قراءة في جوائز الدورة العاشرة لمهرجان طنجة للفيلم القصير
عندما تحكم النساء.. وتفوز أيضا
عقد كامل مر على انطلاق أولى دورات مهرجان الفيلم القصير المتوسطي الذي يقام في مدينة طنجة المغربية تلك المدينة العتيقة التي تشبه (اول العناق) كما كتب عنها أحد شعراء العالم القديم ذات مرة عندما ذهب لينظر من كهف هرقل الشهير الكائن فوق جبالها ليرى اين تنتهي الدنيا ويبدأ الخيال.
إحدى وعشرون دولة متوسطية هو عدد الدول المشاركة في الدورة العاشرة هذا العام. الرقم يبدو غريبا وغير متوقع. وهل يحتوي اهم بحار الأرض في التاريخ الانساني على إحدى وعشرين دولة تطل عليه وتصب فيه انهارها وتصعد منها سحب امطارها ويستحم فيه العشاق ويستلهمون منه الشعر وكروت البوستال السياحية!
من الشمال لدينا فرنسا واسبانيا والبرتغال واليونان وايطاليا وسلوفينيا وصربيا والبوسنة والجبل الاسود وكرواتيا والبانيا وتركيا ومن الشرق لدينا سوريا ولبنان وفلسطين، ومن الجنوب مصر وتونس والجزائر واخيرا المغرب ومن منتصفه جاءت افلام قبرص ومالطا.
اثنان وخمسون فيلما قصيرا اشتركت في مسابقة هذا العام منها اعضاء نادي الخمسة افلام وهو اقصى عدد من الأفلام تسمح به لائحة المهرجان للدولة الواحدة وهي بالترتيب المغرب وفرنسا واسبانيا وتركيا بينما انضمت مصر إلى نادي الفيلمين بمشاركة “حدوتة من صاج” لعايدة الكاشف و”بحري” لأحمد غنيمي ومعها فلسطين ولبنان وكرواتيا وتونس والجزائر.
كانت المغرب وفرنسا واسبانيا تحتكران نادي الخمسة افلام منذ دورات كثيرة سابقة, المغرب بحكم انها الدولة المضيفة والمنتجة سنويا لاكثر من خمسين فيلم روائي قصير سواء بدعم من الدولة(المركز السينمائي المغربي) أو عبر افلام الطلبة والمعاهد السينمائية الخاصة، وفرنسا بحكم النفوذ الفرانكفوني والصلة العضوية بينها وبين المغرب، واسبانيا بحكم الأفق الجغرافي والروابط الثقافية خاصة في مدينة كطنجة تنافس فيها الثقافة الأسبانية المد الفرانكفوني المتجذر في المجتمع المغربي.
إلا أن تركيا استطاعت خلال السنوات الأخيرة أن تصبح عضوا دائما في نادي الخمسة افلام بعد أن اثبتت ان لديها اكثر من مجرد تجارب ناجحة بل القدرة على صناعة افلام قصيرة توازي في مستواها الفني والشعري والجمالي افخم الأفلام الطويلة واكثرها كلفة على المستوى السينمائي والفكري.
وكان الفيلم التركي “دراجة” إخراج أ. سرحات كرسلان قد انتزع الجائزة الكبرى للمهرجان العام الماضي وحظيت تركيا هذا العام بالسعفة الذهبية في مهرجان كان عن فيلمها القصير “صمت” للمخرج الشاب ريزان يلزباس والذي شارك ضمن المسابقة الرسمية لدورة مهرجان طنجة هذا العام وانتزع جائزة التمثيل للممثلة بلسيم بيلجان.
ولا يمكن بالطبع اغفال المشاركة اليونانية والإيطالية، وكلاهما من صناع الأفلام القصيرة اصحاب الخبرات والتجارب الممتعة وكانت اليونان قد انضمت من قبل لنادي الخمسة افلام إلا انها هذا العام تراجعت إلى دائرة الأربعة ولم تتمكن من حصد اي جوائز رغم مستوى الافلام الجيد وطزاجة التجارب المقدمة.
رأس لجنة تحكيم المهرجان هذا العام المخرج المغربي لحسن زينون وضمت في عضويتها المخرجة إيزابيل بوني كلافريوهي فرنسية من اصل ايفواري والأسبانية مونتسيرا غيو فالس رئيسة المهرجان الدولي لهويسكا، والمخرجة الجزائرية صافيناز بوصبية صاحبة الفيلم الوثائقي الأشهر “الجوستو”، والناقدة السنغالية أومي ندور بالإضافة إلى الناقد السينمائي علي حجي والإعلامي عمر سليم وكلاهما من المغرب.
