لا مفاجآت في جوائز الأوسكار 2024

Print Friendly, PDF & Email

لم تحدث أي مفاجأة حقيقية في الإعلان عن جوائز الأوسكار الـ96 فقد حصل الفيلم الأكثر ترشيحا وهو فيلم “أوبنهايمر” الذي حصل أصلا على 13 ترشيحا، نال منها 7 جوائز هي الجوائز الرئيسية لأفضل فيلم وأفضل مخرج وأفضل ممثل وأفضل ممثل مساعد وأفضل تصوير وأفضل مونتاج وافضل موسيقى.

وكل هذا كان متوقعا بل وبدا أيضا أنه كان قرار فوزه كان “موقعا” من قبل، فهناك وراء هذا الاحتفاء بهذا الفيلم الذي أعتبره شخصيا أكثر فيلم “محبط” في 2023، رغبة عارمة داخل أروقة صناعة السينما في هوليوود، لتكريم “أمريكا” القوية التي صنعت “القنبلة” وأتاحت الفرصة لأحد أبناء المهاجرين اليهود، لكي تتجلى عبقريته، ثم شعر بنوع من الصحوة فيما بعد رغم أنه كان مصرا من البداية على أن “القنبلة صنعت لكي تستخدم”.

تكاد نتائج الأوسكار 2024 تكون نسخة مطابقة لنتائج مسابقة “الجولدن جلوبس” إذا ما استبعدنا منها الأعمال التليفزيونية. خصوصا ما يتعلق بالجوائز الرئيسية في كل الفروع.

كريستوفر نولان وجائزة أفضل مخرج

“أوبنهايمر” هو الفيلم الأسوأ في مسيرة مخرجه، فهو يستخدم بناء سرديا متوترا ينتقل انتقالات سريعة تجعل أي مشهد من المشاهد عاجزا عن تحقيق أي إشباع، كما أنه فيلم يقتضي من مشاهده الذي لا يعرف أبعاد الموضوع والفترة والتاريخ الشخصي للشخصية الرئيسية وعلاقاته الغرامية والزوجية وصراعه مع الكونغرس فيما بعد.. الخ، أن يدرس كل هذه الجوانب قبل مشاهدة الفيلم لكي لا يتوه ويضل وسط شخصيات ثانوية كثيرة، ومنها شخصيات لا قيمة لمعظمها في السياق، بل وربما تكون لها فقط بعض القيمة “التاريخية” التي لا تهم المتفرج خصوصا من لم يدرس الموضوع مسبقا. وقد سبق أن نشرت دراسة للفيلم في هذا الموقع في أكثر من ألفي كلمة، ثم نشرنا عددا من المقالات المترجمة لبعض النقاد الأمريكيين الكبار، لم يجدوا “أوبنهايمر” عملا عظيما من الناحية السينمائية بل كانت عليه الكثير من المآخذ القاتلة.

بعد أن فازت بجائزة أفضل ممثلة في مسابقة الجولدن جلوبس، ثم “بافتا” البريطانية، حصلت إيما ستون عن جدارة على الجائزة عن دورها في فيلم “كائنات بائسة” متوجة بذلك مسيرة حافلة  في العمل مع عدد من أفضل المخرجين، على رأسهم اليوناني يوغوس لانثيموس الذي كان يستحق بالتأكيد، جائزة أفضل مخرج، التي ذهبت لنولان بالطبع، وهو أمر طبيعي، فمن الطبيعي أن تمنح جائزة أفضل مخرج لمخرج الفيلم الفائز بجائزة أفضل فيلم وإلا من الذي منح الفيلم قيمته؟ هذا طبعا من حيث المبدأ وليس معنى هذا أنني أتفق على أن “أوينهايمر” هو الفيلم الأفضل، ففيلم لانثيموس هو الأفضل بدرجات أعلى كثيرا. لكن من الصعب أن يتقبله كثير من عجائز الأكاديمية الأمريكية لعلوم وفنون السينما!!   

الفائزون الأربعة بجوائز التمثيل والتمثيل الثانوي

فيما يتعلق بترشيحات أفضل ممثل ربما تميز كثيرا أداء بول جياماتي في فيلم “الباقون”، فهو يعيش مع شخصية تشبهه كثيرا، ويتماهى معها بشكل مدهش، وهي شخصية مركبة بعض الشيء، أما بالنسبة لترشيحات أفضل ممثل ثانوي، فقد تميز كثيرا بالطبع أداء روبرت دي نيرو في “قتلة قمر الزهور” لسكورسيزي، إلا أنني كنت على يقين من أن  فيلم سكورسيزي سيتم تجاهله تماما رغم تميزه الكبير في عناصر كثيرة، فهو يفتح جرحا عميقا في الثقافة الأمريكية والضمير الأمريكي، كما أنه يمكن أن تكون له إسقاطات واضحة على ما يحدث حاليا في غزة والضفة تحديدا، أي قضية التصفية العرقية والفصل العنصري.

