ما معنى أن ناقدا لم ينجح في “تطوير أدواته”؟
أنه مازال يكتب بنفس الطريقة التي كان يكتب بها عندما كان مبتدئا أو في بداياته.. أي دون عمق ثقافي عمق في التجربة الانسانية.. فهو يعتبر السينما منفصلة عن الثقافة.. عن الفلسفة والتاريخ والدراسات النفسية والاجتماعية وجماليات الفن والمناهج والمذاهب الفنية..
أنه لم يتخلص من سطوة “الفكرة” (الأيديولوجيا)… فالمهم الإخلاص للفكرة السياسية ولا يهم الإخلاص لفن السينما نفسه!
أنه مازال ينظر فقط- إلى الرسالة الاجتماعية في الفيلم. فإن كانت الرسالة تتفق مع مفاهيمه، كان الفيلم عظيما، وإن كانت عكس مفاهيمه اعتبر الفيلم رديئا حتى لو كان جيدا جدا.
أنه يستخدم مفردات فارغة من المعنى أي لا علاقة لها بما يوجد داخل الفيلم بقدر ما هي أفكاره الشخصية يعكسها من الخارج على الفيلم.
أنه يعيد كتابة الفيلم كما لو كان قصة قصيرة، يؤلفها هو وقد يخترع ما لا وجود له في الفيلم ذاته..
أنه يتعامل مع المقال النقدي مثلما يتعامل المدرس مع ورقة الامتحان، الذي يفرز الاجابات الصحيحة والاجابات الخاطئة، وعندما يكتب عن كتاب يستخدم نفس منهج مصحح اللغة العربية الذي لا ينظر الى العمق بل الى أخطاء الطباعة على الكيبورد!
أنه يوجه للمخرج نصائح: كيف كان يجب أن يخرج فيلمه أو كيف كان يجب أن يخرج مشاهد معينة بدلا من تحليل الفيلم والمشاهد التي لا تعجبه وتبيان السبب.
أنه لا يقرأ بما يكفي عن خلفيات العمل قبل أن يتناوله، ولا يعرف تاريخ مخرجه وغير ملم كما ينبغي- بتاريخ السينما- وخصوصا الأعمال الكلاسيكية التي قامت عليها السينما… لذلك فهو يكتب عن الفيلم كما لو كان كيانا فنيا منفصلا عن تاريخ السينما في العالم..
أنه مازال يعتبر الفيلم الذي ينتج في بلده “قضية وطنية” يجب أن يدافع عنه حتى لو كان رديئا.. وهو يشجع أفلام بلده مهما كان مستواها، كما يشجع منتخب كرة القدم…
أنه لا يبحث بقدر كافٍ فيما وراء الفيلم قبل أن يكتب عنه فيكتب وكأن الفيلم جاء منفصلا عن التاريخ السابق لمخرجه وسينماه، وعن سينما العالم من حوله، في حين أن أي فيلم جديد يظهر يكون مستندا الى تراث سينمائي عمره قرن وربع من الزمان، وليس وليد اليوم، ولذلك ليس من الممكن التذرع بأنه “أول عمل” ويجب أن نغفر لصانعه أخطاء البدايات!
أنه لا يفهم أن الفيلم صورة وصوت وليس صورة فقط، ويجب أن تكون صوره واضحة والصوت فيه واضح ومفهوم، وليس مجرد همهمات خافتة لا أحد يسمعها أو يفهمها، ولا تكون الصورة غائمة شاحبة فقيرة لا تعرف ما اذا كانت رمادية أو ملونة.. وفن التصوير هو أساس فن السينما..
أنه لم ينجح في تطوير لغة الكتابة، ومازال يعتقد أن المقال النقدي التحليلي يجب أن يتحول الى مجموعة من الألغاز والكلمات العائمة الغائمة الضبابية المصطنعة الضخمة التي لا يفهمها القارئ حتى لو أعاد قراءة الجملة أكثر من مرة، لكي يوحي هو للقارئ بأنه عميق.. فهو يبحث عن الكلمات المهجورة في اللغة أو يقتبس كثيرا من أقوال الغربيين حتى لو كانت خارج السياق أو يرجع الفيلم الى مصادر في المسرح والأدب لمجرد الايهام بأنه فهمها واستوعبها في حين أنها لا صلة لها بالفيلم الذي يتناوله..
أنه مازال يستخدم تعبيرات ساذجة مثل فيلم رائع.. وتمثيل عظيم.. وإخراج مذهل.. وديكور خلاب.. وتصوير جميل.. وممثل تفوق على نفسه.. ومخرج يستخدم السهل الممتنع… فلا أحد يفهم ما هو السهل، وما هو الممتنع وعن ماذا امتنع بالضبط؟ لكن كلها تعبيرات صحفية منتشرة لا معنى لها إن لم يكن لها شرح وبيان للأسباب!