مغامرة باربي في العالم الواقعي

سلوى شلبي

يعتبر فيلم “باربي” (2023)- تأليف وإخراج “جريتا جيروج” بالمشاركة مع ” نواه بومباه”- من أكثر الأفلام نجاحا هذا العام، وقد شاركت شركة “ماتيل” التي تصنع دمية باربي في إنتاج الفيلم وقامت بعمل حملة دعائية ضخمة للفيلم وازدادت مبيعاتها بشكل كبير بعد ما حققه من نجاح بير في أسواق السينما في العالم..

يبدأ الفيلم و”باربي” (التي تقوم بدورها مارجو روبي) تستيقظ من النوم، تلتقي دمى “باربي” الأخريات ويشكلن العنصر الرئيسي لعالم باربي فمنهن الرئيسة والطبيبة والقاضية، ثم يظهر “كين” الذي يقوم بدوره “ريان جوسلينج” وهو دمية ثانوية صنعتها “ماتيل” ليقف بجوار دمية “باربي”. في باربي لاند “كل يوم هو أفضل، يوم وكل ليلة مخصصة للفتيات” فهذا هو عالم” باربي” وهي محوره أما “كين” فهو لا يشعر بالسعادة إلا عندما تنظر له هي أو تتحدث إليه.

يتغير عالم “باربي” تدريجياً فتجد نفسها تفكر في الموت وتعاني من ظهور السيلوليت فتذهب لاستشارة ” باربي الغريبة” التي تلعب دورها ” كيت ماكينون”، فتخبرها أن الفتاة التي تلعب بها في عالم البشر تعاني المشاكل ويجب عليها أن تذهب إليها وتساعدها لتتمكن من استعادة حياتها. تنطلق “باربي” في رحلة في العالم الحقيقي ويرافقها “كين” للبحث عن الفتاة المنشودة.

في عالم البشر

تدخل ” باربي” عالم البشر معتقدة أنها ساعدت المرأة لتصبح أي شيء تريده، وأن النساء الآن يحكمن الأرض مثلما يحدث في عالمها. لكن باربي تفاجأ أن الوضع على أرض الواقع معكوس، وأن الرجال يتحكمون في معظم الأمور وهم الذين يتخذون القرارات، لكنها تتخطى الأمر، وتركز في البحث عن الفتاة.. أما “كين” فهو يشعر بأنه محل احترام، وينبهر باكتشاف أهمية الرجل في هذا العالم ويذهب للتعرف على مبادئ ” النظام الأبوي”.

في البداية تعتقد “باربي” أنها جاءت لمساعدة فتاة مراهقة لكنها تكتشف في أحد أكثر مشاهد الفيلم عذوبة، أن التي تلعب بالدمية الخاصة بها هي أم الفتاة (أمريكا فيرارا) لكن الفيلم لا يتعمق في مشاكلها أو شخصيتها فهي تعمل في “موتيل” ولا تعاني من تسلط الزوج مثلاُ، لكن علاقتها بابنتها سيئة لا نعلم لماذا سوى أن الفتاة أصبحت مراهقة غاضبة وناقمة على العالم وتعامل أمها بازدراء.

تتعجب الأم من وجود “باربي” في العالم الحقيقي وعندما يحاول المدير التنفيذي لموتيل “ويل فيرل”- الذي يظهر كشخصية كرتونية للغاية- إعادة الدمية إلى علبتها، تنقذها وتذهب معها إلى “باربي لاند” لتجد باربي مفاجأة في انتظارها، فقد حول “كين” عالمها إلى مملكة يحكمها الرجال وتقوم على خدمتهم النساء بمن فيهم الدمية “رئيسة باربي لاند”.

من هنا تسود الفوضى في الفيلم، ويتحول إلى مباراة طفولية سخيفة بين الرجال والنساء وبين الرجال وبعضهم البعض. إذا ما تجاوزنا حقيقة أن “كين” مجرد دمية عاشت كل حياتها في ظل “باربي” وأنه تمكن من دراسة النظام الأبوي وتطبيقه والاستيلاء على “باربي لاند” بعد أن نجح في عمل غسيل مخ لجميع النساء في يوم واحد، فالخطاب النسوي الذي يتبناه الفيلم قديم للغاية ولا يتماشى مع وضع المرأة حالياً وتحديداً في الولايات المتحدة الأمريكية. كما أغفل الفيلم أن الإحساس بالثقل النفسي الذي تشعر به الأم في الغالب ناتج عن نمط الحياة الذي يفرضه النظام الرأسمالي الذي يستغل الرجل والمرأة على حد سواء.

أزمة وجودية

تعاني ” باربي” من الإحباط جراء ما حدث، وتشعر أن حياتها صارت بلا معنى. ومعاناة دمية من أزمة وجودية هي فكرة مثيرة للاهتمام لكن هذه الأزمة لا تستمر أكثر من دقيقة تقريباً، فبمجرد أن تلقي عليها الأم خطبة جافة بلا روح ولا تعبر عن مشكلات الشخصية تمتد لأكثر من دقيقتين حول الصعوبات التي تتعرض لها النساء تنتهي أزمتها ويتم إلغاء مفعول غسيل المخ الذي قام به “كين” على إحدى الدمى التي استمعت للخطاب بالصدفة.

برع الفيلم أيضاً في استخدام الأغاني والاستعراضات، فكانت معبرة عن مشاعر الشخصيات، إلا أن مشكلة الفيلم أنه بدأ كفيلم مغامرة خفيف يحمل العديد من المواقف الكوميدية وكان بالفعل ممتعاً جداً في نصفه الأول، لكنه أراد تحميل الدمية أفكاراً لا علاقة لها بها، فتناول قضايا المرأة بطريقة سطحية عن طريق خطابات مباشرة للغاية، قديمة عفا عليها الزمن، فلم يعد أحد يعتقد أن النساء يجب أن يشبهن “باربي!

وربما كان مشهد اعتذار “باربي” إلى “كين” من أفضل مشاهد النهاية لأنها أدركت قسوة تجاهلها الدائم له ولمشاعره وكانت مشاعرهما صادقة تجاه الآخر فبعد أن خاضت “باربي” رحلتها، تحث “كين” على البحث عن ذاته بعيداً عن وجودها.

تم تقديم منزل “باربي” وعالمها بصورة مبهرة وألوان شديدة البهجة يغلب عليها اللون الوردي الذي اشتهرت به الدمية، فنجحت مصممة الإنتاج “سارة جرينوود” ومعها مدير التصوير “رودريجو بريتو” في جعل عالم “باربي” يبدو كحلم جميل أشبه باليوتوبيا.

وكان أداء “مارجو روبي” مقنعاً للغاية سواء في البداية عندما لعبت دور دمية “باربي” التقليدية أو عندما نزلت إلى أرض الواقع، وبدأت تختبر مشاعر لم تكن تعرفها من قبل. أما “ريان جوسلينج” فقدم الأداء الأفضل في الفيلم على الإطلاق سواء في المشاهد الكوميدية أو الدرامية أو الغنائية.

وفي النهاية الفائز كان الأكبر هو شركة “ماتيل”، سواء في الفيلم أو على أرض الواقع.

Visited 3 times, 1 visit(s) today