بالنظر إلى لجنة التحكيم هذا العام نجد ان العنصر النسائي ونستطيع ان نقول الشاب ايضا هو المسيطر عليها فمن بين ستة اعضاء اذا ما استثنينا رئيس اللجنة هناك اربعة إناث من العاملات في مختلف قطاعات السينما ما بين الاخراج والانتاج والسيناريو والنقد وادارة التظاهرات السينمائية فهل كان لطبيعة الحضور النسائي الوافر في اللجنة اثر في اختيارات الافلام الفائزة؟
ربما يصلح هذا السؤال كمدخل لتحليل جوائز الدورة العاشرة اكثر مما يصلح لطرح قضية عامة في مسألة هوى لجان التحكيم وتأثير نوع بعينة له الأكثرية داخل اللجنة سواء على المستوى الأيديولجي/ الثقافي او البيولوجي على حد سواء.
الجوائز
حتى الدورة الثامنة كان المهرجان يمنح ثلاثة جوائز فقط هي الجائزة الكبرى وجائزة لجنة التحكيم الخاصة وجائزة السيناريو وبدءا من الدورة التاسعة اضيفت جائزة جديدة هي جائزة احسن اخراج ليصبح مجموع الجوائز170 الف درهم وكانت توزع كالآتي: ستين الف درهم الجائزة الكبرى وخمسين الف درهم جائزة لجنة التحكيم واربعين الف درهم جائزة الأخراج وثلاثين الف درهم جائزة السيناريو. (الدولار يساوي 8 ونصف درهم تقريبا).
اما في الدورة العاشرة هذا العام فقد استحدثت ثلاثة جوائز جديدة هي جائزة احسن دور رجالي واحسن دور نسائي وجائزة الدورة العاشرة للمهرجان ليصبح مجموع الفائزين سبعة بالأضافة إلى جائزة الشباب والتي تمنحها لجنة من المخرجين المغاربة المشاركين في التظاهرة السنوية التي تقام على هامش المهرجان وهي بانوراما الفيلم المغربي القصير وافلام المدارس والتي ضمت هذا العام 46 فيلما من مختلف التوجهات الفكرية والانتاجية والسينمائية لصناع السينما المغاربية القصيرة.
النفوذ النسوي
النصيب الاكبر من جوائز المهرجان له علاقة مباشرة وغير مباشرة بالمرأة او بالنفوذ النسوي للانثى سواء في الأفلام او في لجنة التحكيم وهو ليس اتهام بالميل او عدم النزاهة ولكنه قراءة للنتائج من واقع المقدمات المفترضة.
حصل الفيلم الأيطالي”حمولة” للمخرج كارلو سيروني على الجائزة الكبرى للدورة وهو من إنتاج 2012 وتدور احداثه في نهار واحد من الغروب للصباح حول شاب يعمل مساعد قواد يقوم بتحميل عدد من الفتيات في احد السيارات لنعرف انهم مجموعة من العاهرات في طريقهم إلى الشارع كي يتم المتاجرة بهن ولكن عندما يعلم هذا المساعد الشاب ان رئيسه القواد تاجر الرقيق ينوي ان يبيع بعضهم يقتله ويقوم بتهريب احداهن بعد ان حدث بينهما ذلك التجاذب العاطفي الانساني الرقيق الذي ينتهي بهرب الفتاة/ الحمولة.
في المشهد الاول يبدا الفيلم بالعاهرة الأوكرانية الشابة تجلس على مقعد الحمام تقضي حاجتها قبل ان تنهض لتعدل من تنورتها القصيرة هذا المشهد يُدخل المتفرج مباشرة ليس فقط إلى واقع الفتاة لكن إلى اعماقها.
انه مشهد هاتك للسر، فاضح يدل على ان هذه المرأة ليست لها كرامة او قيمة حتى ان الكاميرا نفسها تفضحها علنا وفي كادر واسع مباشر وليس كادر متلصص هذه المرأة نفسها نراها في المشهد التالي يتم تحمليها مع اخريات في عربة نقل بأسلوب اشبه بتحميل الغنم، انهم مجرد شياه ينقلون من محبسهم إلى المجازر كي يتم ذبحهم وسلخهم ولكنهم يعودون للحياة في اليوم التالي لتستمر دورة الذبح والسلخ والالتهام.
