“من أجل زيكو” .. عوامل النجاح والإخفاق معا

Print Friendly, PDF & Email

يعود الثنائي المخرج بيتر ميمي والسيناريست مصطفى حمدي للتعاون مرة ثانية من خلال فيلم “من أجل زيكو” الذي طرح في دور العرض خلال الأسبوع الأول من هذا العام والذي يشارك في بطولته منة شلبي وكريم محمود عبد العزيز ومحمود حافظ ومحمد محمود، وكان أخر تعاون بين الثنائي ميمي وحمدي عام 2015 من خلال فيلم “حارة مزنوقة” ويمثل اللقاء الجديد عودة أيضا لبيتر ميمي للكوميديا التي بدأ من خلالها مسيرته بعد التركيز خلال الأعوام الأخيرة على الأكشن سواء على مستوى السينما أو التليفزيون.

يبدأ فيلم “من أجل زيكو” بمشهد يضم سليمان عيد وكريم محمود عبد العزيز الذي قام بتقليد أحد مشاهد والده الراحل محمود عبد العزيز في فيلم “الكيت كات” قد يبدو للوهلة الأولى أن كريم يقدم المشهد كنوع من التقدير والتكريم لوالده الفنان العظيم لكن في حقيقة الأمر أن عبد العزيز الإبن أراد أن يعطي للجمهور إشارة إلى أن فيلمه “من أجل زيكو” يمثل الطبقة الدنيا التي كان يمثلها الشيخ حسني في الكيت كات، عن المواطنين الكادحين الذين سحقتهم الحياة وأصبح المجتمع لا يراهم، هؤلاء البشر الذين يعيشون اليوم بيومه داخل حدود حياة ضيقة بلا أي أفق أو أحلام أو طموحات، مربطون مثل الحيوانات التي تجر السواقي ويظل التغيير الوحيد في حياتهم مرتبط بحدث يأتي فجأة.

وهو ما ظهر في “من أجل زيزو” الذي طرح في دور العرض بداية هذا العام حيث يحتوي على فكرة جيدة وجديدة عن حياة أسرة من المهمشين يعيشوا تحت خط الفقر من محدودي التعليم والفكر، حيث فتحي “كريم محمود عبد العزيز” سائق سيارة تكريم الإنسان وزوجته الغير متعلمة صفاء “منة شلبي” التي تعمل في المنزل عن طريق إعداد الوجبات الجاهزة، ويتم اختيار ابنهما الوحيد زكريا “يوسف أحمد” ضمن ثلاثة طلاب تم اختيارهم في مسابقة أذكى طفل في مصر وعليهم أن يتجهوا إلى سيوة لحضور المسابقة ويقرر الزوجان تأجيل الطلاق من أجل زيكو.

يمثل الفيلم الذي حالة خاصة حيث أنه تجربة تجتمع فيها أسباب النجاح والتي هي في نفس الوقت عوامل الاخفاق أو التراجع في إندماج غريب من نوعه، لكن في المجمل الفيلم جيد وتجربة تستحق المشاهدة والوقوف عندها،

يمتلك الفيلم فكرة واعدة لكنها أيضا تحتوي على عوامل الإخفاق في البداية من خلال التمهيد الطويل بعض الشئ عن أسرة زيكو حيث والدته صفاء الفتاة الشعبية التي تعيش على سجيتها، وطبيعة عمل والده فتحي والأهم اقحام شخصيتين لم يكون لهما تأثير قوي في الأحداث وهما الجد عم خميس “محمد محمود” والعم عصام “محمود حافظ” صحيح أن المقصود هنا كان إظهار البيئة التي نشئ فيها الطفل زيكو وتوجها صناع الفيلم بأحد أجمل المشاهد عندما قام زيكو بتكرار الروتين اليومي للفقراء داخل حدود حياتهم الضيقة، لكن هذا لا يمنع وجود نوع من الإسهاب في تفاصيل أخرى كان الهدف منها الإضحاك فقط.

يفشل فتحي في الحصول على المال من أجل السفر فيقرر أن يتجه إلى سيوة مع أسرته بسيارة العمل “تكريم الإنسان” في تفصيلة جيدة وملهمة جدا حيث يتجه الطفل لتكريمه في مسابقة في سيارة تكريم الإنسان، لكن تلك التفصيلة الإنسانية لم تدم طويلا حيث تم الاستغناء عن السيارة بمرور الأحداث، وتبدأ رحلة الأسرة المعدومة إلى تحقيق الحلم ليدخل الفيلم في اطار أفلام الطريق وخلال تلك الرحلة اختار صناع الفيلم توظيف أربعة أحداث أو “وقفات” تجعل الأبطال ينحرفون عن مسارهم.

بشكل عام اختيار تلك الأحداث الأربعة كان جيدا وجاء توظيفهم موفقا إلى حد كبير فكل حدث أو وقفة لها مدلول إنساني عميق، لكن الأزمات أوالاخفاقات كانت عند تقديم تلك الأحداث أو الوقفات أحداث دراميا وتنفيذها بصريا على الشاشة، فكل حدث من الأربعة يجمع بين مقومات النجاح وعوامل الإخفاق معا، فقد كان من المفترض ان تكون تلك الأحداث أو الوقفات تخدم دراما الفيلم بشكل كلي لكن ما حدث أنها على مستوى التوظيف كانت جيدة لكن على مستوى التنفيذ كانت الأزمة.

