ما جدوى تحويل الأدب إلى عمل سينمائي

يراود حلم السينما دائما الأدباء من جيل الشباب بسبب ضعف العائد المادي للكُتاب العرب وأملا في تحقيق شهرة سريعة. وهناك روائيون تنافسوا على تحويل قصصهم إلى أفلام ومسلسلات بحثاً عن الانتشار، ومنهم من تعمد مناقشة قضايا مثيرة لجذب الانتباه إليه.

قبل أيام تم الانتهاء من تصوير فيلم “تراب الماس” المأخوذ عن رواية الأديب المصري الشاب أحمد مراد التي تحمل نفس الاسم وصدرت عام 2010.

يجمع الفيلم المتوقع عرضه خلال عيد الفطر المقبل، مجموعة من النجوم المصريين، وهُم عزت العلايلي وآسر ياسين ومنة شلبي وماجد الكدواني وشيرين رضا وصابرين وبيومي فؤاد وسامي مغاوري، والأردني إياد نصار، وهو من إخراج مروان حامد، في ثالث تعاون بينه ومُراد بعد فيلمي “الفيل الأزرق” و”الأصليين”.

بدأ مراد كتابة روايته الأولى “فيرتيجو” عام 2007 ونشرت في نفس العام قبل أن تترجم إلى الإنكليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية، ثُم تحولت إلى عمل تلفزيوني عرض في عام 2012، وحصلت على جائزة البحر المتوسط الثقافية من إيطاليا.

في فبراير 2010 أصدر روايته الثانية “تراب الماس” وترجمت إلى الألمانية والإيطالية، ثُم أصدر في أكتوبر 2012 رواية “الفيل الأزرق” ورشحت ضمن القائمة القصيرة لجائزة البوكر للرواية العربية عام 2014، ونشر بعد ذلك رواية “1919”، ومؤخرا ظهرت له رواية “موسم صيد الغزلان”.

فقدان القيمة الأدبية

تفتح قصص أحمد مراد باب التساؤلات حول قيمة وأهمية تحويل الأعمال الإبداعية إلى سينمائية ومسرحية، وسط نقاش لم ينته بشأن جدوى تحويل الأدب إلى عمل سينمائي قد يشوه العمل أكثر مما يضيف له.

يقول مراد “السينما الطريق الحقيقي للانتشار والخلود، والأمر ليس مُجرد بحث عن الربح”.

في عام 1952 كتب المفكر المصري الراحل عباس محمود العقاد مقالاً هاجم فيه تحويل الأعمال الأدبية إلى أعمال فنية، قال فيه “إن الأعمال الأدبية الكبيرة والقصص الرفيعة تفقد قيمتها إذا أخرجت على الشاشة، أما الأعمال الوسط أو الأقل من المتوسطة فإنها تكسب بإخراجها على الشاشة”.

لكن مُراد لا يتفق مع كلام العقاد، ويوضح أن السينما والمسرح عامل انتشار للأديب، والناس عرفوا الكثير مما أبدعه أدباء مثل نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس ويوسف إدريس وسعدالله ونوس من خلال الأعمال الفنية، مشيرا إلى أن هناك نسبة عالية من الأفلام العالمية مأخوذة عن روايات أدبية عظيمة، متسائلا: كم مرة رأيت هاملت؟ وكم عملا فنيا عرض البؤساء؟

ويجيب قائلا “أفلام عديدة صورت الأعمال الأدبية الكبرى مرات عدة وبطرق مختلفة، ولا تزال الفرصة ممكنة للمزيد من الأعمال الفنية”.

يعد الأديب المصري نجيب محفوظ الحاصل على جائزة نوبل في الأدب سنة 1988 أحد أشهر الروائيين الذين حظوا بتحويل الكثير من أعمالهم إلى أفلام ومسلسلات، وأبرزها “بين القصرين” و”بداية ونهاية” و”اللص والكلاب” و”السراب”  و”ميرامار” وغيرها، فضلا عن تحويل بعض الروايات إلى مسلسلات تلفزيونية، ومنها “قُشتمر” و”الباقي من الزمن ساعة”.

ويقول أدباء رفضوا تحويل الأعمال الأدبية إلى أفلام ومسلسلات، إن طبيعة السينما والمسرح تميل إلى التجارة وتحقيق مكاسب مادية كبيرة على حساب العمل الإبداعي وأدبياته، لذلك عندما تتحول الروايات إلى أفلام تخرج فلسفة الرواية عن مضمونها، وتصبح قصة مسلية للجمهور لا تقدم ما يقدمه العمل الأدبي من فكر ورؤية عميقة.

خالد الصاوي في لقطة من فيلم “الفيل الأزرق”

يحمل فيلم “تراب الماس” المُرتقب عرضه خلال موسم عيد الفطر المقبل، تغييرات محدودة في الأحداث عن نص الرواية، التي تدور أحداثها حول صيدلي شاب يجد عقب وفاة والده صندوقا يحتوي على مسحوق غريب، يكتشف أنه ‘تُراب ماس‘ يُستخدم في قتل البشر عند وضعه على أي مشروب.

