كمال رمزي يكتب عن “قبل زحمة الصيف”
لمحمد خان، ولع دقيق بالفاشلين، يحبهم، يحنو عليهم، يهتم بهم، لا يقدمهم على نحو متورم الأحزان، لكن يرى فى حكاياتهم ما يستحق الاقتراب، المتابعة، التأمل، إنهم، عنده، يتمتعون بسحر خاص، حتى إنه، فى سابقة لم تحدث من قبل، كتب على الشاشة، فى افتتاحية «سوبر ماركت» تحية تقول «من أحد الفاشلين، إلى كل الناجحين».
فى أحدث أفلامه، ينجلى أسلوبه، بنزعته الشاعرية، كاملا.. بأخذ أبطاله، بإخفاقاتهم، ليذهب بهم، إلى شاطئ بحر، لا يغادره، طوال خمسة أيام، متسللا، لماضيهم، متلمسا، وضعهم الاجتماعى، فضلا عن مكوناتهم النفسية.. إلى جانب الالتزام بوحدتى الزمان والمكان، يختار خان توقيتا نموذجيا فى وداع الربيع، قبل غزوة المصطافين، وزحامهم.
شخصيات الفيلم قليلة، لا تتجاوز أصابع الكف الواحد، ينهض من بينهم الدكتور يحيى القاضى، بأداء يجمع بين البساطة والعمق، من ماجد الكدوانى، الذى تعشقه الكاميرا، سواء كان متأنقا، لامع البشرة، مصفف الشعر، أو مهلهلا، نابت اللحية، مجعد الشعر، كما هو أمامنا، الآن.. مظهره يدل على مخبره، بدين، خامل، روحيا على الأقل، فأقصى ما يقوم به، رش الزرع، مراقبة جارته، شراء السمك لتجهيز وجبة.. إنه أكول، لا يخلو من بلادة، يتابع أخبار التحقيقات بشأن المستشفى التى يديرها، المهداة له من والد زوجته.. الدكتور يحيى رجل خمسينى، يودع ربيع العمر يعيش مع زوجة بدينة «لانا مشتاق»، سيئة المزاج، لا تكن له احتراما، فالواضح، برغم تستر محمد خان عليه، يتصرف على نحو يزعجها، بالإضافة لإحساسها بالاستغلال تجاهه، أخلاقيا وطبقيا، إنه فاشل اجتماعيا ومهنيا.. بلا أصدقاء، يعتمد على صغار الأطباء.
فى المقابل، ثمة جارة كبينته، المترجمة، هالة سرى «هنا شيحة»، التى لا تقل عنه فشلا، فهى مطلقة، تحاول السيطرة على ولديها، المراهقين، بلا جدوى، تذهب إلى الشاطئ الخالى بدافعين، استكمال ترجمة كتاب، ولقاء عشيقها، الممثل، هشام صالح «هانى المتناوى»، كى تقضى معه وقتا سعيدا.. طبعا، تفشل فشلا مزدوجا، لا تترجم جملة واحدة، وينقلب اللقاء الحميم، المأمول، مع المعشوق، إلى صراع وفراق لا رجعة فيه.
بناء الشخصيات إجمالا، على قدر كبير من المتانة والتفهم، الأمر الذى يحسب للكاتبة الجديدة، غادة شهبندر، المعتمدة على فكرة محمد خان.. وربما يكون الممثل، هنا، من النماذج الموجودة فى الواقع، الغائبة عن شاشة السينما. إنه رجل أربعينى، يعيش فنيا فى منطقة رمادية.. لا هو مجرد «كومبارس»، ولا نجم.. الآخرون، يشبهون عليه، لكن لا يتذكرونه، مما يجعله شديد التوتر، يشعر أن قطار الشهرة على وشك أن يفوته، لذا، هو عصبى المزاج، متوتر، وصولى اقترض من المترجم مبلغا من المال.. وكالعادة، يتستر خان على أبطاله، فلم يقل لنا حجم المبلغ، لكن ثأر منه، حين جعله أصلع.. الباروكة، انزلقت من رأسه عندما حاول إنقاذ المترجمة من الغرق.. وها هو، بإلحاح، يطلب من مسئول الملابس والماكياج، فى الفيلم الذى يصوره، تجهيز باروكة طبق الأصل، احتراما للراكور.
ثمة ممثل جديد، جيد الأداء، اسمه «أحمد داود»، يؤدى دور «جمعة»، العامل المؤقت فى القرية السياحية، المراهق، الذى يتمنى المترجمة، يدخن من سجائرها التى سرقها، يمنحه خان مشهدا تخيليا، يختلى فيه بالجميلة، هالة سرى.
«قبل زحمة الصيف» يتهادى، رقيقا، ناعما، بلا أحداث كبيرة أو مباغتة، يعتمد بناءه على وقائع صغيرة، ومواقف من قلب المكان، فضلا عن علاقات كاشفة، تبين بجلاء طبيعة مجموعة بشرية، لكل منهم فشله الخاص، يتجسد بنعومة، بعيدا عن صخب الانفعالات.. إنه عمل تأملى ناعم، قد يحتاج فى تذوقه لمزاج مدرب على التعامل مع فن تشيكوفى، ينتمى له محمد خان.