الحدث الأول كان وقوف السيارة داخل البنزينة ووضع أسرة زيكو في مقارنة اجتماعية من خلال مقابلة أسرة الطفل الذي ينافس زيكو في المسابقة وهو من عائلة أرستقراطية حيث تطلق والدته الكلمات بالإنجليزية أثناء حديثها، وأيضا عدم قدرة أسرة زيكو شراء الشيكولاتة لأنها غالية وعلى النقيض منافسه، وعلى مستوى التنفيذ يعد هذا الحدث او الوقفة الأفضل حتى مع وجود بعض الانحرافات التي أرادوا منها خلق خط كوميدي من خلال شخصيتي الجد والعم.

الحدث الثاني كان الحفل التنكري الذي حضرته أسرة زيكو مع سيدة من الأثرياء قدموا لها المساعدة على الطريق، ويمثل هذا الحفل طبقة الأثرياء الذين لا يدركون ان هناك فقراء يعيشون معهم على هذا الكوكب، وتوج هذا الجزء بالمشهد الذي جمع بين الزوجين وصاحب الحفل الذي قدم دوره الشرفي المطرب “دياب” الذي اعتقد ان فتحي وصفاء متنكرين، لكن بالتوازي جاء الإخفاق في هذا الحدث في المشهد الذي ضم محمود حافظ وليلى عز العرب فقد ظهر مقحما ولا محل له من الإعراب، شخصية ظهرت واختفت فجأة.

الحدث الثالث كان وجود أسرة زيكو داخل المحمية الخاصة بالباحثين والمقصود هنا أن مازال هناك شباب مؤمن بقدرة العلم ومتمسك بقيمته أمام أي اغراءات مادية أو معنوية أخرى لكن تخلل هذا الحدث مشهد رومانسي كوميدي طويل بين فتحي وصفاء أخرج الفكرة عن السياق وجعلها تنحرف عن مسارها القيمي الأساسي.

أما الحدث الرابع أو “الوقفة” الرابعة كانت عند “الغندور” الذي قدم دوره عمرو عبد الجليل في أداء كوميدي مصطنع متكلف لم يضيف شئ لوجوده كضيف شرف رغم أن صناع الفيلم أرادوا الإشارة من خلال ظهور هذه الشخصية أن قطاع الطرق والبلطجية برغم قسوتهم إلا أنهم أكثر الفئات إحساسا بمعاناة الفقراء حيث أن الغندور تركهم يكملون رحلتهم دون الحصول على إطارات سيارتهم لكن أيضا اقحام الكوميديا أفقد هذا المضمون بريقه أيضا.

لم تخرج النهاية عن فكرة الخلط بين النجاح والإخفاق أيضا ورغم التوفيق في اختيارها وأن وجود الطفل زكريا في المسابقة كان خطئا وتشابه أسماء لأن أي نهاية غير ذلك لن تكون منطقية، بالفعل أبناء الفقراء لن يجدوا المنافسة في التعليم أو في مجالات العمل مستقبلا حيث أن الفروقات كبيرة، ويظل نجاح أبناء الفقراء مرتبط بامتلاكهم موهبة ما سواء كانت الغناء أو التمثيل أو إجادة كرة القدم وهو بالفعل ما تم التعبير عنه خلال نهاية الفيلم.

أما على مستوى الإخفاق أو الأزمة في النهاية  حيث يعيبها أنها جاءت دون أي تمهيد أو ترتيب درامي مسبق فجأة وجدنا الطفل زكريا يغني أثناء المسابقة أغنية “الغزالة رايقة” التي حققت نجاحا جماهيريا منذ عرضها، صحيح أن الاطار العام للنهاية خدم الفكرة والتي هي متربطة بموهبة أبناء الفقراء لكن تنفيذها المتواضع أضاع جمال تلك التفاصيل.

كان الأداء التمثيلي أحد أهم عوامل النجاح في الفيلم خاصة الثنائي منة شلبي وكريم محمود عبد العزيز، فالأولى عادت من جديد وتذكرت أدوارها القوية وأنها من الممثلات القلائل اللاتي يضفن التفاصيل إلى دورهن وهو ما جسدته منة خلال دور صفاء بكل تفاصيل الفتاة الشعبية التي تعيش في الحارة بطريقة حديثها وتعبيرات وجهها وحركات يديها وملابسها، أما كريم فقد قدم أفضل دور في مسيرته رغم أنه قدم البطولة المطلقة من قبل ان هذا الفيلم يمثل نقلة جديدة ومهمة له.

على النقيض جاء أداء محمد محمود مفتعلا مقحما رغم أنه من أفضل الممثلين الذين يقدمون الكوميديا حاليا لكن ظهوره في هذا الفيلم كان فاترا ونفس الحال محمود حافظ الذي جعل دور عصام نسخة قريبة الشكل والأداء من اللمبي وعلى محمود أن يراجع نفسه مستقبلا حول مسألة طبقة صوته العالية التي ظهر بها مؤخرا بشكل مزعج ومنفر.

Visited 24 times, 1 visit(s) today