مبدعات السينما السعودية.. وجوه مشرقة

المخرجة السعودية الشابة شهد أمين المخرجة السعودية الشابة شهد أمين
Print Friendly, PDF & Email

المتأمل في المشهد السينمائي السعودي الراهن، يتبين ملامح سينما واعدة مبشرة تخطو خطوات حثيثة نحو التشكل والتحقق، من خلال مواهب شغوفة وعاشقة للسينما تأثرت بإشراقات المنجز السينمائي العالمي، وتطمح إلى إرساء معالم لصناعة سينما جادة، مواكبة، تعكس واقعها الاجتماعي وتستلهم قصصها من عمقها الثقافي، بعد غياب امتد لأكثر من ثلاثة عقود، تخللته بعض الجهود الفردية الدؤوبة، منها على سبيل المثال لا الحصر فيلم “كيف الحال” 2006 وفيلم “عايش” 2009، “وجدة” 2012  و”بركة يقابل بركة” 2016 ثم ظهور مهرجان أفلام السعودية عام 2008 الذى شهد في دوراته اللاحقة ظهور أسماء واعدة لمخرجات سعوديات.

 التقت هذه النوايا مع رؤية المملكة الحديثة، واتجاهها نحو دعم صناعة السينما والتعامل معها كأداة رئيسة من أدوات التنوير والفعل الثقافي، فعادت الروح إلى صالات العرض السينمائية بعد حجب دام 35 عاماً، وتم افتتاح العشرات منها لتستوعب جمهورا متعطشا لهذا الفن الراقي الذي حرم منه لعقود، ورأينا لأول مرة السجادة الحمراء تبسط أمام نجوم العالم في مهرجانات سينمائية سعودية أصبح لها صدى وتأثير في محيطها الإقليمي.

كل ما سبق لم يكن لينجو من تهمة الترويج الدعائي والاهتمام الشكلي لولا وجود صانع سينمائي حقيقي موهوب يمتلك الأدوات والرؤية، قادر على تأسيس سينما سعودية ناضجة تبدأ من حيث أنتهى الآخرون، فإن اتفقنا على أن الصانع السينمائي وطاقاته الإبداعية وشغفه بهذا لفن هو ركيزة هذا الوهج والحراك الفني، فما بالنا لو كان هذا الصانع أنثى مبدعة جاهدت لتتحرر ولو جزئياً من متاريس الانغلاق والقيد الاجتماعي، ونجحت في تقديم تجربة سينمائية ملهمة مقارنة ببعض التجارب النسوية في بلدان عربية عديدة سبقت المملكة على الصعيد الفني والسينمائي.

في السطور القادمة نسعى إلى الاقتراب من تجارب بعض المخرجات السعوديات اللاتي كانت لهن بصمات واضحة على المشهد السينمائي السعودي والعربي بل والعالمي، بمنجزات ملموسة وأعمال تستحق الاحتفاء.

تنتمي هيفاء المنصور إلى عائلة فنية، فهي ابنة الشاعر عبد الرحمن المنصور وشقيقة الفنانة التشكيلية هند المنصور ، وتعد هيفاء أول وأشهر مخرجة سعودية، وربما ينسب لها الفضل في وضع السينما السعودية على الخريطة العالمية، بفيلمها الروائي الطويل “وجدة” الذي تعرض بطريقة ذكية ورمزية لوطأة المجتمع الذكوري المنغلق وتمعنه في استباحة أحلام الأنثى، وقد تم تصويره في مدينة الرياض (لأول مرة) وحصل الفيلم، الذي تعرض لصعوبات عديدة  أثناء تصويره، على العديد من الترشيحات و الجوائز العالمية، وكان قد عرض لأول مرة في الدورة الـ69  لمهرجان البندقية السينمائي وحاز على ثلاث جوائز.  كما فاز أيضا بجائزتين في مهرجان دبي السينمائي عام 2012. ثم اختارته السعودية ليمثلها في سباق جوائز الاوسكار الـ 86.