طبعا كان طبيعيا طبقا لما هو متوقع ومقرر سلفا، أن ينال الجائزة الممثل الأيرلندي كيليان ميرفي، الذي لم أنبهر إطلاقا بأدائه لشخصية أوبنهايمر. فهو يقلد أي يحاكي ويحاول أن يتحرك ويتطلع بعينيه الزرقاويتين، ساهما، سارحا، وكأنه منوم، في     أداء “أحادي” تماما، وشخصية أحادية غير مركبة. ولابد أن أقرر هنا أنني لا أعتبر إجادة المحاكاة أو التقليد، فنا عظيما، فأداء أحمد ذكي مثلا في شخصية الرئيس السادات فيلم “أيام السادات” لم يكن مقنعا، بل كنت أشاهد طول الوقت أحمد ذكي يقلد السادات، ولأن هناك ممن أعرفهم أشخاصا يقلدون السادات أفضل من أحمد ذكي بل ربما أيضا، أفضل من السادات، لكنهم ليسوا من الممثلين ولا يدعون أنهم يمكن أن يمثلوا. التقليد والمحاكاة شيء يمكن لأي إنسان يلتقط التفاصيل في اللهجة والحركة أن يجيده، وهو من أضعف أنواع التمثيل. وهذا ينطبق أيضا على أداء برادلي كوبر في “المايسترو” أي في دور الموسيقار برنستين.

المونتاج هو أكثر عنصر أفسد متعة المشاهدة في فيلم “أوبنهايمر” لكنه فاز بالجائزة، وربما تكون الموسيقى مناسبة لكن استخدامها بالطريقة المراهقة في الفيلم أفسدت الحوار بعد أن طغت عليه. لكن الفيلم فاز أيضا بجائزة أفضل موسيقى. لا بأس، فهذه هي مسابقة الأوسكار بمقاييسها الخاصة وطبقا لمزاج أهل الصنعة في هوليوود!

لم يدهشني خروج فيلم “بنات أولفة” من المولد بلا حمص، فهو أضعف الأفلام التي رشحت في فئة أفضل فيلم تسجيلي، وهو ليس من الممكن حسب أصحاب نظرية “الوثائقي” غير التسجيلي، أن يكون، وثائقيا أو تسجيليا، بل هو فيلم هجين، يبدو مثل ألعاب الأطفال، ذو بناء مفكك مضطرب، ويفترض أنه يعالج موضوعا جادا، ولكن بأسلوب أقرب إلى التهريج السخيف. والحقيقة أن الأفلام الأربعة الأخرى (غير أولفة وأخواتها!!) كلها من أفضل الأفلام التسجيلية في العام. وقد شاهدتها كلها وكتبت عنها ونشرت المقالات لها في موقع الجزيرة الوثائقية لمن يريد أن يرجع إليها. ولا شك أن “20 يوما في ماريبول” يستحق الجائزة لشجاعته واقتحامه الجريء منطقة الحرب في قلب أوكرانيا، بالإضافة بالطبع إلى تماسكه الفني وبنائه السينمائي الجيد الذي يسيطر عليك من البداية الى النهاية.

جوناثان جلايزر مخرج “منطقة الاهتمام” على اليمين يحمل الجائزة

هناك جائزة مستحقة هي جائزة أفضل فيلم دولي أو أجنبي التي حصل عليها الفيلم البريطاني البديع “منطقة الاهتمام” The Zone of Interest للمخرج جوناثان جلايزر، وكان منافسا قويا على جائزة أفضل فيلم، وهو فيلم جديد ومبدع في أسلوبه ولغته وبنائه، رغم موضوعه القديم، أي موضوع الهولوكوست، لكنه يقدمه في سياق مبتكر تماما.

وعندي أنا أن جائزة أفضل سيناريو مباشر مكتوب مباشرة للسينما كان الأجدر أن تذهب إلى فيلم “حيوات ماضية” Past Lives الكوري البديع، لكنها ذهبت إلى الفيلم الفرنسي الفائز بسعفة مهرجان كان الذهبية “تشريح سقوط” الذي رأيت أنه سيناريو تقليدي تماما، كما أنه في معظمه يدور داخل قاعة محكمة، ويمتليء بالحوار والثرثرة. لكنه مع ذلك، يثير الاهتمام بالطريقة الجديدة التي ينظر من خلالها الى حادث سقوط رجل من شرفة منزله، وهل قتلته زوجته أو أنه سقط أم انتحر. والفيلم ينتهي دون أن يقطع باي من هذه الافتراضات، وينتصر للمرأة- أي الزوجة، التي يتم تبرئتها حتى لو كانت قد قتلته، لأن الرجل، كما رأينا خلال مشاهد الفلاش باك، يستحق الموت، خصوصا لو كان مخرج الفيلم، امرأة أيضا!

“كائنات”، أو “أشياء بائسة” Poor Things كان بالتأكيد يستحق جائزة أفضل تصوير، لكنه فاز على أي حال بجوائز تصميم الإنتاج (صورة الفيلم بتفاصيلها)، والملابس والماكياج وتصفيفات الشعر، بالإضافة بالطبع إلى جائزة أفضل ممثلة لإيما ستون التي تستحقها عن جدارة، ولا يمنع هذا من القول إن أداء ليلي جلاستون كان أداء عظيما في “قتلة قمر الزهور”، وكان يمكن أن تنتزع الجائزة لو كانت هناك أصلا رغبة في منح أي جائزة لفيلم سكورسيزي. وقد نشرنا مقالا سابقا على هذا الموقع عن تاريخ سكورسيزي المقتضب مع مسابقة الأوسكار يمكن للقاريء الرجوع إليه.

أما “باربي” فلم يحصل سوى على جائزة أفضل أغنية في فيلم سينمائي.. وكل عام وأنتم بخير!

Visited 7 times, 1 visit(s) today