هذا فيلم يعتمد على النظرات فاللغة المشتركة غائبة والعالم الشاذ الغريب يجعل من المشاعر الطبيعية اسرارا دفينة, ففي الوقت الذي تمارس فيه الفتاة الجنس مع احدهم نشاهد المساعد الشاب وهو يتلصص عليها ومن وجهة نظره لا ترينا الكاميرا جسدها بل فقط وجهها الجميل وهو يتلقي جسدا غريبا بداخلها انه كادر يحب هذا الوجه ذو الشعر الاصفر ولا يشتهي الجسد الذي لا يعنيه.
بعدها تلومه الفتاة على التلصص عليها, توبخه فينظر لها في صمت وكأنه يخشى ان يعترف بميله او اعجابه, لو كان الوضع بينهما طبيعي، لو كانت هي مجرد فتاة وهو مجرد شاب لما تحولت المشاعر الجميلة إلى اسرار خانقة تدفع صاحبها للقتل، بل ان قتل المساعد الشاب للقواد تاجر الرقيق يأتي هنا في محاولة لاعادة الامور إلى نصابها, لكنه في النهاية يترك الفتاة لتهرب نحو مصير مجهول ربما تعود فيه إلى العمل كعاهرة مع قواد اخر وربما تعمل في مهن اخرى المهم انه انقذها واطلق الحمولة او لنقل الحمل عن اكتافه.
اما اشارة الفتاة لكونها اوكرانية فهي اشارة سياسية واضحة لمصير أمم باكملها اكلتها مفرمة الرأسمالية الزائفة بعد انهيار المعسكر الشيوعي قبل ربع قرن، لقد ترك السوفيت ارثا او حمولة ضخمة لأوروبا ناءت بحملها وتحولت دول باكلمها إلى مجرد مصدرين للرقيق من النساء واللحم الأبيض وهو مغزى سياسي لا يغيب عن المتلقي المدرك لطبيعية الأشارات الدرامية عن روسيا واوكرانيا على لسان الفتاة حين سألها الشاب ماذا كانت تعمل هناك قبل ان تأتي إلى ايطاليا.
مظلة الحقيقة
اما جائزة الأخراج فذهبت إلى فيلم” المظلة” للمخرج الكرواتي يوري بافلوفيتش وهو فيلم عن امرأة ايضا “تيا” التي تطرق الباب على صديقها متحججة انها نسيت مظلتها وعبر حوار يبدو عاديا وموقف عابر تتفجر كل تفاصيل العلاقة بينهم في اربعة مشاهد او لقطات طويلة بأسلوب اللقطة الواحدة فالفيلم كله البالغ مدته الزمنية 17 دقيقة مكون فقط من اربع لقطات تفصل بينهم مساحات اظلام تفرق ما بين الحالة والاخرى.
اختار المخرج ان يتم تقديم البطلة في كادر متوسط ضيق وكأنه لا يوجد غيرها في الفيلم رغم ظهور صديقها احيانا عندما يتم تغيير حجم الكادر على الهواء -كما يقال- دون قطع مونتاجي، انه يحوط بطلته بكل الثقل البصري لان الفيلم في النهاية عن امراة, عن حالات المرأة الاربعة مع الرجل والتي تبدأ بالخضوع فالمصارحة فالاسترحام فالتمرد, ان المظلة هنا ليست فقط مجرد سبب لصعود تياط إلى حبيبها بل هي دلالة درامية على حالة المكاشفة والتعري الكامل وكأنها كشف للمستور او المظلل.
وقد توقع البعض فوز هذا الفيلم بجائزة احسن دور نسائي حيث قدمت الممثلة مايا بوزافيك الحالات الأربعة بأربعة وجوه مختلفة واربعة عيون واربعة ملامح لاربعة نساء معتمدة على اداء تصاعدي يكفله لها نظام اللقطة الواحدة الذي لا يفصل الممثل عن الشحنة الانفعالية التي يخرجها من داخله ولكن لجنة التحكيم ارتأت ان تمنحه جائزة الاخراج ربما لأنه اخرج من المرأة/ الممثلة اكثر مما كان متوقعا او منتظرا من فيلم لا يحتوي سوى على ادم وحواء.
نظرات أخرى
من تركيا حصلت الممثلة التركية ونتصور انها كردية الأصل بلسيم بيلجان على جائزة احسن دور نسائي وذلك عن فيلم “صمت” للمخرج الشاب ريزان ييلزباس انه ايضا فيلم عن النظرات ومن هنا ياتي عنوانه المجرد”صمت” وليس”الصمت” وهناك فرق كبير بين تعريف العنوان وتنكيره فالتنكير يكسب الكلمة تجريدا يفتح افق التأويل ويسوع من مدارك المتلقي في التقاط الأشارات الدرامية والسينمائية داخل الفيلم.
