديح القبح وتجميله والترويج له، يعرف على وجه اليقين، هدفه جيدا، فهو يرغب في القيام بدور “العراب” و”الراعي” بدعوى التشجيع والدعم، وغالبا ما يحصل على المقابل من وراء هذا التشجيع الزائف.
كثيرا ما يكون النقد مدفوعا بالمصالح المتبادلة، فمن الممكن أن يحصل “الناقد” على أجر عن مراجعة السيناريوهات، سواء من المخرج أو من شركات الانتاج، ويصبح في هذه الحالة ناقدا مرتشيا، يطوع عموده أو المساحة الثابتة المخصصة له في جريدة ما، للترويج للبضاعة الفاسدة التي يقبض ثمن الدعاية لها من أصحابها مسبقا. فهل يحترم السينمائيون مثل هذا الناقد؟ بالطبع لا.. لكنهم في حاجة إليه لأنه بالنسبة لهم مفيد في الترويج وهو أهم ما ينشدونه، أما من يقول لهم الحقيقة أو يكتب رأيه العلمي مستندا الى المبررات والأدلة والبراهين النقدية فهو في رأيهم ناقد “متربصا”.
إن ظهور المدعين والمتطفلين من أصحاب المصالح أضر بالنقد دون شك. فقد أصبحت الكتابات موجهة لخدمة المصالح الشخصية، وزالت المسافة بين النقاد والسينمائيين وهي مسافة ضرورية، فليس من المطلوب أن يجلس الناقد في حضن المخرج، أو يجالس المنتج ويأكل على مائدته، وإلا فقد استقلاليته. لكن هذا ما يحدث ولا أحد يستنكره بل يبدي المخرجون والمنتجون والممثلون اعجابهم بهذا الصنف من النقاد ويعتبرونه كائنا “اجتماعيا” و”لطيفا” ومهذبا وطيعا، ويهيلون التراب على من يفضل الإبقاء على مسافة معهم ويوجهون إليه شتى الاتهامات حتى لو أعجبتهم صراحة وجرأة ما يكتبه عن افلام غيرهم.
إن دعم الفيلم العربي لا يكون بمغازلة ما يصنعه مخرج جديد أيا كان مستواه، بل بالاشتباك النقدي العلمي الجاد معه. وعمر السينما في العالم مائة وعشرون عاما، والقادم الجديد الى السينما يفترض أنه يقف فوق تراث هائل من الأفلام ومن تطور لغة السينما ووسائلها وأساليب مخرجيها. والناقد الحقيقي هو من يتعامل مع الفيلم كفيلم، وليس كمشروع فيلم لمشروع مخرج. ولكن أكثرهم لا يعلمون!