ويبدأ الشاب طه في استخدام أداة القتل السرية للتخلص من جميع نماذج القُبح والفساد التي تُحيط بُمجتمعه، قبل أن يكتشف الأمر شُرطي ذكي لكنه فاسد، ويبدأ صراعه مع الشاب طه.

من أبرز التغييرات التي أدخلت على الفيلم حذف شخصية أم البطل طه كأنها غير موجودة في النص، وتعظيم دور لييتو اليهودي، ويقوم بدوره الفنان بيومي فؤاد، وإلغاء شخصية ياسر صديق بطل الرواية الذي يُساعد طه في صراعه مع خصومه الفاسدين

.

بالطبع هناك فروق كبيرة بين كتابة الرواية وكتابة سيناريو فيلم، يقول مراد “عندما كتبت رواية تراب الماس كنت أنا كُل شيء، لكن عندما كتبت السيناريو الخاص به أديت دورا من عدة أدوار، فهناك مُخرج له رؤية، وممثلون، وطاقم كامل، والسيناريست هو حامل دليل تحركات طاقم العمل”.

ويضيف “معايير السينما تختلف عن معايير الرواية، مثل الزمن والجمهور والحوار، لذلك تتناسب أحداث الرواية مع سنة 2008، بينما أحداث الفيلم تُناسب 2018”.

أزمة القصة

جعلت أزمة السينما المصرية الجمهور في حالة ترقب دائم لأي عمل فني كبير، وبدأت تتسع مُنذ أكثر من عشر سنوات بسبب إحجام الكثير من المنتجين عن إنتاج أفلام جيدة، ما يجعل الأفلام التجارية أو ما يعرف بـ”أفلام المقاولات” صاحبة السيادة في الساحة الفنية.

في تصور الأديب أحمد مراد، أبرز مشكلات السينما المصرية تكمن في ضعف الحكاية والسيناريو، يعني عدم وجود نصوص جيدة قادرة على إبهار المشاهد في ظل تطور التكنولوجيا ومتابعة الناس لكل جديد في العالم، والقرصنة التي تمثل  ثقبا في شباك الإيرادات؛ فكل فيلم يتعرض للقرصنة ويتاح عبر شبكة الإنترنت يُضعف إقبال الجمهور على السينما.

ويتابع ضيفنا “إذا علمنا أن دور العرض تحصل على 50 بالمئة من الإيرادات فالمُنتج يحتاج إلى عائدات لا تقل عن 40 مليون جنيه (نحو 2.1 مليون دولار) وهو متوسط تكلفة الإنتاج، وكل منتج يلجأ إلى عرض فيلمه في أسواق عربية ليحصل على إيرادات تغطي نفقاته، لأن السوق المصرية وحدها غير كافية”.

 ويرى مراد أن الحل يكمن في إتاحة الأفلام عبر شبكة الإنترنت باشتراك شهري ثابت، يدخل المُشترك ليجد الآلاف من الأفلام والمسلسلات بمقابل بسيط، مع ذلك فإن الاشتراك لا يمنع من عرض تلك الأفلام في السينما لأن هناك ثقافة الترفيه، ونحن نحتاج إليها.

وتوقف مراد عند مسألة العائد المادي، قائلا “الكتابة للسينما أكثر ربحاً من عائدات بيع الأعمال الأدبية، وأجور كُتاب السيناريو تتباين حسب تصنيف كل واحد، هناك الفئة ‘أ‘ والفئة ‘ب‘ وهكذا، وهناك ورش سيناريو قد تكون مناسبة للبعض، لكن لا أحبذها”.

وقال إن هدفه كان السينما مُنذ صغره، وهو ما دفعه إلى الالتحاق بمعهد السينما فور حصوله على شهادة الثانوية العامة، ورغم حصوله على المركز الأول على دفعته في المعهد، رفض عرضا للعمل الأكاديمي، وفضّل الانطلاق الحُر بعيدا عن الوظيفة.

تعرض أحمد مراد لحملات نقدية واسعة على شبكات التواصل الاجتماعي، بعد صدور روايته الأخيرة ‘موسم صيد الغزلان‘ بسبب تساؤلات وجودية طرحها في العمل، ووصل الأمر إلى حد اتهامه بالكفر ونشر الجنس والتأثير السلبي على الشباب.

يقول لـ”العرب” حول ذلك “لا أقلق من النقد، بل أحبه وأحترم آراء الناس، لكن الذين يتصورون أنفسهم أوصياء على الله والمجتمع والأخلاق لا يقرأون الأدب ولا يتذوقون الإبداع، لا يعرفون أن مُهمة الفن هي أن يصطدم مع القبح ويشتبك مع الجهل، ويتعارض مع التعصب، والفنان الحقيقي هو الذي يطرح سؤالا ويشحذ العقول لتُفكر ويدفع الناس إلى التأمل والبحث

Visited 29 times, 1 visit(s) today