ديار بكر منطقة على الحدود ما بين العراق وتركيا حيث تذهب الزوجة زينب عام 1984 لتزور زوجها المسجون السياسي في احد السجون التركية المشكلة ان زينب لا تتحدث سوى الكردية بينما تمنع السلطات التركية اي حديث بين المسجونين وذويهم إلا بالتركية فالكردية ممنوعة سواء كهوية او لغة وبالتالي يكون على زينب ان تنقل لزوجها اخبار اطفالهم الثلاثة وتطمئنه عليهم وتطمئن عليه فقط عبر نظرات العيون والصمت المعبأ بالكلمات والمشاعر.
عبر 14 دقيقة هي مدة الفيلم يبدو صمت الزوجة جزء من الحالة العامة التي تعيشها تحت وطأة اعتقال الزوج وحرمانة من اسرته, انها تبدو كمن يتدرب على الصمت تمهيدا للقاء, منذ المشاهد الأولى لا نراها تتحدث كثيرا, فقط تخرج الأصوات من عينيها الحزينتين اصوات افكارها وهي تختار الحذاء الذي سوف يتم تهريبه للزوج واصوات مشاعرها بالحرمان والشوق عندما تراه واصوات الخوف والترقب وهي تحاول ان تمرر له الحذاء الجديد عبر ارتدائه في قدميها وخلعه ببطء تحت المائدة التي يجلسون عليها كي يتبادلوا الاحذية فتأخذ هي القديم من قديمه ويلبس هو الجديد الذي ترتديه هي كي تهربه.
الصمت هنا ليس فقط صمت الشفاه ولكنه صمت العالم عن هذه الممارسات الغير ادمية التي تمارسها الحكومة التركية ضد الأكراد منذ سنوات طويلة حتى لدرجة ان تمنع اللغة بين البشر كي تجبرهم على تغير هويتهم والصمت ايضا هنا دلالة شعرية على ان العالم يمكن ان يستمر دون كلام لو كان القلب ملئ بالمشاعر وان الانسان حتى لو منع من ابسط حقوقه وهو الكلام فإن احاسيسه وافكاره لا يمكن ان تمنع من الأنتقال عبر اللمسة ونظرة العين.
وأخيرا هو فيلم عن صمت المرأة التي تحمل هما عظيما لكنها تظل تحتمله في صمت وجلد دون ان تشتكي او تضعف بل تثابر من اجل ان تكمل الحياة وتعوض غياب زوجها وحرمانها منه.
الليلة الأخيرة.. كلاكيت ثاني مرة
للمرة الثانية على التوالي تفوز الكاتبة والمخرجة المغربية الشابة مريم التوزاني بجائزة احسن سيناريو عن فيلمها الليلة الاخيرة وكان قد سبق لها الحصول على جائزة احسن سيناريو في مهرجان طنجة الوطني في يناير الماضي.
عنصر نسائي أخر ينتزع احد جوائز المهرجان الهامة بموضوع يدور حول وضع المراة في المجتمعات التي صعد فيها الأسلام السياسي فصار الناس إلى الدجل والخرافة بدلا من صحيح الدين وتفهم شروطه واحكامه.
الليلة الاخيرة يدور حول فتاة صغيرة تمنع من الدخول على جثة جدها المتوفي عند تغسيله وبعد تكفينه هي وأمها بحجة ان الملائكة سوف تغادر الغرفة وان الرجل في يتعرض للعذاب في موته وقبره, وبينما تنصاع الأم لتلك الخرافات الغريبة التي لا تستند إلى صحيح الدين لا تجد الفتاة الصغيرة منقطا عقليا ولا انسانيا يمنعها من البقاء بجانب جثة جدها في ليلته الأخيرة قبل الدفن وفي الوقت الذي يقوم اخواتها الصبيان بجر جثة الجد من الغرفة المسجى فيها إلى المطبخ كي يتمكنوا من لعب البلاي ستيشن في المساء كما تعودوا كل ليلة تقوم الفتاة بوضع الطاقية الصوف على رأس جدها خوفا من اصابته بالبرد بعد ان مدده اخوتها على بلاط المطبخ ثم تحضر بطانية كي تتغطى معه بها وقد اضاءت المطبخ بالشموع لانها تعلم ان الجد لم يكن يحب أن ينام في الظلام.
