مروة سلامة وسياحة في عالم السينما

من فيلم "ملاكي اسكندرية" من فيلم "ملاكي اسكندرية"
Print Friendly, PDF & Email

وقعت في غرامها منذ أن كنت صغيرة ، كانت بمثابة المكافأة التي يمنحها لي والداي سواء في الأجازة أو حتي في فترات الراحة أثناء الدراسة ، إنها السينما ذلك العالم السحري الذي لا يستطيع أحد مقاومته علي الإطلاق . ذكريات نرتبط بها أرتباطا عجيبا سواء لظروف عرض فيلم ما ، أو لحالة خاصة فرضت نفسها علي فيلم بعينه ، فأوجدت علاقة لا يمكن تفسيرها.

ذكريات .. حنين 

هناك العديد من الأفلام السينمائية لا تزال عالقة في ذاكرتي منذ الطفولة ، ففي ذلك الوقت ( أتحدث هنا علي فترة نهاية الثمانيات و التسيعينات) لم يقتصر متابعة أهم الأفلام وأجملها علي الذهاب إلي السينما، بل كان التلفزيون المصري يعرض عددا متنوعا من الأفلام الأمريكية المتميزة  و التي كان لها بريقها . عندما كان له بريق قبل ثورة الفضائيات .  و لازالت أذكر عرض القناة الثانية للأفلام الهندية في أيام الأعياد في الثالثة عصرا . كثير من الأفلام لم أراها مرة ثانية حتي الآن ولكن مازلت أتذكرها تماما، وكأني شاهدتها منذ وقت قريب. من بين هذه الأفلام فيلم “Big” للنجم ” توم هانكس” و الذي لعب فيه دور طفل صغير تمني أن يصبح شابا ، و عندما أستيقظ من نومه وقع تحت تأثير السحر و تحققت أمنيته ، و سقطت في غرامه شابة جميلة لم يخطر ببالها علي الإطلاق إنه طفلا . فمجرد أن أتذكر ذلك الفيلم أجد نفسي أبتسم من عذوبة تلك المشاعر الرقيقة،

لقطة من فيلم “عطر امرأة”

وهذه الحالة الإنسانية الراقية.. وفيلم “عطر امرأة”” scent of a women” الذي قام ببطولته ” ال باتشينو”، و رقصة التانجو الشهيرة التي تعد أحد أروع مشاهد الفيلم علي الإطلاق . فالفيلم السينمائية الراقي و الجيد يخلق نوعا من المشاعر التي لا يستطع وصفها بالكلمات ، فهذه الأحاسيس لا تعتمد علي كون المتلقي مر بهذه التجربة أم لا، و لكنها تخاطب العقول والوجدان فتحرك عاطفة المشاهد بشكل أو بآخر وتجذبه إلي ذلك العالم الذي يشاهده كفيلم ” love story” والذي مر علي إنتاجه أكثر من أربعين عاما، ورغم ذلك فإن الفيلم خالد في الأذهان، حتي موسيقي الفيلم لا تزال أنغامها عالقة في الأذهان ، والتي لعبت دورا هاما في رسم الحالة الرومانسية في الفيلم بشكل عام ، و في المشهد الأخير بشكل خاص ، والذي جاءت فيه الموسيقي متقطعة بعد موت البطلة ، فالحياة لابد أن تستمر، و لكن قصة حبه معها ستظل عالقة في ذهنه و قلبه رغم صخب ومشاغل الحياة .

جواز سفر

الحقيقة أن الفيلم السينمائي مهما كانت جنسيته يعد بمثابة بوابة للبلد التي تدور فيها الأحداث ، و كأن أحدا قد أعطي لك تذكرة سفر أو تأشيرة لتزور وتشاهد بعينك تلك المنطقة و تتجول في شوارعها و تعيش مع أبطال ذلك الفيلم و تتعرف علي عادات وتقاليد مختلفة ، فماأروع أن نتعرف علي الآخر الذي يمثل علامة إستفهام بالنسبة لنا ، و ذلك من خلال صورة جمالية و إبداعية تكسر كل الحواجز الثقافية و اللغوية وتخاطب الكيان الإنساني مهما كانت لغته أو جنسيته ، فالإبداع ليس له حدود و لا يعترف بها.