هذا النجاح الكبير والتفرد وضع اسم المنصور بقوة في خانة الريادة رقم واحد. كانت المنصور التي درست الأدب الانجليزي في القاهرة ثم درست السينما في جامعة سيدني، قد بدأت مشوراها السينمائي بثلاثة أفلام قصيرة هي (من؟، الرحلة المريرة، المخرج الوحيد) ثم قدمت فيلماً وثائقياً لاقى إشادة كبيرة بعنوان “نساء بلا ظلال”.

درست شهد أمين السينما في لندن ونيويورك، وعند عودتها للسعودية عملت كمساعدة إخراج وصورت أفلاماً قصيرة منها “نافذة ليلى ” و”حورية وعين” الذي فاز بجائزة أفضل فيلم قصير الأولى في مهرجان ستوكهولم السينمائي الدولي عام 2014.

 إلا أن شهرتها الحقيقية جاءت مع فيلمها الروائي الطويل “سيدة البحر” الذي يعتبره الكثيرون قصيدة سينمائية شديدة الثراء، عرض الفيلم لأول مرة في مهرجان البندقية في دورته 76 وحصد جائزة “فيرونا” عن فئة الفيلم الأكثر إبداعاً، ضمن مسابقة أسبوع النقاد، كما توج بثلاث جوائز في ختام مهرجان الرباط الدولي لسينما المؤلف في المغرب، وهي جوائز( لجنة التحكيم أفضل فيلم وجائزة أفضل مخرج للمخرجة شهد أمين وجائزة لجنة تحكيم النقاد). وعرض في مهرجان قرطاج ومهرجان القاهرة السينمائي الدولي ضمن مسابقة آفاق عربية وتم اختياره ليمثل السعودية في سباق الاوسكار 2021.

درست ريم التصوير في معهد الفنون ببريطانيا ثم حصلت على بكالوريوس الإخراج عام 2008 وبعد عودتها للمملكة أخرجت بعض الأفلام الوثائقية مثل فيلم “دمية”، ثم الفيلم القصير “أيقظني” 2016 الذي حقق إنجازاً متميزاً للسينما السعودية بفوزه بجائزة أفضل إخراج في مهرجان مدريد السينمائي الدولي عن فئة الأفلام القصيرة، وقد نالت عنه أيضاً جائزة أفضل إخراج في مهرجان ميلان السينمائي.

هند الفهاد

من أبرز أعمال المخرجة السعودية هند الفهاد، فيلم “ثلاث عرائس وطائرة ورقية”، الذي عُرض عام 2012 في مهرجاني أبو ظبي السينمائي للمرة الأولى، و”التراث للأفلام”، إضافة إلى فيلم “مقعد خلفي”، الذي كان عرضه الأول عام 2013 في مهرجان الخليج السينمائي.

و الفهاد هي صاحبة فيلم “بسطة” الحاصل على جائزة “المهر الخليجي” للفيلم القصير كأفضل فيلم خليجي في مهرجان دبي السينمائي في عام 2015، وجائزة الفيلم الروائي القصير في مهرجان أفلام الشباب في جدة 2016.

كان أول عمل للمخرجة والممثلة عهد كامل هو فيلم “القندرجي” 2009 الذي قامت بإخراجه وتمثيل دور البطولة به أمام الممثل المصري عمرو واكد، كما فاز فيلمها “حرمة” بجائزة أحسن فيلم شرق أوسطي بمهرجان “بيروت السينمائي الدولي “، والذي قامت بإخراجه إلى جانب القيام ببطولته. وتدور أحداثه عن حرمة الحياة بكل أنواعها وليس الأنثى، حرمة البيت واليتيم والعرض، والفيلم يتكلم عن الانثى وقوة تحملها تبعات الحياة وقسوتها.

تملك السينما السعودية وجوها مشرقة وطاقات إبداعية كبيرة قطعت شوطاً كبيراً نحو التحقق في زمن قياسي، ولم تتوقف اتجاهات السينما النسوية السعودية عند الطرح النمطي لهموم الأنثى وقضايا المرأة فقط، بل كانت القضايا والمؤرقات الانسانية بشكلها الأعم، حاضرة في متن هذا المنجز المشرف الذي نتمنى أن يسير على نفس النهج.

Visited 1 times, 1 visit(s) today