سيناريو رائع وشديد الحساسية من امراة تعاني وتدرك طبيعة القهر الممارس على المراة في مجتمعات التدين السطحي والاخذ بالقشور حتى انه يمنع طفله صغيرة من قضاء ليلتها الأخيرة مع جدها لمجرد انها تحمل رحما بين ساقيها وليس قضيبا.
وبهذه الجائزة تكون النساء قد انتزعن اربع جوائز من اصل سبعة جوائز تمنحها لجنة التحكيم لأفلام المسابقة وما يتبقى للرجال سوى جائزة احسن دور رجالي والتي حصل عليها الممثل العجوز ريشات اربانا عن دوره في الفيلم الألباني الوحيد المشارك بالمسابقة”ما وراء النهر”إخراج صابر كناكي والذي قدم فيه شخصية رجل يحاول منع الناس من عبور جسر متهالك إلى الجزيرة التي يقيم فيها خوفا عليهم من انهيار الجسر والموت رغم أنه في أمس الحاجه للتواصل مع البشر.
وكذلك جائزة الدورة العاشرة وهي جائزة تكريمية اكثر منها جائزة فنية وحصل عليها المخرج الأمريكي الكبير تيري جيليام عن فيلمه الأيطالي “عائلة باكملها” وجيليام بالطبع هو صاحب الفيلم الأيقونة “إثنا عشر قردا” أحد ايقونات السينما الأمريكية في السنوات العشرين الأخيرة وتأتي الجائزة اقرب لتحية المخرج أو لرد التحية التي قدمها للمهرجان قبل عرض فيلمه في شكل رسالة مصورة اعتذر فيها عن عدم الحضور وتمنى التوفيق للجميع.
اهداء مريب
أما جائزة لجنة التحكيم الخاصة فذهبت لفيلم “كيف ما يقولوا” للمخرج الشاب هشام عيوش الأخ الأصغر للمخرج المغربي نبيل عيوش صاحب فيلم”يا خيل الله” الذي شارك هذا العام في مهرجان كان.
انه فيلم يحكي عن اب يكتشف اثناء بقيامه برحلة مع ابنه ان الأبن يصارحة بأنه مثلي الجنس ويدخل الاب والابن كلاهما في رحلة مكاشفة وعذاب تنتهي بالتصالح بينهم حيث يقبل الأب ابنه في شفتيه وبعدها عندما يتصور الأبن انه تقبله يقتله الأب مغرقا اياه في الماء.
مستوى الفيلم بصريا متواضع كما انه يحتوي على حالة من الغرائبية او التجريد التغريبي حيث تدور الاحداث كلها في غابة واسعة يمارس فيها كل من الأب والأبن شقائه وعذابه, فالأبن يصاب بحالة هستيرية من جراء رغبته في ممارسة شذوذه حتى اننا نراه يضاجع الأرض وكأنه ينتقم منها او يعلن عن شهواته دون مواربة.
اما الأب فنراه يحاول الصلاة فلا يتذكر الأذان ولا الآيات واخيرا عندما يربط الأبن نفسه مصلوبا على شجرة وكأنه مسيح يعلن تضحيته فوق صليب المجتمع او استسلامه لامر الأب نجد الأب يتقبله ويقبله في فمه قبلة غريبة وغير مفهومة تلقي على الأب هو الاخر ظلال الشذوذ فهي ليست ابويه على الأطلاق وربما اراد بها المخرج ان يقول ان الأب تقبل شذوذ الأبن حتى انه قبله من فمه ثم استحم معه في البحيرة الجميلة وقتله.
الغريب ان الممثل الذي قدم دور الأب عبد السلام بنواشة وتسلم جائزة الفيلم حمل رسالة من المخرج للجمهور وكأن المخرج كان يعلم انه سيفوز فقام بتحضر تلك الرسالة التي اهدا فيها الجائزة للمثليين جنسيا الذين لا يستطيعون ممارسة حياتهم في العلن بشكل طبيعي نتيجة نظرة المجتمع لهم وان عليهم ان يعيشوا حياتهم يغض النظر عما يمكن ان يقوله الناس عنهم.
هذا الاهداء المريب الذي القى بعض الشك حول مصداقية الجائزة افسد ايضا تأويل الفيلم الذي كان من الممكن ان يخرج من فكرة كونه يدافع عن الشذوذ إلى كونه يتحدث عن الاشخاص المصابين بظروف نفسية تمنعهم من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي خوفا من نظرة المجتمع او ما يقوله الناس عنهم ولكن الاهداء يقصر الفيلم على نموذج الشواذ ويدافع عنهم بدون مبرر او موقف واضح ولكن بشكل اقرب للدعاية الفجة بحجة التحرر والتفتح والتمرد.