فالسينما لم تتوقف عند السينما الأمريكية التي تفتحت عليها أعيننا ، فهناك سينمات أخري لاتقل إبهارا عنها ، و لكنها تحمل نوعا آخر من الإبهار إن جاز التعبير . كالسينما الهندية ، الفرنسية ، الرومانية ، الإيرانية ، الروسية ، التركية و غيرها .. فكل واحدة منهم لها جمال من نوع خاص ، كأشهي أنواع الفاكهة ، فإذا كنت تفضل نوعا عن الآخر ففي النهاية  فإن هذا لا ينفي إنك أمام صنف جيد و حلو في الوقت نفسه .. فكل واحدة منهم تعبر عن نفسها و عن روحها ، وهذا ما يجعل المتلقي يحترمها و يتقبلها علي علتها، فعلي سبيل المثال معظم أفلام السينما الهندية لا تعتمد علي المنطق ، إلا أن هناك حالة خاصة و فريدة تجعل المشاهد مشدودا لتلك الصورة السينمائية المليئة بالحركة والإثارة و سحر الرقصات و الألوان و غيرها من العوامل التي ربطت المتلقي بها وجعلته يغفر لها عدم المنطقية يتقبل فكرة إعتمادهم علي الخرافات بشكل كبير ، حتي أصبح للفيلم الهندي قاعدة جماهيرية عريضة في العالم ككل .

و السينما الإيرانية التي حققت إنجازات كثيرة في سنوات معدودة ، و نالت العديد من الجوائز من مهرجانات دولية  لها ثقلها رغم تحفظها مثل مهرجان كان و فينسيا وغيرها من المهرجانات . فهذا التحفظ لم يمنع جرأة الموضوعات التي يتم طرحها في بعض الأفلام مثل فيلم ” الدائرة ” وفيلم  رجم ثريا” الذي كان يتحدث عن تعرض إمرأة للرجم بتهمة الزنا التي لفقها لها زوجها بعد أن رفضت زواجه من إمرأة أخري . صحيح أن بعض هذه الأفلام تمنع من العرض داخل إيران لأن الحكومة الإيرانية تضع محاذير علي ما يتم تقديمه في السينما و كثيرا ما تصدر قرارات بالمنع بحجة تشويه صورة إيران .

والسينما الرومانية أو مايطلق عليها تيار السينما الرومانية الجديدة و التي تعكس الواقع و مرارته و ترسم العالم من خلال صورا رمزية ورؤي إخراجية متميزة ، كفيلم “وداعة ” للمخرج كتالين أبوستول والذي عرض مؤخرا في مهرجان القاهرة السينمائي الأخير.

الجميل في هذه السينمات المختلفة أنك تري من خلالها صورة البلدان التي تنتمي إليها ، وترصد صورة حقيقة لها هذا من ناحية، و من ناحية أخري فإنها تفتح أمام المبدعين آفاقا جديدة للتصوير والإخراج و المونتاج فيحدث تزاوج بين الثقافات المختلفة ينتج عنه سينما خلاقة و جديدة و مليئة بالإبداعات. و هذا لا يحدث إلا إذا وقفنا علي أرضية ثابتة وتشبثنا بجذورنا حتي حصيلة هذا الزواج كائن ممسوخ ومهجن، بمعني أصح ليس له معالم ، فلا ينتمي إلي وطنه ولا إلي البلد المنتسب إليها  .. فالفيلم المصري كانت له مكانته في سينما العظماء أمثال صلاح أبو سيف، عاطف الطيب، كمال الشيخ  وغيرهم .

 أما الآن فأصبح وضع الفيلم المصري حرجا للغاية إباستثناء عدد محدود جدا من الأفلام ، فكثير منها أصبح يرصد أجواء غريبة و دخيلة علي الشارع المصري سواء المطاردات ومشاهد الأكشن، أو في حياة الشباب الذي يظهر كثير منهم بلا أهل أو عائلة تماما و الأمثلة علي ذلك لا حصر لها . علاوة علي بعض الأفلام المسروقة من أفلام أجنبية و بالتحديد أمريكية.

لازلت أذكر أنني كنت في جمعية نقاد السينما  يوم إختيار أفضل فيلم لعام 2005 ، فقال أحد النقاد الحاضرين بكل ثقة ” فيلم “ملاكي إسكندرية” المصري بصراحة الأفيش بتاعه أحسن من الفيلم الأجنبي ” الحقيقة أن هذه الجملة جعلتني أضحك بشدة مع حسرة و مرارة ، إلي هذا الحد أصبح هذا الأمر معتادا عليه لدرجة أننا نتناقش و نتفاخر بهذه السرقة و نقول لا أننا كنا أفضل في شكل الأفيش .

فالحقيقة أن الفيلم المصري يحتاج لأن يستعيد شخصيته، و هذا لن يتحقق إلا إذا تم شطب جملة  (الجمهور عايز كده ) من قاموس القائمين على صناعة السينما في مصر بداية من المؤلفين مرورا بالفنانين وحتي المنتجين، فالمشاهد يستهلك المنتج المعروض أمامه سواء كان جيدا أم رديئا .

فإذا كانت هناك لحظات صفاء وتأمل في الأفلام الجميلة التي طويت في صفحات الماضي، فآمل أن تمر اللحظات الحرجة التي تمر بها السينما المصرية الآن كلمح البصر، و أن تشطب تماما من كتاب الذكريات.

* صحفية وناقدة من مصر

Visited 70 times, 1 visit(s) today